ماذا يعني تصدّر «يوتيوب» قائمة المنصات «الأكثر ثقة» عند الجيل «زد»؟

شعار يوتيوب
شعار يوتيوب
TT

ماذا يعني تصدّر «يوتيوب» قائمة المنصات «الأكثر ثقة» عند الجيل «زد»؟

شعار يوتيوب
شعار يوتيوب

أثيرت تساؤلات أخيراً بشأن دلالات تصدر منصة «يوتيوب» قائمة المنصات «الأكثر ثقة» بين جيل «زد»، وذلك بعدما أشار استطلاع نُشر مطلع العام الحالي إلى أن «يوتيوب» كانت الأكثر موثوقية لدى هذا الجيل على مدار العام الماضي؛ إذ تفوقت على نظيراتها «فيسبوك» و«إنستغرام»، وحتى «تيك توك» فيما يخص ميل أبناء هذا الجيل للحصول على «معلومة موثوقة». ورأى باحثون وخبراء أن «يوتيوب» اكتسبت زخماً أخيراً بفضل خطة أطلقتها العام المنقضي، واستهدفت الاستثمار في فريق الثقة والسلامة، ما أسهم كثيراً في استعادة ثقة المستخدمين، لا سيما الذين انصرفوا عن المنصة الشهيرة، بحثاً عن الترفيه على المنصة الصينية «تيك توك».

الاستطلاع الذي أجرته شركة أبحاث السوق «يو غوف» ومقرها في لندن، ذهب إلى أن 59 في المائة من جيل «زد» الذي وصفته بـ«المؤثر في الاتجاهات والثقافات الشعبية» يثقون بـ«يوتيوب»، وهي أعلى نسبة بين جميع المنصات التي شملها الاستطلاع. وأضاف الاستطلاع أن النسبة السالفة الذكر وصفت «يوتيوب» بـ«جدير بالثقة» أو «جدير بالثقة جداً».

كذلك وجد الاستطلاع أن المنصات الأخرى بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد إذا كانت ترغب في كسب ثقة الجيل «زد». وبحسب النتائج المنشورة حول الاستطلاع على «بيزنس إنسايدر»، فإن 40 في المائة من المشاركين قالوا إنهم يثقون بـ«إنستغرام»، في حين رأى 45 في المائة المنصة التي تملكها مجموعة «ميتا» «غير جديرة بالثقة». ومن ناحية أخرى، جاءت مؤشرات الثقة الخاصة بـ«فيسبوك» و«تيك توك» مثيرة للاهتمام، إذ حلتا في مراتب متأخرة مقارنة بـ«يوتيوب». إذ أفاد الاستطلاع أن 28 في المائة فقط يرون «فيسبوك» جديرة بالثقة، بينما وصف 30 في المائة من المستطلَعين «تيك توك» بأنها مصدر للحصول على معلومة موثوقة.

وتعليقاً على هذه الحصيلة، عزا الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين بالإمارات العربية المتحدة، نجاح «يوتيوب» في اكتساب ثقة الجيل «زد» إلى عوامل عدة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تستخدم يوتيوب فرقاً من المحرّرين لفحص المحتوى والتحقق من صحته والامتثال لسياسات المنصة... وكذلك تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن المحتوى غير الملائم والمخالف للسياسات، وتشجع المستخدمين على الإبلاغ عن المحتوى المشكوك فيه، ويصار إلى فحص هذه التقارير لاتخاذ الإجراء المناسب».

ويلفت سعد إلى استمرار «يوتيوب» في تحسين خوارزميات المنصة للكشف عن «المحتوى المضلل أو المحرض» والتحقق من صحته، لافتاً إلى أن هذه الآليات تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على المحتوى النوعي، ويُمكن أن يكون لها «تأثير إيجابي على ثقة الجمهور». وأرجع سعد تراجع منصات كانت تحظى بشعبية بين أبناء الجيل «زد» على شاكلة «تيك توك» إلى عوامل عدة؛ من بينها «الطابع الخفيف والترفيهي الذي يتسم به سياق المحتوى على تيك توك ما لا يساعد على اعتبار هذه المنصة مصدراً موثوقاً للمعلومات». وتابع سعد أن «شكل التفاعل المكثف والسريع مع المحتوى على تيك توك قد يكون أحد العوامل التي تقلل من مستوى الجدية والثقة بالمنصة، لذلك بعض أفراد الجيل زد قد ينظرون إلى تيك توك على أنه مصدر أساسي للترفيه بدلاً من اعتباره مصدراً للمعلومات».

من جانب آخر، عن تأثير هذه المؤشرات على طابع المنافسة بين المنصات، يرى الدكتور سعد «أننا بصدد تغييرات محورية في العام الجديد... ونتائج الثقة التي يمنحها الجمهور لمنصات التواصل الاجتماعي قد تكون ذات أثر كبير على مستقبل المنافسة بينها، فإذا كانت منصة معينة تحظى بمستوى عالٍ من الثقة، فإن ذلك يُمكن أن ينعكس بالإيجاب على جذب المستخدمين وإيرادات المنصة من الإعلانات والأرباح، وتعزيز فرص المنصة في بناء الشراكات والتعاون». إلا أنه استدرك فأضاف أن «الثقة ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على مستقبل المنصات، إذ توجد عوامل أخرى مثل جودة المحتوى، والتفاعلية، وتجربة المستخدم تلعب أيضاً أدواراً مهمة».

وللعلم، كانت منصة «يوتيوب» قد أنشأت مركزاً لضمان سلامة منشئي المحتوى ومعاقبة «السلوك غير المرغوب فيه»، بحسب وصف المنصة، كما أدت الجهود واسعة النطاق ضد «المعلومات الطبية الخاطئة» إلى جعل «يوتيوب» مصدراً موثوقاً للمشورة الصحية، وفق توصيات وردت في الاستطلاع السالف الذكر.

هذا، ويعتقد محمد عاطف، الباحث المتخصص في الإعلام الرقمي بدولة الإمارات، أن ثقة الجيل «زد» في «يوتيوب» ترجع إلى اهتمام المنصة بالمحتوى التعليمي. وقال لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد، إن «يوتيوب تُقدم مزيجاً فريداً من مصادر التعلم القيمة مثل خان أكاديمي وكراس كورس التي أسهمت في رفع نسبة حضور هذه الفئة العمرية الحديثة، وتربح في المقابل مشاهدات مليونية يومياً». وأضاف عاطف أن «الجيل زد يعتبر يوتيوب منصة للتعبير الشخصي، وفرصة لمشاركة قصصهم وإبداعاتهم، ما يخلق اتصالاً شخصياً قوياً، قد يفتقدونه في المنزل أو المدرسة».

وحول ميزة التحكم في المحتوى، يرى عاطف أن «يوتيوب متميزة في هذا الصدد... فهذه المنصة توفر ميزة البحث والتصفية التي تُمكّن المستخدمين من اختيار المحتوى الذي يرغبون في متابعته، ما يزيد من شعورهم بالثقة والسيطرة، وهذا بالتأكيد شعور يحتاجون إليه في هذه الفئة العمرية ويسعون لتعزيزه في نفوسهم». ومن ثم، رأى أن سبب تراجع «فيسبوك» في تصنيف الثقة - وفقاً للاستطلاع المذكور آنفاً - عائد إلى «تحديات تخوضها المنصة في مواجهة المعلومات المضللة وقضايا الخصوصية».



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.