استغلال الذكاء الاصطناعي لأرشيف الصحف يُثير تساؤلات بشأن حوكمته

استغلال الذكاء الاصطناعي لأرشيف الصحف يُثير تساؤلات بشأن حوكمته
TT

استغلال الذكاء الاصطناعي لأرشيف الصحف يُثير تساؤلات بشأن حوكمته

استغلال الذكاء الاصطناعي لأرشيف الصحف يُثير تساؤلات بشأن حوكمته

لا تزال أصداء دخول أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة العمل الصحافي تثير نقاشات؛ كان آخرها ما أعلنته جمعية الناشرين التجاريين، التي تضم أسماء صحافية بارزة، بينها «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، و«ديزني»، و«إن بي سي يونيفرسال»، عزمها إصدار مسودة بعنوان «مبادئ تطوير الذكاء الاصطناعي وحوكمته»، الهدف منها تنظيم عملية تغذية أدوات الذكاء الاصطناعي بمعلومات مصدرها أرشيف الصحف، الأمر الذي عدّته الصحف الأعضاء «انتهاكاً لقوانين حقوق النشر».

ووفق إرشادات المسودة، فإن قوانين حقوق الطبع والنشر تحمي منشئي المحتوى الأصلي بحصر استخدام الأرشيف الخاص بها بعد موافقتها. أيضاً نصّت المسودة التي نشرها موقع «ماركتينغ برو» على أن يخضع استخدام الأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر في أنظمة الذكاء الاصطناعي للتحليل بموجب قانون حقوق النشر والاستخدام العادل. واعتبرت أن «ما جرى استخدامه من معلومات مملوكة لناشرين بغرض تغذية الذكاء الاصطناعي يُعد انتهاكاً لمبادئ الاستخدام العادل على النحو المنصوص عليه في قانون حقوق الطبع والنشر والسوابق القضائية المعمول بها».

وحسب جايسون كينت، الرئيس التنفيذي لجمعية الناشرين، «تهدف المسودة إلى تأمين أداة للمساعدة في المناقشات مع شركات الذكاء الاصطناعي والهيئات التنظيمية بهدف الوصول إلى نموذج عمل منصف لحقوق الناشرين».

الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين بالإمارات العربية المتحدة، يرى أن الفرضية التي ترتكز عليها الصحف في إصدار المسودة، «مبرّرة». ومن ثم يوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «استخدام المعلومات الموجودة بأرشيف الصحف في تغذية برامج الذكاء الاصطناعي يعد استخداماً لمحتوى محمي بحقوق النشر من دون إذن. كما أن الصحف تمتلك حقوقاً قانونية على المحتوى الذي تنشره، ما يجعل استخدام هذا المحتوى من قبل شركات تطوير الذكاء الاصطناعي من دون إذن مخالفة لتلك الحقوق». ويضيف أنه «في هذا السياق، فإن المسودة تعد تصريحاً من الصحف بالحفاظ على حقوقها والحماية من الاستغلال غير المشروع لمحتواها».

سعد أشار أيضاً إلى أن ثمة «مقاومة» تظهرها الصحف تجاه الذكاء الاصطناعي ودخوله شريكاً في العمل الصحافي، غير أنه وصفها بـ«المنطقية» أيضاً. وشرح من ثم أنه «قد يكون القلق من استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأخبار والمحتوى الصحافي بديلاً للصحافيين البشر، ما يؤثر على جودة التحقق والتحليل والتنوع الذي يمكن تقديمه من قبل الصحافيين».

وحقاً، يرى سعد أن «استخدام الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في تقليل فرص العمل للصحافيين، حيث يمكن أن تحل الروبوتات محل بعض المهام الصحافية التقليدية. وبالإضافة إلى ذلك، قد تثير مسألة الأخلاقيات والمسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي بالمجال الصحافي قلق الصحافيين والمجتمع بشكل عام».

للعلم، في العام الماضي، شهد الذكاء الاصطناعي تطورات مهمة وحقق تقدماً في مجال الصحافة. إذ جرى تطوير نماذج للذكاء الاصطناعي قادرة على توليد مقالات وأخبار قصيرة بشكل تلقائي، وتحليل البيانات الكبيرة لاكتشاف أنماط واتجاهات في الأخبار، وتسهيل عمليات التحقق والتحليل الصحافي، واستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً في توفير تجارب قراءة مخصصة وتوصيات محتوى للقراء بناءً على اهتماماتهم وسلوكهم السابق.

وهكذا يرى سعد - بجانب أن هذا التطور ارتبط بالتجاوزات أيضاً - أنه «أمكن رصد بعض التجاوزات والمخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الصحافة، مثل انحياز الخوارزميات واستخدامها لتعزيز الانقسامات والتوجهات المعرفية القائمة للقراء، وكذلك الخطأ في تحليل المعلومات أو انتشار المعلومات الزائفة».

وكانت أشارت المسودة في حيثياتها، إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي قد ترتبط بتأثير مباشر على مستقبل الصحف، لأنها باستخدام المعلومات المحمية قد تثير مخاوف بشأن الاشتراكات النقدية، وكذلك الحد من حركة المرور والتفاعل على الموقع، ما يهدد النموذج الربحي للمؤسسات الصحافية.

من ناحية أخرى، لا يرى الدكتور سعد أن على الصحف منع تقنيات الذكاء الاصطناعي، أو حتى السعي إلى ذلك، ويستدرك مضيفاً: «يمكن للصحف أن تستغل هذه التقنيات لصالحها، على نحو يسهل العمل الصحافي ولا يُؤثر على معايير المهنة». ثم يطرح أمثلة من بينها «استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والمعلومات الضخمة بشكل فعال وسريع، ما يمكن الصحافيين من استخلاص أنماط وتوجهات أكثر دقة وتحليلاً». غير أنه ربط الاستخدام النفعي بالضمانات، معتبراً أنه «يجب أن تضمن المؤسسات أيضاً توجيهات وقواعد أخلاقية صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، مثل التحقق من مصداقية المصادر وتجنب انحياز الخوارزميات، وتعزيز الشفافية في استخدام التقنيات الذكية في إنتاج المحتوى الصحافي».

من جانبه، يرى أحمد عصمت، استشاري الإعلام والتحول الرقمي في مصر، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «أرشيف الصحف ملكية خاصة تعود إلى الصحيفة وفقاً للقانون، قد تختلف فترات السيطرة بحسب قانون كل دولة». ويكمل: «الصحف تعتمد على الأرشيف مصدراً للدخل، من خلال توفير البيانات لجهات بحثية وجامعات وكذلك شركات تحليل الأخبار... ولذا فإن استغلالها من قبل شركات الذكاء الاصطناعي من دون دفع مقابل أمر من المنطقي أن يثير حفيظة الصحف».

عصمت يتوقع أن «تقود هذه المسودة إلى حلول ترتكز على الدفع مقابل الاستغلال... ومن المنتظر أن تنتهي هذه الأزمة قريباً بإعلان اتفاقيات محددة تعقد بين الطرفين (الصحف وشركات الذكاء الاصطناعي). وبالتالي ستحصل الترشيحات وفقاً لهذه الاتفاقيات».

وفي سياق متصل، يرى عصمت أن مقاومة الصحف لأدوات الذكاء الاصطناعي «سلوك تقليدي ومتوقع» سبق أن واجهته جميع الاستنباطات التكنولوجية السابقة، ويقول إن «الذكاء الاصطناعي ليس وليد اللحظة، بل هو تقنية تسللت تدريجياً، بعض التطبيقات جرى هضمها والتعامل معها بسهولة... مثل تطبيقات الترجمة والتصحيح اللغوي، بينما الثورة التي نتابعها راهناً أثارها تطبيق (تشات جي بي تي) تحديداً».

وهنا يشدد عصمت على «أهمية التوقف عن المقاومة لصالح تحديد نماذج الاستغلال في إطار حماية البيانات... إذ إن على المؤسسات الصحافية أن تضع نماذج التعامل المُثلى، ولتكن هناك شراكات، أو يحدث المزج بين البشر والآلة بغرض الاستغلال الأمثل في النهاية».

ويعتقد عصمت أن ما يجب أن تنصب عليه اهتمامات صناع المحتوى والناشرين هو قيمة البيانات، ويردف: «راهناً نواجه أزمة الانحيازات، لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تقوم على نموذج تغذية الآلة من قبل بشر لهم انحيازات وتوجهات... هذا كارثة»!! ومن ثم يشرح أن «معضلة الذكاء الاصطناعي تتلخص في البيانات المغلوطة، ما قد تحصد نتائجه لاحقاً من تزييف للتاريخ... على سبيل المثال فالمنطقة العربية ككل تاريخها معرض للمغالطات لأنه بالأساس مكتوب باللغة العربية، بينما في رؤى ثقافية أخرى جرى رصد تلفيق وقراءات مغايرة للواقع. ومع مزيد من الاعتماد على الآلة لا بد من رفع درجة الإنذار، وبذل مزيد من الجهود لحماية البيانات ودرء الانحيازات».



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».