أثار إعلان منصة «بلوسكاي» عن إتاحة فتح حسابات عليها للجمهور كافة، من دون الاقتصار على أصحاب الدعوات، تساؤلات بشأن قدرة المنصة على المنافسة في سوق تطبيقات التواصل الاجتماعي، وما إذا كان من الممكن أن تكون بديلاً لـ«إكس» (تويتر سابقاً). وفي حين يرى بعض الخبراء أنه ما زال من المُبكر الحكم على خطوة «بلوسكاي»، قال آخرون إن لدى «بلوسكاي» مزايا قد تكون جاذبة للجمهور.
هذه الخطوة أتت بعد نحو سنة من اعتماد المنصة على نظام الدعوات وسيلة وحيدة لتسجيل الحساب، ومن ثم أعلنت خلال الأسبوع الماضي، عن إتاحة التسجيل للجمهور من دون دعوة. والجدير بالذكر أن «بلوسكاي» تعد واحدة من منصات التدوين المصغّر، وكان ينظر إليها منذ إطلاقها على أنها يُمكن أن تكون بديلاً لمنصة «إكس»، لا سيما أن مؤسسها جاك دورسي، كان المؤسس المشارك لـ«تويتر» سابقاً.
وحقاً، تتمتع منصة «بلوسكاي» بسمات منصة «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019، عندما أعلن دورسي - وكان وقتها لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» (إكس حالياً) - عن تمويل الشركة لتطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022، تحوّلت «بلوسكاي» إلى شركة مستقلة.
ومنذ الإعلان عن نسختها التجريبية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حظيت المنصة بتفاعل ومشاركات واسعة، زادت مع بدء تحميلها على الهواتف الجوالة العام الماضي، حتى إن موقع «بيزنس إنسايدر»، ذكر بتقرير نشره في مايو (أيار) الماضي، أن «الرئيس الأميركي جو بايدن لم يتمكن من الحصول على دعوة للانضمام إلى (بلوسكاي)، وأنه سجل في قائمة انتظار تضم 1.9 مليون شخص للحصول على الدعوة». وهنا نذكر أن منصة «بلوسكاي» تقدّم نفسها بوصفها «منصة تواصل اجتماعي لا مركزية مفتوحة المصدر»، ما يعني أنه لا يُمكن السيطرة عليها من قبل جهة أو شركة معينة، وبإمكان أي شخص المساهمة في تطويرها.
الدكتور حسن عبد الله، نائب رئيس جامعة شرق لندن بالعاصمة البريطانية، أشار في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «كثيراً من المستخدمين لمنصات التواصل الاجتماعي سارعوا بالتسجيل في منصة (بلوسكاي) فور إعلان إتاحتها للجمهور». وأرجع عبد الله ذلك إلى «تطلع مستخدمي منصات التواصل لاستكشاف مميزاتها والبحث عن بديل لمنصة (إكس)، التي فرض مالكها إيلون ماسك قيوداً عليها، لا سيما مع التشابه الكبير بين المنصتين».
ولخّص عبد الله مزايا «بلوسكاي» في «سماحها للمستخدم بنقل بيانات حسابه إلى أخرى، ما يعني أنه يمكنهم الوصول إلى جميع المنصات من خلال حساب واحد». وأردف أن «(بلوسكاي) منصة لا مركزية، ما يجعل بيانات المستخدم بعيدة إلى حد ما عن سيطرة الشركات التي تستغلها في أنشطة تسويقية»، بحسب عبد الله.
مزايا أخرى أشار إليها نائب رئيس جامعة شرق لندن، منها «إمكانية التحكّم في الحوار، إضافة إلى إمكانية حظر حسابات معينة، والتحكم فيما تريد مشاركته مع الآخرين». وقال إن «هذه التطورات في منصات التواصل تحفز على المنافسة، وتزيد من حرية الاختيار للمستخدم». ولكن، في المقابل، يرى عبد الله أنه «من المُبكر القول إن (بلوسكاي) ستكون بديلاً عن (إكس)، بسبب العدد الهائل لمستخدمي (إكس)، إلى جانب البعد التجاري الخاص بالشركات المطورة لهذه المنصات».
وبالفعل، قبل إتاحة التسجيل فيها للجمهور، سجل لدى المنصة نحو 3 ملايين حساب، وما إن فُتح باب التسجيل في «بلوسكاي»، حصدت المنصة نحو مليون مستخدم جديد في يوم واحد، ما لفت أنظار متابعين لها، وسط ترقب لحجم نموها في الأيام المقبلة. غير أنه بالرغم من ذلك، تواجه «بلوسكاي» تحدياً لإثبات قدرتها على الصمود أمام منصات مماثلة مثل «ثريدز»، بعدد 130 مليون مستخدم نشط شهرياً، أو حتى «ماستودون» بـ1.8 مليون مستخدم نشط.
وهنا يعلّق محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصّص في الإعلام الرقمي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن «منصة (بلوسكاي) ستواجه معركة شاقة للحاق بركب (إكس)، بخلاف المنافسة مع منصات موجودة راهناً مثل (ثريدز) و(ماستودون)»، ويضيف: «جمع (بلوسكاي) نحو 3 ملايين حساب قبل الإطلاق الرسمي يمثل دفعة قوية، لأنهم قد يكونون مستخدمين نشطين خلال أيام... ثم إن المنصة تتميز بميزتين تنافسيتين جداً مع المنصات الأخرى، مثل بروتوكول (إيه تي)، الذي يسمح للمطوّرين بإنشاء خوادم خاصة بهم، بجانب ميزة الإشراف على المحتوى والبحث في أماكن العلامات التجارية، وهي ميزات تجارية أكثر منها للمستخدمين العاديين، قادرة على منافسة مركز قوة (إكس) في جذب شركات الإعلانات».
ومن جهة ثانية، يلفت فتحي إلى أن «الرهان سيبقى على الاستمرارية والقدرة على مواجهة ملايين المستخدمين في أيام قليلة، وطرح ميزات تنافسية باستمرار، لجعلها منصة مفضلة ضمن منصات كبيرة في السوق حالياً ولديها إمكانات ضخمة. لكن مثل تلك الإمكانات غير موجودة حالياً في (بلوسكاي)، ولن تتوافر إلا إذا حدث تغيير بدخول مستثمرين أو إنفاق المزيد على الدعم الفني وتعيين موظفين بكفاءة عالية لإقناع مئات الملايين حول العالم باستخدامها».
ومن ثم، شدد محمد فتحي على أنه «لا يزال من المُبكر الحكم على تجربة (بلوسكاي)، خصوصاً أن (ثريدز) المدعومة من مجموعة (ميتا) بكل إمكاناتها الضخمة لم تستطع منافسة (إكس)». لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن «وضع (بلوسكاي) الحالي وإمكاناتها يجعلان من الصعب عليها منافسة تطبيق عمره يقارب 20 سنة. إلا أن (تويتر سابقاً) نفسها لم تُعرف أو تنتشر إلا بعد سنوات من إطلاقها».
وحقاً، أحدثت «بلوسكاي» مع إطلاقها ضجة كبيرة، وجذبت منذ أبريل (نيسان) الماضي، انتباه شخصيات شهيرة في مجالات عدة، بحثاً عن مزيد من الخصوصية، من بينهم النائبة اليسارية في مجلس النواب الأميركي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التي يتابعها أكثر من 13 مليون شخص على «إكس». وفي هذا السياق، ذكر بنيامين مونرو سميث، خبير استراتيجيات «السوشيال ميديا» بأستراليا، في مدونته خلال الأسبوع الماضي، أن «منصة (بلوسكاي) توفر حالياً فرصاً فريدة للأكاديميين الجامعيين للتواصل مع جماهير جديدة وعرض الأبحاث وبناء ملفات تعريف احترافية». وأضاف أن «الجمهور راهناً ربما يتركز في الولايات المتحدة، لكن مع فتحها للجمهور هناك فرص للتوسع بسرعة... فالمنصة ما زالت قيد التطوير الأمر الذي يتطلب مراقبتها لمعرفة إلى أين ستصل، ومن ستستقطب».
في أي حال، خلال الفترة الأخيرة برزت تطبيقات متعددة، ظن البعض أنها قد تكون بديلاً للتطبيقات الحالية، لكن هذا لم يحدث، وإن حظيت ببعض الشعبية والجماهيرية في بداياتها، مثل تطبيق «كلوب هاوس»، و«تروث سوشيال»، و«ثريدز»، وغيرها.
وفي الشهر الماضي، أطلقت منصة «بلوسكاي» تطبيقاً جديداً لتشغيل تسجيلات الفيديو والموسيقى من خلال روابط الإنترنت، كما أضافت خاصية جديدة هي «إخفاء المشاركة»، لتقترب أكثر في خصائصها من «إكس». ويعمل مشغل الموسيقى والفيديو الجديد مع روابط «يوتيوب» و«ساوند كلاود» و«سبوتيفاي». وخلافاً لـ«إكس»، لا تتيح «بلوسكاي» خاصية التشغيل التلقائي، بل على المستخدم الضغط على الرابط بنفسه إذا أراد مشاهدة المحتوى أو الاستماع إليه. إلا أن أندرو هتشنسون، مدير محتوى «السوشيال ميديا» في موقع «سوشيال ميديا توداي»، توقع في تقرير الأسبوع الماضي، أن «تواجه (بلوسكاي) مشاكل كبيرة في اجتذاب الجمهور، لأن الطلب على هذه الخدمات ليس كما يتصوّر البعض، ولأن الجمهور يذهب دائماً إلى المنصات التي تتمتع بحشود كبيرة من المتابعين». وأردف أن «المنصات اللامركزية لم تتحول بعد إلى شيء مهم، وإن كان هذا يمكن أن يتغير مع الوقت... وحتى الآن ليس من الواضح حقاً ما الذي يجب أن يحدث لتشجيع كتلة مؤثرة من المستخدمين على التغيير والانتقال لمنصة حديثة».