كيف يؤثر القرار الأوروبي بـ«حوكمة» الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟

حوكمة الذكاء الاصطناعي يعود إلى الواجهة (أ ب)
حوكمة الذكاء الاصطناعي يعود إلى الواجهة (أ ب)
TT

كيف يؤثر القرار الأوروبي بـ«حوكمة» الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟

حوكمة الذكاء الاصطناعي يعود إلى الواجهة (أ ب)
حوكمة الذكاء الاصطناعي يعود إلى الواجهة (أ ب)

عاد الحديث بشأن «حوكمة» الذكاء الاصطناعي إلى الواجهة من جديد، مع توصل الاتحاد الأوروبي لاتفاق بشأن تنظيم التكنولوجيا وُصف بأنه خطوة غير مسبوقة. وبينما تستهدف تلك الخطوة «ضمان أمان السوق الأوروبية»، فإنها تثير تساؤلات بشأن تأثيرها على الإعلام، لا سيما مع اتخاذ إجراءات مماثلة لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي. وأشاد بعض الخبراء بالقواعد التي وضعها الاتحاد الأوروبي، عادّين أنها ستكون نموذجاً يعاد اعتماده في دول أخرى. في المقابل، وبينما أشار بعض الخبراء إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على الإعلام، فإنهم يشددون على أنه لن يكون بديلاً للصحافي.

للعلم، كان الاتحاد الأوروبي قد اتفق أخيراً، على ما عُد «أول تشريع شامل لحوكمة الذكاء الاصطناعي بعد مفاوضات ماراثونية لمدة 37 ساعة بين البرلمان الأوروبي ودول الاتحاد»، حسب صحيفة «الغارديان» البريطانية. وهذه الخطوة وصفها مفوض الاتحاد الأوروبي، تييري بريتون، بـ«التاريخية غير المسبوقة». وقال إنها «ستسهم أيضاً في حوكمة مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الرئيسية مثل (غوغل)». ويهدف الاتحاد الأوروبي من الاتفاق الجديد إلى «ضمان أمن السوق الأوروبية»، جنباً إلى جنب مع «تحفيز الاستثمار والابتكار في تطوير وتسهيل أدوات التعامل مع الذكاء الاصطناعي».

ويتضمن الاتفاق قواعد للتعامل مع نماذج الذكاء الاصطناعي التي قد تشكل خطراً مستقبلياً. كما يشمل نظاماً لـ«الحوكمة» مع بعض الصلاحيات التنفيذية على مستوى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تعزيز حماية حقوق المستخدمين. حقاً تضع هذه الاتفاقية الاتحاد الأوروبي في مقدمة سباق «حوكمة» الذكاء الاصطناعي وحماية الجمهور من مخاطر الاستخدام، التي تشمل تهديداً محتملاً للحياة في بعض الأحيان. وبذا تصبح أوروبا متقدمة على الولايات المتحدة والصين وبريطانيا في السباق لتنظيم الذكاء الاصطناعي في هذا المجال. ومن المقرر أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2025.

هذا، وبينما أكد مسؤولون أوروبيون دعم فرنسا وألمانيا لنص الاتفاقية، فإن تقارير أخرى أشارت إلى أن شركات التكنولوجيا في باريس وبرلين تسعى للحصول على قيود أقل حدة لتعزيز الابتكار، لا سيما في الشركات الصغيرة. وهنا أشار نائب رئيس جامعة شرق لندن بالعاصمة البريطانية، الدكتور حسن عبد الله، إلى أن «البرلمان الأوروبي استغرق ما يزيد على 36 ساعة في مفاوضات إعداد لوائح جديدة فريدة من نوعها من شأنها أن تضع ضوابط للشركات والتطبيقات في مجالات الذكاء الاصطناعي». وتابع في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «هذه القوانين تأتي بعدما أعلنت الصين في أغسطس (آب) الماضي عدة قوانين بخصوص جين (أيه آي)»، لافتاً إلى أن قوانين المجموعة الأوروبية أقوى في نوعها وأهدافها وكذلك في توفير سبل الحماية.

عبد الله أوضح أن قوانين المجموعة الأوروبية «تركز على التحكم في التطور السريع لجميع تطبيقات وشركات الذكاء الاصطناعي (أوبن أيه آي) و(تشات جي بي تي) وغيرها». وعدّد أسباب «حوكمة» الذكاء الاصطناعي كما تعرضها الاتفاقية، في أنه «بينما أنظمة الذكاء الاصطناعي تصبح أكثر قوة، فإن هناك مخاطر من استخدامها بشكل يهدد الأمن، إضافة إلى أن هناك مخاطر حالية تهدد الإنسانية والمجتمع وقد تدفع لخداع البشرية».

سبب آخر، يطرحه عبد الله، هو «محاولة منع استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد بيانات حساسة تتعلق بالعرق وانتهاك حقوق الأطفال... والحذف العشوائي للوجوه من الإنترنت، وهو ما يمثل مشكلة رئيسية تتعلق بحماية البيانات في القانون العام لحماية البيانات في أوروبا». ويضيف أن «الاتحاد الأوروبي سيعمل على تفعيل تلك التشريعات والعمل لحماية حقوق الملكية الفكرية، وحماية الشركات الكبرى العاملة في تطوير تلك البرمجيات»، مؤكداً أنه «تزامناً مع الاتفاق، فإن المجموعة الأوروبية تعمل على تشجيع وتحفيز التطوير البنّاء في مجالات تخدم البشرية مثل زيادة كفاءة الإنتاج، ونمو الاقتصاد، والاكتشافات الحديثة في البحث العلمي، والصناعة والأدوية والصحة، والابتكار في التعليم؛ إذ يجري تمويل مشاريع بحثية في هذا المجال من خلال (يوروب هورايزون EuropeHorizon) بميزانية تتجاوز 95.5 مليار يورو، وهو من أكبر البرامج في العالم للتمويل البحثي».

ومن ثم، يتابع عبد الله، مشدداً على «أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة»، عادّاً أن «وضع تشريعات لحوكمتها في أوروبا سيكون بمثابة نموذج يعاد نسخه واعتماده في دول أخرى في العالم... وعليه هناك ضرورة للتعاون في تطبيق تلك الضوابط وتعميمها في كافة مجالات التكنولوجيا؛ لما لها من آثار على البشرية». بموجب الاتفاقية يتوجب على مطوّري أنظمة الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة تلبية متطلبات الشفافية الأساسية، حسب وثيقة أصدرها الاتحاد الأوروبي ونشرتها «بلومبرغ»، في حين يُخضع الاتحاد الأوروبي النماذج التي تشكل «خطراً نظامياً» لقواعد إضافية.

من جهتها، في حوار مع «الشرق الأوسط»، رأت ليلى دومة، الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، الاتفاقية بمثابة «خطوة فذة» في تاريخ الذكاء الاصطناعي. وتابعت أن «تلك الخطوة تتطلب إعادة النظر في خوارزميات وقواعد البيانات العملاقة الموجودة في قلب هذه الأنظمة بكل شفافية ودون تلاعب». وأوضحت دومة أنه «على الرغم من الحماية التي توفرها التشريعات القانونية، فإنها تبقى دوماً غير كافية لمعالجة التحديات التي تفرضها هذه الأنظمة التكنولوجية».

بشأن تأثير الاتفاقية على الإعلام، قالت الباحثة الجزائرية: «هناك الكثير من الجدل بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على الإعلام، لا سيما مهنة الصحافي، لكن الحل يكمن في مصداقية ومتانة تلك المهنة؛ ذلك أن مهنة الصحافي ستبقى الأصل ولن يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفسر الإحساس والصمت والدموع أو البحث عن العاطفة في ثنايا الحديث الصحافي، كما لن يكون بمقدوره أن يأخذ بعين الاعتبار السياق الثقافي والإنساني للأحداث». وحقاً ترى دومة أن «الذكاء الاصطناعي سيبقى داعماً ومطوراً لمهنة الصحافة، لكنه لن يلغي الصحافي الإنسان».

ويبقى أن الكلام عن «حوكمة» الذكاء الاصطناعي ليس وليد اللحظة؛ ففي مارس (آذار) الماضي، طالب أكثر من ألف عالم متخصص في التكنولوجيا بـ«هدنة صيفية لمدة 6 أشهر، تستهدف الاتفاق على قواعد حوكمة الرقمية». وإثر ذلك بدأ عدد من المشرّعين الأوروبيين العمل على تشريعات جديدة في هذا الصدد.



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.