حرب غزة تهدّد بشق صفوف الصحافيين الأميركيين

وسط دعوات لوقف إطلاق النار وأخرى تدعو للحياد

صور من حرب غزة (أ ب)
صور من حرب غزة (أ ب)
TT

حرب غزة تهدّد بشق صفوف الصحافيين الأميركيين

صور من حرب غزة (أ ب)
صور من حرب غزة (أ ب)

تواصل الحرب المندلعة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، التأثير على وسائل الإعلام الأميركية الكبرى، وسط بلبلة حول الموقف من الدعوة إلى وقف لإطلاق النار.

ومع صدور بيانات علنية من بعض الصحافيين في نقابات كبرى منضمة إلى أكبر اتحاد أو نقابة للصحافيين في أميركا («نيوز غيلد»)، في دعمها وقف إطلاق النار في غزة، بدا أن بعض الأعضاء المؤثرين فيه يقاومون هذه الدعوات لإصدار بيان عن الاتحاد. ويشير هؤلاء، في الوقت نفسه، إلى دعوات وسائل إعلام أخرى، لتبني موقف محايد من الصراع. وفي حين وقّع أكثر من 750 صحافياً أميركياً على رسالة تحمّل غرف الأخبار في العديد من وسائل الإعلام «مسؤولية الخطاب اللاإنساني الذي ساهم في تبرير التطهير العرقي للفلسطينيين»، منعت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الصحافيين الذين وقعوا على البيان من تغطية الصراع، وأوقفت بث بعض برامجهم الأسبوعية، بينما أعلن العديد من الصحافيين عن أنهم تعرّضوا لمضايقات في وسائل إعلام أخرى.

جون شلوس (حسابه على موقع "إكس")

دعوات للحياد

وفق بعض المصادر، أرسل قادة النقابة التي تمثل صحيفة «وول ستريت جورنال» المرموقة والمحسوبة على الجمهوريين، خطاباً إلى الاتحاد، ذكّروا فيه بأن الصحافيين «يتمتعون بوضع الحماية في مناطق الحرب»، وبالتالي، إن الظهور بمظهر المتحيّز يمكن أن يمنع الصحافيين من حضور الإحاطات الإعلامية أو التحدث إلى المسؤولين، بل يمكن أن يجعلهم أهدافاً عسكرية.

وأضافت الرسالة: «إن اتخاذ مواقف عامة بشأن الأحداث الإخبارية التي نغطيها يضرّ بالثقة التي اكتسبها أعضاؤنا عبر عقود من التقارير المؤثرة في مناطق الحرب وفي جميع أنحاء العالم، وهو ما يغذي الاعتقاد الخاطئ بأن المراسلين هم مناصرون وليسوا مراقبين». ومن ثم تابعت: «إننا نعتقد أن الأخبار التي ننقلها من إسرائيل وغزة ومن جميع أنحاء العالم تتحدث عن نفسها... وليس هناك ما يضيفه الاتحاد».

غير أن رسالة «وول ستريت جورنال» ما كانت وحيدة؛ إذ نقل عن قادة النقابة في صحيفة «نيويورك تايمز»، وجود مناقشات لإصدار بيان مماثل، في حين قال ممثل عن نقابة وكالة «أسوشييتد برس» في الاتحاد، إنهم لم يناقشوا إصدار بيان مماثل بعد.

الجدير بالإشارة، أنه خلال اجتماعها أخيراً ناقشت اللجنة التنفيذية الوطنية لاتحاد الصحافيين، اقتراحاً بتبني بيان يدعو إلى إنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل ووقف إطلاق النار. وفي المساء نفسه، اجتمع فرع النقابة المؤثر في نيويورك لمناقشة الموضوع نفسه، بما في ذلك بيان مقترح، قدمته نقابة موظفي التكنولوجيا في «نيويورك تايمز»، وهي نقابة منفصلة عن صحافيي الصحيفة، كان من شأنه أن يدين إسرائيل لمقتل الأطفال والصحافيين في غزة.

يساريو نيويورك يعارضون

وبالمناسبة، بينما يُعد فرع «نيوز غيلد» في نيويورك، القوة الجذرية للاتحاد، فإن فصيله اليساري، الذي يقدر عدده بعُشر إجمالي أعضاء الفرع، يحظى بسطوة مكّنته في الماضي من تشكيل غالبية في معظم الاجتماعات، وذلك من خلال قدرته على السيطرة على كامل فرع وحدة نيويورك بعضويتها الكبيرة وقوتها التصويتية في المؤتمرات الوطنية، حيث تساوي خُمس النقابة بأكملها.

ولقد جاء في بيان فرع نيويورك أن «هذا العنف ينعكس في تأثير مروّع في غرف الأخبار في الولايات المتحدة وكندا»، في إشارة إلى عشرات الصحافيين الذين قتلوا هناك منذ بدء العملية العسكرية الشهر الماضي. وأردف البيان: «يتحمل أعضاؤنا العبء الأكبر بشكل متزايد، ويعملون في بيئات يصار فيها إلى اعتماد وجهات نظر لتطبيع الهجوم الإسرائيلي باعتبارها موضوعية، بينما يجري تهميش التقارير عن العقاب الجماعي أو رفضها أو معاقبتها باعتبارها تحيزاً». واستطرد ليقول: «إننا ننضم إلى الآلاف من زملائنا والملايين الآخرين حول العالم في الدعوة، بعبارات لا لبس فيها، إلى وقف فوري لإطلاق النار».

شعار الـ"نيوزغيلد" (الشعار الرسمي للاتحاد)

الاتحاد المحافظ يقاوم

غير أن قيادة اتحاد «نيوزغيلد»، الذي يمثل بعضاً من أكبر الأسماء في وسائل الإعلام الإخبارية، بما في ذلك «نيويورك تايمز» و«نيويوركر» و«إن بي سي نيوز»، ووكالة «أسوشييتد برس»، من بين آخرين، ناقشت الاقتراح ورفضته في النهاية. وبدلاً من ذلك اختارت تشكيل مجموعة عمل لصياغة بيان سيصار إلى إصداره لاحقاً لا يدعو إلى وقف إطلاق النار، لكنه يركّز على «الحقوق والحماية التي يتمتع بها العمال النقابيون للتعبير عن آرائهم الشخصية من دون تداعيات مهنية»، في إشارة إلى ما تعرّض له صحافيو «لوس أنجليس تايمز» وغيرها.

وحول الـ«نيوز غيلد» (كان الاتحاد يسمى في الأصل «نقابة الصحف الأميركية»)، فإنه يُعد أكبر اتحاد نقابي للصحافيين الأميركيين، وأسس عام 1993، وهو اليوم عضو في الاتحاد الدولي للصحافيين. وعلى صعيد العضوية، يضم الاتحاد راهناً في صفوفه 25 ألفاً من العاملين في مجموعات واسعة من الأقسام، بما في ذلك التحرير والتكنولوجيا والإعلان وغيرها، سواءً في الصحف والمنشورات عبر الإنترنت والمجلات أو الخدمات الإخبارية ومحطات التلفزيون، وهو ممثلٌ في عموم الولايات المتحدة، وكذلك في كندا وبورتو ريكو. وبالإضافة إلى تحسين الأجور وظروف العمل، ينص قانون الـ«نيوز غيلد» الأساسي على أن هدفه هو «النضال من أجل النزاهة في الصحافة والممارسات التجارية لصناعة الأخبار والتصدي لجشع الناشرين».

من جهة ثانية، على الرغم من أن وسائل الإعلام الأميركية كانت تشهد في السنوات الأخيرة، تزايداً مطرداً في نمو التيار التقدمي في صفوف الصحافيين، فإن قيادة الاتحاد التي كانت متشددة ويسارية في السياسة والسياسات إبان سنوات تأسيسها، تحوّلت فجأة إلى اليمين في أعقاب الاستفتاء الوطني الذي أجري في الخريف الماضي. وجرى انتخاب قائمة محافظة من أعضاء اللجنة التنفيذية «وعدت بالاهتمام الصارم» بالأنشطة الاقتصادية للنقابة، و«التجنب الصارم لأي عمل سياسي راديكالي».

انتقادات للجيش الإسرائيلي

وبما يخص حرب غزة بالذات، أقر «نيوز غيلد» بأن اجتماعه التنفيذي الذي عقد أخيراً، شهد أكبر إقبال على الإطلاق لجهة حضور مندوبي النقابات، من بينهم العديد من المؤيدين للفلسطينيين، الذين كتب بعضهم في تغريدات على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، انتقادات طالت إسرائيل وجيشها. وقالت إحدى التغريدات: «جيش الدفاع الإسرائيلي مسؤول عن 75 في المائة من عمليات قتل الصحافيين في العالم هذا العام، ويَعِدُ بفعل المزيد». وحثت التغريدة الاتحاد على «إظهار هذا الأمر»، في إشارة إلى عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال الحرب المستمرة في غزة، الذي بلغ أكثر من 57 صحافياً ومصوراً، بحسب الاتحاد الدولي للصحافيين.

ولكن على الرغم من ذلك، بدا أن الاستجابة إلى هذا النوع من التوجه من قبل الاتحاد، لا تلقى قبولاً ليس فقط من قيادته، بل من كبريات المؤسسات الإعلامية أيضاً، ما قد يهدّد بحدوث انشقاقات في نقابات الصحافيين والاتحاد نفسه. وحول هذا الموضوع أعلن رئيس الاتحاد جون شلوس، أخيراً، في بيان أنه «لم يُتخذّ أي قرار بشأن إصدار بيان آخر». وأضاف: «في أي وقت تكون هناك مشكلة يهتم بها أعضاؤنا، فإننا نستمع إليهم». ثم أوضح أن اللجنة التنفيذية عقدت جلسة للأعضاء هذا الأسبوع: «ولقد سمعنا من مئات الأعضاء خلال الأيام القليلة الماضية، بعضهم يؤيد الدعوة لوقف إطلاق النار، والبعض الآخر لا... ولكن لا يجوز تأديب أي شخص أو تهديد أمنه الوظيفي بسبب إثارة أسئلة في مكان عمله أو في صناعتنا. إننا نواصل التكلم مع الأعضاء والاستماع إليهم». ناقشت اللجنة التنفيذية الوطنية لاتحاد الصحافيين اقتراحاً بتبني بيان يدعو إلى إنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».