كيف دخل صحافييو إسرائيل إلى «علبة مغلقة»

تعدّد المصادر ونشاط تقنيات التواصل كشفا حقيقة تغطية مؤسساتهم لحرب غزة

مشاهد الدمار وصور الضحايا المدنيين في غزة أثرت على التغطية الإعلامية (آ ف ب)
مشاهد الدمار وصور الضحايا المدنيين في غزة أثرت على التغطية الإعلامية (آ ف ب)
TT

كيف دخل صحافييو إسرائيل إلى «علبة مغلقة»

مشاهد الدمار وصور الضحايا المدنيين في غزة أثرت على التغطية الإعلامية (آ ف ب)
مشاهد الدمار وصور الضحايا المدنيين في غزة أثرت على التغطية الإعلامية (آ ف ب)

عندما تسيطر على الصحافة فكرة جماعية، فإنها تتحول علبة مغلقة، يرفض العاملون فيها الخروج منها. وهذا يحصل باستمرار في إسرائيل، حيث الصحافة التي يفترض أنها تقرأ ما وراء السطور، لكنها تبدو أحياناً وكأنها لا تقرأ الحروف. وبالتالي، تغدو العلبة عقيدة بل جموداً عقائدياً، فلا يعود أصحابها يرون شيئاً آخر.

هذه هي حال الصحافة الإسرائيلية راهناً. وهذا ليس جديداً. في كل حرب، يفقد معظم الصحافيين الإسرائيليين كثيراً من القيم المهنية ويتجندون للحرب، فلا يرون صورة الطرف الآخر ولا يكترثون لمعرفة وجهة نظره والدوافع الحقيقية لموقفه. وبحكم قدراتهم المهنية العالية يتعرفون على حقائق كثيرة، إلا أنهم لا يحررونها إلى الملأ.

في بعض الأحيان، يفعلون ذلك مرغمين بسبب الرقابة العسكرية. وهذه الرقابة، التي خفّت كثيراً في العقود الأخيرة، وباتت شحيحة في عصر الشبكات الاجتماعية، عادت وبقوة في هذه الحرب الحالية على غزة كما كانت عليه قبل 50 أو 60 سنة. لكن، معظم الصحافيين الإسرائيليين ما كانوا بحاجة إلى هذه الرقابة؛ لأنهم اختاروا إجراء رقابة ذاتية بشكل متعمد وتباهوا بأنهم فعلوا ذلك وما زالوا يفعلون.

الصفحات الأولى من بعض الصحف الإسرائيلية (آ ف ب)

لقد قرروا منذ بداية الحرب الامتناع عن نشر بيانات «حماس»، بحجة أنهم بذلك سيخدمون مصالحها المناهضة لمصلحة إسرائيل. وأيضاً اختاروا الإحجام عن نشر صور من غزة تظهر نتائج القصف الجنوني الذي نفذه وينفذه سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح اليابسة في الجيش الإسرائيلي، الذي أدى إلى دمار مهول وقَتل ألوف المدنيين، ثلثاهم من الأطفال والنساء. وفي المقابل، راحوا يمجّدون الجيش الإسرائيلي بشكل أعمى. ورافقوا قوات الجيش إلى غزة، وتكلموا جميعهم عن البطولات، بلهجة يفهم منها كما لو أنه يحارب جيشاً بحجم الجيش الصيني أو الروسي.

وهكذا، حجبوا المعلومات عن جمهورهم، وانشغلوا فقط بمعاناة المواطنين، الذين هاجمهم عناصر «حماس» ومن رافقهم في الهجوم. أحد الصحافيين اليهود أدهشه استغرابي فسألني: «هل يمكنني بعدما رأيت ما حصل لشعبي من جراء جرائم (حماس) أن أهتم بمعاناة الفلسطينيين؟». ورغم اعترافه بأنه كان مطلعاً بشكل أو بآخر أيضاً على معاناة أهل غزة، فإنه برّر - مثل بقية رفاقه - الممارسات الإسرائيلية قائلاً: «هذا ما جنته عليهم (حماس)».

هذه المقولة تصلح لكلا الطرفين، ففي الطرف الفلسطيني أيضاً لم يظهر اكتراثٌ يُذكر لمعاناة المدنيين الإسرائيليين من تصرفات «حماس»، مع أنها بدت مخالفة للقيم وللشرع الإسلامي، بذريعة «هجوم (حماس) لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سنين من الحصار على غزة، وما تسبب به من إفقار، وبعدما تعرّض له أهلنا في الضفة الغربية، داخل السجون وفي المسجد الأقصى، واعتداءات المستوطنين المحمية من الجيش، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني».

ماكينة إعلامية جبارة

في «حوار الطرشان» هذا، دارت المعركة الإعلامية لتتحول جزءاً من الحرب نفسها. وصار غياب المهنية مفخرة وطنية. وفي إسرائيل، جرى تفعيل ماكينة إعلامية جبارة لدعم الحرب على غزة، اشتغلت فيها وزارة الخارجية وفريق خاص في ديوان رئيس الوزراء واللوبي اليهودي في العالم. ونظّمت إسرائيل رحلات لعائلات الأسرى إلى عشرات الدول في العالم؛ كي يرووا ما حدث في هجوم «حماس» من مساس بالمدنيين. كذلك جندوا عدداً كبيراً من المتكلمين المتفوهين بمختلف اللغات، وصرفوا لكل منهم مبلغ 1200 دولار يومياً، لا يشمل مصاريف الفندق والسفر والتموين. وأعدوا أفلاماً عن ممارسات «حماس». بل وثمة مَن أسهم في ترويج إشاعات تَبيّن أنها كانت كاذبة، مثل إحراق أطفال في أفران وتقطيع رؤوس وغيرها.

أيضاً، فعّل التواصل السايبري لأول مرة على نطاق جماهيري. إذ أنشأ عدد كبير من المواطنين، لا سيما خبراء التكنولوجيا العالية وخريجي دوائر الاستخبارات الذين عملوا في التقنيات السايبرية... وأطلقوا 120 قاعدة معلوماتية وعشرات قواعد البيانات لتوفير المعلومات، فور وقوع هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وأفاد «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب بأنه وبمساعدة «خريطة الإعلام الإسرائيلية،» جرى إحصاء قرابة 40 منظمة تعمل في مجال تطوير الأدوات التكنولوجية لأغراض الإعلام، و100 قاعدة بيانات تعمل في مختلف القضايا الإعلامية، بينما كان عددها في المراحل السابقة أكبر بكثير. وغالبية هذه المبادرات (نحو 72) تعتمد على التطوع وغير هادفة للربح، وعدد قليل من هذه المبادرات (نحو 13) كانت تعمل في مجال الإعلام قبل اندلاع الحرب. وإلى جانب المبادرات القائمة على المتطوعين، من الممكن أن تجد شركات تكنولوجية وشركات إعلامية، التي حولت جزءاً من عملها لاحتياجات المناصرة الإعلامية الإسرائيلية، وجهات أكاديمية تعمل في مجال المناصرة الإعلامية، فضلاً عن منظمات الإعلام التي شاركت في أنشطة المناصرة المؤيدة لإسرائيل وتلك المتعلقة بمكافحة معاداة السامية قبل الحرب.

ولم ينضم المؤثرون «المحترفون» في الشبكة، وحدهم، إلى «المعركة» التواصلية، بل انضم إليهم آلاف المواطنين الإسرائيليين. وشكّلت «مجموعات عمل» في مجالات التكنولوجيا والوعي، كان المقصود منها جعل المعلومات أكثر فعالية. وتجندت صناعة التكنولوجيا الفائقة وظهرت كثير من مبادرات التوعية في مجمعات العمل التي جرى تحويلها إلى قواعد إعلامية طوعية.

تغيّر فرضته التطورات

ولكن مع مرور الوقت، وبعد بدء انتشار الصور الآتية من غزة، خصوصاً التي تظهر أشلاء الجثث للأطفال والعائلات التي أُبيدت بشكل كامل والدمار الهائل وتدمير البنى التحتية، أغلقت مجموعة كبيرة من المنظمات الإسرائيلية أبوابها، «بعدما اكتشف المبادرون أن الجهود لم تكن مفيدة في مواجهة تسونامي الوعي المؤيد للفلسطينيين في العالم». ووفق المثل الشعبي «ماذا تفعل الماشطة للشعر العكش؟»، فإن الاعتداءات التي نفذتها «حماس» بحق المدنيين الإسرائيليين لا تبرر تدمير نصف بيوت غزة وإدخال الموت إلى كل بيت من بيوتها. ونتائج الحرب كشفت بوضوح أنها لا تُدار ضد «حماس» بقدر ما تُدار ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة ولا في الضفة الغربية، التي استخدم الإسرائيليون ضدها أيضاً القصف الجوي.

وحقاً، أُجريت دراسات في إسرائيل بيّنت أن الخطاب على شبكات التواصل الاجتماعي صار منحازاً ضد إسرائيل، وأن الفلسطينيين يتمتعون بدعم شبه تلقائي فيه. ووفق دراسة المعهد المذكور في تل أبيب فإن جزءاً كبيراً من النشاطات الإعلامية للجهات المدنية يلقى صدى لدى المجتمع الإسرائيلي داخلياً، لكنه ينجح بشكل أقل في اكتساب الشهرة في العالم. وكمثال، لاقت الدعوات المطالِبة بالإفراج عن المختطفين والقصص الشخصية صدى كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب إدانات للجهات الدولية التي قامت بحذف صورهم من المجال العام. طريقة أخرى للقياس هي الإجراءات المتخذة ضد العناصر التي تنكر جرائم «حماس»، التي غالباً ما تجد أصداء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا، مثلاً، طُردت سامانثا بيرسون، وهي مديرة مركز في جامعة ألبرتا الكندية، بعدما أنكرت الجرائم التي ترتكبها «حماس» ضد النسا؛ وذلك نتيجة للنشاط الذي قامت به الناشطات النسويات الإسرائيليات.

لكن الفلسطينيين ومؤيديهم، من بلدان عدة، أداروا أيضاً حملات مشابهة، وفي بعض الأحيان بنجاعة أكبر، وبثوا صور غزة بطرق متعددة وساهموا بذلك في إجهاض الحملة الإسرائيلية، إذ أظهروا صور الرجال الفلسطينيين في غزة الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية وجرّدتهم من ثيابهم باستثناء ملابسهم الداخلية في الأيام الأخيرة، بقصد إذلالهم. وكانت النتيجة أن الشبكات الاجتماعية ثارت ضد إسرائيل.

وفي الصور التي بثها الجيش الإسرائيلي عن تسليم فلسطينيين أسلحتهم، أظهرت تحليلات الصورة أن الرجل نفسه شوهد وهو يسلّم أسلحته 3 مرات مختلفة، في أماكن مختلفة. يضاف إلى ذلك صورة الجنود الذين قتلوا 3 عناصر من «حماس» وراحوا يصيحون ويهتفون، فظهر وكأنهم يحتفلون بالنصر على جيش روسيا أو الصين، أو صورة الجندي الذي راح يحطّم لعب الأطفال ويقذف بكتب طفلة قال إنها متفوقة، «ولن تعود متفوقة غداً».

صور مثل هذه، بالإضافة إلى الصور القادمة من غزة، قوّضت كثيراً من الجوانب الإعلامية الإسرائيلية، رغم الماكينة الضخمة. وسط «حوار الطرشان» دارت المعركة الإعلامية لتتحول جزءاً من الحرب نفسها، وصار غياب المهنية مفخرة وطنية



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».