هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

«مبارزة الملاكمة» بين مالك «تويتر» وزوكربيرغ تتجسد افتراضياً

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟
TT

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

مارك زوكربيرغ

بعد إطلاق شركة «ميتا» تطبيق «ثريدز»، المنافس المباشر، الذي يمكنه تهديد «تويتر»، سيكون من الصعب على إيلون ماسك، ألّا يلوم سوى نفسه.

قبل سنة، سأل ماسك: «هل تويتر يموت؟». وبعد ذلك قام بخطوة، لم يجد لها محللو وسائل التواصل الاجتماعي وراصدوها، حتى الآن، تفسيراً مقنعاً عن دوافعه للاستحواذ على هذا التطبيق المثير للجدل. إلا أن الانطلاقة الصاروخية لتطبيق «ثريدز»، قد تُقدم إجابة عن سؤال ماسك أعلاه، في أعقاب «الفوضى» التي أحدثها بنفسه على «تويتر».

الجدل المستمر لم ينتهِ بعد عن أهداف ماسك، رائد صناعة السيارات الكهربائية، وصواريخ الفضاء، وكوكبته من الأقمار الاصطناعية؛ لنقل خدمات الإنترنت، عبر امتلاكه «تويتر». ولعل مبلغ الـ44 مليار دولار أميركي، الذي دفعه الرجل، لا يعادله من حيث ضخامة دلالات السطوة، التي باتت تمتلكها وسائل التواصل الاجتماعي، سوى الرقم الخيالي الذي سجله تطبيق «ثريدز» لعدد المشتركين، والذي فاق 30 مليون مشترك خلال أقل من 24 ساعة. ولم تنمُ قاعدة مستخدمي المنصة الجديدة بسرعة فحسب، بل واجتذبت أيضاً نجوم وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير والساسة الذين لديهم القدرة على توليد هذا النوع من الضجيج، الذي لا يمكن إلا أن تحلم به غالبية الشركات الناشئة.

مبارزة حقيقية «افتراضياً»

قلة من الناس كانوا يعلمون أن «مبارزة الملاكمة» التي شاع خبرها بين مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» (مالكة «ثريدز» و«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»)، وإيلون ماسك ستكون حقيقية... لكن في «العالم الافتراضي».

وفي سياق الجدل الدائر حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلام، وفي التأثير في الانتخابات الأميركية، والقلق من استخدامها لنشر معلومات مضللة والتلاعب بالرأي العام، ادّعى ماسك بشكل مُبهَم، أن استحواذه على «تويتر» هدفُ إلى «الحد من سيطرة الليبراليين» على تلك الوسائل. لكن عديداً من المعلقين يقولون إن هذا الادعاء ليس أكثر من مجرد غطاء لتعزيز أرقام مستخدمي التطبيق. وفي المقابل، فإن زعم زوكربيرغ بأن شركته «مساحة للحرية» ادعاء كاذب هو الآخر في سياق «الحرب التجارية» المندلعة بين عمالقة التكنولوجيا، الذين باتوا يهيمنون على صناعة المحتوى الإعلامي نفسه.

جولة لصالح زوكربيرغ

بالنسبة إلى زوكربيرغ، كان الانطلاق الصاروخي لـ«ثريدز» خبراً ساراً يبحث عنه. إذ إنه كان قد سعى على مدى أشهر، إلى دعم الأعمال التجارية الأساسية للإعلانات الرقمية لشركة «ميتا»، من خلال تسريح الآلاف من الموظفين، ومحاولة اللحاق بشعبية تطبيق «تيك توك» الصيني، عبر رفع المحتوى على شبكاتها الاجتماعية، من منشئي المحتوى على منشورات الأصدقاء والعائلة.

ومع «ثريدز»، يحاول زوكربيرغ استغلال العثرات التي يواجهها «تويتر» تحت قيادة ماسك، لتوسيع البصمة الرقمية بطريقة كبيرة لشبكاته في وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على النصوص. وحقاً، قال زوكربيرغ عبر «ثريدز» (الأربعاء): «سيستغرق الأمر بعض الوقت، لكنني أعتقد بأنه يجب أن يكون هناك تطبيق للمحادثات العامة فيه أكثر من مليار شخص (...) لقد أُتيحت الفرصة أمام (تويتر) لفعل ذلك لكنه لم يفلح. لنأمل نحن أن نفعل ذلك».

قاعدة مستخدمي «إنستغرام»

تراهن «ميتا» على أن قاعدة المستخدمين الكبيرة و«الصيغة الثقافية» لـ«إنستغرام»، ستمنحان الموضوعات ميزة تفتقر إليها بدائل «تويتر» الأخرى، التي بدأت من الصفر. إلا أن الخبراء يقولون إن الشركة لا تزال تواجه تحديّات لتجنب الغموض في «ثريدز»، بما في ذلك تطوير الميزات التي اعتاد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عليها، والحفاظ على التدفّق المستمر للمحتوى الذي يحافظ على مشاركة الأشخاص كل يوم. وهنا يقول مارك شموليك، الذي يغطي شركات الإنترنت الأميركية لشركة «برنشتاين»: «بالنسبة لي، السؤال الحقيقي بعد الإطلاق هو: هل يمكنك الاحتفاظ بالمستخدمين؟ وما مدى سرعة طرح الميزات التي يريدونها؟».

حتى الآن، يعمل تطبيق «ثريدز» بشكل مشابه لـ«تويتر». وهو ما حمل أليكس سبيرو، محامي «تويتر»، على توجيه خطاب إنذار إلى «ميتا»، يوم الخميس الماضي، اتّهم فيه الشركة بـ«التسلّط غير المشروع» على موظفي «تويتر» الذين طُردوا من التطبيق (أو المنصة) أو غادروه طوعاً من أجل تأسيس تطبيق «مقلَّد» في غضون أشهر.

وفي حين يشارك مستخدمو «ثريدز» المنشورات أو «الموضوعات»، مثل «تويتر»، التي تركّز على المشاركات النصّية، حيث يقتصر كل منها على 500 حرف (280 لدى «تويتر»)، يمكن للمستخدمين أيضاً وضع علامة على بعضهم البعض باستخدام الرمز «@»، وكذلك الرد على سلسلة رسائل و «إعادة نشرها». ولكن مع هذا، لا تزال مجموعة من الميزات والأدوات التي يمنحها «تويتر» غير متوافرة على «ثريدز». ولا تمتلك الموضوعات إمكانات اعتاد عليها عديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مثل القدرة على إرسال رسائل مباشرة، للبحث عن المحتوى أو استخدام علامات التصنيف للاستفادة من الاتجاهات الفيروسية.

بيد أن مديري «ميتا» لمّحوا (الخميس) إلى أن مثل هذه التغييرات قد تكون في الطريق. إذ أفاد آدم موصيري، رئيس «إنستغرام»، على التطبيق، بأن الشركة تخطّط لتضمين وظيفة «بحث» وإصدار نسخة من تطبيق «ثريدز» على الإنترنت. وقال زوكربيرغ في منشور على التطبيق «يبدو الأمر بداية لشيء مميز، ولكن لدينا كثير من العمل في المستقبل لإنشاء التطبيق».

انطلاقة متدرّجة ذكية

في هذه الأثناء، كثرة من الخبراء يقولون إن اختيار شركة «ميتا» التدرج في تطوير تطبيق «ثريدز» خطة ذكية. فقد علّقت جاسمين إنبرغ، محللة وسائل التواصل الاجتماعي في شركة التحليلات الصناعية «إنسايدر إنتيليجنس»، بالقول إن بساطة تخطيط «ثريدز» قد تَلقى ترحيب مستخدمي «تويتر»، الذين عانوا من أجل التكيّف مع قائمة التغييرات التي فرضها إيلون ماسك. وأردفت: «في الوقت الحاضر، فإن بساطة (ثريدز) وطبيعته الأساسية هما ما تجذبان المستخدمين إليه... وأعتقد بأنه من الذكاء أن نأخذ الأمر ببطء في طرح الميّزات الجديدة».

وبالفعل، في غضون ساعات من إطلاق التطبيق الجديد، كان عديد من الفنانين والشخصيات الإعلامية، مثل كيم كارداشيان وجينيفر لوبيز وجاك بلاك وكايلي مينوغ وأرنولد شوارزنيغر وجوين ستيفاني ونوح بيك وشاكيرا، من بين الذين فتحوا حسابات في «ثريدز». أيضاً لحق بالسرب كل من المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية مايك بنس، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والنائبة اليسارية النيويوركية ألكساندريا أوكازيو كورتيز - التي انتقدت «تويتر» تحت قيادة ماسك - وكانوا من أوائل السياسيين الذين اشتركوا. وكتبت كورتيز معلّقة: «أتمنى أن تتمتع هذه المنصة بمشاعر جيدة، ومجتمع قوي، وروح دعابة ممتازة، ومضايقات أقل».

بيد أن أحد أبرز التحديات، بالطبع، هو معرفة ما سيكون عليه هذا التطبيق بالضبط. ومن بين الأسئلة الرئيسية، هو ما إذا كان الأمر سينتهي بمستخدمي التطبيق إلى مشاركة النوع نفسه من الانتقادات اللاذعة، والسياسة العدوانية، والتعليقات الحادة حول الأخبار والأحداث العالمية التي غالباً ما تكون شائعة على «تويتر»، بحسب إنبرغ. وتابعت: «أعتقد بأنه من الصعب تخيّل أنه سيكون نسخة طبق الأصل من (تويتر)، ولا أعتقد بأنه يجب أن يكون كذلك بالضرورة».

على أية حال، مع مليون مشترك في الساعة، بحسب أرقام «ميتا»، بدا أن الميزة المبتكرة لـ«ثريدز» هي ربطه بتطبيق «إنستغرام»، ما يمنحه قاعدة مستخدمين محتملة مضمونة يسهل الوصول إليها. لكن من نافل القول، إن إطلاقه تزامن مع نهاية أسبوع سيئة لـ«تويتر»، بعدما أعلن ماسك أن النظام الأساسي، سيحدّ مؤقتاً من عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين قراءتها يومياً. وكشف النقاب عن «إجراء طارئ مؤقت» يمنع المستخدمين الذين لم يسجّلوا الدخول من مشاهدة التغريدات على متصفح الويب الخاص بالتطبيق/ المنصة. وذكر إن هذه الخطوات تهدف إلى منع برامج «الأطراف الثالثة» الخارجية من تصفّح النظام الأساسي للحصول على بيانات المستخدمين.

هذا، وفي حين تتنافس الشركات إبان الأوقات العصيبة اقتصادياً على منصات التواصل الاجتماعي، التي تعتمد أعمالها بشكل كبير على الإعلانات الرقمية، أدى تباطؤ النمو في سوق التجارة الإلكترونية، وقواعد الخصوصية الجديدة من شركات التكنولوجيا الكبرى، وارتفاع التضخم، إلى الإضرار بالشركات التي تقدم خدمات التسويق. ولذا أقدمت «ميتا» و«غوغل» و«تويتر» وغيرها، على تسريح عشرات الآلاف من الموظفين خلال العام الماضي. ومنذ ذلك الحين، عادت ثرواتها إلى الانتعاش، حيث ارتفع سهم «ميتا»، على وجه الخصوص، بأكثر من 126 في المائة خلال ستة أشهر. وحققت في أبريل (نيسان) الماضي، أول زيادة ربع سنوية في إيراداتها خلال سنة تقريباً.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في اجتماع مؤتمر الحزب الجمهوري 13 نوفمبر 2024 في واشنطن (أ.ب)

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

ذكرت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية، اليوم الثلاثاء، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب اطلع على خطة وقف إطلاق النار في لبنان وينظر إليها بشكل إيجابي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو مدرباً لإنتر ميامي (أ.ب)

الأرجنتيني ماسكيرانو مدرباً لإنتر ميامي

أعلن إنتر ميامي المنافس في الدوري الأميركي للمحترفين لكرة القدم تعيين الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو مدرباً للفريق.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
العالم طائرتان مقاتلتان من طراز «ميغ - 31» تابعتان للقوات الجوية الروسية تحلّقان في تشكيل خلال عرض فوق الساحة الحمراء في موسكو بروسيا في 9 مايو 2018 (رويترز)

مقاتلتان روسيتان تعترضان قاذفتين أميركيتين قرب مدينة كالينينغراد الروسية

اعترضت مقاتلتان روسيتان من طراز «سوخوي 27» قاذفتين أميركيتين من طراز «بي - 52 ستراتوفورتريس» بالقرب من مدينة كالينينغراد الروسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعقد مؤتمراً صحافياً في ختام اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في فيوجي بوسط إيطاليا في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب) play-circle 01:03

بلينكن: محادثات اتفاق إطلاق النار في لبنان «في مراحلها الأخيرة»

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، أنّ الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان «في مراحلها النهائية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود من الجيش الأميركي من الفرقة 82 يسيرون باتجاه قاعدة جوية أميركية بالقرب من أرلاموف في بولندا 5 أبريل 2022 (رويترز)

الجيش الأميركي يرصد طائرات مسيرة قرب قوات له في بريطانيا

قال الجيش الأميركي، اليوم الثلاثاء، إنه تم رصد طائرات مسيرة فوق ثلاث منشآت عسكرية تستضيف قوات أميركية في بريطانيا وبالقرب منها منذ أسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.