في حين تعتمد وسائل إعلام عدة على منصات التواصل الاجتماعي في التسويق لما تنتجه من محتوى، وجلب الزيارات لمواقعها الإلكترونية، بهدف زيادة الإعلانات وبالتالي تحقيق الأرباح، أظهرت بيانات مؤخراً «تراجعاً في معدل الزيارات الواردة للمواقع الإخبارية عبر منصات التواصل، الأمر الذي يشكل عبئاً إضافياً على الإعلام الرقمي».
بعض الخبراء أكّدوا استمرار تراجع الوصول للأخبار عبر منصات التواصل، وشددوا على «ضرورة إيجاد وسائل تسويق وترويج بديلة، كيلا تبقى أسيرة خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي». وحقاً، وفق تقرير نشره موقع «أكسيوس» الأميركي، الأسبوع الماضي، فإن هناك «تراجعاً» في معدل زيارات أكبر المواقع الصحافية، الواردة عبر منصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«إكس (تويتر سابقاً)»، وهو ما عده متابعون «تهديداً، لا سيما، لمن يعتمدون بشكل مباشر على تلك المنصّات لتسويق المحتوى الإعلامي، وجلب الزيارات».
في الواقع، هذا التراجع أثبتته بيانات موقع «سيميلر ويب»، المتخصص في تحليل بيانات المواقع الإلكترونية. إذ أشار الموقع إلى «تراجع معدل الزيارات الشهرية للمواقع الإخبارية عبر (فيسبوك) من نحو 120 مليون زيارة في أغسطس (آب) 2020 إلى 21.4 مليون زيارة في الشهر نفسه من عام 2023، كما تراجعت الزيارات القادمة من (إكس) خلال الفترة عينها مما يقرب من 60 مليون زيارة إلى 22.6 مليون زيارة».
وعزا «أكسيوس» هذا التراجع إلى «الضغوط التنظيمية والمخاوف بشأن حرية التعبير، التي دفعت عمالقة التكنولوجيا، للتخلي عن الجهود الرامية لرفع جودة الأخبار، ما جعل المجتمع أكثر عرضة للأخبار الزائفة». ولفت الموقع إلى أن «هذا يتزامن مع جهود المواقع الإلكترونية لإيجاد نماذج اقتصادية ناجحة، وحماية عملهم في ظل تحدّيات كبرى من بينها الذكاء الاصطناعي».
أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، أشار في لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «هذا التراجع مرتبط بخوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي تتغير من عام إلى آخر»، موضحاً أن «معدل الزيارات القادمة للمواقع الإخبارية عبر منصات التواصل تراجع بنسبة تصل إلى80 في المائة». وأضاف بنضريف أن «فيسبوك قلّص معدل الوصول للمنشورات التي تحتوي على روابط لمواقع أخرى بنسبة 50 في المائة». ولفت إلى «اتجاه شركتي ميتا وإكس مؤخراً إلى تعزيز التسلية والفيديو والبث المباشر على حساب نشر الأخبار والسياسة، وذلك رداً على ضغوط وسائل الإعلام والناشرين في دول عدة للحصول على تعويض مالي مقابل ما ينشر من محتوى على منصات التواصل».
وبالفعل، فإن دولاً عدة بدأت مؤخراً تحذو حذو أستراليا في محاولة الضغط على شركات التكنولوجيا لدفع تعويض للناشرين مقابل ما ينتجونه من محتوى، كان آخرها كندا. ونتيجة لذلك حظر «فيسبوك» نشر الأخبار في كندا، ما دفع رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، لاتهام «ميتا» بـ«تقديم أرباحها على سلامة الأفراد إبّان حرائق الغابات في أغسطس (آب) الماضي». ولمواجهة تراجع معدل الزيارات، اقترح بنضريف أن «تعمد المواقع الإلكترونية إلى زيادة المنشورات، للحد من تأثير هذا التراجع على الزيارات، وبالتالي على الأرباح».
من جهة ثانية، لم تقتصر خطوات منصات التواصل في الحد من الاهتمام بالأخبار، على تقليل الوصول إلى روابط المواقع الإعلامية، بل امتدت إلى وقف الخدمات الإخبارية، مثل خدمة المقالات الفورية التي أعلنت «ميتا» وقفها في أبريل (نيسان) الماضي. وأخيراً، باتت الروابط والمقالات الصحافية المنشورة على منصة «إكس» تظهر على شكل صورة، من دون عنوان أو وصف، وهو ما برره مالك المنصة إيلون ماسك، بأنه «خطوة جمالية»، في حين عده مراقبون «استمراراً لسياسة ماسك الرامية لزيادة الإعلانات على المنصة، عبر تشجيع المستخدمين على البقاء عليها فترة أطول، ومنع الانتقال إلى روابط خارجية، واستمراراً لسياسته العدائية ضد ناشري الأخبار».
من جانبه، قال خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار، إن «تراجع الوصول للأخبار عبر منصات التواصل ليس مفاجئاً... بل إنه بدأ عام 2021، حين لم تعد منصات التواصل تُشجع على انتشار الأخبار لعدة أسباب من بينها، الرغبة في تخفيف ضغط وسائل الإعلام التي تطالب هذه المنصات بدفع مقابل ما تنشره من أخبار».
البرماوي أوضح أنه «لمواجهة هذه الضغوط اتجهت ميتا لتقليل الوصول إلى روابط الأخبار إذا لم تكن مدفوعة»، مشيراً إلى أنه «لمواجهة هذه الضغوط، بدأت وسائل إعلام غربية في بناء نماذجها الربحية الخاصة ومنصاتها التسويقية بعيداً عن السوشيال ميديا». ومن ثم ضرب مثلا بصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية التي «دشنت نموذجها الربحي الخاص المعتمد على الاشتراكات، وقلّصت من نشر المحتوى على منصات التواصل التقليدية، واعتمدت بدلاً منها على (غوغل)، الذي رغم وجود ملاحظات عليه، فإن خوارزمياته أكثر وضوحاً».
وهنا قال البرماوي إن «الإعلام يستخدم منصات التواصل الاجتماعي في أمرين: الأول تسويق ما ينتجه من محتوى، والثاني توزيعه عبر المنصات المختلفة». وأشار إلى «أهمية أن تحدد كل وسيلة إعلامية نموذجها الاقتصادي، وتبدأ في إنشاء منصاتها التسويقية الخاصة لمواجهة تراجع الزيارات عبر السوشيال ميديا». واقترح الاعتماد على وسائل تسويق وترويج وتوزيع أخرى مثل: النيوزليتر والبودكاست والاشتراكات والتسجيل على المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى «الضغط على منصات التواصل للدفع مقابل المحتوى الخبري».
ويشار إلى أن معهد «بوينتر» الأميركي المتخصص في دراسات الإعلام، كان قد نشر في مايو (أيار) الماضي تقريراً عن اتجاه عدد من ناشري الأخبار حول العالم لتحليل البيانات وتحديد المبالغ التي تدين بها «غوغل» و«ميتا» مقابل نشرها ما ينتجونه من أخبار. وكانت أستراليا أول دولة تسن قانوناً في مارس (آذار) عام 2021 لإجبار «غوغل» و«فيسبوك» على دفع ثمن للأخبار.