مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، يبدو أن حرباً أخرى تشتعل في العالم الرقمي، لا سيما على منصة «إكس» ومالكها رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، ولقد اتضحت معالمها بقوة مع إعلان عدد من الشركات الكبرى سحب إعلاناتها من المنصة بداعي اتهامات وجهت لها ولمالكها بـ«معاداة السامية».
خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» رأوا أن «حرب الإعلانات» على إيلون ماسك سيكون لها تأثير على حرية تداول المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام. وحذّروا من تضرر «إكس» مالياً بفعل تلك الحرب. وحقاً، فإن شركات عدة أوقفت إعلاناتها على منصة «إكس» بحجة أنها وُضعت بجوار محتوى معادٍ للسامية. وجاء ذلك إثر تقرير نشرته «ميديا ماترز فور أميركا»، وهي مجموعة لمراقبة وسائل الإعلام، ادعت فيه أنها «وجدت إعلانات لشركات (آي بي إم) و(أبل) و(برافو) و(أوراكل) إلى جانب منشورات تروّج لأدولف هتلر وحزبه النازي على منصة (إكس)».
في حوار مصوّر حذّر ماسك من خطورة انسحاب المعلنين. وقال: «إذا فشلت الشركة ستفشل بسبب مقاطعة المعلنين، وهذا سيؤدي إلى إفلاسها»، ولفت إلى الأضرار التي لحقت بالشركة بسبب حرب الإعلانات. ويُذكر أن ماسك كان قد هاجم قبلاً بعض المعلنين، مؤكداً أنه يرفض ابتزازه بالمال والإعلانات.
من جهة ثانية، في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، جاء أن «نزوح المعلنين قد يكلف (إكس) نحو 75 مليون دولار من إيرادات عام 2023». وفي حين ذكرت شركة «إنسايدر إنتليجانس» الأميركية، في تقرير أخير لها، أنه رغم انسحاب المعلنين من «إكس» لم ينخفض الإنفاق الإعلاني على المنصة بصورة ملحوظة، فإنها توقعت انخفاض الإنفاق في العام الحالي بنسبة 4.3 في المائة مقارنة بعام 2023.
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً أنه «لم تمر أسابيع على مقاطعة الشركات الكبيرة كـ(ديزني) و(أبل) و(آي بي إم) منصة إكس حتى هرول مالكها ماسك إلى إسرائيل ليعلن ولاءه وانصياعه لرغبات المعلنين وتخوفاتهم».
وأضاف كيالي أنه «مع أن ماسك حاول ألا يظهر نفسه بمظهر الخاسر في هذا النزال، كان جلياً أن معظم التغييرات التي قام بها بشكل فوري استهدفت الحفاظ على المعلنين»، لافتاً إلى أن «مقاطعة الإعلانات من أهم أشكال المقاطعة التي تقوم بها الشركات الكبيرة للتعبير عن رفضها عن سياسة المنصات المعلن عليها». ثم أشار إلى أن «الإعلانات تشكل نسبة تصل إلى 90 في المائة من إجمالي دخل (إكس)، مما يجعلها مصدراً أساسياً للإيرادات، وتبرز أهميتها الكبيرة في دعم الأداء المالي للمنصة... وعدم وجود إعلانات على (إكس) يشكل تحدياً كبيراً لاستمرارية الشركة».
ما يذكر أن هذه ليست المرة الأولى، التي يستخدم فيها «سلاح الإعلانات»، فحسب كيالي «خلال عام 2020 قاطعت مئات الشركات منصة فيسبوك، وأوقفت إعلاناتها على المنصة بحجة تزايد خطاب الكراهية. وهذا الإجراء يشير إلى استنكار وخوف الشركات من المحتوى المسيء والمتطرف، إذ تخشى تلك الشركات من أن يلحق وجود إعلاناتها بجانب منشورات متطرفة ضرراً بعلامتها التجارية». ويلفت كيالي إلى أنه في السنوات الأخيرة «نلاحظ تغيراً في المشهد الرقمي، حيث أصبحت الشركات تضع قضايا السلوك الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية في مقدمة اهتماماتها... أما التركيز على (إكس) في الحملة الأخيرة فقد جاء بسبب سياساتها المنفتحة على حرية التعبير، وطبعاً هذا الانفتاح تعزّز عندما استحوذ ماسك على الشركة، وأعاد مئات الحسابات التي كانت قد أوقفت سابقاً لمخالفتها شروط النشر على المنصة».
وبشأن تأثير المقاطعة على حرية تداول المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، رأى كيالي أن «القيود ازدادت بشكل كبير بالفعل على كل منصات التواصل الاجتماعي، التي لحقت بها أخيراً (إكس). فقد كانت القيود في السابق معروفة ومحددة؛ لكنها الآن تتبع الأحداث، وقد وصلت هذه المنصات إلى حظر منشورات كثيرة تخص الحرب على غزة، حتى وإن لم تتضمن أي معانٍ مسيئة أو مخالفة». وبالفعل، دفعت «حرب الإعلانات» ماسك لزيارة إسرائيل بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
بدورها، ترى الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أن «توقف العلامات التجارية مثل «ديزني» و«وارنر براذرز» و«ديسكفري» عن الإعلان عبر منصة «إكس» جاء بعد موقف ماسك من منشور صنّف على أنه معادٍ للسامية». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «معاداة السامية باتت تهمة كفيلة بوضع أي وسيلة إعلامية أو شخصية عامة في أوروبا وأميركا على المحك، ولعل الخطر الأكبر يأتي من حظر شركات (أبل) و(سامسونغ) منصة (إكس) في متاجرها الإلكترونية».
وتابعت أنه «رداً على تلك الاتهامات رفعت (إكس) دعاوى قضائية ضد مجموعة ميديا ماترز المعنية بمراقبة وسائل الإعلام، كما تفكر المنصة بالتوجه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لدعم أعمالها الإعلانية». وأضافت أن «وقف الإعلانات سلاح فعال، كونها من أهم مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية عامة والمنصات الرقمية خاصة... تاريخياً يوجد صراع مستمر بين حرية التعبير ونشر الحقيقة وسلطة المال المتمثلة في الإعلان، الذي غالباً ما يُحسم لصالح الأخيرة».
وتلفت مي عبد الغني إلى أن «ماسك شخصية مثيرة للجدل بسب مواقفه المتناقضة وتصريحاته من الحرب على غزة وقضايا أخرى، وهو ما دفع لما نراه من حرب إعلانات ضده، لا سيما أن المتتبع لمنصة إكس يلاحظ أنها كانت تغرد خارج سرب سياسات المحتوى، التي اتبعتها معظم المنصات الرقمية إبان الحرب على غزة، وهو ما جعلها عرضة لاتهامات من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبي».
في السياق، أشار الدكتور محمد الأشقر، محاضر الرأي العام بالأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام، إلى أن «السبب وراء سحب الإعلانات من منصة (إكس) يرجع لاتهام ماسك بمعاداة السامية، عندما طلبت المفوضية الأوروبية من أجهزتها تعليق حملاتها الإعلانية على المنصة إثر الشكوك نحو الزيادة المثيرة للقلق في المعلومات المضللة وخطاب الكراهية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع مقاطعة شركات كبرى للإعلانات على المنصة، إثر تقرير ميديا ماترز... وبالتالي، المواقف الداعمة لإسرائيل في الحرب على غزة، هي التي قادت نحو هذا الاتجاه، وهو ما عده ماسك تقويضاً لحرية التعبير».
ولفت الأشقر إلى أن «تغريدات ماسك أو مقابلته التلفزيونية الأخيرة كان لها تأثير كبير يندرج تحت ما يسمى الترند، حيث وصل عدد متابعيه إلى ما يقرب من 155 مليون متابع، مما يشكل ضغطاً على الرأي العام في القضايا التي يشتبك معها».