مالك مكتبي: عدت إلى الرياض حيث ولد حلمي الأول

قال لــ «الشرق الأوسط» إن «جائزة الصحافة العربية» أفرحته كونها تأتي من جهة تتمتع بالمصداقية

يتسلّم جائزة "منتدى الإعلام العربي" من ضياء رشوان (الشرق الأوسط)
يتسلّم جائزة "منتدى الإعلام العربي" من ضياء رشوان (الشرق الأوسط)
TT

مالك مكتبي: عدت إلى الرياض حيث ولد حلمي الأول

يتسلّم جائزة "منتدى الإعلام العربي" من ضياء رشوان (الشرق الأوسط)
يتسلّم جائزة "منتدى الإعلام العربي" من ضياء رشوان (الشرق الأوسط)

شهرته الإعلامية الواسعة حققها من خلال برنامجه التلفزيوني «أحمر بالخط العريض» عبر شاشة «إل بي سي» اللبنانية، وعنه حصد مالك مكتبي «جائزة الصحافة العربية» عن فئة «أفضل برنامج اجتماعيّ»، وذلك ضمن فعاليات الدورة 21 من «منتدى الإعلام العربي» بدبيّ.

مكتبي سلّط، من خلال برنامجه هذا، الضوء على قضايا إنسانية انطلاقاً من مبدأ أن «القضية لا تناقش بشكل جوهري إلا إذا جاءت على لسان أصحابها». وحقاً، نجح بأسلوبه الحواري المتقن في دفع ضيوفه إلى البوح. ومعه تجاوز هؤلاء الضيوف مشاكل كانت تنغّص حياتهم واستطاعوا ملامسة السلام في قلوبهم.

وبعد نحو 17 سنة من تقديمه هذا البرنامج، كوفئ مكتبي بهذه الجائزة التي لم يكن يتوقعها. وهنا يقول: «بالفعل لم أتوقعها... لأن هذا النوع من الجوائز يأتي في بدايات برنامج ناجح. ولكن ما أفرحني بالفعل هو كونها تأتي من جهة تتمتع بالمصداقية، وبالتالي، كانت بمثابة مكافأة لي ولفريق عملي في البرنامج». أما الأثر الأكبر الذي تركته عنده هذه الجائزة فلأنها تذكره بمحطة مهمة من بداياته. وهنا يوضح لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً: «هذا المنتدى كان أول مَن دعاني إلى فعالياته في بداياتي. يومها كان اسمي ولأول مرة يخرج من النطاق المحلي. ومنه اليوم أكافأ على 17 سنة من العمل».

مكتبي ... والإعلام الجديد (الشرق الاوسط)

بودكاست «احكي مالك»في الواقع، استحق مالك مكتبي النجاحات التي أحرزها لكونها تؤكد أن الجهد والتمسك بالإرادة الصلبة لا بد أن ينتج عنهما النجاح. واليوم يرسم مكتبي مشهداً إعلامياً جديداً في مشواره. وعبر «بودكاست» سعودي بعنوان «احكي مالك» يقلّب صفحة ليبدأ أخرى، ومعه يكون أول إعلامي لبناني يحاور مشاهير المملكة العربية السعودية من رجالات الإعلام والفن والرياضة والثقافة والمؤثرين فيها.

فيه ينصت إليهم، يخبرونه قصصهم ومراحل من حياتهم. ومستخدماً أسلوبه المعروف به في «فن البوح»، يدفعهم إلى التصريح... وكذلك إلى الاعتراف بحقائق وذكريات لم يسبق أن أفصحوا عنها.

يجد مكتبي في هذه الخطوة سماء يحلّق فيها بعيداً عن قيود التلفزيون؛ موطئ قدمه الأول. وهذا ما سمح له باكتشاف وتعلّم أمور كثيرة، إذ تحرّر من «روتين» عمل كان يضطره إلى اجتزاء فكرة ومنتجة حديث.

لقد تخلّى مكتبي عن البزّة الرسمية ومساحيق التجميل الضرورية أمام أضواء الكاميرا، وبعفوية وتلقائية مطلقة انطلق بحواراته على مدى ساعتين من الوقت وأحياناً أكثر. وعلى أساسها راح يغرّد بحواراته مواكباً «رؤية 2030» في المملكة، قائلاً: «إنها محور الجميع في السعودية لما ولّدت عندهم من آمال وتطلعات. لقد لمست هذه الرؤية المستقبلية عن قرب. إنها تغلي في قلوب أهلها وتحفّزهم على إكمال مستقبل مشرق حلموا به».

هكذا يعبّر مالك مكتبي عما خالجه من مشاعر منذ وصوله إلى مدينة الرياض حتى مغادرتها. تلك كانت الزيارة الأولى التي يقوم بها بعد غياب عنها دام 22 سنة. وما يستحق الذكر أن مالك ترعرع في العاصمة السعودية ودرس وأمضى طفولته وشبابه فيها، وتفتحت أولى براعم أحلامه الإعلامية.

ولادة الفكرة«منذ عام 2018 تراودني فكرة البودكاست»، قال لنا.

تجربة مالك مكتبي الاعلامية الجديدة أعادته الى أرض أحلامه... الرياض (الشرق الأوسط)

«لم تكن رائجة بعد، ورغبت في تقديم المضمون المرجوّ لكن الوقت لم يسعفني. وجاءت الجائحة ومن بعدها توالت أزمات لبنان». وأردف: «على الإعلامي أن يطوّر نفسه ويلحق بالتغيير. وعندما قرّرت ولوجها من جديد كنت على موعد مع قدَري في السعودية مرة جديدة. وفي المدينة حيث ترعرعت، شعرت كأنني في بلدي. وقلت في نفسي من الرياض وإلى الرياض تعود».

وبالفعل، توجه مكتبي إلى الرياض وهو مصمم على إحراز الجديد. لم يتقيد بأفكار أو هواجس مسبقة، بل ترك لهذه التجربة أن تحمله على أجنحتها كما تشاء. وهو إذ يصف تجربته يقول: «التركيبة بمجملها مختلفة... فلعبة (الهواء) والوقت والمشاهد والمادة الواحدة في التلفزيون غابت تماماً... ارتحت في محاورة هؤلاء النجوم السعوديين عن قصص ملهمة وحلوة ومحتوى سعودي بامتياز».

10 حلقات صوّرها مالك مكتبي وسجلها كمرحلة أولى من «بودكاست» سعودي. وفيها اعتمد على السرد القصصي بالحوارات الشيقة. أما أول ضيوفه فكان الممثل عبد الله السدحان، وبعده تكر السبحة، فيحاور نجوماً آخرين من عالم الغناء وأبطال الرياضة، ورجال أعمال وغيرهم. ولا تقتصر رحلة مكتبي على خطوة إعلامية تحرر فيها من المألوف، بل إنها كانت عودة إلى شريط ذكريات رافقه منذ وصوله إلى حين مغادرته البلاد.

وهنا يوضح: «سأكمل المشوار بالتأكيد، وسأزور الرياض مرة كل شهر على الأقل. وأنا على يقين بأن السعودية ستكون بوصلة أساسية للمستقبل في المنطقة. وما لفتني هذه الطاقة التي يتمتع بها أهل البلاد، فيمدونك بها بطاقة لا شعورية تشعر بقوة الحياة».

ويغوص في أحلامه ويستعيد الذكريات: «أحاسيس مختلطة انتابتني منذ وطئت قدماي الرياض. لقد تغيّرت، بالطبع، وتطوّرت وصارت مثال البلدان التي يحتذى بها. ولكن على الرغم من كل ذلك شعرت كما الأطفال بالأمان. عدت 22 سنة إلى الوراء وطلبت سيارة أجرة لتوصلني إلى حيث كنت أسكن في منطقة الثلاثين».

كان على باله أن يدخل هذا المنزل ويلمس حيطانه ويدور في غرفه. ومن ثم توجه إلى مدرسته، متتبعاً أثرها عبر خريطة «غوغل» الإلكترونية. «ولكن فجأة عادت إلي ذاكرتي ووصلت إلى هناك، وأنا أدلّ السائق على الزواريب والشوارع. كانت لحظات جميلة لا يمكنني أن أنساها أبداً».

تحدث مكتبي مع ضيوفه بشتى المواضيع: «مع كل شخصية حاورتها استمتعت واكتشفت الجديد. وحضرت فيها رؤية 2030 والإنجازات التي وقفت وراءها. تكلمت مع ضيوفي عن الأحلام والشقين الشخصي والمهني، فكانت حوارات ذات خلطة غريبة من مملكة الأصالة وماضيها وإنجازات اليوم ومستقبلها المشرق».

وحقاً، لطالما تأثر مالك مكتبي بقصص ضيوفه في «أحمر بالخط العريض» البرنامج الذي يدخل اليوم موسمه الـ17. فكان يعرف كيف يسحب تفاصيلها منهم. «برأيي القصة هي الأساس، لا جنسية ولا حدود لها، واعتمدتها في البودكاست أيضاً، طبعاً مع إضافة بهارات سعودية».

ولإيمانه الكبير بمستقبل مشع للمملكة أسس فيها شركة تختص بإنتاج المحتوى، قال عنها: «سمّيتها (ما بعد الخيال)، وهي تقف وراء إنتاج برنامج (احكي مالك) باكورة إنتاجاتي».


مقالات ذات صلة

روسيا تمدد احتجاز الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش حتى 30 يناير

أوروبا مراسل «وول ستريت جورنال» إيفان غيرشكوفيتش يقف داخل قاعة بمحكمة مدينة موسكو (أ.ب)

روسيا تمدد احتجاز الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش حتى 30 يناير

مددت محكمة في موسكو، الثلاثاء، الحبس الاحتياطي للصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، الموقوف في روسيا منذ مارس، بتهمة التجسس.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق إحدى جلسات «منتدى مصر للإعلام» (الشرق الأوسط)

«منتدى مصر للإعلام» يختتم جلساته بالدعوة لتعزيز المعايير المهنية

اختتم «منتدى مصر للإعلام» فعاليات نسخته الثانية بالدعوة لتعزيز المعايير المهنية، والتأكيد على «أهمية وجود مؤسسات إعلامية تقليدية ملتزمة بتلك المعايير».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
تكنولوجيا «إكس» تواجه خسارة 75 مليون دولار بسبب انسحاب المعلنين عقب دعم ماسك محتوى أثار الجدل (أ.ف.ب)

هروب المعلنين يهدد «إكس» بخسائر تصل إلى 75 مليون دولار

تواجه منصة «إكس» تحديات كبيرة تتمثل في فقدان إيرادات الإعلانات بشكل كبير، والتي قد تصل خسائرها إلى 75 مليون دولار بحلول نهاية العام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
الاقتصاد مجموعة «إم بي سي» حصلت على موافقة هيئة السوق المالية لطرح 10 % من رأسمالها (الشرق الأوسط)

«إم بي سي» تستعد لطرح 10 % من أسهمها في السوق السعودية

أعلنت مجموعة «إم بي سي» الإعلامية نيتها في الطرح العام الأولي وإدراج أسهمها العادية في السوق الرئيسية لتداول السعودية (تداول).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي المكتب الإعلامي بغزة يقول إن الصحافيين تعرضوا للاستهداف بشكل مباشر أو باستهداف منازلهم (أ.ف.ب)

مقتل 60 صحافياً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة

أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، الأحد، أن 60 صحافياً قُتلوا في قطاع غزة منذ بدء الحرب على القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تضامن إعلامي دولي ضد التحيز والتضليل تجاه القضية الفلسطينية في جدة

مشيّعون يحضرون جنازة زملائهم الصحافيين الذين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي الثلاثاء على غزة (أ.ف.ب)
مشيّعون يحضرون جنازة زملائهم الصحافيين الذين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي الثلاثاء على غزة (أ.ف.ب)
TT

تضامن إعلامي دولي ضد التحيز والتضليل تجاه القضية الفلسطينية في جدة

مشيّعون يحضرون جنازة زملائهم الصحافيين الذين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي الثلاثاء على غزة (أ.ف.ب)
مشيّعون يحضرون جنازة زملائهم الصحافيين الذين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي الثلاثاء على غزة (أ.ف.ب)

جمعت «رابطة العالم الإسلامي» اتحاد وكالات الأنباء الإسلامية الذي يضم 57 دولة، وأهم وكالات الأنباء الدولية من آسيا وأوروبا والأميركتين، في المنتدى الدولي عن «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيز». وهو الحدث العالمي التضامني الأبرز الذي تشهده الساحة الدولية ضد التحيز والتضليل الإعلامي، لا سيما تجاه القضية الفلسطينية.

وانطلقت أعمال المنتدى (الأحد) في جدة (غرب السعودية)، برعاية وحضور الأمين العام لـ«رابطة العالم الإسلامي»، رئيس هيئة علماء المسلمين، د.محمد بن عبدالكريم العيسى، والمشرف العام على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين، الوزير أحمد العسَّاف، وبمشاركة عددٍ من الوزراء والقيادات الإعلامية الإسلامية والدولية، ونخبة من السفراء والشخصيات الدينية والفكرية والحقوقية وقادة المنظمات الدولية.

جانب من المنتدى الدولي في جدة عن «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف» (وكالة الأنباء العراقية)

يأتي عقد المنتدى ضمن الشراكة الوثيقة التي تربط الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي في «رابطة العالم الإسلامي»، و«اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي»، الذي يمثِّل جهازاً متخصصاً مستقلاً، في إطار الأهداف المشتركة لهما.

وفي مستهل الجلسة الافتتاحية للمنتدى، رحَّب الأمين العام لـ«رابطة العالم الإسلامي»، رئيس هيئة علماء المسلمين، د. محمد العيسى بالحضور، مشيراً إلى أنَّ المنتدى يُعقد في رحاب منظمتين دوليتين، وهما «رابطة العالم الإسلامي» ممثلة في وكالة الاتصال المؤسسي، و«اتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي».

وأكد العيسى أن موضوع المؤتمر، يلامِسُ اهتمامَ الضمائر الحية، وتمثل إشكاليتُه العالمية التحدي السائدَ في كثيرٍ من القضايا الدولية، مبيناً أن الموضوع هو عنوان عريض، يختزل محاورَ متعددة، هي محلُّ اهتمامٍ كبير لـ«رابطة العالم الإسلامي»، والمنظمات الدولية عامة؛ الحكومية وغير الحكومية.

وحذَّر الشيخ العيسى من أنَّ «هذا الأمر أنتج وضعاً مؤسفاً من الفوضى والعته الفكري، الذي أدى إلى حالة من الانتكاس التي عادت بالعالم المتحضر، وعالم ما بعد الحروب العالمية الطاحنة، وعالم ما بعد النظام الدولي الذي وحَّد أمم العالم تحت مظلة واحدة بميثاق واحد، إلى مشهدِ عُصورٍ متخلفة».

وشدد قائلاً: «إنَّ للإعلام دوراً وازناً للإسهام بفاعلية في الأخذ بعالمنا نحو سفينة نجاته والبعد به عن الغرق في مجازفاته، حيث التصعيد المقلق لخطاب الكراهية، والتحريض به على أمور خطرة في طليعتها التمييز والإقصاء، وانتهاءً إلى الصراع والصدام والعنف، والتاريخ شاهد».

وقال: «مع هذا كلّه، لا يزالُ عددٌ من العُقول في عصر (التنوير المادي») و(التقدُّمِ الحضاري بمفاهيمِهِ المشتركة)، في تخلُّفٍ قيمِي، حيث استحكمت نزعة الكراهيةِ على كثيرٍ من العقول والسياسات»، لافتاً إلى أنَّه في عدد من حالاتِها «بدت هذه الكراهية في أبشعِ وأسوأ صورها، وفي طليعتها ازدواجيةُ المَعَايير بنماذِجَ تجاوزت التأويلَ والمناورة، إلى التحدي والمكابرة».

وأشار الشيخ العيسى إلى أن ما نَشهدُهُ اليومَ في غزةَ، من اعتداء إجرامي على الأبرياء من الأطفال والنساء وغيرهم، لهو وصمةُ عارٍ في جبين الإنسانية أجمع.

وزير الإعلام الفلسطيني أحمد العساف (الشرق الأوسط)

من جهته، قال الوزير أحمد العساف، المشرف على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين، رئيس مجلس إدارة «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية»، إن المنتدى يعقد «في هذا التوقيت الثقيل الذي يمرّ على أهلنا في فلسطين، وتحديداً في غزة التي تتعرض لهذه المذبحة والمجازر»، مضيفاً أنه إذا أخذنا القضية الفلسطينية نموذجاً لدور الإعلام في مكافحة التضليل والتحيز «وجدنا أنها النموذج الأصدق والنموذج الأوضح؛ لأنها تلخِّص المعركة بين الحق والباطل، وبين الحقيقة والكذب والتضليل والافتراء».

وأشار العساف إلى أنَّ القضية الفلسطينية تعرّضت إعلامياً منذ 75 عاماً، ومنذ بدء هذا العدوان على شعب فلسطين وأرضهم، إلى محاولة لإلغاء الرواية الفلسطينية، وعانت من هذا الانحياز والتضليل من قبل كبريات وسائل الإعلام في العالم التي لم تُرد رؤية الحقيقة، كما سعت لتغييب الحقيقة وشطبها وإلغائها، موضحاً أنه «عندما يتم النظر إلى الشأن الفلسطيني يعمون أبصارهم عما يجري على الأرض الفلسطينية من جرائم واضطهاد وقتل وتدمير».

مداخلات من الأراضي الفلسطينية

وشهدت الجلسة الافتتاحية مداخلات مباشرة لعدد من الصحافيين من الأراضي الفلسطينية، تحدثوا فيها عن واقع الصحافة في ظل العدوان الإسرائيلي، والتحديات التي يواجهها الصحافيون في سبيل القيام بواجبهم المهني.

كما تضمنت الجلسة عرضاً لفيلم قصير حول دور الإعلام في صناعة الرأي العام، وتشكيل وعي المجتمعات سلباً أو إيجاباً.

وبدأ المنتدى أولى جلساته بالحديث عن دور المؤسسات والقيادات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلامية. وناقشت الجلسة، كيف يمكن للمؤسسات والقادة الدينيين أن يسهموا في التصدي للإعلام المضلل أو المتحيز، ويشاركوا في مواجهة الخطابات التي تؤجج الكراهية وتغذي مشاعر العنف، لا سيما في أوقات القضايا والنزاعات، أو عند تناول القضايا ذات البعد الديني، أو العلاقة بالمقدسات. وشارك في هذه الجلسة القادة الدينيون لتقديم تلك الرؤى من منظور ديني.

التضليل الإعلامي

وناقشت الجلسة الثانية موضوع التحيز والتضليل في الإعلام الدولي «القضية الفلسطينية أنموذجاً»، وترأس الجلسة الدكتور دانيال ماتروسوف، رئيس المجلس البطريركي المختص بالعلاقات الإسلامية ورئيس مجلس الخبراء في الكنيسة الأرثوذكسية للتفاعل مع العالم الإسلامي - روسيا، والوزير أحمد العساف المشرف على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين رئيس مجلس إدارة «وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية».

وتناولا مع المشاركين آليات التضليل المستخدَمة في تغطية الأحداث في فلسطين، وكيفية انتهاك المعايير الأخلاقية والمهنية من قبل بعض وسائل الإعلام، وطرحوا أفكاراً حول كيفية مكافحة ظاهرة التحيز والتضليل والتصدي لها من خلال نشر الوعي وتعزيز المصداقية.

مراسلون وصحافيون خلال القصف الجوي الإسرائيلي على مدينة غزة في 6 أغسطس (أ.ف.ب)

وتناولت الجلسة الثالثة موضوع «المسؤولية الأخلاقية للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية عند تغطية القضايا ذات البعدين الديني والإنساني». وبحث المشاركون المعايير والضوابط الأخلاقية التي يجب أن تحكم العمل الإعلامي، بما يضمن الموضوعية وعدم الإساءة أو التحريض على الكراهية.

وركّزت الجلسة الرابعة على «أهمية إقامة وبناء تحالفات وشراكات فاعلة بين المؤسسات الدينية والإعلامية» على المستوى الدولي؛ لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف. وتناول المشاركون كيف يمكن للقادة والمنظمات الدينية أن تتعاون مع المؤسسات الإعلامية لنشر رسائل تروّج لقيم التعايش والسلام، وتصحح المفاهيم المغلوطة.

كما ناقشوا سبل تشجيع الإعلاميين على اعتماد مقاربات مهنية تراعي حساسية القضايا ذات البعد الديني. وطرحت الجلسة أفكاراً عملية لإقامة شراكات وتحالفات إعلامية دولية بين مختلف الجهات ذات العلاقة؛ لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مجال مواجهة الخطاب المتطرف حول العالم.

يهدف المنتدى إلى تعزيز الإعلام المسؤول والمتوازن، والحد من تأجيج الكراهية والعنف في الإعلام، وتعزيز التواصل بين الأديان والثقافات، وتقديم رؤى وتوجيهات عامة حول التعامل المثالي والمسؤول مع القضايا المعقدة والحساسة، من خلال جلساته التوجيهية التي شارك فيها رؤساء المنظمات الإسلامية، والقادة الدينيون الدوليون من الأديان والثقافات المتنوعة، ووزراء الإعلام.


حرب غزة تُلقي بظلالها على «منتدى مصر للإعلام» في نسخته الثانية

إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
TT

حرب غزة تُلقي بظلالها على «منتدى مصر للإعلام» في نسخته الثانية

إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)
إحدى جلسات منتدى مصر للإعلام (الشرق الأوسط)

تحت عنوان «عالم بلا إعلام»، استضافت القاهرة الدورة الثانية من «منتدى مصر للإعلام»، بمشاركة عدد من الإعلاميين والصحافيين من مصر ودول عربية وأجنبية. وألقت الحرب الإسرائيلية بظلالها على المنتدى الذي افتتح فعالياته، الأحد، بجلسة حملت عنوان «تحت القصف... الإعلام وسؤال المهنية»، في حين ناقشت جلسات أخرى الإعلام في زمن النزاعات المسلَّحة.

جاء اختيار عنوان المنتدى «عالم بلا إعلام» استجابة لتأثيرات حرب غزة، وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية، على الإعلام، وما أثارته هذه الأزمات من انتقادات للأداء الإعلامي بشكل عام، وسط حديث عن تجاوزات وانتهاكات لمعايير المهنة دفعت الجمهور للبحث عن مصادر بديلة للمعلومات.

ناقش المشاركون، في النسخة الثانية من المنتدى، شكل العالم في حال غياب وسائل الإعلام التي تُحقق وتُدقق في سيل الأخبار المتدفقة من كل مكان، كما تطرقوا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي في المساعدة على إنتاج تقارير صحفية تتحلى بالإبداع ولا تنقصها الدقة.

وتوضح رئيس «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، أنه «في وقت تزداد فيه حدة الحروب والنزاعات والجوائح والكوارث الطبيعية، تتعاظم الضغوط على الممارسات الإعلامية الاحترافية الجادة». وتقول، لـ«الشرق الأوسط»: «بينما تتزعزع ثقة قطاعات واسعة من الجمهور العالمي في أداء وسائل الإعلام (التقليدية)، تُخفق وسائط (التواصل الاجتماعي)، رغم ما تشهده من رواج وتأثير، في التمتع بقدر مناسب من المصداقية».

وتضيف: «بسبب تراجع الثقة المُطرد، تزداد المخاطر بشأن مستقبل الإعلام ووجوده»، مشيرة إلى أن كل ما سبق «دفع منتدى مصر للإعلام لتخصيص دورته الثانية لبحث هذه المخاطر، والتوصل إلى السبل التي يمكن من خلالها استعادة الثقة في وسائل الإعلام المهنية، وضمان استدامة أدائها؛ عبر الابتكار، والحوكمة، ومبادرات توليد العوائد».

وأشارت دراسات عدة إلى «تراجع الثقة» في الأخبار، كان آخِرها ما نشره معهد «غالوب» للبحوث، الشهر الماضي، عن «تسجيل مستويات منخفضة قياسية بشأن الثقة في الإعلام بالولايات المتحدة»، حيث قال 38 في المائة ممن شملهم البحث إنهم «لا يثقون مطلقاً في الإعلام»، في حين قال 7 في المائة فقط إنهم «يثقون في الإعلام»، بينما توزعت النسبة المتبقية على درجات متعددة من الثقة.

وتؤكد النحاس: «لا يمكن تحمل نتائج وجود عالم بلا إعلام، لكن هذا الاحتمال يتعزز كلما فقدت صناعة الإعلام اتجاهها على الصعيدين المهني والأخلاقي، أو أخفقت في تطوير نماذج أعمال قادرة على تحقيق الاستدامة».

ويسعى المشاركون بـ«منتدى مصر للإعلام»، إلى «إيجاد السبل اللازمة لتمتين أواصر الصناعة، عبر تعزيز الأطر المهنية والأخلاقية، وتطوير أدوات الابتكار والإبداع»، كما تقول النحاس.

بالفعل بدا واضحاً، منذ الجلسة الأولى بالمنتدى، سيطرة حرب غزة والتعامل الإعلامي معها، حيث عرض المنتدى، في افتتاحه، فيلماً قصيراً عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وضحاياه من الصحافيين.

وهنا قالت النحاس إن «حرب غزة وما أثارته من أحداث مأساوية دفعت لتعزيز الجهود لمواكبة الأحداث والتفاعل معها مهنياً»، مشيرة إلى أنه «خلال الحرب، عجز الإعلام عن الإجابة عن أسئلة الحياد والموضوعية والنزاهة». وأضافت أن «هذا بالتعبئة يستدعي العمل على استعادة الثقة في الإعلام، والتي فُقدت في أتون الحرب، بهدف بناء إعلام حر ومنفتح ومهني قادر على مواجهة القضايا الصعبة».

ناقش المنتدى الاتهامات التي وُجّهت للإعلام الغربي بشأن «انحيازه لإسرائيل خلال الحرب»، محاولاً استكشاف أسباب العوار الإعلامي، مع طرح تساؤلات بشأن انحيازات الإعلام العربي أيضاً.

عبده جاد الله، مدير الأخبار بقناة «سكاي نيوز عربية»، أشار، في كلمته خلال جلسة «تحت القصف... الإعلام وسؤال المهنية»، إلى «انحياز الإعلام الغربي لأوكرانيا في الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها جزءاً من المجتمع الغربي، ومن مصلحته مساندتها، في المقابل كان الطرف الآخر؛ وهو هنا روسيا، الشيطان». وقال إنه «من منطق المصلحة يمكن فهم وجهة النظر في الإعلام الغربي وانحيازاته وهي مبنية على المصلحة، حيث تعامل الإعلام الغربي مع إسرائيل كما تعامل مع أوكرانيا».

بدوره، قال الإعلامي المصري عمرو عبد الحميد إن «الحرب الروسية الأوكرانية كانت بمثابة البروفة لما فعلته وسائل الإعلام الغربية بعد ذلك في تغطيتها للحرب في غزة». وأضاف أن «الإعلام الغربي قدّم أمثلة صارخة على الانحياز في تغطيته للأزمة الأوكرانية، وتعاطف مع الضحايا الأوكرانيين باعتبارهم ذوي عيون زرقاء، على سبيل المثال». وتابع أن «الإعلام الغربي كان يبحث عن هولوكوست أوكراني». وأردف أن «الإعلام كشف عن وجهه الحقيقي في الحرب».

لكن أحمد الطاهري، رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر، يرى أن «سياق أزمة أوكرانيا يختلف عن سياق أزمة غزة»، معتبراً، في كلمته خلال الجلسة، أن المساواة بين الأزمتين «تشخيص خاطئ»، منتقداً «انحياز وسائل إعلام عربية للسردية الإسرائيلية».

المنتدى استعرض نماذج لما وصفه بـ«العوار في بنية الإعلام الغربي، وسقوط مراكز ومؤسسات إعلانية كانت تُعدّ معياراً للمهنية».

كما تطرّق إلى اتجاه الجمهور إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحثاً عن المعلومة والخبر، في ظل تقاعس الإعلام التقليدي، أو تراجعه عن أداء دوره المهني. وحذّر المنتدى من خطورة ذلك، ولا سيما أن ما تبثّه منصات التواصل الاجتماعي ليس كله صحيحاً، بل على العكس فإنها كثيراً ما تعيد مشاركة معلومات «زائفة ومضللة».

السفير حسام زملط، سفير فلسطين في لندن، تحدّث عن مجموعة من الأسئلة التي دأب الإعلام الغربي على توجيهها خلال الأزمة، من بينها سؤال «هل تدين حماس؟»، وقال إن «هذه الأسئلة مُمنهجة وموضوعة مسبقاً لتأطير الصراع العربي الإسرائيلي، ووضع الشعب الفلسطيني دائماً في دائرة العنف والإرهاب».

من جانبه، أشار الكاتب الصحافي المصري إبراهيم عيسى إلى أنه «لا يمكن محاسبة الإعلام الغربي، ونظيره العربي غارق هو أيضاً في الانحياز»، وقال إنه «لا يوجد إعلام بلا انحيازات».

المنتدى شهد مشاركة نحو ألفيْ صحافي وإعلامي من مصر ودول عربية وأجنبية، ولا سيما أنه يُعقَد بالشراكة مع مؤسسات إعلامية عدة، بينها «مبادرة أخبار غوغل»، و«هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، و«اتحاد كُتاب كرة القدم في إنجلترا»، و«المركز الدولي للصحافيين»، و«دويتشة فيله»، وقناة «سكاي نيوز»، وموقع «العين الإخبارية»، ومن مصر قنوات «القاهرة الإخبارية»، و«دي إم سي»، و«سي بي سي»، و«أون»، و«القناة الأولى»، و«تن»، وصحف «الوطن»، و«الشروق»، و«المصري اليوم»، وموقعا «اليوم السابع»، و«مصراوي».

تتميز النسخة الثانية من المنتدى بأبعاد إقليمية وعربية ودولية، وفق خبير الإعلام الرقمي خالد البرماوي، الذي يشير، في حديثه، لـ«الشرق الأوسط»، إلى «تنوع ضيوف المنتدى ليمثلوا نماذج إعلامية متعددة». يقول البرماوي إن «حرب غزة ألقت بظلالها على المنتدى وموضوعاته، حيث يناقش المنتدى الجوانب المهنية للإعلام على مستوى العالم، محاولاً الإجابة عن سؤال هل يصح العالم بلا إعلام».

ويوضح البرماوي أن «الإعلام الإقليمي والعربي، خلال الحرب الأخيرة على غزة، بدا كأنه يتحدث مع نفسه، وينشر روايته وسرديته على نطاق محلي لا تتجاوزه إلى أبعد من ذلك».

الذكاء الاصطناعي والمهارات المطلوبة للإعلامي في المستقبل كانا من محاور النقاش في جلسات المنتدى.

وعن ذلك يستعرض البرماوي دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز ربحية الإعلام، ويشير إلى أن «الذكاء الاصطناعي سيقلل تكاليف إنتاج المواد الإعلامية، ويدفع نحو إنتاج مواد أكثر عمقاً، ويتيح إعلانات أكثر ديناميكية، ما يعزز ربحية المؤسسات الإعلامية».

بالفعل ركز المنتدى على طرح الذكاء الاصطناعي بوصفه من الأدوات المساعدة في العمل الصحافي والإعلامي، محاولاً استكشاف الطرق للاستفادة من مميزاته وتجاوز سلبياته. كما بحث في حقوق ملكية المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي.


«الإعلانات السياقية» على منصات الأخبار بين حماية «الخصوصية» والمكاسب المادية

جيمس فليثام (موقعه على "لينكد إن")
جيمس فليثام (موقعه على "لينكد إن")
TT

«الإعلانات السياقية» على منصات الأخبار بين حماية «الخصوصية» والمكاسب المادية

جيمس فليثام (موقعه على "لينكد إن")
جيمس فليثام (موقعه على "لينكد إن")

يبدو أن منصات الأخبار بصدد البحث عن «استراتيجية» جديدة لاستضافة الإعلانات من دون جمع بيانات المستخدمين، أو اتباع نظام «الكوكيز» (ملفات تعريف الارتباط) الذي يواجه رفضاً من قبل البعض، بحجة أنه يشكل «اختراقاً للخصوصية».

إذ تتجه اليوم صحف عالمية إلى نموذج «الإعلانات السياقية»، الذي يقضي بنشر الإعلان على أن يكون «ذا صلة بالمحتوى الموجود على الصفحة». وعلى سبيل المثال، إذا كان القارئ مهتماً بأمور التكنولوجيا قد يُعرض له إعلان عن شركة هواتف جوّالة من دون الحاجة لقبول «الكوكيز»، مما يضمن وصول المعلن إلى المُستخدم. ووفق خبراء، فإن هذا النموذج يضمن الوصول إلى المستخدمين الذين يرفضون نظام «الكوكيز، ومن ثم يكسب تغطية جماهيرية أوسع من دون قيود.

غير أن ثمة تساؤلات، في المقتبل، حول جدوى «الإعلانات السياقية»، ومدى تحقيقها للأرباح الموضوعة من قبل كل من المنصة والمعلن، حتى وإن كانت نموذجاً لـ«حماية الخصوصية». وبحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية - التي اعتمدت بالفعل المنتج الإعلاني الجديد في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي - فإن هذا النموذج الإعلاني يستهدف بالأساس القراء الذين يضغطون على زر الرفض على رسالة «الكوكيز» من أجل حماية بياناتهم الشخصية. ويوضح جيمس فليثام، مدير التسويق والأبحاث بصحيفة «الغارديان»، أن 30 في المائة من القراء يرفضون نظام «الكوكيز» تبعاً لأبحاث أجريت من قبل منصة الإعلانات «بريموتيف»، غير أن أبحاثاً أخرى تشير إلى نسب أعلى من الرفض قد تصل إلى 70 في المائة من القراء. وللعلم، فنموذج «الإعلانات السياقية» لا يعني التوقف عن اتباع «ملفات تعريف الارتباط»، بينما تتجه منصات الأخبار إلى المزج بين النموذجين بهدف وصول المُعلن إلى أكبر قاعدة جماهيرية، ومن ثم ضمان أرباح أعلى.

من ناحية ثانية، كشفت إيموجين فوكس، مسؤولة الإعلانات في «الغارديان»، عن ارتفاع معدل التصفّح بنسبة تصل إلى 35 في المائة، مقارنة بالمعدلات التقليدية قبل اعتماد «الإعلانات السياقية»، وأرجعت ذلك إلى أن الصفحات لم تعد مكدّسة بالإعلانات... مما يوفر «تجربة قراءة أكثر راحة ومتعة».

الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي في دبي ومستشار الأعمال الرقمية، اعتبر خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن هذا التوجه «مبتكر»، لأنه «يوازن بين خصوصية المستخدم وحاجة المنصة إلى الإعلانات كمصدر ربحي». وأردف: «الميزة في هذا النموذج، هي احترام رغبات المستخدمين لا خصوصيتهم فحسب». وفي ضوء الانتقادات العديدة والإشكاليات التي تسبب فيها نظام «الكوكيز»، بسبب آلية جمع البيانات واستخدامها، يقول النجداوي إن «عدداً كبيراً من المستخدمين يرفضون قبول نظام ملفات تعريف الارتباط، وجميعهم كانوا خارج الإطار المستهدف من قبل المعلن، وهذا أمر يمكن أن يؤثر على الأرباح، ويجعل الشريحة المستهدفة أصغر ما يمكن الوصول إليه».

ومن ثم، يصف النجداوي الشريحة الرافضة لـ«الكوكيز»، بأنها «مستخدم فعال ويعي حقوقه في حماية بياناته، وهذا النوع من المستخدمين مؤثّر للمعلن أيضاً». ويتابع: «إن نموذج الإعلانات السياقية يحقق حماية فعلية للبيانات، لأنه يمنع رصد وجمع المعلومات وإعادة مشاركتها مع طرف ثالث، وهذا من شأنه تعزيز الثقة في العلاقة المباشرة والشخصية بين المستخدم ومنصة الأخبار». وعليه، فإنه يتوقع أن يحقق النموذج الإعلاني المطروح رواجاً بين منصات الأخبار، بل ويصل إلى قاعدة جماهيرية أكثر تنوعاً... إذ إن القوانين المستحدثة جميعها تصب في صالح حماية الخصوصية، من ثم عاجلاً أو أجلاً، على جميع من يقدم خدمات عبر الإنترنت، سواءً شركات أو منصات أخبار أو ترفيه، أن يجد البديل لنموذج جمع البيانات ومشاركتها مع الغير».

ثم إنه على الرغم من ترجيح نموذج «الإعلانات السياقية»، يثير الدكتور النجداوي تساؤلاً حول كيفية تحديد الإعلانات المناسبة لسياقات المادة الصحافية. فيقول: «نجاح هذه التجربة يحتاج إلى بحث ودراسة من قبل منصة الأخبار، وكذلك المُعلن لتوجيه الإعلان إلى المستخدم المناسب». وحول إعلان «غوغل» خلال العام الماضي عن عزمها التخلي «تدريجياً» عن نظام «الكوكيز» بهدف «حماية الخصوصية»، لا يتوقع النجداوي تجاوب «غوغل» سريعاً مع «الإعلانات السياقية»، لا سيما وأنه الكيان الأبرز في مجال الإعلانات الرقمية، ولديه كثير من الارتباطات بشأن الإعلانات. إلا أنه لم ينف ابتكار «غوغل» نموذجاً قريباً للخروج من معضلة الأرباح والخصوصية.

من جهته، يعدُّ الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد في جامعة أم القيوين بدولة الإمارات، أن تطوير نظم الإعلان على المنصات الرقمية للأخبار بات ضرورة. ويبرر ذلك بقوله: «تعرّضت المنصات الرقمية إلى هزات في التمويل جراء تراجع الإعلانات الرقمية خلال جائحة (كوفيد - 19). وحتى مع تلاشي الجائحة، أطلّت الحروب لتجعل المعلن في حالة تردد نتيجة لانخفاض النشاط الاقتصادي في العديد من القطاعات، وهذا أثر على إنفاق الشركات على الإعلانات». وأضاف سعد في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه «تراجعت بالتبعية الإعلانات المطبوعة، وهو ما دفع إلى الاتجاه نحو الإعلانات الرقمية، وتالياً خلق تنافساً بشكل أكبر على المساحة الإعلانية المتاحة، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الدخل المالي للمؤسسات الصحافية». واختتم بالقول: «إن الوقت بات مُهيئاً لحلول مبتكرة من شأنها جذب المعلن وحماية القارئ».

أما فهد عبد الرحمن الدريبي، الخبير السعودي المتخصص في الأمن السيبراني والتقنية، فقد دحض لـ«الشرق الأوسط» فكرة الابتكار في اتجاه «الإعلانات السياقية»، وعدّه «عودة للأصل». وأردف: «إذا عدنا بالذاكرة إلى النموذج الإعلاني في الصحف، وحتى المواقع قبل نظام التتبع ومشاركة البيانات الكوكيز، سنجد أن الصحيفة أو المعلن كانا يضعان الإعلان بحسب الخدمة التي تقدمها كل صفحة، مما يعني أن ما نحن بصدده عودة لنظام قديم». ثم تابع: «لا أعني بذلك عدم الجدوى، بل على النقيض، نثمن حماية بيانات المستخدم في كل الأحوال».

ويرى الدريبي أن اتجاه «الكوكيز» كان الهدف منه الاستهداف المباشر للأشخاص، «ولقد باتت الإعلانات خلال السنوات الماضية تلاحق المستخدم حسب احتياجاته، غير أن هذا الاتجاه واجه ضوابط حثيثة في العام الماضي تحديداً». وذكر أن «ظهور أنظمة حماية البيانات الشخصية، وتفعيل قانون الـ(جي دي بي آر) الأوروبي الخاص بحماية البيانات - مع توقع المزيد من التوسع في هذا النظام ليشمل دولاً خارج أوروبا، - دفع إلى التفكير في تعديل نظام الإعلانات واستهداف المستخدم». واستطرد متوقعاً أن «تُطرح قريباً نماذج متعددة للإعلان... وربما سنرى نظماً عدة مع ترك الخيار للمستخدم حسب رغباته ونظرته لبياناته الشخصية وحدود الخصوصية. وبناء عليه، فما نحن بصدده هو مزيج بين الكوكيز والإعلانات السياقية، مما سيعني حرية الاختيار وتحقيق أرباح مضمونة مُرضية لجميع أطراف الصناعة».


قناة «الحدث» توسّع حضورها في المنطقة بتعزيز وجودها في الرياض

استديو قناة «الحدث» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
استديو قناة «الحدث» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
TT

قناة «الحدث» توسّع حضورها في المنطقة بتعزيز وجودها في الرياض

استديو قناة «الحدث» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
استديو قناة «الحدث» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

قالت قناة «الحدث» الإخبارية إنها وسّعت نطاق عملياتها وتغطياتها وحجم حضورها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال تعزيز وجودها في العاصمة السعودية الرياض، وذلك في وقت تتسارع فيه وتيرة الأحداث الإقليمية وتداعياتها على الساحة العالمية، مما يتطلب المزيد من الأخبار العاجلة والتغطيات الحية والمصادر الدقيقة على مدار الساعة.

وأوضحت أنها ضمن هذا السياق، أطلقت «الحدث» غرفة أخبارها الجديدة من الرياض، إلى جانب استوديوهات البث المباشر، مشيرة إلى أنها تتمتع بأحدث المعايير الفنية والتقنية العالمية، بهدف تعزيز فاعلية التغطيات المباشرة والتحليلات الشاملة لكل ما يجري في المنطقة، والإحاطة بالأخبار العاجلة أمام الكواليس وفيها، ما يوفر للمتابعين العرب في كل مكان مزيداً من الشفافية والدقة.

وأضافت: «في موازاة ذلك، حرصت (الحدث) على تسخير آخر ما توصلت إليه الابتكارات التكنولوجية في قطاع الأخبار والبث المباشر، مِن الصورة عالية الدقة، والمحاكاة الرقمية، والشاشات الإيضاحية، والاستوديوهات التحليلية المجهّزة، وصولاً إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وغيرها من أحدث أدوات القطاع الإخباري الفنية وطاقاته البشرية الأكثر كفاءةً وخبرة».

ولفتت إلى أن هذه الخطوة التوسّعية البارزة لـ«الحدث» تأتي في وقت يزداد فيه الإقبال على متابعة الأخبار والأخبار العاجلة، الأمر الذي استدعى جرعة مضاعفة من التغطيات المكثّفة والمُتزامنة لكل ما يجري على الساحة العربية والإقليمية والعالمية، وبالتالي توفير القدر الأعلى من المصداقية والموضوعية للجمهور العربي في كل مكان.


«المنتدى السعودي للإعلام» يعود بنسخته الثالثة فبراير المقبل

تأتي النسخة الثالثة استكمالاً لما شهده المنتدى من نجاح في دورتيْه الماضيتين (تصوير: بشير صالح)
تأتي النسخة الثالثة استكمالاً لما شهده المنتدى من نجاح في دورتيْه الماضيتين (تصوير: بشير صالح)
TT

«المنتدى السعودي للإعلام» يعود بنسخته الثالثة فبراير المقبل

تأتي النسخة الثالثة استكمالاً لما شهده المنتدى من نجاح في دورتيْه الماضيتين (تصوير: بشير صالح)
تأتي النسخة الثالثة استكمالاً لما شهده المنتدى من نجاح في دورتيْه الماضيتين (تصوير: بشير صالح)

أعلن محمد الحارثي، رئيس المنتدى السعودي للإعلام، الأربعاء، إقامة فعاليات النسخة الثالثة من المنتدى الذي تنظمه هيئة الإذاعة والتلفزيون بالتعاون مع هيئة الصحافيين السعوديين، خلال الفترة بين 19 و21 فبراير (شباط) 2024، وذلك استكمالاً لما شهده من نجاح في دورتَيْه الماضيتين.

يأتي المنتدى تأكيداً على أهميته ودوره الفاعل في تحقيق الأثر الإيجابي الممتد في فضاء الإعلام، سعياً إلى تطوير صناعته بالسعودية، واكتشاف أحدث تقنياته، في ظل عالم متغير على جميع الأصعدة، وخلق مجتمع حيوي وفعال للفرص الاستثمارية وتبادل الخبرات المحلية والدولية في المجال، بجانب تعزيز مكانة المملكة إعلامياً من خلال ملتقى يجذب العالم نحوه، ليسلط الضوء على أبرز التجارب المحلية والدولية.

وثمَّن الحارثي دعم واهتمام سلمان الدوسري، وزير الإعلام، بكل ما يخدم المنظومة في السعودية، مؤكداً أهمية مواكبتها لرحلة تحقيق رؤية الوطن الطموحة التي لا تنفصل عن الأدوار الإعلامية، بما فيها إقامة منتديات وملتقيات بهذه الضخامة، بما يؤكد الحالة الحضارية التي تعيشها البلاد من حيث النمو الفكري والعمق الثقافي بجانب الانفتاح على الآخر، والمضي قدماً نحو تحقيق مبدأ التقبل والتعايش، وتبادل الخبرات من خلال منتدى عالمي.

وأكد أهمية بناء وتوثيق جسور التواصل مع جميع المؤسسات المتخصصة محلياً ودولياً بما يحقق الأثر الإيجابي، مشيراً إلى أن إقامة مثل هذه الفعاليات ستسهم في رفع مستوى جودة صناعة الإعلام، وتدفعه لمواكبة أحدث تقنياتها المتغيرة بشكلٍ مستمر.

وأفاد الحارثي بأن المنتدى سيصاحبه معرض مستقبل الإعلام «فومكس»، الفني والتقني والإعلامي الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، الذي يستعرض التجارب الحديثة في الصناعة الإعلامية، وتفعيل النشاط الإنتاجي التلفزيوني والإذاعي الحديث، ومواكبة الإيقاع السريع لتحولات القطاع من خلال استقطاب الشركات والخبرات الرائدة عالمياً، عادّاً إياه فُرصة للشغوفين في مجالات الإعلام من خلال إقامة عدة ورش متخصصة ونوعية، يقدمها مجموعة من المتخصصين والأكاديميين والممارسين الذين يمتلكون الخبرة والكفاءة.

وأشار إلى حرصهم على شمولية الفئات المستهدفة في المنتدى والمعرض المصاحب إيماناً بأن الإعلام الحديث لم يعد مقتصراً على المؤسسات كما في السابق، بل إن كل مَن يملك أداة تواصل مع الآخرين يستطيع إيصال رسالته.

ويختتم الحدث بتتويج الفائزين والفائزات بـ«جائزة المنتدى السعودي للإعلام» الثالثة، التي تأتي انطلاقاً من الإيمان بأهمية تكريم الفاعلين في المجال محلياً وإقليمياً، مما يخلق تنافساً بين المبدعين والمبدعات، ويحفز الكفاءات من الأفراد والجماعات لتقديم أعمال مميزة، ويسهم في التعريف بالتجارب السعودية الرائدة، وتقديراً للشخصيات المساهمة في مسيرة الإعلام، بما يعزز حضورها محلياً وعربياً.

وتتاح المشاركة في الجائزة عبر 6 مسارات، هي الصحافة، والإنتاج المرئي والمسموع، والإنتاج العلمي في المجال الإعلامي، والإعلام الرقمي، والابتكار والريادة في القطاع، وفئة الشخصية الإعلامية، ويأتي هذا التنوع ليشمل جميع الأساليب الإعلامية، بما يتيح الفرصة بشكل أكبر لكل المهتمين بالترشح.


اتهامات لـ«إكس» بـ«نشر الكراهية» في حرب غزة

اتهامات لـ«إكس» بـ«نشر الكراهية» في حرب غزة
TT

اتهامات لـ«إكس» بـ«نشر الكراهية» في حرب غزة

اتهامات لـ«إكس» بـ«نشر الكراهية» في حرب غزة

مرة أخرى تتجدد الاتهامات الموجهة لمنصة «إكس» (تويتر سابقاً)، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، بـ«نشر الخلل المعلوماتي»، و«التحريض على الكراهية» خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. وبينما رأى بعض الخبراء أن هذه الاتهامات «طبيعية في ظل تخلي المنصة عن شروط توثيق الحسابات وتدقيق المعلومات»، شدد هؤلاء على أن «حرب غزة عززت الحاجة إلى تطوير تقنيات للتحقق من المعلومات».

الاتهامات الأخيرة، جاءت عبر دراسة نشرها مركز «مكافحة الكراهية الرقمية»، وهو منظمة بريطانية غير ربحية، ادعت أن «منصة إكس أحجمت عن حذف 98 في المائة من المنشورات التحريضية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة».

ووفقاً للدراسة، حددت المنظمة عينة من 200 منشور ادعت أنها تنتهك قواعد «إكس» بشأن الترويج لمعاداة السامية والكراهية، أو تلك التي تتضمن هجوماً على الفلسطينيين، نُشرت بعد بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وحسب الدراسة فإنه جرى إبلاغ «إكس» بهذه المنشورات في 31 أكتوبر الماضي، وبعد أسبوع لم تحذف «إكس» سوى 4 منشورات فقط منها، بينما عُلّق حساب واحد فقط من بين 101 حساب نشرت تلك المنشورات، وأُغلق حسابان آخران.

في المقابل، ذكرت «إكس» في بيان رداً على الاتهامات السابقة، أنها اتخذت إجراءات ضد أكثر من 320 ألف منشور؛ بسبب «خطاب الكراهية»، وأُزيل أكثر من 3 آلاف حساب، كما أنها تدخلت في أكثر من 25 ألف منشور بسبب محتوى رصد العبث به. وأفادت ليندا ياكارينو، الرئيس التنفيذي لشركة «إكس»، في منشور على «إكس»، بأن الشركة «لطالما كانت واضحة جداً في أن التمييز من قبل الجميع يجب أن يتوقف في المجالات جميعها».

إلا أن هذا الرد لم يمنع من تعرض مالك شركة «إكس»، إيلون ماسك، (الأربعاء) الماضي، لانتقادات من الجماعات المؤيدة لإسرائيل بعد تأييده منشوراً يتهم المجتمعات اليهودية بـ«تحفيز الكراهية ضد البيض». ووفقاً لشبكة «سي إن إن» الأميركية، جاء في المنشور الذي أيده ماسك، أن «المجتمعات اليهودية تدفع بهذا النوع من الكراهية الجدلية ضد البيض، التي يزعمون أنهم يريدون من الناس التوقف عن استخدامها ضدهم». ورداً على ذلك، قال ماسك: «لقد قلت الحقيقة الفعلية». وأضاف ماسك في منشورات لاحقة أنه «لا يعتقد بأن كراهية الأشخاص البيض تمتد إلى المجتمعات اليهودية جميعها».

الاتهامات الموجهة لـ«إكس» ولمالكه ماسك «ليست جديدة»، بحسب مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة. إذ قال كيالي لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه الاتهامات ازدادت وتيرتها خلال الحرب على غزة... ومع الأسف كانت المعلومات الخاطئة متداولة بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي كلها، ما أدى إلى الزيادة في خطاب الكراهية».

كيالي يرجع زيادة الاتهامات الموجهة لـ«إكس»، مقارنة بباقي المنصات، إلى أن «منصة (إكس) هي صاحبة القيود الأقل على المحتوى، إضافة إلى أن ماسك عند استحواذه على (تويتر) سابقاً ألغى عديداً من الوظائف والأقسام في الشركة، وكان على رأس المتضرّرين القسم المختص بتقصي الحقائق وتدقيق المحتوى، ما زاد من المعلومات المضللة على المنصة».

ولاحظ كيالي أيضاً «انتشار العشرات والمئات من المنشورات غير الصحيحة، أو القديمة، خلال الحرب في غزة، حتى إنه أُعيد نشر محتوى من دول أخرى على أنه من غزة، ما عزز من خطاب الكراهية، لا سيما مع إعادة نشر المحتوى من دون تدقيق». ولفت إلى أن «هناك تقصيراً من جانب منصات التواصل في هذا الإطار، ما يضع عبئاً على المستخدمين في التقصي والتأكد، وتصفية الكم الكبير من المعلومات». ولكن وفق كيالي «هذا لا يرفع المسؤولية عن منصات التواصل الاجتماعي بأن تلعب دورها في ضبط المحتوى، والعمل على مراجعته بشكل أوسع وأسرع لكشف المعلومات الخاطئة».

يذكر أن ماسك أشار في منشوراته إلى أن «رابطة مكافحة التشهير» وهي «منظمة غير ربحية، مؤيدة بقوة لإسرائيل في الولايات المتحدة» «تهاجم بشكل مجحف غالبية الغرب، على الرغم من دعم الدول الغربية القوي للشعب اليهودي وإسرائيل، وذلك لأنهم لا يستطيعون بمبادئهم الخاصة انتقاد الأقليات التي تشكّل التهديد الرئيسي لهم». وهدد ماسك في سبتمبر (أيلول) الماضي بمقاضاة «رابطة مكافحة التشهير» لتوجيهها اتهامات «لا أساس لها، جعلت المعلنين ينفرون من شبكة التواصل الاجتماعي، ما حرمها من إيرادات كبيرة».

وحقاً، في سياق الاصطفاف ضد «إكس»، ودعماً لإسرائيل، علّقت شركة «آي بي إم» الأميركية للكومبيوتر، بنهاية الأسبوع الماضي، إعلاناتها على منصة «إكس» بحجة أنها «وُضعت بجوار محتوى معادٍ للسامية»، بحسب بيان للشركة، التي قالت إنها «لا تتسامح مطلقاً مع خطاب الكراهية والتمييز، وإنها علّقت على الفور جميع الإعلانات على (إكس)، بينما تحقق في هذا الوضع المرفوض تماماً».

قرار شركة «آي بي إم» هذا جاء بعد ادعاء «ميديا ماترز فور أميركا»، وهي مجموعة لمراقبة وسائل الإعلام، أنها «وجدت إعلانات لشركات (آي بي إم) و(أبل) و(برافو) و(أوراكل) إلى جانب منشورات تروّج لهتلر على منصة (إكس)».

من جهته، يرى أسامة المدني، أستاذ الإعلام البديل في جامعة أم القرى السعودية ومستشار الإعلام الرقمي وتطوير الأعمال، أن «غياب الضوابط التي تحكم المنصات الرقمية بشكل عام، جعل من الصعب على الجمهور المتلقي التفريق بين الأخبار الزائفة والمفبركة والمضللة، خصوصاً مع بزوغ تقنية التزييف العميق وقدرتها على إنشاء محتوى من العدم». وقال المدني لـ«الشرق الأوسط»، إن «منصة (إكس)، على وجه الخصوص، أتاحت أخيراً لمشتركيها إمكانية الوصول والاطلاع على الأخبار التي تحقّق انتشاراً واسعاً بغض النظر عن كونها صحيحة، أو موثوقة، وذلك بموجب التعديلات الأخيرة التي أجراها ماسك، والتي أعطت الحق لمشتركيها لمشاهدة مقاطع فيديو وصور بالغة العنف، وحتى دون التأكد من صحتها أو مصداقيتها».

ويعتقد المدني بأن «مثل تلك الأحداث جعلت منصة (إكس) محل اتهام بتعزيز خطاب الكراهية إبان الحرب في غزة، على عكس منصات أخرى تحارب للحد من الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، وإن كان بشكل جزئي يخدم إسرائيل أو يصب في مصلحتها». وتابع أن «التقنيات الناشئة تسعى لمحاربة الخلل المعلوماتي. ولئن كان من الصعب جداً تحقيق نتائج مبهرة في الوقت الراهن، فإن حرب غزة أثبتت أن هذا التفاؤل الحذر لفاعلية أو جدوى هذه التقنيات يكاد يكون مفقوداً، خصوصاً أن شارة التوثيق على منصة (إكس) أكسبت بعض الحسابات مصداقية لدى عديد من المشتركين... رغم أن هذه الحسابات تنشر أخباراً مضللة تفتقر إلى المصداقية تماماً». واختتم بالتشديد على أنه «بات شبه مستحيل حالياً التحقق من مصادر الأخبار وصحتها».

أخيراً، كانت منصة «إكس» قد تلقت خلال الأسابيع الأخيرة طلباً رسمياً من المفوضية الأوروبية للامتثال لـ«قانون الخدمات الرقمية الأوروبي» الجديد، الذي يلزم منصات التواصل باتخاذ إجراءات صارمة «ضد المحتوى المضلل». وذكرت المفوضية أن التحقيق الذي أُطلق قبل فترة قريبة يستهدف في الأساس منصة «إكس» لاتهامها بـ«نشر معلومات مضللة منذ بدء الحرب على غزة».


انتقادات أميركية لـ«تيك توك» بسبب ارتفاع وسوم مؤيدة للفلسطينيين

انتقادات أميركية لـ«تيك توك» بسبب ارتفاع وسوم مؤيدة للفلسطينيين
TT

انتقادات أميركية لـ«تيك توك» بسبب ارتفاع وسوم مؤيدة للفلسطينيين

انتقادات أميركية لـ«تيك توك» بسبب ارتفاع وسوم مؤيدة للفلسطينيين

قال تقرير صحافي إن تطبيق «تيك توك» في مرمى الانتقاد الأميركي، بسبب انتشار مقاطع فيديو تحمل وسوماً (هاشتاغات) مؤيدة للفلسطينيين بشكل أكبر من تلك المؤيدة لإسرائيل، محيلة الأمر كون التطبيق ملك جهة صينية.

لكن «تيك توك» ليس التطبيق الوحيد الذي يظهر فيه المحتوى المؤيد لفلسطين بشكل أكبر، إذ إن تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام» تظهر فيهما وجهات نظر واسعة مؤيدة للفلسطينيين.

وقال التقرير المنشور في «واشنطن بوست»، إنه عندما كرر الجمهوريون في الكونغرس، هذا الشهر، دعواتهم المستمرة لفرض حظر على استخدام «تيك توك» على مستوى الولايات المتحدة، أشاروا إلى أن عدد مقاطع الفيديو التي تحتوي على هاشتاغ #freepalestine أعلى بشكل كبير من تلك التي تحتوي على الوسم #standwithisrael.

وقال المنتقدون إن الفجوة بين عدد مقاطع الفيديو التي تعبر عن وجهتي النظر «تقدم دليلاً على أن التطبيق المملوك لشركة التكنولوجيا الصينية العملاقة (ByteDance)، يُستخدم لتعزيز الدعاية وغسل أدمغة المشاهدين الأميركيين».

لقطة من «إنستغرام» لوسوم مؤيدة للفلسطينيين

ولكن «فيسبوك» و«إنستغرام»، منافسي «تيك توك» في الولايات المتحدة، يظهران فجوة مماثلة أيضاً بشكل ملحوظ، وفق ما تظهر بياناتهما، إذ على «فيسبوك»، تم العثور على الوسم الفلسطيني في أكثر من 11 مليون مشاركة، أي أكثر بـ39 مرة من تلك المشاركات التي تحتوي على وسم إسرائيلي. وعلى «إنستغرام» ظهر الهاشتاغ المؤيد للفلسطينيين في 6 ملايين مشاركة، أي أكثر 26 مرة من المشاركات التي تحمل هاشتاغاً مؤيداً لإسرائيل.

وعدّ التقرير، أن آلية انتشار المحتوى المؤيد للفلسطينيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، سواء المملوكة للصين أو الشبكات الأميركية، تضعف الحجة التي أصبحت محورية في أحدث موجة من الغضب المناهض لـ«تيك توك» في واشنطن، والتي تتمثل في أن الحكومة الصينية تتلاعب بخوارزمية التطبيق لحشد وجهات النظر المؤيدة للفلسطينيين، وأن التطبيق، الذي يستخدمه 150 مليون شخص في الولايات المتحدة يجب حظره على مستوى البلاد.

صورة تخيلية لعلم أميركا على منصة «تيك توك» (أ.ف.ب)

من جانبها، قالت الشركة المالكة للتطبيق، مراراً، إن خوارزمية التوصية بمشاهدة المحتوى وقواعد المحتوى الخاصة بها، لا تخضع للحكومة الصينية، كما لم يقدم منتقدو «تيك توك» أي دليل على اتهاماتهم، سوى الإشارة إلى أن الهاشتاغ المؤيد للفلسطينيين موجود في مقاطع فيديو أكثر من المؤيد لإسرائيل، استناداً إلى بيانات التطبيق نفسه.

وفي منشور نُشر على المدونة الخاصة بالتطبيق، الاثنين الماضي، أعلن «تيك توك» أنه تم انتقاده بشكل غير عادل على أساس «معلومات خاطئة وتوصيف خاطئ»، مشيراً إلى أن إجراء المقارنة لأعداد الوسوم الخاصة بمقاطع الفيديو بهذه الطريقة تبدو «معيبة للغاية» لتقييم محتوى التطبيق، وأضاف في البيان «خوارزمية التوصية الخاصة بنا لا تنحاز إلى أحد الجانبين».

وعادةً ما توفر الوسوم طريقة محدودة للغاية لتحليل حجم المحادثات التي تتم على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأن المستخدمين غالباً ما يضيفونها إلى مقاطع فيديو لا علاقة لها بالقضية التي يتحدثون عنها في منشورهم، وفي بعض الأحيان يتم إضافتها من أجل انتقاد النقطة التي يتم ذكرها في الوسم.

متظاهرون في طوكيو يحتجون على القصف الإسرائيلي على غزة وينادون بالسلام الأحد (إ.ب.أ)

كما أن مقارنة وجهات النظر المتعلقة بالوسوم المؤيدة لإسرائيل وتلك المؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، كما فعل منتقدو «تيك توك»، لا تأخذ في الاعتبار أن كثيراً من مقاطع الفيديو تأتي من دول ذات أغلبية مسلمة، وتتمتع بمستويات عالية من الدعم للفلسطينيين، أو كما جادل «تيك توك» بأن وسم #standwithisrael أحدث من وسم #freepalestine وبالتالي كان لديه وقت أقل لإضافته إلى منشورات المستخدمين.

ولفت تقرير واشنطن بوست، إلى أن المقارنة لا تأخذ في الاعتبار الفجوة القائمة بين الأجيال حول الموقف من النزاع بين إسرائيل وقطاع غزة، إذ أظهر الشباب الأميركي باستمرار دعمهم للفلسطينيين في استطلاعات مركز «بيو» للأبحاث، بما في ذلك استطلاع للرأي أُجري عام 2014، أي قبل أربع سنوات من إطلاق تطبيق «تيك توك» في الولايات المتحدة. وقال 52 في المائة من المستطلعين، الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و34 عاماً، وهي الفئة العمرية الأكثر استخداماً للتطبيق، في استطلاع أجرته جامعة «كوينبياك»، هذا الشهر، إنهم لا يوافقون على رد فعل إسرائيل على هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي منشور آخر على مدونتها، قالت الشركة المالكة للتطبيق إن مقاطع الفيديو التي حملت وسم مساندة إسرائيل، حصلت على عدد مشاهدات في الولايات المتحدة أكثر من مقاطع الفيديو التي حملت الوسم المساند لفلسطين.

وتحظر كل من «تيك توك» و«ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام»، المحتوى الذي يروج لحركة «حماس»، وتقول «تيك توك» إنها أزالت أكثر من 925 ألف مقطع فيديو لترويجها للحركة أو انتهاكها سياسات التطبيق بشأن العنف وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة والإرهاب، في الفترة بين هجوم 7 أكتوبر ونهاية الشهر الماضي.

من ناحية أخرى، تم اتهام الشركتين من قبل المؤيدين للفلسطينيين بتحريف محتواهما لصالح إسرائيل، وأكدت الشركة الصينية المالكة للتطبيق أن لديها «إجراءات معمول بها لمنع التلاعب بالخوارزميات وحتى لا يتم الترويج لجانب واحد من قضية ما على حساب الآخر»، كما قالت «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام»، في بيان الشهر الماضي: «لا صحة للقول بأننا نتعمد قمع الأصوات».

الحاكم الجمهوري غريغ غيانفورتي يوقع قانوناً لحظر «تيك توك» في ولاية مونتانا مايو الماضي (أ.ب)

عندما طُلب منهم التعليق على حقيقة أن المحتوى المؤيد للفلسطينيين يبدو منتشراً على معظم شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى، وليس فقط «تيك توك»، قال منتقدو التطبيق في الكونغرس إنهم ما زالوا يعدونه منصة محفوفة بالمخاطر بشكل خاص بسبب كونها «ذات أصول أجنبية».

وقال السيناتور الجمهوري من فلوريدا ماركو روبيو، الذي استشهد بالمنشورات المؤيدة للفلسطينيين على «تيك توك» للادعاء بأن «التطبيق هو أداة تستخدمها الصين للتقليل من أهمية إرهاب (حماس)»، في بيان أمس الاثنين، إن «مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة ينظرون إلى (تيك توك) باعتباره أداة تهديد فريدة».

لافتة «فالنسيا مع فلسطين» في مظاهرة لدعم الشعب الفلسطيني بإسبانيا (أ.ف.ب)

لكن جميع الإدانات لم تقدم دليلا على اتهاماتها. وعلى الرغم من الأخطاء التي تشوب المقارنة بين الوسمين، فقد أشار السناتور الجمهوري من ولاية ميسوري، جوش هاولي، مؤخرا، إلى هذه الفجوة بين الوسمين في قاعة مجلس الشيوخ الأميركي، عندما طلب الموافقة بالإجماع على حظر «تيك توك» في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وأشار هاولي إلى الاحتجاجات التي تندلع في الكليات والمدارس الثانوية الأميركية منذ هجوم «حماس» الشهر الماضي، وقال: «أين يتم تغذية عقولهم بهذه الدعاية؟ لقد وجدوها على (تيك توك)».

ويرى السناتور الجمهوري من ولاية كنتاكي راند بول أن اقتراح الحظر الذي قدمه هاولي يمثل «جنون عظمة مكارثية»، قائلاً إنه «سيؤدي إلى نشر الهستيريا والخوف من التخريب الشيوعي الخفي من جمهورية الصين الشعبية».


الصحافيون السودانيون يدفعون ثمناً باهظاً لكشف الحقيقة

صور من المعارك الأخيرة في الخرطوم (آ ف ب)
صور من المعارك الأخيرة في الخرطوم (آ ف ب)
TT

الصحافيون السودانيون يدفعون ثمناً باهظاً لكشف الحقيقة

صور من المعارك الأخيرة في الخرطوم (آ ف ب)
صور من المعارك الأخيرة في الخرطوم (آ ف ب)

قُتل وجُرح عددٌ من الصحافيين السودانيين أثناء الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر. وكان طرفا القتال قد استهدفا خلال هذه الفترة الصحافيين ووجّها لهم اتهامات «التخوين والعمالة والموالاة» لأحد طرفي القتال، في حين عانى أفراد الجسم الصحافي الاحتجاز والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، والمنع من العمل ووضع العراقيل أمام حريتهم وعملهم. كذلك توقف أكثر من 90 في المائة من المؤسسات الصحافية الخاصة؛ ما أفقد النسبة الغالبة من العاملين فيها مصادر دخلهم.

نقيب الصحافيين عبد المنعم أبو إدريس، أوضح خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «90 في المائة من المؤسسات الصحافية في البلاد توقفت عن العمل، ولم تعد تعمل سوى محطات الإذاعة والتلفزيون الرسمية من خارج مقارها الرسمية الواقعة في منطقة لا يمكن الوصول إليها». وتابع أن «الصحف الورقية وإذاعات إف إم (FM) كانت قد توقفت عن العمل منذ اندلاع الحرب 15 أبريل (نيسان) الماضي». ومن جهتها، كشفت نقابة الصحافيين السودانيين، في تقرير عن أوضاع عضويتها للفترة من بداية القتال حتى الثلث الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي، أن 4 صحافيين قُتلوا بإصابات بمقذوفات أو بالرصاص في الخرطوم والولايات التي تشهد مواجهات بين الجيش و«الدعم السريع»، في حين أُصيب 3 آخرون في العاصمة الخرطوم ومدينة نيالا (غرب البلاد)، وتعرّض العشرات من الصحافيين للضرب والتعذيب والاحتجاز والتهديد بشكل أساسي من قبل قوات «الدعم السريع» واستخبارات الجيش.

صحف سودانية (رويترز)

وفقاً لنقيب الصحافيين، فإن 46 صحافياً تعرّضوا للاعتقال، معظمهم من قبل قوات «الدعم السريع» واستخبارات الجيش، وأن اثنين من الصحافيين محتجزان من قبل قوات «الدعم السريع» في القصر الجمهوري، أحدهما منذ بداية الحرب، والثاني منذ 3 أشهر. وحقاً، توقفت المؤسسات الصحافية الخاصة - وتحديداً، الصحافة الورقية وإذاعات إف إم (FM) - عن العمل منذ اندلاع القتال؛ لأن مكاتبها تقع في وسط الخرطوم، وهي المنطقة التي لم يستطع أحد الوصول إليها منذ منتصف أبريل، وتسيطر عليها قوات «الدعم السريع». ومما قاله أبو إدريس: «لا يستطيع أحد التأكد من أوضاع المؤسسات الصحافية وسط الخرطوم، بما في ذلك مقر نقابة الصحافيين، وإن مؤسستين صحافيتين على الأقل نُهبت مكاتبهما، وتعرّضتا للقصف أثناء القتال».

أيضاً، كشف أبو إدريس عن نزوح أعداد كبيرة من الصحافيين داخل البلاد، ولجوء أعداد أخرى لدول الجوار. وأشار إلى أن بعضهم يعيش اليوم في معسكرات النزوح. وفي مدينة ود مدني - على سبيل المثال - خُصّصت مدرسة معسكرَ نزوحٍ للصحافيين يعيش فيها عشرات الصحافيين، بعيداً عن أسرهم وذويهم.

عبد المنعم ابو إدريس، نقيب الصحافيين السودانيين

تهديدات بالقتل

من جهة أخرى، بحسب تقرير النقابة، فإن عشرات الصحافيين تلقوا تهديدات مباشرة بالقتل، هم وأسرهم، من جهات مجهولة عبر الهاتف أو الرسائل النصية، أو من قبل الاستخبارات العسكرية أو قوات «الدعم السريع»، أو التعرض المباشر للتهديد والتخويف للصحافيين داخل المؤسسات الإعلامية، مع توجيه أسئلة تخوينية لهم، بل وملاحقة بعضهم حتى في منازلهم. وتناول التقرير مسألة انتشار «بوسترات» (ملصقات) ترويجية تتهم الصحافيين بالخيانة العظمى، وبصورهم الشخصية وأرقام جوالاتهم، وبين هؤلاء وزير الإعلام السابق فيصل محمد صالح، والكاتب الصحافي زهير السراج، إلى جانب نقيب الصحافيين عبد المنعم أبو إدريس وصحافيين آخرين. وهذا أمر عدّته النقابة، وفقاً لتقريرها «تهديداً صريحاً لحيواتهم عن طريق نشر الشائعات والأخبار المفبركة، والترويج للخطابات العنصرية التي تغذّي نار الحرب».

وشرح النقيب كيف فقد مئات الصحافيين مصادر دخلهم؛ نتيجة توقف المؤسسات الصحافية التي يعملون فيها، وباتوا يعيشون وأسرهم أوضاعاً إنسانية في غاية السوء، لا سيما إثر تعرّض مساكنهم للنهب والتخريب، وسقوط المقذوفات على بعضها. ووفقاً لـ«مراسل الصحفية»، فإن العشرات من الصحافيين شوهدوا وهم يمارسون أعمالاً «هامشية»، مثل نقل الأمتعة، وأعمال البناء، والعمل سائقين لعربات النقل العام في مدينتي ود مدني (وسط البلاد) وعطبرة في الشمال. هذا، وكانت «شبكة الصحافيين الدوليين» قد نقلت في وقت سابق عن أبو إدريس نفسه مخاوفه من «اختفاء مهنة الصحافة» من السودان تماماً، وأن نحو 250 صحافياً انتقلوا للعمل في مهن أخرى، بينما تحوّل المئات إلى عاطلين عن العمل.

في سياق موازٍ، استنكر عبد المنعم أبو إدريس إجبار مؤسسات إعلامية إقليمية ودولية 27 من مراسليها على البقاء في الخرطوم للعمل وسط القصف والقتال، والتعرّض لمخاطر ومضايقات كبيرة، من دون الاهتمام بتأمين حياتهم، أو توفير مستلزمات السلامة لهم. وعلّق بالقول: «للأسف هذه المؤسسات لا تهتم بسلامة صحافييها، وهي تعرّضهم للمخاطر، من دون التأمين على حياتهم، ولا توفر مستلزمات سلامة لهم». واستطراداً، تمارس السلطات الأمنية في الولايات التي نزح إليها الصحافيين في بورتسودان، حيث المقر المؤقت للحكومة، وفي عاصمة ولاية الجزيرة مدينة ود مدني، وبقية الولايات، تقييداً لحرية الحركة والوصول، وتشترط حصولهم على إذن مؤقت لمدة أسبوعين يجدد أو لا يجدد حسب رضا السلطات الأمنية عن أداء الصحافي. وعن هذا الجانب، قال نقيب الصحافيين: «لكي يعمل الصحافي عليه أخذ الإذن من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن معاً، وقد يوافق أحدهما ويتلكأ الثاني، فإذا وافقا قد يستغرق التصديق أسبوعين، خصوصاً للتصوير والكاميرات». وقطع نقيب الصحافيين بأن البيئة التي تعمل فيها الصحافة السودانية، ظلت تشهد تراجعاً مستمراً في الحريات الصحافية، منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وأوضح: «البيئة التي يعمل فيها الصحافيون، تشهد تراجعاً مطّرداً في مستوى الحريات الصحافية».

حالات معاناة شخصية

ومن الحالات الشخصية، تقول الصحافية صباح أحمد إنها وزوجها الصحافي وأطفالهما، كانوا يعيشون حياة بسيطة، لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لـ«النزوح»، ومواجهة مصاعبه، بما في ذلك إيجار مسكن، وتوفير مستلزمات العيش من أكل وشرب. وأردفت: «أصبحنا نعيش حالة عدم استقرار نفسي تقارب الاختلال».

الصحافية أحمد، التي نزحت إلى مدينة الحصاحيصا فراراً بأطفالها من الحرب، وفقدت بيتها الذي تعرض للنهب بعد مغادرتها له، تقول: «كان لدينا أمل بعودة قريبة، لكن محن الحرب والخراب والنهب استمرت دون توقف، فنهبت بيوتنا ومقتنياتنا، ما قد يضطرنا للبداية من تحت الصفر إذا حدث وعدنا». وأضافت: «بصفتنا صحافيين لا توجد جهة تهتم بمشكلاتنا، فأنا وزوجي أصبحنا عاطلَين عن العمل، وعلينا دفع إيجار المسكن. كنت قبل الحرب أدفع إيجاراً قدره 20 ألفاً، واضطررت لدفع 300 ألف، إلى جانب توفير احتياجات العيش لنا ولأطفالنا، فمن أين لنا؟... أنا أكاد أصاب بمرض نفسي؛ بسبب عجزي عن إجابة مطالب أطفالي، فهم لا يفهمون هذه المستجدات، حتى الملابس نزحنا من دونها، ونضطر لغسل ما لدينا يومياً».

نزوح أعداد كبيرة من الصحافيين داخل البلاد ولجوء أعداد أخرى لدول الجوار... بعضهم يعيش في معسكرات نزوح

وفي الواقع، يواجه الصحافيون في ولايات دارفور وكردفان، خصوصاً، خطراً كبيراً يهدد حياتهم، جراء الاشتباكات التي تشهدها حواضر هذه الولايات من اشتباكات مستمرة بين الجيش و«الدعم السريع»، وعلى وجه الخصوص مدينتا الأبيّض ونيالا. وعن هذا البُعد، قال أبو إدريس: «فرّ عبر الحدود الغربية إلى دولة تشاد المجاورة 35 صحافياً هرباً من القتال، ليعيشوا في معسكرات النزوح في تشاد ودولة جنوب السودان، كما أن عشرة صحافيين في نيالا يواجهون أخطاراً كبيرة تهدد حياتهم، إلى جانب الخطر الماحق الذي يواجهه الصحافيون في مدينة الأبيض بكردفان، جراء القتال وتوجس الطرفين المتقاتلين من الصحافة». أيضاً، يواجه الصحافيون في مدينتي القضارف وكسلا، بشرق البلاد، مخاطر وباءي «حمى الضنك والكوليرا، ما يشكّل خطراً على حياتهم وعلى عملهم»، ولكن، حسب كلام أبو إدريس «الحمد لله لم تسجل حالة وفاة بسبب الأوبئة بين الصحافيين، مع أن بعضهم وأسرهم أُصيبوا بحمى الضنك».

أخيراً، على صعيد الوضع الميداني، تسيطر قوات «الدعم السريع» على مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون القومية، منذ الساعات الأولى لاندلاع القتال، ما اضطر السلطات للبث من مدن بورتسودان (في أقصى شرق البلاد)، حيث يبث التلفزيون برامجه من هناك، بينما تعمل إذاعة «بلادي» الرسمية من مدينة ود مدني، في حين توقف البث التلفزيوني المحلي في معظم ولايات البلاد. ووفقاً لنقيب الصحافيين فإن نقابته، وسط معاناة الصحافيين السودانيين من الظروف الاقتصادية القاسية، «تحاول مع منظمات الصحافيين الإقليمية والدولية تقديم مساعدات لأعضائها، ولقد حصلنا بالفعل على مساعدات شهرية محدودة لنحو 100 صحافي من قبل منظمات صحافية، وعلى تمويل علاج ذوي الأمراض المزمنة. لكن على الدوام نشهد حالات صعبة يعيشها صحافيونا وصحافياتنا».


استراتيجية «تيك توك»... مخاوف أم دعم لصُناع المحتوى؟

شعار تيك توك (رويترز)
شعار تيك توك (رويترز)
TT

استراتيجية «تيك توك»... مخاوف أم دعم لصُناع المحتوى؟

شعار تيك توك (رويترز)
شعار تيك توك (رويترز)

أعلن التطبيق الصيني الأكثر تحميلاً في العالم «تيك توك» عن تغيير استراتيجية الدعم المالي لصُناع المحتوى بما يوفر لهم تحقيق مزيد من المكاسب المادية. وجاء ذلك بعدما انطلقت دعاوى من صُناع محتوى بارزين بأن التطبيق لا يحقق المكاسب المتوقعة مقارنة بمنافسيه الأبرز «فيسبوك» و«يوتيوب».

كان «تيك توك» قد خصّص 200 مليون دولار أميركي لإطلاق صندوق في 2020 بغرض دعم صُناع المحتوى وتشجيعهم على مزيد من التفاعل والنشر وتحقيق المشاهدات. ثم ذكرت الشركة الصينية المالكة للتطبيق «بايت دانس»، ومؤسسها تشانغ يي مين، في 2021، أن «الدعم المالي للصندوق قد ارتفع إلى مليار دولار في داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط، على أن يستمر لمدة ثلاث سنوات تالية».

غير أن التطبيق الصيني تعرّض لانتقادات وتشكيك في جديته لدعم صُناع المحتوى وتحقيق المكاسب النقدية. فمثلاً في يناير (كانون الثاني) 2022، نشر صانع المحتوى الأميركي هانك غرين، ويتابعه 8 ملايين على «تيك توك»، فيديو عبر حسابه على «يوتيوب» كشف من خلاله عن تحقيق نحو 2.5 سنت لكل ألف مشاهدة على «تيك توك»، ما اعتبره منافِياً للاستراتيجية المعلنة من قبل التطبيق. وأردف غرين أن «تيك توك» يدفع على نحو ثابت حتى مع تحقيق مقاطع الفيديو ملايين المشاهدات. وأجرى مقارنة بين أرباح «تيك توك» و«يوتيوب»، مرجحاً كفة الأخير بالقول إن «(يوتيوب) يدفع لصُناع المحتوى نسبة ربحية مُرضية من الإعلانات».

كلام غرين لم يكن الوحيد؛ إذ عاد إلى الواجهة كشف صانع المحتوى الأميركي مستر بيست، المتصدر قائمة «فوربس» كأفضل صانع محتوى عام 2023، أنه جنى نحو 82 مليون دولار خلال سنة من أرباح قناته على «يوتيوب» ومشاريع تجارية أخرى على التطبيق، في حين حصل على 14 دولاراً من «تيك توك» خلال 10 أشهر.

صندوق جديد

وصلت احتجاجات صُناع المحتوى لمؤسسي «تيك توك» ليرد الأخير بعزمه إطلاق صندوق جديد لتعزيز أرباح صُناع المحتوى. وقال الناطق باسم «تيك توك»، في بيان صحافي، خلال الشهر الجاري، إن التطبيق «بصدد تطوير برنامج الإبداع بناءً على التعليقات التي صدرت من صُناع المحتوى على مدار الفترة الماضية». وأضاف الناطق لشبكة «سي بي إس نيوز» الأميركية: «سيلغى إلغاء النموذج الربحي المتبع بدءاً من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لا سيما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا». وأوضح أن الصندوق الجديد سيسمح لمنشئي المحتوى بكسب ما يصل إلى «20 مرة أكثر»، مقارنة بالنموذج السابق الذي أثار غضب صُناع المحتوى، غير أنه وضع شروطاً للربح تتعلق بالعمر وعدد المشاهدات.

منّة متولي، وهي صانعة محتوى مصرية يتابعها نحو مليون عبر «تيك توك»، وحصدت أكثر من 15 مليون إعجاب، تقول إن «(تيك توك) لا يدفع على نحو جيد لصُناع المحتوى». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «(تيك توك) يساعد على سرعة الانتشار وتحقيق المشاهدات، لكن هذا لا يتبعه ربح نقدي مباشر». ثم أوضحت أن أرباح «تيك توك» تأتي عبر قناتين؛ «الأولى أن يعتمد صانع المحتوى على بث مباشر مع متابعيه عبر حسابه على التطبيق لتقاضي الهدايا الرقمية التي تتحول لاحقاً إلى أموال يحددها التطبيق، والثانية هي الدعاية لصالح علامة تجارية، وهنا العلامة هي التي تدفع لصانع المحتوى وليس التطبيق».

رواج المحتوى

من جانبه، يدحض أسامة عصام الدين، خبير تطوير منصات التواصل الاجتماعي بالمملكة العربية السعودية، جدوى الاعتماد على الشراكات أو الإعلانات الدعائية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، خلال حوار معه: «طلبات الإعلانات والشراكات التي تصل لصُناع المحتوى عبر المنصة الصينية أرقامها زهيدة للغاية... وهناك مسارات كسب مادي مباشرة تشمل الإعلانات عبر منصة تسمى (كرييتور ماركيت بلايس) Creator Market Place والهدايا الافتراضية خلال البث المباشر، أما غير المباشرة فهي علاقة المؤثر المباشرة بالشركات والمتاجر وغيرها من الجهات المهتمة بالإعلان على حساب المؤثر».

غير أن عصام الدين يثمّن دور المنصة في رواج المحتوى، ويعتبرها ذات قيمة لا يُستهان بها، قائلاً: «أهم ما يميّز المنصة هو تعزيزها لروح الإبداع والتغيير والتجديد في صانع المحتوى، فهو العامل الأساس للانتشار والشهرة في المنصة». وعن الصندوق الجديد الذي أعلن عنه «تيك توك»، يرى عصام الدين أن «الآلية ليست واضحة حتى الآن، ذلك أن (تيك توك) يَعِد بدخل أعلى يصل إلى ما يزيد على 20 مرة عن برنامج الدعم السابق، لكن هذا مخصص لأولئك الذين ينشرون محتوى أطول يزيد على دقيقة، وهو أمر منطقي؛ لأن وجود إعلانات في محتوى يزيد على دقيقة منطقية بكثير عن إعلانات على فيديوهات لا تتجاوز عشرين أو ثلاثين ثانية».

مقاطع الفيديو

هذا، وكان «تيك توك» قد حدد في إفادة صحافية الأرباح الجديدة بعدة معايير؛ منها «مشاركة مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة واحدة، بالإضافة إلى محتوى قصير». وبرّر ذلك بأن مستخدمي «(تيك توك) يمضون 50 في المائة من وقتهم على التطبيق في مشاهدة مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة. وذكر أنه «بات بإمكان المستخدمين تحميل مقاطع فيديو تصل مدتها إلى 30 دقيقة أو تصوير مقاطع فيديو في التطبيق تصل مدتها إلى 10 دقائق».

ولكن رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، يرى خلال تعليق أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، أن ثمة مخاوف بشأن المنافسة تشق طريقها إلى «تيك توك» المتربع على عرش تطبيقات الفيديو، وهو ما يبرر الاتجاه نحو تغيير استراتيجيات الدعم الربحي. وأردف أن «(تيك توك) يسعى لجذب المزيد من صُناع المحتوى إلى المنصة من خلال تقديم حوافز مالية أكبر، وبطرق أكثر تنوعاً وقرباً من المستخدمين». واعتبر أنه وفقاً لما أعلن عنه من تفاصيل النظام المحدث للدعم من «تيك توك»، فإن مشاهدات الفيديو والانطباعات عليه والتفاعل معه «ستكون عوامل مؤثرة في احتساب أرباح المقاطع. وهي منهجية تحاكي ما تقوم به منصات (يوتيوب) و(إكس) و(تويتش) Twitch مثلاً في برامجها المباشرة المخصصة لدعم صناع المحتوى».

ووفق الطراونة «من هنا، يظهر تأثير المنافسة المحتدمة التي أشعلها إيلون ماسك أخيراً عبر نظام الدعم لصناع المحتوى على منصة (إكس)، بالإضافة إلى وصول الإعلانات إلى شورتس، وهي المقاطع القصيرة في يوتيوب، التي تعد المنافس الأبرز لـ«تيك توك)». ومن ناحية أخرى، بينما يرى بعض الخبراء أن التغيير لن يطول النموذج الربحي فحسب، بل سيكون هناك تطوير في المحتوى على ألا يقتصر على النموذج الترفيهي، لدى الطراونة رأي آخر؛ إذ يقول: «لا تزال منصة (تيك توك) منصة ترفيهية في الأساس، وستبقى كذلك، حيث إن شهرة المنصة بُنيت على طبيعتها الترفيهية الحالية... ولا أعتقد أن جوهر هذه المنصة قابل للمساس في أي تحديث مستقبلي، وكل الجهود التي تُبذل من الآن هي لتوظيف نموذجها الترفيهي الأساسي الناجح مع مختلف أنواع المحتوى». ومن ثم أشار إلى ثمة سبب آخر لتغيير مسارات الربح على «تيك توك»، قائلاً: «قد يكون في ذلك مطلباً قانونياً من بعض الدول لـ(تيك توك) بغرض متابعة أرباح صُناع المحتوى وحصرها على نحو دقيق».

وعن تبعات الصندوق الجديد، يرى الطراونة أن علينا انتظار نتائج هذا النموذج الربحي الواعد، وهل هذه الأموال ربما تمس بعض المزايا الراهنة التي حصل عليها صُناع المحتوى أم لا؟


حرب غزة تُشعل معارك رقمية على منصات التواصل

This illustration photograph taken on October 30, 2023, shows the the X (former Twitter) logo on a smartphone in Mulhouse, eastern France. (Photo by SEBASTIEN BOZON / AFP)
This illustration photograph taken on October 30, 2023, shows the the X (former Twitter) logo on a smartphone in Mulhouse, eastern France. (Photo by SEBASTIEN BOZON / AFP)
TT

حرب غزة تُشعل معارك رقمية على منصات التواصل

This illustration photograph taken on October 30, 2023, shows the the X (former Twitter) logo on a smartphone in Mulhouse, eastern France. (Photo by SEBASTIEN BOZON / AFP)
This illustration photograph taken on October 30, 2023, shows the the X (former Twitter) logo on a smartphone in Mulhouse, eastern France. (Photo by SEBASTIEN BOZON / AFP)

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مُخلفة آلاف الضحايا، ومدمرة البنية التحتية للقطاع، تشتعل حرب أخرى، لكنها هذه المرة ليست على الأرض، بل في الفضاء الإلكتروني. ومعها تتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب رقمية موازية، يحاول كل طرف فيها كسب التأييد لروايته، معتمداً مقاطع الفيديو سلاحاً أساسياً في المعركة.

وبينما أكد بعض الخبراء «أهمية تلك المنصات في نقل حقيقة ما يجري على الأرض»، حذر آخرون من «كون هذه المنصات ساحة مؤهلة لنشر المعلومات المضللة، ما يستدعي دور الإعلام التقليدي في التحقق من المعلومات».

هذه «الحرب الإعلامية»، كما يصفها الخبراء، من السهل كشف ملامحها. وهنا يشير موقع «إن بي آر» الأميركي إلى «إغراق (السوشيال ميديا) بفيديوهات وصور عنيفة للحرب، وعدم قدرة منصات التواصل على «كبح جماح المحتوى العنيف»، رغم أن خوارزمياتها سبق وكانت فاعلة في حذفه في أحداث سابقة».

ويوضح معهد «بروكينغ» الأميركي أن «نشر مقاطع فيديو عن القتل والعنف عبر الإنترنت ليس بالجديد، لكنه أحياناً يخدم أغراضاً متضاربة، ما بين إعلام الجمهور أو دفعه للتطرف».

وهنا ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن «مقاطع الفيديو التي جرى تحميلها على منصات التواصل، من قبل إسرائيليين أو فلسطينيين، ساهمت في تشكيل فهم العالم للعنف في إسرائيل وغزة، حتى وإن خيم عليها سيل من (المنشورات المضللة)».

مقاطع فيديو

الصحافي والمدرب الأردني، خالد القضاة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «إسرائيل أطلقت حملات دعائية للترويج لروايتها عن الحرب وصلت دولاً عدة حول العالم»، مشيراً إلى أن «تلك الرواية نجحت في السيطرة خلال الأسبوع الأول، حتى أنها انتقلت إلى وسائل إعلام كبرى تبنتها عمداً أو دون قصد».

وشرح القضاة أن تلك السيطرة «لم تستمر»، بل «سرعان ما انطلقت وسائل إعلام عربية لتغذي منصات التواصل بالحقائق والمعلومات على الأرض مدعومة بفيديوهات من صمود المواطنين في غزة ما عمل على موازنة الكفة»، مدللاً على ذلك بـ«دعوات أطلقتها مؤسسات إعلامية في الأردن ودول أخرى، لحث المواطنين على المشاركة عبر منصات التواصل وبلغات عدة»، مضيفاً أن «المحتوى الأردني على موقع (إكس) (تويتر سابقاً) باللغة الإنجليزية، زاد من 12 في المائة إلى 55 في المائة خلال الحرب على غزة».

وهنا يلفت القضاة إلى «نشر مقاطع فيديو وصور تتضمن مشاهد صعبة؛ لكن هناك تشجيعاً على مشاركتها، رغم بشاعتها، دعماً لصمود الشعب الفلسطيني، وحتى يرى العالم الحقيقة».

وحقاً، قالت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية إن «إسرائيل دفعت ملايين الدولارات من أجل الترويج لروايتها في الحرب». وأوضحت الصحيفة أن «هذه الفيديوهات حققت أكثر من 1.1 مليار ظهور، لنحو 535 مليون مستخدم فرنسي». وأن «إسرائيل أنفقت 2.4 مليون دولار لاستهداف المستخدمين في ألمانيا، و1.2 مليون لاستهداف الجمهور البريطاني، في حين أنفقت 4.6 مليون دولار في فرنسا».

ثم إن الحملات الدعائية الإسرائيلية وصلت ألعاب الفيديو. ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مدير القطاع الرقمي في وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، ديفيد سارانجا، قوله إن «الحكومة الإسرائيلية أطلقت حملة رقمية ضخمة من الإعلانات عبر الإنترنت»، إلا أنه أشار إلى أنه «لا يعرف كيف وصلت تلك الإعلانات إلى ألعاب الموبايل». وبحسب سارانجا، فإن «حجم الإنفاق على تلك الحملات بلغ 1.5 مليون دولار».

مشاعر الغرب

بالفعل، يبدو أن «العالم يعيش الآن عصر الحرب الرقمية»، وفق الصحافي المصري والمدرب المتخصص في الإعلام الرقمي، معتز نادي، الذي ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل تنبهت لذلك مبكراً، واستخدمت منصات التواصل لتبييض صورتها أمام العالم، بالتركيز على دغدغة مشاعر الغرب بمحتوى متنوع يربط المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، ويطالب بإطلاق سراح المحتجزين، مع التركيز على صور النساء والأطفال»، موضحاً أن «وزارة الخارجية الإسرائيلية نشرت نحو 100 فيديو عبر (يوتيوب)، ووصل حجم الإنفاق على نشر المحتوى نحو 8 ملايين دولار في حملات رصدتها تقارير إعلامية».

نادي لفت أيضاً إلى أن «هذه الدعاية تجد لها وزناً وصوتاً مسموعاً وتأثيراً على صانع القرار في الدول الغربية، وأبرز مثال على ذلك استخدام الفيتو ضد قرارات وقف إطلاق النار».

ومن جهة ثانية، كشف موقع «بوليتيكو» الأوروبي عن «إغراق إسرائيل مواقع التواصل بمنشورات لتشكيل رؤية العالم بشأن الحرب الدائرة في غزة». وذكر الموقع أنه «منذ بدء الحرب، نظمت الحكومة الإسرائيلية حملة واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي في الدول الغربية الرئيسة لحشد الدعم لردها العسكري ضد حركة (حماس) عبر عشرات الإعلانات التي تحتوي على صور ومقاطع فيديو عاطفية وعنيفة».

وهنا يرى نادي أن «الفيديو هو بطل المعركة الرقمية، والكل يستخدمه لتوضيح موقفه في الأزمة، وإبراز الوضع الإنساني، لا سيما للمدنيين في غزة الذين يعانون نقصاً في موارد الحياة الأساسية». ويشير إلى أن «كثيرين باتوا يتداولون ما تنشره القنوات الإخبارية على منصات التواصل، إضافة إلى ما تنشره حسابات أخرى لمتابعي الأحداث ممن يوجدون على خط النار»، مضيفاً أن «مستخدمي المنصات الرقمية لعبوا على وتر الحيل لخداع الخوارزميات عن طريق كتابة المحتوى بكلمات متقطعة ورموز». لكن نادي يشير أيضاً إلى أن «هذه الطريقة غير مضمونة الفاعلية بدليل اتجاه (تيك توك) لحذف أكثر من 500 ألف مقطع فيديو، وإغلاق 8000 بث مباشر، فضلاً عن تدخل شركة (ميتا) لحذف أكثر من 795 ألف منشور أو تمييزه باعتباره مزعجاً». أما عن منصة «إكس» المملوكة لرجل الأعمال الأميركي، إيلون ماسك، فيقول نادي إنها «استفادت من زخم توجه العديد من المستخدمين إلى فضائها الرقمي لعدم وجود القيود المفروضة نفسها في المنصات الأخرى مثل (إنستغرام) و(فيسبوك)».

ووفق نادي، فإن مع استخدام منصات التواصل بكثافة وتصدر الحرب «الترند»، «ينتشر طوفان من المحتوى المضلل»، مشدداً على «ضرورة تدقيقه وفحصه»، و«هنا يبرز دور الإعلام في توثيق المعلومات والتأكد من دقتها». إلا أن نادي يشير في الوقت نفسه إلى «أهمية منصات التواصل في نقل الأحداث ومتابعتها في ظل التوجه الغربي المنحاز للرواية الإسرائيلية».

حرب معلومات

في سياق موازٍ، أشار موقع «بوليتيكو» إلى أن «محاولة إسرائيل الفوز في حرب المعلومات عبر الإنترنت، هي جزء من اتجاه متزايد للحكومات في جميع أنحاء العالم للتحرك بقوة عبر الإنترنت من أجل تشكيل صورتها، خاصة في أوقات الأزمات»، ولفت إلى أن «حملات العلاقات العامة في الحروب ليست جديدة... والدفع مقابل الإعلانات عبر الإنترنت التي تستهدف بلداناً وفئات سكانية محددة، أصبح الآن إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الحكومات لإيصال رسائلها إلى للعالم».

وهنا أكد يسبر هوغبيرغ، المدير التنفيذي لمؤسسة «آى إم إس» الدنماركية، وهي مؤسسة متخصصة في تقديم الدعم الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحرب في غزة هي حرب معلومات، ويبرز دور وسائل الإعلام الإخبارية لتعزيز روايات وأجندات سياسية محددة»، مشيراً إلى «ضرورة وجود مراسلين في الميدان لنقل تقارير مستقلة ومتوازنة تقدم صورة حقيقية عما يحدث».

ووفق هوغبيرغ: «هناك عوامل عدة تلعب دوراً في انتشار الأخبار الزائفة على منصات التواصل كالنار في الهشيم؛ من بينها سهولة نشر المعلومات على تلك المنصات، ومحدودية المنشورات المدققة، واختلاف آلية التحقق وتدقيق المعلومات من منصة لأخرى، واستخدام الحسابات الآلية لنشر سردية معينة». وأردف: «في الأحداث الشديدة الاستقطاب يتغذى كل جانب وينمو على روايته الخاصة التي يجري تضخيمها بواسطة خوارزميات تقدم المزيد من المحتوى المشابه لما تفاعل معه المستخدم». ويضيف أنه «بينما تزدهر صناعة التحقق من المعلومات، فإنها للأسف دائماً ما تنشر التدقيق في وقت متأخر، وبعد فترة طويلة من تأثيره على الجمهور، وذلك لأن عملية التحقق من المعلومات تستغرق وقتاً، وتتطلب جهوداً كبيرة».

دعاية مدفوعة

ومن ثم يقول هوغبيرغ إنه «شُكك مراراً وتكراراً في فكرة وجود تغطية إخبارية غير متحيزة، وهو ما يمنح منصات التواصل فرصة أكبر للانتشار». وانتقد افتقار الإعلام الغربي للسياق في التغطية للحرب، قائلاً: «لا يمكن تغطية القصة إذا لم يكن هناك سياق للأحداث... وللأسف ركز الإعلام الغربي على الرواية الإسرائيلية، مع تجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين». وأرجع السبب في ذلك إلى «وجود مراسلي تلك المحطات في إسرائيل وليس في غزة... ومن الواضح أن التغطية كانت متحيزة». غير أنه يعود فيؤكد أنه «عندما تهدأ الأمور، ويتمكن الإعلاميون الغربيون من الوصول إلى غزة، سيتمكنون من رواية قصص جديدة لم نسمع بها أو نشاهدها حتى الآن».

هذه الحرب الإعلامية من جانب إسرائيل تقابلها، بحسب «بوليتيكو»، دعاية على منصات «إكس» و«تلغرام» من جانب حركة «حماس». ولقد رصد موقع «بوليتيكو» أنه «خلال أكثر من 7 أيام عرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 إعلاناً شاهدها أكثر من 4 ملايين مرة على منصة (إكس، وكانت مقاطع الفيديو المدفوعة تستهدف البالغين الذين تزيد أعمارهم على 25 سنة في بروكسل وباريس وميونيخ ولاهاي».