الذكاء الصناعي... هل هو بديل للصحافيين أم مساعد لهم؟

شعار تشات جي بي تي
شعار تشات جي بي تي
TT

الذكاء الصناعي... هل هو بديل للصحافيين أم مساعد لهم؟

شعار تشات جي بي تي
شعار تشات جي بي تي

تتكاثر التساؤلات أخيراً عن مدى الاعتماد على الذكاء الصناعي في التغطيات الإعلامية، ودوره وحدوده في تعزيز وإثراء التغطية الإعلامية، وسط قلق على مستقبل الصحافيين من إدراج الذكاء الصناعي ضمن المنظومة الصحافية. في هذه الأثناء يرى مراقبون أن «الذكاء الصناعي بات حقيقة فيما يخص تحديداً العمل الصحافي».

خلال الأعوام الماضية شهدت صناعة الإعلام أكثر من تجربة لدمج الذكاء الصناعي ضمن أدوات مهنة الصحافة. إذ تعاونت وكالة «أسوشييتد برس»، مثلاً، مع منصات متخصصة تعتمد على الذكاء الصناعي لتغطية مباريات كرة القاعدة (البيسبول) من خلال عرض النتائج. كذلك، في عام 2016، ذكرت منصة «باز فييد» أنها انطلقت نحو الاعتماد على الذكاء الصناعي في غرف الأخبار، غير أن المنصة أقدمت لاحقاً في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022 على «تسريح نحو 12 في المائة من القوة العاملة داخل المؤسسة»، حسب موقع «إنسايدر» الأميركي، ما أثار قلقاً بشأن مستقبل الصحافيين الذين أصبحوا بين خيارَي: إما التكيف وإما التسريح من العمل.

المراقبون المهتمون طرحوا تساؤلات حول تأهيل العنصر البشري في الصحافة لاستخدام أدوات الذكاء الصناعي على نحو نفعي، بحيث يغدو معاوناً يثري الصناعة في إطار «ضمانات تحمي معايير العمل الصحافي، بدلاً من أن تصبح الآلة بديلاً للعنصر البشري، لا سيما بعد رصد أخطاء وقع فيها الذكاء الصناعي تُهدد دقة المعلومات».

رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي في دولة الإمارات العربية المتحدة، يعتبر أن دور الذكاء الصناعي في التغطية الإعلامية يتوقف على مدى إلمام الصحافي بـ«هندسة الأوامر والتوجيهات». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحصول على إجابة دقيقة يتوقف على إتقان طرح السؤال والاستعلام، وهنا تأتي أهمية العنصر البشري... فسوء توجيه السؤال قد يدفع أداة الذكاء الصناعي إلى إجابات مطوّلة وغير مُركزة على الهدف».

الغوري يؤمن بأهمية الذكاء الصناعي بوصفه أداة لتسهيل التغطية الإعلامية، مضيفاً: «يُمكن للصحافي المحترف أن يستخدم هذه التقنية في تلخيص عرض تقديمي، أو الحصول على موجز لمقطع فيديو طويل، أو تحليل مجموعات بيانات، ثم عمل رسوم بيانية مناسبة لها؛ وهكذا، فالتطبيقات لا حصر لها، وجميعها تصب في صالح تسهيل وإثراء المنتج الصحافي».

هندسة الأوامر والتوجيهات

ويتابع الغوري بأن: «التدرب على هندسة الأوامر والتوجيهات، والبراعة في صياغة أسئلتنا باتت مهارة يومية يحتاجها الصحافي... والإلمام بهندسة التوجيهات يُمكّن العنصر البشري من لغة الحوار والتواصل، للدردشة مع أدوات برامج مثل (تشات جي بي تي) و(بارد) التابع لشركة (غوغل)، وكل هذا يتعاون مع العنصر البشري للوصول إلى أفضل نتيجة».

في المقابل، حول مدى تهديد الذكاء الصناعي لمستقبل الصحافيين، يقول الغوري: «إدراج الذكاء الصناعي ضمن منظومة العمل الصحافي، لا يقابله على الإطلاق فرضية الاستغناء عن العنصر البشري، لا سيما في عالمنا العربي»، وأرجع الإشكالية إلى «نقص المعلومات الدقيقة المكتوبة باللغة العربية على شبكة الإنترنت». وأردف موضحاً: «مثلاً، برنامج مثل (تشات جي بي تي)، آخر تحديث بالعربية تم عليه كان في 2021. ومن ثم لا يُمكن صناعة قصة، وإلا ستبدو بلغة غير مقبولة ومعلومات منقوصة؛ فقط (تشات جي بي تي) يمدّ الصحافي بالمعلومات لتسهيل مهمته».

ومطلع العام الجاري، واجهت منصة «سي نت» CNET اتهامات شديدة على خلفية نشر عشرات المقالات التي كُتبت بواسطة الذكاء الصناعي من دون الإشارة إلى ذلك. وهذا ما اعتبره المراقبون «أمراً غير مقبول صحافياً، لما شملته هذه المقالات من معلومات قليلة الدقة، نتجت عنها توجيهات للجمهور المهتم بسوق المال على نحو خاطئ».

حينذاك، وصفت المنصة هذا التصرف بأنه «مجرد تجربة» حسب «واشنطن بوست». وللعلم، كان الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين قد أعلن عن استخدام الذكاء الصناعي لاختبار ملايين الوثائق المالية والقانونية المسرّبة، لتحديد التفاصيل التي تستحق نظرة فاحصة من مراسليها. ولكن، مات ماكفي -وهو باحث يرأس مشروعاً للذكاء الصناعي في كتابة الأخبار بـ«نيويورك ميديا لاب» التابع لجامعة نيويورك- قال إنه «لا يُمكن لهذه الأدوات أن تحل محل العنصر البشري، فهي لا يمكنها طرح الأسئلة المبتكرة». وأضاف -وفق «واشنطن بوست» خلال يناير (كانون الثاني) الماضي- أن «القصص المصنوعة بواسطة الذكاء الصناعي لن تفتح آفاقاً جديدة، أو تقدم سبقاً صحافياً أو عملاً إبداعياً».

الذكاء الصناعي بات واقعاً

من جهته، يرى خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر، أن «الذكاء الصناعي بات واقعاً لا يُمكن غض الطرف عنه، وحان وقت التكيف معه، ووضع المعايير المنظمة لعمله». وأضاف في حوار مع «الشرق الأوسط» شارحاً: «لقد تجاوزنا مرحلة التوقّعات وصرنا أمام حقيقة واقعة... وهنا لا أبالغ بالقول إن العمل الإعلامي سيكون من أكثر المجالات تأثراً بتقنيات الذكاء الصناعي». غير أن عبد الراضي يدحض فكرة الاستعاضة عن الصحافيين بتقنيات الذكاء الصناعي، ويبرّر ذلك بأن «الابتكار والسبق مهارات تخرج عن حدود قدرات الذكاء الصناعي، وهي الضامن لبقاء العنصر البشري». كذلك يشير الخبير المصري إلى أن «استمرار الصحافي يشترط تطوره لتطويع أدوات الذكاء الصناعي ومباشرة عمله، كما أن هذه التقنيات ستسهل بلا شك على الصحافي إنتاج قصة إخبارية، من خلال المساعدة في عمليات البحث والأرقام التي تستغرق وقتاً، ما يتيح للعنصر البشري التفرغ وصب اهتمامه على الجودة والتدقيق».

عبد الراضي عدّد مجالات الاستفادة من الذكاء الصناعي في العمل الصحافي. وقال: «قد تساهم هذه التقنيات في جمع المعلومات والتحقق من مصادرها، كذلك الترجمة بمزيد من الجودة. ولقد شاهدنا تجربة وكالة الأنباء الكندية التي قدمت تجربة مُتقنة لنشر الخبر بأكثر من لغة دون عناء، معتمدة على الذكاء الصناعي». وأضاف: «إنني أتوقع أن تعتمد التقارير الصلبة التي تشترط مهارة الدقة في النقل -على شاكلة تقارير البورصة وسوق المال- بشكل كبير على الذكاء الصناعي، وهو ما سينعكس على عمل الصحافي الذي سيصبح بإمكانه تقديم منتج في وقت أسرع».


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا يستعرض مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» أبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي المقبلة

مؤتمر «مايكروسوفت إغنايت 2024» يكشف عن أبرز نزعات الذكاء الاصطناعي المقبلة

إطلاق أكبر مشروع للأمن الرقمي بتاريخ البشرية لمواجهة أكثر من 7000 هجمة في الثانية.

خلدون غسان سعيد (جدة)
الاقتصاد علم شركة «إنفيديا» على الحرم الجامعي في سانتا كلارا بكاليفورنيا (إ.ب.أ)

بالأرقام... كيف أصبحت «إنفيديا» الشركة الأكثر قيمة في العالم؟

حققت «إنفيديا» مرة أخرى نتائج ربع سنوية تجاوزت توقعات «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».