سياسات «يوتيوب» الإعلانية... بين انتهاك «الخصوصية» ومنافسة المنصات

سياسات «يوتيوب» الإعلانية... بين انتهاك «الخصوصية» ومنافسة المنصات
TT

سياسات «يوتيوب» الإعلانية... بين انتهاك «الخصوصية» ومنافسة المنصات

سياسات «يوتيوب» الإعلانية... بين انتهاك «الخصوصية» ومنافسة المنصات

أثارت سياسات موقع «يوتيوب» الإعلانية الأخيرة، التي سمحت بجمع بيانات الأطفال وتقليص حجم زرّ تخطي الإعلان، تساؤلات بشأن تخلي المنصة عن مسؤوليتها في حماية الخصوصية وتوفير الرفاهية للمستخدم لصالح تمديد المساحات الإعلانية، وتأثير ذلك في المنافسة المحمومة التي تضعه أمام موقع «تيك توك».

وعلى الرغم من أن المنصة نجحت في تعزيز نمو المحتوى الإعلاني خلال الربع الثاني من العام الحالي، على نحو يُقدر بـ4.4 في المائة، وفقاً لبيانات نشرتها وكالة «رويترز» في شهر أغسطس (آب) الماضي، فإنها بصدد تغييرات حثيثة فيما يخص سياسات الإعلان؛ بغرض جذب مزيد من المعلنين وضمان الاستقرار. وبينما يرى خبراء أن تطوير السياسة الإعلانية بات ضرورة مع احتدام المنافسة، يرى آخرون أن ثمة تراجعاً من قبل «يوتيوب» بشأن حماية الخصوصية.

وفق تقرير نشرته «نيويورك تايمز» الأميركية، الأسبوع الماضي، قد يواجه «يوتيوب» غرامات كبيرة بسبب انتهاك خصوصية الأطفال من خلال إعلانات، وذلك بسبب إقدام الشركة على جمع بيانات الأطفال وتوجيه الإعلانات إليهم. وهذا انتهاك لكل من قانون خصوصية الأطفال وحمايتهم على الإنترنت، ومرسوم موافقة «غوغل»، التي تمتلك موقع «يوتيوب»، مع لجنة التجارة الفيدرالية.

من جانبه نفى «يوتيوب» نية جمع بيانات الأطفال بهدف توجيه الإعلانات، وقالت مصادر في تصريحات لـ«نيويورك تايمز» إن ما حدث هو سوء فهم بسبب تصنيف القائمين على بعض القنوات بأنها مخصّصة للأطفال والبالغين، ومن ثم تخضع لقانون الإعلانات المعمول به للبالغين.

وأشار الموقع إلى أنه «يجب على منشئ المحتوى تصنيف قناته بالكامل أو مقاطع الفيديو الفردية عليها، على أنها مخصّصة للأطفال، وفي هذه الحالة لن تجمع (غوغل) أي بيانات عن المشاهدين لأغراض إعلانية مخصصة، ولن تستهدفهم بالإعلانات». في الشأن عينه، أعلن «يوتيوب» نيته تغيير شكل زرّ تخطي الإعلانات ليصبح أقل وضوحاً، ما يضمن بقاء المستخدم لأطول مدة ممكنة، ما عدّه خبراء تراجعاً عن سياسة حماية الخصوصية والأمان المعمول بها في المنصة. ورأى الدكتور حسن مصطفى، خبير الإعلام الرقمي والأستاذ في عدد من الجامعات في الإمارات العربية المتحدة، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «الكلام عن توجه (يوتيوب) في الآونة الأخيرة إلى زيادة معدلات الإعلان وما يصاحب ذلك من تداعيات وتغيرات في الاستراتيجية للمنصة، يتطلب أولاً عودة تاريخية سريعة قد تبرر لـ(يوتيوب) ذلك من حيث المنافسة».

وأضاف مصطفى: «منصة (فيسبوك) كانت لوقت طويل هي الأفضل فيما يخص خوارزميات الإعلان الرقمي، غير أنها اصطدمت بعائق عجز قدرتها عن رصد الأخبار والمعلومات الزائفة، لتبرز منصة (يوتيوب) بوصفها واحدة من المنصات التي تعمّقت بشكل كبير في استراتيجيات الإعلان، حتى أعلنت تغييرات في خوارزمياتها الإعلانية منذ عام 2021 فصاعداً، وختمتها أخيراً في 2023». وتابع خبير الإعلام الرقمي: «لقد تمثلت هذه الاستراتيجية الجديدة في تشجيع حق تحقيق دخل من كل المحتوى المعروض، حتى سمح بوضع إعلانات من قنوات غير مدرجة في برنامج شركاء يوتيوب بغرض زيادة دخل المنصة على حساب منشئ المحتوى».

ووفق مصطفى فإن «هذه السياسة انتهت بارتفاع وتيرة ظهور الإعلانات على (يوتيوب) يوماً بعد يوم، حتى وصلت لأكثر من 3 إعلانات قبل بدء الفيديو، بل وازداد الأمر سوءاً عندما بات يتعين على الشخص مشاهدة الإعلان نفسه مرات عدة في مقطع فيديو واحد... ما يعني أن الخوارزمية تقرّر أنه من المقبول الاستمرار في عرض الإعلان نفسه مراراً وتكراراً».

أيضاً أشار مصطفى إلى أن «المستهدف هو دفع المستخدم دفعاً إلى الاشتراك في حساب YouTube Premium (يوتيوب بريميوم)، غير أن هذه الخدمة لا تؤمّن ضمانات كافية للتمتع بتجربة مشاهدة خالية من الإعلانات». ووصف هذا المسار بـ«الفوضى» التي تعمّقت باختراق تدابير حماية خصوصية الأطفال وأمانهم. وعدّ خبير الإعلام الرقمي إجبار المشاهدين على ألاّ يتخطّوا الإعلان، «تجاوزاً صارخاً لحرية المشاهد في الاختيار»، مضيفاً: «ولكن بالقدر ذاته، إذا نظرنا إلى الناحية الاستثمارية والاقتصادية، لربما كان ذلك من حق منشئ المحتوى في الربح إذا كان محتواه مفيداً، غير أنه وضع ذلك شريطة ألا يصير إعلاء الربح على القيم المجتمعية مساراً للمنصة».

من ناحية ثانية، في معرض تبريره تقليص حجم زرّ تخطي الإعلان لتفادي خروج المستخدم، قال «يوتيوب» إن الغرض «هو توفير تجربة مستخدم أكثر اتساقاً تتماشى مع الشكل المحدث للمنصة التي سبق الكشف عنها العام الماضي، لكن خبراء لا يرون في هذا سوى دفع المستخدم نحو مشاهدة إعلانات أطول، ما يضمن زيادة في الإنفاق الإعلاني».

وحقاً، فإن مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات السوشيال ميديا في دولة الإمارات العربية المتحدة، يعد أن ثمة مسؤولية مشتركة تجمع «يوتيوب» والمعلنين. وقال كيالي لـ«الشرق الأوسط»: «لاحظنا في الفترات الأخيرة أن معظم شركات التكنولوجيا خفّضت مصاريفها عن طريق تسريح موظفين أو إغلاق وحدات ومشروعات قائمة. وشخصياً لاحظت أن الأقسام المسؤولة عن الجودة في هذه الشركات كانت دائماً على رأس القائمة».

ومع ذلك لم يعدّ كيالي تقليص زر تخطي الإعلان انتهاكاً، فبرأيه «الإعلانات هي المصدر الأساسي لدخل شركات التواصل الاجتماعي حالياً، والشركات بحاجة إلى بناء الثقة مع المعلنين لضمان الاستمرارية، وإلا فشلت (يوتيوب) والشركات التجارية (المعلنة) وصناع المحتوى الذين يقاسمون (يوتيوب) هذه الحصة، في إكمال المسيرة». ويرى كيالي أيضاً أن السياسة الإعلانية لـ«يوتيوب» هي الأفضل من بين شركات التواصل الاجتماعي، ويضيف: «غالبية الإعلانات على يوتيوب تجارية تخص شركات بارزة لديها القدرة المالية، بالمقابل نرى على بقية منصات التواصل الاجتماعي أن أي فرد يمكنه عمل إعلان، ودون أي شروط، وبتكلفة منخفضة».

للعلم، خرجت إحصائيات مثيرة للاهتمام، أشارت إلى رغبة العلامات التجارية التي تستهدف التواصل مع جيل الألفية (الأشخاص الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012) في تحويل إنفاقها الإعلاني من التلفزيون التقليدي إلى «يوتيوب» لتحقيق تفاعل أقوى، لا سيما مع تحلّي هذا الجيل بقوة شرائية يُحسب لها الحساب. وبحسب إحصائية نشرها موقع «سيرش إنجين لاند» في أغسطس، فإن جيل «زي» يميل إلى مشاهدة الإعلانات من دون تخطيها، بل ويتذكر نحو 45 في المائة منها لاحقاً، كما يؤثر ذلك في سلوكهم الشرائي. وأضافت البيانات هذه، إلى أن 8 من كل 10 مراهقين يشاهدون موقع «يوتيوب»، ما يجعل منه المنصة الأولى في هذه السوق. هنا يرى رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، في حوار مع «الشرق الأوسط» أن «التدابير الإعلانية التي اتخذها يوتيوب جاءت محاولة للموازنة بين مسؤوليتها القانونية والمجتمعية، وتحقيق أهدافها التجارية»، غير أنه لخص الأزمة بقوله: «المنصة تعاني من غياب معايير واضحة وضوابط صارمة للمحتوى الإعلاني بشكل عام، بالإضافة إلى تقاطع الأسواق الرقمية جغرافياً، وهو ما شكّل تحدياً لخوارزميات توزيع المحتوى الإعلاني». وتابع: «قرارات يوتيوب تأتي انعكاساً لضغوط المنافسة مع (تيك توك)... وهذه المنافسة جعلت الجميع أمام تحدي الحصة السوقية من المستخدمين ومن الإعلانات. وهو ما انتهى ببعض التنازلات في مجال الخصوصية من أجل جذب مزيد من المعلنين». لكن الطراونة عدّ تقليص حجم زر تخطي الإعلان «التفافاً على حرية المستخدم»، مع أنه يؤكد أن «يوتيوب المنصة الأبرز من حيث الهيمنة في سوق الإعلانات عبر الفيديو، وستبقى كذلك لفترة ليست بالقليلة، بعدما تمكّنت خلال السنوات الماضية من الحفاظ على مركزها القيادي رغم المنافسة الشديدة من (تيك توك)». وأرجع ذلك إلى «شمولية المنصة وتضمنها المقاطع الطويلة والقصيرة، وميزة المجتمعات التفاعلية، مسنودة إلى قاعدة المستخدمين الضخمة، التي تبلغ أكثر من مليار مستخدم نشط شهرياً». وأشار إلى أن كل هذه المزايا تضع مزيداً من المسؤولية على المنصة من حيث تدابير الخصوصية والأمان للمستخدمين، لا سيما من الأطفال.



الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».