سياسات «تويتر» المرتقبة... بين تعويض الخسائر وتحسين آليات التواصل

سياسات «تويتر» المرتقبة... بين تعويض الخسائر وتحسين آليات التواصل
TT

سياسات «تويتر» المرتقبة... بين تعويض الخسائر وتحسين آليات التواصل

سياسات «تويتر» المرتقبة... بين تعويض الخسائر وتحسين آليات التواصل

عدّ متابعون إعلان إيلون ماسك، مالك منصة «تويتر»، عن تعيين مدير تنفيذي جديد للمنصة خلفاً له، محاولة ضمن محاولات «تويتر» لتعويض الخسائر وتحسين آليات التواصل. وكان ماسك قد أعلن أخيراً عن اختياره ليندا ياكارينو، التي يصفها الخبراء بـ«المهنية في مجال الإعلانات التجارية»، إلا أن اختيار ياكارينو أثار جدلاً وترقباً حول دلالاته، وما يعنيه بشأن سياسة المنصة خلال المرحلة المقبلة.

ياكارينو (59 سنة) لها تاريخ في العمل بالكيانات الإعلانية «الضخمة» ولقّبتها صحيفة «الغارديان» البريطانية بـ«المدق المخملي»، في إشارة إلى قوتها ومهارتها في التفاوض وتحقيق المكاسب التجارية. في حين اعتبر خبراء أن الصحيفة التعريفية لياكارينو تعكس خطط «تويتر» المستقبلية، ومنها التركيز على «الأهداف الربحية» بغرض تعويض الخسائر التي تكبّدتها المنصة، وذلك عقب تراجع الإعلانات منذ تولي ماسك المهمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ماسك من جهته، لمّح إلى الاستراتيجية المرتقبة لـ«تويتر»، وغرّد قائلاً: «متحمس للترحيب بليندا ياكارينو كرئيس تنفيذي جديد لـ(تويتر)، وهي ستركز بشكل أساسي على العمليات التجارية، في حين أركز على تصميم المنتجات والتكنولوجيا الجديدة». وما يُذكر هنا أن مسارات «تويتر» لن تؤثر على المنصة وحدها، بل ثمة ترقب لاستراتيجيات جديدة قد تشمل منصات التواصل جميعها بغرض «تعويض الخسائر المادية التي تكبّدتها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية وتراجع الخطط الإعلانية للشركات الكبرى».

في لقاء مع «الشرق الأوسط»، اعتبر الدكتور حسن مصطفى، خبير الإعلام الرقمي والأستاذ في عدد من الجامعات في الإمارات العربية المتحدة، أن «نموذج العمل المُرتقب احتضانه من قبل منصات التواصل الاجتماعي كلها، وخصوصاً (تويتر)، سيكون ذا طابع استثماري بالأساس». وأردف: «أتوقع أن تتراجع غاية التواصل وتبادل المعلومات، وحتى الترفيه، لصالح الأغراض الاستثمارية والربحية»، موضحاً أنه «من غير المستغرب سلوك (تويتر) هذا المسار؛ إذ ليس هناك سلعة مجانية... وإن توافرت السلعة المجانية، فعلى المُستخدم أن يعرف أنه في هذا النموذج سيكون هو السلعة». واستطرد مصطفى معلّقاً: «لم تكن خدمات التواصل الاجتماعي مجانية في يوم من الأيام. ولدى إمعان النظر نكتشف أن منصات التواصل وفّرت فقط الحساب بالمجان، غير أنه على المُستخدم أن يقدم الثمن من خلال إعلانات مزعجة قد تُفسد تجربته في التصفح».

وللعلم، حسب إحصاءات نشرها موقع «بيزنس أبس»، تراجع عدد المستخدمين الذين يمكن للمسوّقين الوصول إليهم عبر الإعلانات على منصة «تويتر» بنحو 183 مليون مستخدم (أي بنسبة 32.9 في المائة) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي. كذلك، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً في أبريل (نيسان) الماضي، كشف عن أن «تويتر» سجلت انخفاضاً في الأرباح يُقدر بـ40 في المائة خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد تراجع الإنفاق الإعلاني على المنصة بنسبة تُقدر بـ71 في المائة خلال الشهر نفسه.

«التوأمة الرقمية»

مصطفى يسمي نموذج العمل الذي اتبعته منصات التواصل الاجتماعي بـ«التوأمة الرقمية». ويوضح قائلاً: «تخلق منصات التواصل شخصاً افتراضياً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي يُمثل المُستخدم، يتتبع اهتماماته ورغباته، ثم يُرجح قائمة من المنشورات تتناسب مع المعلومات التي جُمعت، ومن هنا يتحقق الربح للمنصة بإعلانات موجهة لجمهور بعينه يُفترض تفاعله مع المحتوى الإعلاني». ومن ناحية أخرى، لا يرى مصطفى في التواصل وتبادل المعلومات ومشاركة التجارب هدفاً أصيلاً للمنصات، قائلاً: «عزّزت المنصّات منذ البداية، الشعور بالاستهداف المُباشر لدى المُستخدم، بهدف الجذب... في حين أن ثمة هدفاً خفياً يشمل التسويق وجني الربح». ويخصّ مصطفى «تويتر» بالأهداف الربحية بعد تولي ماسك «تويتر»، بقوله: «يبدو جلياً أن ماسك على دراية بإمكانات المنصة في تحقيق الأرباح، واختياره الرئيس التنفيذي الجديد يدل على ذلك، كذلك كان أول قرارات ماسك منذ توليه (تويتر) تسعير علامة التوثيق».

وحقاً، حول دلالات الغرض الاستثماري لمنصات التواصل، يرى مصطفى أنه «في خضم التنافسية الشرسة بين المنصات، شاهدنا اقتباس الخدمات من بعضها البعض، حتى تأثرت هوية بعض المنصات... وما عادت التغريدات الخدمة الوحيدة، بل باتت تنافسها مقاطع الفيديو الطويلة والقصيرة التي لم تكن يوماً منتجاً شائعاً على (تويتر)»، ثم عن مُعادلة الربح وتحسين آليات التواصل والخدمات المسؤولة على منصات التواصل، يشير مصطفى إلى أن «الواقعية تقتضي أن نقول إن المنصات ستستمر في سبيل الربح والاستثمار، والتوازن يتحقق من المُستخدم... فعليه أن يعي تأثيرها ورغبة المنصات الأصيلة في تحويله لسلعة»، مشدداً على أن «المنصات تتكلم عن المسؤولية المجتمعية، وفي الوقت عينه ترجح ترشيحات المحتوى اللاقيمي، أو على الأقل الذي يستهدف الترفيه إلى حد السخف في بعض الأحيان».

عودة إلى ياكارينو، اعتبر علي فرجاني، الباحث في صحافة الذكاء الاصطناعي بمصر، أن اختيار ليندا ياكارينو كان «قراراً صائباً». وقال لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه، إن «(تويتر) تبحث عن طُرق توسع وظائف المنصة لتشمل إمكانية ‏الدفع والرسائل المشفرة والمكالمات الهاتفية، وتحويلها إلى شيء أطلق عليه ماسك (إكس) أو ‏تطبيق كل شيء». وأضاف أن «ياكارينو بنت خبرتها العملية مع ‏العلامات التجارية الكبرى، وأثبتت قدرتها على توفير الفرص الاستثمارية... فقد ‏استطاعت ياكارينو في مهامها السابقة، أن تصنع اسماً لنفسها من خلال مساعدة التلفزيون ‏التقليدي للحفاظ على مكانته في الإعلان، خاصة في عصر سيطرة منصات التواصل الاجتماعي».

غير أن فرجاني وضع «تحسين آليات التواصل في الالتزام بالمسؤولية المجتمعية للمنصات ضمن معادلة الاستمرار والنجاح». وشرح: «أعتقد أن مهمة جميع مديري منصات التواصل الاجتماعي لا تختلف عن إدارة وسائل ‏الإعلام التقليدية، التي تعمل وفقاً لسياستها الإعلامية أو التحريرية، فضلاً عن ‏التزامها بمواثيق الشرف الإعلامي والتزام الموضوعية». وأكد على أن «منصات التواصل الاجتماعي مُلزمة بأن تجمع بين تحقيق الربحية للشركة ‏بالتوازي مع مبادئ المسؤولية المجتمعية على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ وإلا تراجعت شعبيتها وتكبّدت خسائر أكثر؛ لأن استمرارها مُرتبط بزيادة المستخدمين وتفاعلهم».

أيضاً، يرى فرجاني أن المنصات الاجتماعية مسؤولة عن توفير ‏مجتمعات آمنة عبر الإنترنت. وأوضح أنه «يتوجب على المنصّات تطوير أدواتها من أجل تنبيه المُستخدمين إلى الحملات المُصممة ‏للتلاعب بهم، واتخاذ تدابير للحد من الأخبار الزائفة»، مشيراً إلى «ضرورة الارتكاز على الدراسات المتخصصة في شأن العالم الافتراضي، برفع درجة الوعي بطبيعة البيئة الافتراضية بصفة عامة، و‏التعرف على طبيعة التعامل مع المنصات الإعلامية المختلفة بصفة خاصة». واختتم بالقول: «أفضل ‏طريقة يتبعها المُستخدم للتعامل مع البيئة الرقمية هي الاطلاع على ما ينبغي ‏معرفته؛ أي أن يتعرف على البيئة الرقمية الجديدة، ويدرسها جيداً، ويدرك المخاطر المُحتملة».


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ إيلون ماسك رئيس شركة «تسلا» ومنصة «إكس» (أ.ب)

إيلون ماسك يسخر من مسؤول كبير في «الناتو» انتقد إدارته لـ«إكس»

هاجم إيلون ماسك، بعد تعيينه مستشاراً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مسؤولاً كبيراً في حلف شمال الأطلسي (ناتو).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك منصة «إكس» (رويترز)

صحف فرنسية تقاضي «إكس» بتهمة انتهاك مبدأ الحقوق المجاورة

أعلنت صحف فرنسية رفع دعوى قضائية ضد منصة «إكس» بتهمة استخدام المحتوى الخاص بها من دون دفع ثمنه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الملياردير الأميركي إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع انتخابي لترمب (أ.ف.ب)

إهانة عبر «إكس»: ماسك يصف المستشار الألماني بـ«الأحمق»... وبرلين ترد بهدوء

وجّه إيلون ماسك إهانة مباشرة للمستشار الألماني أولاف شولتس عبر منصة «إكس»، في وقت تشهد فيه ألمانيا أزمة حكومية.

«الشرق الأوسط» (أوستن (الولايات المتحدة))
العالم الانشغال الزائد بالتكنولوجيا يُبعد الأطفال عن بناء صداقات حقيقية (جامعة كوينزلاند) play-circle 00:32

أستراليا تتجه لحظر «السوشيال ميديا» لمن دون 16 عاماً

تعتزم الحكومة الأسترالية اتخاذ خطوات نحو تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».