محدودية توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام التقليدي

دراسة عزت الأسباب إلى غياب المتخصصين وضعف التمويل

عالِم متخصص في تطبيقات الكومبيوتر على المشاعر والعواطف يتعامل مع روبوت (جامعة برديو – الولايات المتحدة)
عالِم متخصص في تطبيقات الكومبيوتر على المشاعر والعواطف يتعامل مع روبوت (جامعة برديو – الولايات المتحدة)
TT

محدودية توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام التقليدي

عالِم متخصص في تطبيقات الكومبيوتر على المشاعر والعواطف يتعامل مع روبوت (جامعة برديو – الولايات المتحدة)
عالِم متخصص في تطبيقات الكومبيوتر على المشاعر والعواطف يتعامل مع روبوت (جامعة برديو – الولايات المتحدة)

تسبب كل من الاستخدام المحدود لتقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي السعودي، والضعف الكبير في توظيفه والاستفادة من قدراته لخلق تحول إعلامي مواكب وذكي، في خلق فجوة في أداء بعض المؤسسات الإعلامية أمام التغيّرات التي طرأت على طبيعة المتلقي والمحتوى، وهذا بينما أضحت الصناعة الإعلامية عموماً أسرع وتيرة وتفاعلاً مع الجمهور.

وفي حين يهاجر كثير من المتلقين إلى منصات الإنترنت والهاتف الذكي للتزوّد بالأخبار، ويلجأ هؤلاء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه إلى القضايا المهمة والجدلية التي جرى تحجيمها أو تغييبها، ينعكس تباطؤ المؤسسات الإعلامية في السعودية بإحداث تحول رقمي يوظف الحلول الذكية الفائقة للذكاء الاصطناعي ، كما ينعكس في مزيد من استنزاف الجماهير وفقدان وسائل الإعلام التقليدية لبريقها، أمام خريطة الإعلام الجديد المترابط تكنولوجياً والمتجاوز للحدود الجغرافية.

لقد كشفت نتائج دراسة مسحية حديثة للباحث نايف المطيري في جامعة الملك سعود بالرياض، إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام السعودية محدود، وهو يتركز فقط في جوانب ليست ذات علاقة أسـاسـية في صـناعة المحتوى الإعلامي، ويقتصر على استخدامات محدودة مثل تنبيه الصـحافي بالأخبار والمعلومات الجديدة، والتدقيق وتصـحيح الأخطاء الإملائية. وفي المقابل، يؤدي ضعف الكوادر المتخصصة في استخدامات الذكاء الاصطناعي ، وغياب الاعتراف المؤسسي بدور التقنيات الذكية، بالإضافة إلى قصور التمويل، في عجز المؤسسات الإعلامية عن الوفاء بشروط المواكبة الذكية والعصرية لتحولات الصناعة الإعلامية.

3.02 % من الأخبار ينتج بشكل آلي

نتائج الدراسة كشفت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي لدى المؤسسات السعودية محدود جداً، إذ بلغ المتوسط الحسابي لإنتاج الأخبار بشكل آلي نحو 3.02 في المائة فقط، وركز على جوانب ليست ذات علاقة أساسية في صناعة المحتوى الإعلامي. كذلك بيّنت الدراسة أن نحو 35.6 في المائة من أفراد عيّنة الدراسة أكدوا محدودية استخدام المؤسسات الإعلامية لتقنيات الذكاء الاصطناعي ، وأن كثيراً من تلك المؤسسات ليست مؤهلة ولا تتوفر لديها الكوادر الممكنة لتوظيف تلك التقنيات، في ظل العقلية التقليدية التي تسيّر بعض المؤسسات، وهو الأمر الذي يحرم الإعلاميين والجماهير من الفرص الكبرى لمستقبل الصناعة الإعلامية.

من جهة ثانية - كما سبقت الإشارة - إلى جانب قلة عدد المتخصصين في تقنيات الذكاء الاصطناعي وضعف التدريب والتأهيل للعنصر البشري داخل المؤسسات، جاء ضعف التمويل وغياب الاعتراف المؤسسي بدور التقنيات الذكية، وارتفاع تكلفة التحول الرقمي، والخوف من فقدان المكانة المهنية، من جملة الأسباب التي أبطأت من التحول الرقمي الكامل والاستخدام الجاد لإمكانات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي.

نزوح جماهيري عن الإعلام التقليدي

الدراسة التي صدرت خلال العام الحالي، تناولت مستقبل توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الإعلامية السعودية، مستخدمة المنهج المسحي بشقيه الكمي والكيفي، لكشف مجالات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي، والتغييرات التي من الممكن أن يحدثها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي من وجهة نظر 12 مؤسسة إعلامية في السعودية.

وأشارت نتائج الدراسة أيضاً، إلى أن الجمهور «هاجر» إلى منصات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، واتخذها مصدراً رئيسياً للتزوّد بالأخبار، الأمر الذي أفقد وسائل الإعلام التقليدية بريقها، وتهميشها في وجه النزوح الجماهيري إلى خريطة الإعلام الجديد المترابط تكنولوجياً من دون حدود جغرافية، وأضحى ملايين الأفراد يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه إلى القضايا المهمة والجدلية التي تحجيمها أو تغييبها.

وفي ثنايا الدراسة، وظّف الباحث أداة المقابلة لرصد رؤى وتصوّرات الخبراء بشأن مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي. وقال الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي، رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي ، إن هناك صعوبات وتحديات في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بالعمل الإعلامي التقليدي، في ظل عدم جاهزية البنية التقنية في بعض المؤسسات، وضعف الخبرات والمهارات التقنية لدى بعض العاملين، وعدم نضوج كثير من تلك التقنيات في المجال الإعلامي، بالإضافة إلى أسباب أخرى انعكست في تقريب المسافة بين التقنيات الذكية والصناعة المحتوى الإعلامي.

هل ستحل الروبوتات محل الصحافيين؟

في سياق موازٍ، على الرغم من الخدمات الفائقة التي يمكن أن يقدمها الروبوت للعملية الإعلامية، على نحو يقلل من الجهد المبذول والوقت المستهلك وزيادة الدقة في التعامل مع البيانات الضخمة وإعادة توجيه الموارد على نحو مفيد ومثمر، لا تبدو مسألة حلول الروبوت بديلاً عن الصحافي محسومة، لا سيما فيما يتعلق بـ«محدودية» الروبوتات في التغلب على البشر بالممارسات الإبداعية.

تيك توك ... باتت لاعباً أساسياً في عالم التواصل (غيتي)

وهنا استشهدت دراسة المطيري بمجموعة من نتائج الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع ذاته. إذ لم تحسم نتائج تلك الدراسات، الموقف من مستقبل العلاقة بين الطرفين التقليدي والعصري، لكنها أكدت أهمية استمرار دور العنصر البشري وضرورة تكيفه مع الواقع الجديد، وتقليص الفجوة بين التقنيين ومصممي تجارب الذكاء الاصطناعي من جهة، والصحافيين الذي يباشرون العمل بها من جهة أخرى.

وبالتوازي تسببت عوامل لافتة في ضعف الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي في العملية الإعلامية حتى الآن، أبرزها: قلة جاهزية نسبة كبيرة من غرف الأخبار لتوظيف هذه الأدوات نتيجة التأخر بتحديث الهياكل التنظيمية بها، والتأخر في تبني أنظمة الجودة، وانعدام «الخوارزميات» اللازمة لتحرير النصوص بالنسخة العربية، وتراجع الاستثمار والتمويل في هذه التقنية. من جانب آخر، تمثّل تقنيات الذكاء الاصطناعي تطوراً كبيراً في بيئة العمل الإعلامي في العصر الرقمي.

ولديها القدرة على التغلب على المشاكل الأساسية التي تواجه الصحافة الجديدة، ومكافحة الأخبار المزيفة، وتحرير الأخبار وفقاً لسياسة التحرير، بالإضافة إلى تخصيص المحتوى. كما يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي المساعدة في تحسين عمل الإعلاميين، بدلاً من الاستعاضة عنهم في إطار مستقبل واعد على أساس التعاون بين الإنسان والروبوتات، وهو ما يحتم على الإعلامي - والصحافي، بالأخص - أن يعيد التكيف مع هذا الواقع الجديد.

وختاماً، دعت الدراسة المؤسسات الإعلامية إلى تطوير أساليب إنتاج المحتوى الإعلامي فيها، وذلك لتلبية احتياجات المنصات والأجهزة التي يستخدمها المستهلكون للحصول على أخبارهم، ومواجهة الفرص والتحديات الجديدة أثناء محاولتها التكيف مع التقنيات الناشئة. وتشمل هذه التقنيات بالطبع الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والواقع الافتراضي والمعزّز، والطباعة ثلاثية الأبعاد، و«البلوك تشين»، التي تسهم في تشكيل محتوى يجذب انتباه الجمهور، مع ضرورة أن يبقى العنصر البشري موجوداً وفاعلاً داخل إطار العملية الإعلامية.


مقالات ذات صلة

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تكنولوجيا لدى خدمة «ChatGPT Plus» التي تعتمد على الاشتراك نحو 7.7 مليون مستخدم على مستوى العالم (أدوبي)

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تشكل الخاصية الجديدة نقلة في كيفية التفاعل مع المعلومات عبر إجابات أكثر ذكاءً وسرعة مع سياق الأسئلة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)

باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

أصدر باحثون وقادة دينيون، الأربعاء، نتائج تجربة استمرت شهرين في كنيسة كاثوليكية في سويسرا، حيث كان الذكاء الاصطناعي يتلقى أسئلة الزوار الدينية.

الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه خلال كلمته في المؤتمر (الشرق الأوسط)

وزير الاتصالات السعودي في ملتقى الميزانية: تصدير التقنية في المرحلة المقبلة

قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه إن المملكة تتجه في المرحلة المقبلة نحو تصدير التقنية بهدف فتح آفاق جديدة للأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

سمحت شركة «أوبن إيه آي» لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في عرض شراء جديد لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا متجر هواوي في شنغهاي

«هواوي» الصينية تستهدف «أبل» بأحدث هواتفها الذكية «مايت 70»

في العام الماضي، وضع الاختراق في تطوير الرقائق الإلكترونية شركة «هواوي» على قمة سوق الهواتف الذكية الصينية. والآن تطرح الشركة أحدث هواتفها، سلسلة «مايت 70» …

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».