كيف قيّم الإعلام الأميركي أداء تاكر كارلسون في مقابلته مع بوتين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مقابلة مع المذيع التلفزيوني الأميركي تاكر كارلسون في موسكو يوم 6 فبراير 2024 (سبوتنيك - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مقابلة مع المذيع التلفزيوني الأميركي تاكر كارلسون في موسكو يوم 6 فبراير 2024 (سبوتنيك - رويترز)
TT

كيف قيّم الإعلام الأميركي أداء تاكر كارلسون في مقابلته مع بوتين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مقابلة مع المذيع التلفزيوني الأميركي تاكر كارلسون في موسكو يوم 6 فبراير 2024 (سبوتنيك - رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مقابلة مع المذيع التلفزيوني الأميركي تاكر كارلسون في موسكو يوم 6 فبراير 2024 (سبوتنيك - رويترز)

«بوتين بالكاد يتيح لتاكر كارلسون التعبير بكلمة»، و«مقابلة تاكر كارلسون الليّنة»، و«بوتين يستخدم كارلسون لإطلاق النار على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي»... أجمعت المواقع الإعلامية الأميركية تقريباً على أن المقابلة التي أجراها الإعلامي الأميركي البارز تاكر كارلسون في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 6 فبراير (شباط) الحالي، وبُثّت، أمس الخميس 8 فبراير، لم تحقّق نجاحاً إعلامياً كبيراً كان يطمح إليه كارلسون، في حين رأت هذه المواقع الإعلامية أن المقابلة سارت وفق البروباغندا التي يتبنّاها بوتين.

فشل «الضربة الإعلامية» المرجوّة

لم ينجح تاكر كارلسون (54 عاماً) الذي جرى فصله من شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، العام الماضي، في تحقيق ضربة إعلامية موفّقة، وفق فرنشيسكا إبيل مراسِلة صحيفة «واشنطن بوست» للشأن الروسي، التي عَنْونت على موقع الصحيفة الإلكتروني «بوتين في مقابلة طويلة ومشتّتة بالكاد يتيح لتاكر كارلسون التعبير بكلمة». وكتبت، في تقريرها، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمضى أول 30 دقيقة من مقابلته التي استمرت ساعتين مع مقدم برنامج «فوكس نيوز» السابق، تاكر كارلسون، وهو يُلقي خطبة رجعية للتاريخ تتمحور حول الأساطير المؤسِّسة لروسيا وأوكرانيا، وتفكك الاتحاد السوفياتي وتوسع الناتو.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع إلى تاكر كارلسون (سبوتنيك - رويترز)

وقالت إبيل إنّ بوتين وبّخ كارلسون عندما قاطعه الأخير. وبحلول نهاية المحادثة، كان من الواضح أن بوتين لا ينوي إنهاء حربه الوحشية ضد أوكرانيا. لكن كارلسون، الذي أُقيل من «فوكس»، العام الماضي، بدا مستعدّاً للاستسلام. عرض بوتين مواصلة الحديث، لكنّ كارلسون، الذي كان من الواضح أنه مُنهَك من نظريات المؤامرة التي طرحها الزعيم الروسي منذ فترة طويلة، ومظالمه ضد الغرب، شكر بوتين وأنهى المقابلة البعيدة جداً عن الضربة الإعلامية الموفَّقة التي كان يروِّج لها كارلسون.

ورأت إبيل أن كارلسون أمضى معظم المقابلة في صمت، أو بدا مرتبكاً. ولم يطرح كارلسون سؤالاً واحداً على بوتين حول الهجمات الروسية على المناطق المدنية أو البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف. وكذلك لم يَرِد من كارلسون أي ذكر لادعاءات جرائم الحرب التي تواجه الزعيم الروسي أو الترحيل القسري للأطفال الأوكرانيين، وفقاً لإبيل. وغابت أيضاً أسئلة كارلسون حول حملات القمع السياسية الشاملة التي شنّتها روسيا على مُنتقدي بوتين، أو أحكام السجن الطويلة التي صدرت بحق المواطنين الروس العاديين الذين نظّموا احتجاجات مُناهضة للحرب.

وبدلاً من ذلك، طرح كارلسون أسئلة غامضة على نحو متزايد - بما في ذلك ما إذا كان أي زعيم عالمي يمكن أن يكون مسيحياً حقيقياً - وبدا في بعض الأحيان وكأنه يحفّز بوتين على ادعاء وجود دولة أميركية عميقة والترويج لنظريات مؤامرة أخرى، وفق فرنشيسكا إبيل، التي أضافت أنه في لحظات عدّة، عندما حاول كارلسون التدخل في الحديث، قام الرئيس بتوبيخه. وأعطت المثال التالي:

قال بوتين: «سأخبرك، أنا قادم إلى ذلك (إلى هذه النقطة). هذه الإحاطة تقترب من نهايتها». وأضاف بوتين بلهجة متعالية: «قد يكون الأمر مملّاً، لكنه يفسر أشياء كثيرة». وقد أجابه كارلسون بأنها ليست مملة وبأنه ليس متأكداً من مدى ملاءمتها. فردّ بوتين بأنه «مسرور» (من جواب كارلسون) ويقدّر ذلك.

تاكر كارلسون يستمع إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (سبوتنيك - رويترز)

كارلسون حائر... وخيبة أمل

من جهته، كتب الصحافي أوليفر دارسي، على موقع «سي إن إن»، تحت عنوان «بوتين ينجح في تحقيق انتصار دعائي بعد مقابلة تاكر كارلسون اللينة»: «أصبح من الواضح الآن لماذا أجرى فلاديمير بوتين مقابلة مع تاكر كارلسون. على مدار أكثر من ساعتين، امتنع مقدم برنامج فوكس نيوز السابق عن تحدي النظام الاستبدادي الروسي، الذي أدت حربه الوحشية على أوكرانيا إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص بلا داع». وأضاف أنه من المؤكد أن أولئك الذين يتوقعون مواجهة قوية (لبوتين من جانب كارلسون) سيكونون قد خرجوا بخيبة أمل شديدة بسبب المقابلة الطويلة والمتعثرة، والتي بدا فيها تاكر نفسه حائراً في بعض الأحيان.

ورأى دارسي أنه بدلاً من الضغط على بوتين بشأن عدد من الموضوعات المطروحة، بما في ذلك الاتهامات ذات المصداقية بأن روسيا ارتكبت جرائم حرب، وسجن زعيم المعارضة أليكسي نافالني، سمح كارلسون لبوتين بالتلاعب بالجمهور وسرد روايته، بغض النظر عن مدى كذبها.

وقال إنه، في بعض الأحيان «بدا بوتين وهو يعلّم كارلسون الأحداث التاريخية، بينما كان المضيف ينظر إليه في حيرة. أو بعبارة أكثر وضوحاً، قدّم كارلسون لبوتين منصة لنشر دعايته إلى جمهور عالمي، مع القليل من التدقيق في ادعاءات بوتين». واعتبر أن المقابلة كانت انتصاراً دعائياً كبيراً للرئيس الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال المقابلة مع تاكر كارلسون (سبوتنيك - رويترز)

عودة إلى الأضواء

وعلّق الكاتب الصحافي دارن مايجور، عبر موقع «سي بي سي»، على مقابلة تاكر وبوتين، قائلاً: «استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقابلة مع الشخصية الإعلامية الأميركية تاكر كارلسون ليطلق النار على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لانضمامه إلى تصفيق حار لياروسلاف هونكا؛ وهو أحد المحاربين الأوكرانيين القدامى في وحدة نازية خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك خلال زيارة زيلينسكي (في سبتمبر/ أيلول) إلى كندا - علماً بأن الرئيس الأوكراني ومستضيفيه الكنديين لم يكونوا على علم بماضي هونكا النازي».

وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «مقابلة السيد كارلسون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعادته إلى مركز الصدارة، للمرة الأولى منذ إلغاء برنامجه على قناة فوكس نيوز، العام الماضي. فقد عاد كارلسون، على الأقل للحظة، ليكون في قلب المشهد السياسي الأميركي، وليتوجه بصوت عال إلى الجمهور الأميركي». ويرى التقرير أنه من المبكر الحكم إذا كانت هذه المقابلة رابحة أو خاسرة بالنسبة لتاكر كارلسون.

من جهته، رأى ويل سومير، عبر تحليل في «واشنطن بوست»، أن كارلسون لم يحقق ما كان يسعى إليه من نجاح كبير في المقابلة مع بوتين، بل إنّه وقع في مشكلة إسهاب بوتين بتفاصيل عن نظرته للتاريخ الروسي، في أول نصف ساعة من المقابلة، «لدرجة أن كارلسون أصبح منزعجاً وبدأ الاثنان الاشتباك».

تاكر كارلسون يتحدث خلال مؤتمر في فلوريدا يوم 15 يوليو 2023 (رويترز)

ولم تلق المقابلة تعليقاً مباشراً على موقع شبكة «فوكس نيوز»، المؤسسة الإعلامية التي لمع نجم تاكر كارلسون من خلالها، عبر برنامجه السياسي «تاكر كارلسون الليلة» (2016 - 2023). وكانت شبكة «فوكس نيوز» قد أنهت عقد كارلسون في 24 أبريل (نيسان) 2023.


مقالات ذات صلة

ترمب أم هاريس؟ مؤرخ تنبأ بنتائج 9 من آخر 10 انتخابات أميركية يكشف عن توقعاته

الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وكامالا هاريس (رويترز)

ترمب أم هاريس؟ مؤرخ تنبأ بنتائج 9 من آخر 10 انتخابات أميركية يكشف عن توقعاته

قال مؤرخ سبق أن تنبأ بشكل صحيح بنتائج 9 من آخر 10 انتخابات رئاسية أميركية، إن الديمقراطيين «أصبحوا أذكياء أخيراً» من خلال التجمع حول كامالا هاريس مرشحةً لهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال خطابه بولاية ويسكونسن (أ.ف.ب)

ترمب: «نظام هاريس - بايدن» استورد قتلة ومعتدين على الأطفال من كل أنحاء العالم

جدد المرشح الجمهوري دونالد ترمب أمس (السبت) في ولاية ويسكونسن هجماته على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس قبل 3 أيام من أول مناظرة تلفزيونية بينهما.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سيارات تقف على ممرات الطريق آي-75 بعد ورود تقارير عن إطلاق نار على عدة أشخاص (رويترز)

إصابة 7 أشخاص في إطلاق نار بولاية كنتاكي الأميركية

أعلن مسؤولون إصابة سبعة أشخاص على الأقل بجروح جراء إطلاق النار عليهم أثناء القيادة على الامتداد الريفي لطريق سريع يربط شمال أميركا بجنوبها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المبعوث الأميركي للمناخ جون بوديستا خلال اجتماع ثنائي مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي بقاعة الشعب الكبرى في بكين 6 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

الصين تؤكد للولايات المتحدة أنها تمثل «فرصة» اقتصادية و«ليست تهديداً»

أكد نائب وزير التجارة الصيني لنظيرته الأميركية، السبت، أن بلاده تمثل «فرصة» اقتصادية و«ليست تهديداً» للولايات المتحدة، وذلك خلال محادثات عدّّها مهنية وعقلانية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
شمال افريقيا صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة المفاوضات حول السودان التي عقدت في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لفتح معابر حدودية إضافية

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان»، السبت، دعوتها الأطراف السودانية لفتح معابر حدودية إضافية بما في ذلك معبر «أويل» جنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
TT

«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)

طوال الأشهر الماضية، حظي مسار المفاوضات الرامية إلى تحقيق «هدنة» في قطاع غزة، باهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية. واحتلت الأخبار المتعلقة بالمباحثات مساحات واسعة في التغطيات الإعلامية، وسط تضارب في العناوين والتفسيرات بين «التفاؤل» بقرب الوصول إلى اتفاق حيناً، والحديث عن «فشل» المفاوضات حيناً آخر. وبين هذا وذاك تنشر وسائل الإعلام يومياً تقارير متباينة، إما عن عثرات وعقبات تقف في طريق الهدنة، أو عن جهود تمنح دفعة نحو الحل، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن أسباب هذه التضارب في العناوين، والمعلومات، ومدى تأثيره على مصداقية الإعلام.

وفي حين أرجع خبراء هذا التضارب إلى غياب المعلومات من مصدرها الأصلي والاعتماد على التسريبات، حذّروا من «تأثير النقل عن مصادر مُجهّلة على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام».

يوان ماكساكيل (جامعة غلاسغو)

الواقع أنه يعتمد معظم الأخبار المتعلقة بمفاوضات «هدنة غزة»، سواءً عربياً أو غربياً، على «تسريبات» من مصادر «مُجهّلة» تتكلم عن تفاصيل مقترحات التهدئة، إضافة إلى بعض التصريحات الرسمية، إما من الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة)، أو من طرفي المفاوضات (إسرائيل وحماس).

ولكن بحسب مراقبين، فإن «أطراف المفاوضات لا تدلي بمعلومات بقدر ما تسرب من تفاصيل تعبّر عن وجهة نظرها، بهدف التأثير على مسار المفاوضات أو تحسين موقفها فيها».

الصحافي والمدرّب الأردني خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال بجامعة الدول العربية لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية، عدّ في لقاء مع «الشرق الأوسط» الإعلام «طرفاً» في المفاوضات الدائرة حالياً، وقال: «أطراف التفاوض تستخدم الإعلام سلاحاً في المعركة، لتعزيز وجهة نظرها وخلق رأي عام مناصر لها، فكل طرف يستخدم الإعلام لتحقيق مصالحه».

وأضاف أن «طبيعة المفاوضات التي تجري دائماً في غرف مغلقة تفرض هذه الصيغة، بحيث يعتمد الإعلام على ما يصل إليه من تسريبات أو معلومات من أطراف التفاوض».

وتابع القضاة أن «ما ينشر يسبِّب ارتباكاً للجمهور، الذي بات مضطراً للبحث عن المعلومات من أكثر من مصدر أو وسيلة إعلامية، لتكوين صورة أقرب للواقع في ظل انحيازات إعلامية واضحة».

من جهة ثانية، وفق كتاب نشر عام 2003 وحرّره البروفسور الراحل جون دربي بجامعة نوتردايم الأميركية وروجر ماكغينتي البروفسور حالياً بجامعة درام البريطانية، فإن «إحدى الفرضيات الأكثر شيوعاً في جميع مفاوضات السلام، أنه من الضروري إبقاء وسائل الإعلام خارجاً، حيث يقال إنه كلما زاد مستوى المشاركة الإعلامية، زاد احتمال فشل المباحثات».

وبحسب الكتاب، فإن «هذه الفرضية صحيحة في معظمها، لأن إجراء المفاوضات تحت وهج الأضواء أصعب بكثير من إجرائها خلف الأبواب المغلقة، لكن في الوقت ذاته من المهم لصانعي السياسة النظر للمسألة بشكل أعمق... ثم إن الإعلام يشكل حلقة في أحجية المفاوضات، فعندما يلعب الإعلام دوراً بنّاءً في نقل أنباء المفاوضات التي تجري في مناخ داعم، لا يعود من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على نتائجها».

الإعلام وصانع السياسة بينهما مصالح متبادلة

أيضاً ورد في الكتاب أن «العلاقة بين الإعلام وصانع السياسة تعتمد على مصالح متبادلة، فالأول يريد معلومات لصناعة قصة جاذبة للجمهور يتمتع فيها بأكبر مساحة من النقد والتحليل وحرية العرض، والثاني يريد نقل سياساته لقطاع أكبر من الجمهور، مع السيطرة الكاملة على نوع وحجم وطريقة نقل المعلومات دون نقد». واستخلص أن «هذه العلاقة الجدلية هي التي تحدد دور الإعلام في العملية السياسية».

على الجانب العملي، قال يوان ماكاسكيل، الصحافي البريطاني الاستقصائي ومراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «واحدة من كبرى المشاكل التي تواجه الصحافيين، هي انعدام ثقة الجمهور... وأن إحدى الطرق للبدء في استعادة الثقة هي الالتزام بالشفافية في نقل المعلومات بقدر الإمكان، وهذا يعني تجنب المصادر المجهولة كلما كان ذلك ممكناً».

ماكاسكيل شرح أن «الأخبار التي تنشر وقت المفاوضات تعتمد في معظمها على مصادر مُجهّلة، ما قد ينتج عنه تضارب في المعلومات، وربما يقوض الثقة في الإعلام»، لافتاً إلى أنه خلال عمله صحافياً حاول فقط استخدام اقتباسات من أشخاص تكلم إليهم فعلاً، وعند النقل من وكالة أنباء أو صحيفة أخرى، أو متى من مواقع التواصل الاجتماعي، كان يحرص على نسبة الاقتباسات لمصدرها.

أيضاً ذكر ماكاسكيل أنه «في كل الأحوال ينبغي استخدام المصادر المجهولة بشكل مقتصد جداً... وهذا مع أن استخدامها قد يكون ضرورياً في ظروف استثنائية، لا سيما إن كان الكشف عن هوية المصدر قد يعرض حياته أو وظيفته للخطر».

بالتوازي، كانت دراسة نشرتها جامعة أكسفورد عام 1974، أسهم فيها الباحث و. فيليبس دافيسون، قد أشارت إلى أن «التسريبات يمكن أن تعرقل المفاوضات الدولية، ولكن في الوقت ذاته قد يسهم الإعلام في تحقيق الاتفاق عبر تسليط الضوء على القضايا قيد التفاوض، ما يساعد في ضمان التنسيق بين أطراف التفاوض، ويربط الحكومات بالجماهير، عبر قنوات اتصال تكميلية للدبلوماسية».

مراعاة المعايير المهنية

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، ألقى الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، باللائمة على الصحافيين في تضارب المعلومات التي تنشر على لسان مسؤولين رسميين، بيد أنه شدد على «ضرورة أن يراعي الصحافي المعايير المهنية في نقل التصريحات، فلا يتزيد أو يغير فيها، ولا يعالجها بشكل يتضمن نوعا من الانحياز». وتابع أن «الصحافي دوره هنا ناقل للسياسة وليس صانعاً لها. وبالتالي فهو ينقل تفاعلات الأطراف المختلفة في الحدث ويعرض وجهات نظرها جميعاً».

وقياساً على مفاوضات «هدنة غزة»، لفت خليل إلى أنه «في جولات التفاوض المتعددة، كان معظم ما نشرته وسائل الإعلام معتمداً على تسريبات من مصادر مُجهَّلة». وأردف: «لا بد للصحافي أن يلتزم الحذر في التعامل مع التسريبات التي تهدف إلى الترويج لوجهة نظر ما بهدف التأثير على مسار المفاوضات». وعزا انتشار التسريبات إلى نقص المعلومات، وغياب القوانين التي تكفل حرية تداولها.

من ثم، لمواجهة التضارب في المعلومات وتداعياته من تراجع للثقة في وسائل الإعلام، ينصح الدكتور خليل بـ«الالتزام بالمعايير المهنية في نقل المعلومات والتوازن في عرض التحليلات، من دون انحياز لوجهة نظر على حساب أخرى، لأن تلك الانحيازات تؤثر على التغطية، وعلى المصداقية أيضاً». وشدد على «ضرورة إعطاء مساحة أكبر للمعلومات مقارنة بالتحليلات والتفسيرات، لا سيما أن بعض التحليلات قد ينطوي على خداع للجمهور». واستطرد أن «مساحة التحليل في الإعلام العربي أكبر من مساحة المعلومات التي تراجع وجودها لصالح التسريبات في ظل غياب حرية تداول المعلومات».