حرب غزة تُلقي بظلالها على «منتدى مصر للإعلام» في نسخته الثانية

المشاركون ناقشوا تبِعات انتهاك المعايير المهنية وتأثيرها على المصداقية

إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
TT

حرب غزة تُلقي بظلالها على «منتدى مصر للإعلام» في نسخته الثانية

إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)

تحت عنوان «عالم بلا إعلام»، استضافت القاهرة الدورة الثانية من «منتدى مصر للإعلام»، بمشاركة عدد من الإعلاميين والصحافيين من مصر ودول عربية وأجنبية. وألقت الحرب الإسرائيلية بظلالها على المنتدى الذي افتتح فعالياته، الأحد، بجلسة حملت عنوان «تحت القصف... الإعلام وسؤال المهنية»، في حين ناقشت جلسات أخرى الإعلام في زمن النزاعات المسلَّحة.

جاء اختيار عنوان المنتدى «عالم بلا إعلام» استجابة لتأثيرات حرب غزة، وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية، على الإعلام، وما أثارته هذه الأزمات من انتقادات للأداء الإعلامي بشكل عام، وسط حديث عن تجاوزات وانتهاكات لمعايير المهنة دفعت الجمهور للبحث عن مصادر بديلة للمعلومات.

ناقش المشاركون، في النسخة الثانية من المنتدى، شكل العالم في حال غياب وسائل الإعلام التي تُحقق وتُدقق في سيل الأخبار المتدفقة من كل مكان، كما تطرقوا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في المساعدة على إنتاج تقارير صحفية تتحلى بالإبداع ولا تنقصها الدقة.

وتوضح رئيس «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، أنه «في وقت تزداد فيه حدة الحروب والنزاعات والجوائح والكوارث الطبيعية، تتعاظم الضغوط على الممارسات الإعلامية الاحترافية الجادة». وتقول، لـ«الشرق الأوسط»: «بينما تتزعزع ثقة قطاعات واسعة من الجمهور العالمي في أداء وسائل الإعلام (التقليدية)، تُخفق وسائط (التواصل الاجتماعي)، رغم ما تشهده من رواج وتأثير، في التمتع بقدر مناسب من المصداقية».

وتضيف: «بسبب تراجع الثقة المُطرد، تزداد المخاطر بشأن مستقبل الإعلام ووجوده»، مشيرة إلى أن كل ما سبق «دفع منتدى مصر للإعلام لتخصيص دورته الثانية لبحث هذه المخاطر، والتوصل إلى السبل التي يمكن من خلالها استعادة الثقة في وسائل الإعلام المهنية، وضمان استدامة أدائها؛ عبر الابتكار، والحوكمة، ومبادرات توليد العوائد».

وأشارت دراسات عدة إلى «تراجع الثقة» في الأخبار، كان آخِرها ما نشره معهد «غالوب» للبحوث، الشهر الماضي، عن «تسجيل مستويات منخفضة قياسية بشأن الثقة في الإعلام بالولايات المتحدة»، حيث قال 38 في المائة ممن شملهم البحث إنهم «لا يثقون مطلقاً في الإعلام»، في حين قال 7 في المائة فقط إنهم «يثقون في الإعلام»، بينما توزعت النسبة المتبقية على درجات متعددة من الثقة.

وتؤكد النحاس: «لا يمكن تحمل نتائج وجود عالم بلا إعلام، لكن هذا الاحتمال يتعزز كلما فقدت صناعة الإعلام اتجاهها على الصعيدين المهني والأخلاقي، أو أخفقت في تطوير نماذج أعمال قادرة على تحقيق الاستدامة».

ويسعى المشاركون بـ«منتدى مصر للإعلام»، إلى «إيجاد السبل اللازمة لتمتين أواصر الصناعة، عبر تعزيز الأطر المهنية والأخلاقية، وتطوير أدوات الابتكار والإبداع»، كما تقول النحاس.

بالفعل بدا واضحاً، منذ الجلسة الأولى بالمنتدى، سيطرة حرب غزة والتعامل الإعلامي معها، حيث عرض المنتدى، في افتتاحه، فيلماً قصيراً عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وضحاياه من الصحافيين.

وهنا قالت النحاس إن «حرب غزة وما أثارته من أحداث مأساوية دفعت لتعزيز الجهود لمواكبة الأحداث والتفاعل معها مهنياً»، مشيرة إلى أنه «خلال الحرب، عجز الإعلام عن الإجابة عن أسئلة الحياد والموضوعية والنزاهة». وأضافت أن «هذا بالتعبئة يستدعي العمل على استعادة الثقة في الإعلام، والتي فُقدت في أتون الحرب، بهدف بناء إعلام حر ومنفتح ومهني قادر على مواجهة القضايا الصعبة».

ناقش المنتدى الاتهامات التي وُجّهت للإعلام الغربي بشأن «انحيازه لإسرائيل خلال الحرب»، محاولاً استكشاف أسباب العوار الإعلامي، مع طرح تساؤلات بشأن انحيازات الإعلام العربي أيضاً.

عبده جاد الله، مدير الأخبار بقناة «سكاي نيوز عربية»، أشار، في كلمته خلال جلسة «تحت القصف... الإعلام وسؤال المهنية»، إلى «انحياز الإعلام الغربي لأوكرانيا في الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها جزءاً من المجتمع الغربي، ومن مصلحته مساندتها، في المقابل كان الطرف الآخر؛ وهو هنا روسيا، الشيطان». وقال إنه «من منطق المصلحة يمكن فهم وجهة النظر في الإعلام الغربي وانحيازاته وهي مبنية على المصلحة، حيث تعامل الإعلام الغربي مع إسرائيل كما تعامل مع أوكرانيا».

بدوره، قال الإعلامي المصري عمرو عبد الحميد إن «الحرب الروسية الأوكرانية كانت بمثابة البروفة لما فعلته وسائل الإعلام الغربية بعد ذلك في تغطيتها للحرب في غزة». وأضاف أن «الإعلام الغربي قدّم أمثلة صارخة على الانحياز في تغطيته للأزمة الأوكرانية، وتعاطف مع الضحايا الأوكرانيين باعتبارهم ذوي عيون زرقاء، على سبيل المثال». وتابع أن «الإعلام الغربي كان يبحث عن هولوكوست أوكراني». وأردف أن «الإعلام كشف عن وجهه الحقيقي في الحرب».

لكن أحمد الطاهري، رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر، يرى أن «سياق أزمة أوكرانيا يختلف عن سياق أزمة غزة»، معتبراً، في كلمته خلال الجلسة، أن المساواة بين الأزمتين «تشخيص خاطئ»، منتقداً «انحياز وسائل إعلام عربية للسردية الإسرائيلية».

المنتدى استعرض نماذج لما وصفه بـ«العوار في بنية الإعلام الغربي، وسقوط مراكز ومؤسسات إعلانية كانت تُعدّ معياراً للمهنية».

كما تطرّق إلى اتجاه الجمهور إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحثاً عن المعلومة والخبر، في ظل تقاعس الإعلام التقليدي، أو تراجعه عن أداء دوره المهني. وحذّر المنتدى من خطورة ذلك، ولا سيما أن ما تبثّه منصات التواصل الاجتماعي ليس كله صحيحاً، بل على العكس فإنها كثيراً ما تعيد مشاركة معلومات «زائفة ومضللة».

السفير حسام زملط، سفير فلسطين في لندن، تحدّث عن مجموعة من الأسئلة التي دأب الإعلام الغربي على توجيهها خلال الأزمة، من بينها سؤال «هل تدين حماس؟»، وقال إن «هذه الأسئلة مُمنهجة وموضوعة مسبقاً لتأطير الصراع العربي الإسرائيلي، ووضع الشعب الفلسطيني دائماً في دائرة العنف والإرهاب».

من جانبه، أشار الكاتب الصحافي المصري إبراهيم عيسى إلى أنه «لا يمكن محاسبة الإعلام الغربي، ونظيره العربي غارق هو أيضاً في الانحياز»، وقال إنه «لا يوجد إعلام بلا انحيازات».

المنتدى شهد مشاركة نحو ألفيْ صحافي وإعلامي من مصر ودول عربية وأجنبية، ولا سيما أنه يُعقَد بالشراكة مع مؤسسات إعلامية عدة، بينها «مبادرة أخبار غوغل»، و«هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، و«اتحاد كُتاب كرة القدم في إنجلترا»، و«المركز الدولي للصحافيين»، و«دويتشة فيله»، وقناة «سكاي نيوز»، وموقع «العين الإخبارية»، ومن مصر قنوات «القاهرة الإخبارية»، و«دي إم سي»، و«سي بي سي»، و«أون»، و«القناة الأولى»، و«تن»، وصحف «الوطن»، و«الشروق»، و«المصري اليوم»، وموقعا «اليوم السابع»، و«مصراوي».

تتميز النسخة الثانية من المنتدى بأبعاد إقليمية وعربية ودولية، وفق خبير الإعلام الرقمي خالد البرماوي، الذي يشير، في حديثه، لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تنوع ضيوف المنتدى ليمثلوا نماذج إعلامية متعددة». يقول البرماوي إن «حرب غزة ألقت بظلالها على المنتدى وموضوعاته، حيث يناقش المنتدى الجوانب المهنية للإعلام على مستوى العالم، محاولاً الإجابة عن سؤال هل يصح العالم بلا إعلام».

ويوضح البرماوي أن «الإعلام الإقليمي والعربي، خلال الحرب الأخيرة على غزة، بدا كأنه يتحدث مع نفسه، وينشر روايته وسرديته على نطاق محلي لا تتجاوزه إلى أبعد من ذلك».

الذكاء الاصطناعي والمهارات المطلوبة للإعلامي في المستقبل كانا من محاور النقاش في جلسات المنتدى.

وعن ذلك يستعرض البرماوي دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز ربحية الإعلام، ويشير إلى أن «الذكاء الاصطناعي سيقلل تكاليف إنتاج المواد الإعلامية، ويدفع نحو إنتاج مواد أكثر عمقاً، ويتيح إعلانات أكثر ديناميكية، ما يعزز ربحية المؤسسات الإعلامية».

بالفعل ركز المنتدى على طرح الذكاء الاصطناعي بوصفه من الأدوات المساعدة في العمل الصحافي والإعلامي، محاولاً استكشاف الطرق للاستفادة من مميزاته وتجاوز سلبياته. كما بحث في حقوق ملكية المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي.



دراسة أوروبية: الإعلام التقليدي محكوم عليه بالزوال

شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)
شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)
TT

دراسة أوروبية: الإعلام التقليدي محكوم عليه بالزوال

شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)
شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

شهد العالم خلال العقدين المنصرمين «ثورة» تكنولوجية غير مسبوقة، من حيث سرعتها وعمق التحولات التي أحدثتها في جميع مناحي الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية. وفتحت هذه «الثورة» عصراً جديداً في عالم التواصل كانت وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة أولى «ضحاياه»، وأيضاً المستفيد الأكبر من الفرص والقدرات التي توفّرها التكنولوجيا الرقمية.

لكن إلى جانب الفرص الهائلة التي أتاحتها التكنولوجيا الرقمية أمام وسائل الإعلام، وضعتها في مواجهة تحديات ضخمة وصعبة لنشر المعلومات أمام منافسة منصات التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت بسرعة إلى القنوات الأساسية لنقل الأخبار إلى الجمهور. وهذا الأمر الذي بات يفرض على وسائل الإعلام الرقمية أن تتكيّف باستمرار مع التطورات التكنولوجية، وأن تكون مضامينها على درجة عالية من الجودة، وأن تقدم قيمة إضافية لجمهورها.

من ناحية ثانية، نظراً إلى وفرة المعلومات التي تتناقلها القنوات والمنصات الرقمية كالمواقع والمدونات والشبكات الاجتماعية، ارتفع منسوب المعلومات المضللة والأخبار المثيرة للجدل والمنازعات في أوساط الرأي العام، وتكاثرت المواجهات وازدادت الخلافات حدة.

لا بد من جهد مضاعَف

هذا الواقع الجديد بات يفرض على وسائل الإعلام أن تبذل جهداً مضاعفاً لضمان جودة وصدقية المعلومات التي تنشرها عبر منصاتها للكشف عن الأخبار المزيفة والمعلومات العارية عن الصحة وتفنيدها. وغدت الوسيلة الإعلامية ملزمة بالتكيّف مع مقتضيات المنظومة الرقمية للحفاظ على موقعها ودورها وتأثيرها، ومواكبة المستجدات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، وإضافتها إلى مجموعة الوسائل التي تستخدمها. إذ إن الثورة التكنولوجية، وما نتج عنها من تحولات رقمية واسعة، وعميقة أسهمت في زيادة توقعات المستخدمين بالنسبة إلى تنوع المواد الإعلامية التي يرغبون في استهلاكها. وباتت الوسيلة الإعلامية مضطرة إلى استخدام أنماط وأشكال مختلفة لنقل المعلومات، بما يتيح للجمهور أن يتمتع بقراءة نص مكتوب ومشاهدة الصور والفيديوهات المرفقة به، وأن يحلّل الرسوم البيانية أو الاستماع إلى تسجيلات «البودكاست» ومتابعة الصور المتحركة التي يتضمنها.

غير أن ديمومة وسيلة الإعلام واستمرارية نشاطها في الفضاء الرقمي أصبحتا تعتمدان في هذا الظرف الجديد على أن تكون لديها استراتيجيات تسويقية توفر لها موارد اقتصادية تدعم جهودها وأنشطتها الإعلامية. وهذا العامل، يشكّل تحدياً تكنولوجياً وتجارياً بسبب الوسائل الرقمية الحديثة التي تحجب الإعلانات وتحدّ من فاعليتها ومردودها الاقتصادي.

كل هذه التحديات تستدعي من وسائل الإعلام، وأيضاً من مستهلكي المواد التي تنشرها، مواكبة التطورات التكنولوجية بما يتيح لها أوسع استفادة ممكنة من المنصّات والوسائل والمضامين التي في متناولها. لكنَّ وسائل الإعلام الرقمية هي التي يُفترض بها في المقام الأول أن تضمن لجمهورها جودة المواد التي تتناقلها، وصحة المعلومات المتداولة، مستندةً إلى معارفها وقدراتها وخبرتها وموهبتها انطلاقاً من مبادئ موضوعية المعلومات وصدقيتها.

صحف بريطانية تنتظر مشترين (رويترز)

دراسة «المركز الأوروبي»

آخر الدراسات التي وضعها «المركز الأوروبي لوسائل الإعلام»، التابع للمفوضية الأوروبية، تشير إلى أن التطورات الاجتماعية والسياسية الأخيرة، من جائحة كوفيد-19 إلى صعود القوى اليمينية المتطرفة، مروراً بالحرب في أوكرانيا، أحدثت تغييراً ملحوظاً في نمط استهلاك المعلومات عبر الوسائل التقليدية والرقمية على السواء، وزاد الاهتمام بتلك التي توفر قدراً أكبر من الصدقية وتتمتع بمستوى أعلى من الرصانة. وبينما استطاعت قنوات التلفزيون الإخبارية المحافظة على موقعها وموثوقيتها في بعض البلدان، شهدت الصحف عموماً تراجعاً ملحوظاً، وبخاصة تلك التي لم تتكيّف بالقدر الكافي أو السرعة اللازمة مع مقتضيات العصر الرقمي.

كذلك، تبيّن الدراسة أن السواد الأعظم من وسائل الإعلام الرئيسية في أوروبا لا يعير الاهتمام الكافي لشؤون الشباب والمرأة والأقليات العرقية، وأن الإقبال على شبكات التواصل الاجتماعي يبلغ مستويات عالية بين الشباب وفي أوساط أصحاب المستويات التعليمية المتدنية.

وفي حين يسجّل بعص الدول الغنية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المشتركين مقابل الدفع في المواقع أو الصحف الإلكترونية، ما زالت نسبة المشتركين عموماً في مثل هذه الخدمات متدنية جداً. كذلك تبيّن أن نسبة الذين يستهلّون «نهارهم الإخباري» بالدخول إلى موقع صحيفة أو منصة لا يتجاوز 22 في المائة، وأن «حصة الأسد» من هذه النسبة هي دائماً من نصيب المواقع أو الصحف الكبرى.

وترجّح الدراسة في استنتاجاتها أنه رغم نجاح بعض وسائل الإعلام الكبرى في مواجهة تحديات العصر الرقمي، فإن غالبية الوسائل التقليدية محكوم عليها بالزوال أو بالتراجع الملحوظ في أحسن الأحوال، إنْ لم تسارع إلى التكيّف مع الظروف المستجدة في العالم التكنولوجي، مع التغييرات العميقة التي طرأت على أنماط التواصل الاجتماعي.