رئيس معهد «بوينتر» الأميركي: «تشات جي بي تي» ليس بديلاً للصحافيين

نيل براون دعا إلى وضع قواعد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام

معهد «بوينتر» للدراسات الإعلامية
معهد «بوينتر» للدراسات الإعلامية
TT

رئيس معهد «بوينتر» الأميركي: «تشات جي بي تي» ليس بديلاً للصحافيين

معهد «بوينتر» للدراسات الإعلامية
معهد «بوينتر» للدراسات الإعلامية

أضاف ظهور روبوت «تشات جي بي تي» تحدياً جديداً لصناعة الإعلام، وسط مخاوف من زيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي، وخسارة الصحافيين وظائفهم، وتزايد أعباء المؤسسات الإعلامية التقليدية التي تكافح على طريق التحول الرقمي، لا سيما مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» حاورت نيل براون، رئيس معهد «بوينتر» الأميركي، وهو مؤسسة غير ربحية متخصصة في الدراسات الإعلامية، حول «تشات جي بي تي»، والتحديات المختلفة التي تواجه الإعلام التقليدي، وأيضاً دور المعهد في محاربة «الأخبار الزائفة». ولقد وصف براون «تشات جي بي تي» بأنه «أداة جديدة قوية يجب استكشافها بأمانة وبعقل متفتح»، مضيفاً «لا يزال من السابق لأوانه تحديد آثاره على صناعة الإعلام، فإنه مبدئياً يمكن أن يساهم في توفير وقت جمع المعلومات».

من جهة ثانية، لا يعتقد براون أن «تشات جي بي تي» سيكون بديلاً للصحافيين البشر، لا سيما أن «المحتوى الصحافي الجيد لا يزال يعتمد على التقارير الأصلية وجمع الأخبار، وليس فقط البحث على الإنترنت»، على حد تعبيره. ثم يقول إن «الصحافة الجيدة تكمن في اكتساب المصادر، وإجراء المقابلات، ووضع الملاحظات المباشرة... ولو كانت الصحافة تتعلق فقط بالبحث عن المصادر والمعلومات الموجودة على الإنترنت، فإنها تخطئ الهدف منها». ومن ثم، يشدد الخبير الأميركي على «ضرورة أن تكون وسائل الإعلام منفتحة وواضحة مع جمهورها عند استخدامها لتقنيات الذكاء الاصطناعي»، داعياً إلى «إجراء مناقشات واسعة لوضع قواعد وحدود لاستخدام الذكاء الاصطناعي... إذ لا بد من اكتشاف الطريقة التي تجعل تقنيات الذكاء الاصطناعي وسائل مساعدة بدلاً من الخوف منها»، قبل أن يخاطب الصحافي ناصحاً «كن حذرا، لكن مع الانفتاح على كل الاحتمالات».

في الواقع يفرض عصر التحوّل الرقمي جملة من التحديات على المؤسسات الإعلامية، وبالأخص وسائل الإعلام التقليدية. وهذه التحديات يلخصها براون في ثلاثة تحديات:

- الأول، هو الحفاظ على الجمهور، والسعي إلى زيادة عدد المتابعين في وقت يشهد السوق الإعلامي تجزئة شديدة.

- الثاني، مرتبط بالأول، ألا يكتفي بجذب الجمهور، بل لا بد - وفق براون - من أن يضمن الإعلام تحويل هذا الجمهور إلى عائدات مالية ثابتة تدعم استمرار الوسيلة الإعلامية، سواءً من خلال الاشتراكات أو التبرّعات أو الإعلانات.

- الثالث، الاستمرار في أن تكون الوسيلة الإعلامية - أيا كان شكلها - مصدراً أساسيا للمعلومات يحظى بالمصداقية لدى الجمهور. وهنا يضيف موضحاً أن «فقدان المصداقية يستتبعه بالضرورة خسارة ولاء الجمهور، وبالتالي العجز عن جني الإيرادات... وفي المحصلة فإن جميع التحديات مترابطة بعضها ببعض».

اقتراحات براون

لمواجهة التحديات المذكورة هذه، يقترح نيل براون أن «تظل المؤسسات الصحافية أو الإعلامية على اتصال مع جماهيرها، كي تتمكن من تكييف المحتوى بحسب الاحتياجات المتغيرة للجماهير» ويستطرد «لا يوجد شيء ثابت، ولذا يتوجب التكيّف مع التغيرات المتلاحقة، وتقديم المحتوى الإعلامي بطرق جديدة، تحمل قيمة مضافة للجمهور».

إن تحقيق الاستقرار المادي من أبرز المهام التي تواجه وسائل الإعلام حالياً، ولا سيما مع ميل بعضها إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر دخل. وفي هذا الشأن يرى رئيس معهد «بوينتر» أن «الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي مصدر دخل كبير لوسائل الإعلام»، لكن في الوقت نفسه يقول إن «المحتوى الإعلامي يتطلب وجود وسائط متعددة لتوزيعه... إذ ما عاد من الممكن الاعتماد على مصدر أو وسيط واحد. إن إنتاج محتوى جيد ودقيق ومثير لاهتمام القراء أمر مكلف، ولهذا تحتاج وسائل الإعلام إلى تنويع مصادر الدخل، بحيث تشمل الاشتراكات والتبرّعات، وإن ظلت عائدات الإعلان جزءاً من المعادلة».

على صعيد آخر، عن دور معهد «بوينتر» في دعم صناعة الإعلام والصحافيين. يشرح براون أن مهمة المعهد الأساسية هي «مساعدة الصحافيين على التفوق في مهنتهم، وفهم التحديات والأسئلة الأخلاقية، والاستجابة لها من أجل الحفاظ على ثقة الجمهور». ويضيف أن «المعهد يعمل عن كثب مع الأفراد على جميع المستويات في المؤسسات الإعلامية لتطوير مهارات القيادة، والإدارة، وتكوين جيل جديد قادر على إدارة المؤسسات الإعلامية بشكل يراعي التكيف مع احتياجات ورغبات الجمهور المتغيرة».

ثم يواصل كلامه قائلاً «إن العاملين في المعهد يمضون الكثير من الوقت في العمل على تحسين العملية الصحافية، وطرق سرد القصص، وشرح المبادئ الأخلاقية، بهدف ضمان مواصلة الصحافة دورها في خدمة الجمهور، وتقديم قيمة مضافة، وخاصة أن المعهد يؤمن إيماناً مطلقاً بأن الصحافة مكوِّن أساسي للديمقراطية». ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يقدم المعهد تدريبات متعددة في إدارة التغيير، وتكوين فرق عمل متنوّعة قادرة على إنتاج محتوىً متنوع ودقيق، إلى جانب «مساعدة المؤسسات على التحوّل الرقمي، ومحاربة المعلومات الزائفة عبر فرق تدقيق الحقائق... وبالفعل، يدعم المعهد مدقّقي الحقائق في جميع أنحاء العالم، كما أنه أسس برامج مبتكرة في محو الأمية الإعلامية، بهدف تمكين الجمهور من الحكم على سلامة المعلومات وجودتها».

شراكة مع برنامج «تيك توك» التعليمي

وفي إطار محاربة «المعلومات المضللة»، عقد المعهد أخيراً شراكة مع برنامج «تيك توك» التعليمي. ويفيد نيل براون في هذا الصدد بأنه «من خلال مبادرات التحقق من المعلومات، ومحو الأمية الإعلامية، يوفّر المعهد للصحافة والجمهور وسائل للتحقق من المعلومات، مع محاولة مساعدة وسائل التواصل الاجتماعي على تحسين جودة ودقة المحتوى على منصاتهم». ويضيف أنه «في المقابل، لا يستطيع المعهد التحكّم فيما تقدّمه هذه المنصات، وإن كان يرفض الشراكة في أي مبادرة ما لم تكن لديه سيطرة تحريرية كاملة». ثم يفصّل أنه فيما يتعلق بالشراكة مع «تيك توك» في المحتوى التعليمي، فإن «منصة تيك توك تواصلت مع المعهد للتحقق من دقة المواد المنشورة على قناتها التعليمية، وهو ما وافق المعهد عليه» معتبرا أن «المساعدة في تحسين جودة المعلومات على تيك توك أمر جيد».

أيضاً يشير براون إلى أن «الشراكة مع تيك توك إنما هي مكوّن صغير في جهود المعهد لمكافحة المعلومات المضللة... ذلك أن أهم الجهود في هذا السياق هو موقع بوليتيفاكت (PolitiFact)، الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة، والذي يتحقق من المعلومات عن السياسيين والمحللين الأميركيين والمحتوى على المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك... هذا الموقع ينشط في محاربة المعلومات الزائفة».

وإضافة إلى ما سبق، يذكر براون أن «المعهد هو موطن الشبكة الدولية لتقصي الحقائق التي تدعم مدققي الحقائق في أكثر من 60 دولة حول العالم، من خلال توفير الموارد ومشاركة أفضل الممارسات وكتابة مدوّنة مبادئ تحدد معايير جودة التحقق من المعلومات، بالإضافة إلى منح مالية لمدققي الحقائق في دول الجنوب». وفي هذا السياق أيضا، أسس المعهد برنامج «ميديا وايز». وعنه يقول إن «البرنامج يعمل على تدريب طلبة المدارس الابتدائية والجامعات على فرز المعلومات، والتحقّق مما ينشر على شبكة الإنترنت، ثم إن المعهد يساعد أيضا في تنظيم حملات وفعاليات عالمية للتحقق من المعلومات، مثل الأسبوع العالمي للتحقق من المعلومات الذي عقد في بداية أبريل (نيسان) الماضي لتعزيز مكافحة المعلومات المضللة».

أما على الصعيد الأخلاقي، فإن الخبير الإعلامي الأميركي يشدد على القول بأن «الصراع بين السرعة والدقة يظل أحد أكبر التحديات الأخلاقية في مجال الإعلام الرقمي، وكذلك على منصات التواصل الاجتماعي» ويضيف «المنصات الرقمية تتيح نشر المعلومة بسرعة كبيرة، وهذه ميزة لكنها تؤدي في بعض الأحيان إلى التضحية بمبدأ الدقة». وهنا يعتبر براون التضحية بالدقة من أجل السرعة مشكلة جدية، لأن «المعلومات الخاطئة أو غير الدقيقة تلوّث نظام المعلومات، ما يؤدي إلى خسارة الجمهور، وبالتالي الإيرادات».

ومن ثم يوضح براون أن «التكنولوجيا تسمح لبعض الجهات الفاعلة السيئة بالربح من خلال نشر معلومات غير صحيحة في شكل يجعلها تبدو دقيقة وموثوقة، وهذا هو ما دفع معهد بوينتر إلى العمل مع المؤسسات على تعزيز الثقة في الصحافة من خلال التأكيد على المهارات وعلى أخلاقيات المهنة». ويتابع أن «السير على هذا النهج والتركيز على السرعة قبل الدقة لن يؤثر فقط على المصداقية، بل سيؤدي في النهاية إلى القضاء على الصحافة الجيدة».

على الوجه الآخر للمعادلة، لا يعني هذا أن تركن الصحافة إلى الوسائل القديمة، وهنا يحرص براون على القول بأن «العصر الرقمي يتطلب الحرص على التطور باستمرار، والانفتاح على تجربة أشكال جديدة... الإعلام الرقمي قويٌ ورائع، ولكن لا بد من التمسك بالقيم الأساسية للدقة والشفافية والصدق».

ويختتم براون كلامه بالإشارة إلى أن «هناك فجوة بين تدريس الإعلام والممارسة العملية... بيد أن برامج محو الأمية الإعلامية، والجمع بين الصحافيين والمواطنين في مقدمة العملية، ومساعدة المستهلك على فهم ما نقوم به ولماذا؟ عناصر ستضيّق بل تعمل على ردم الفجوة... إن من الأهمية بمكان الانفتاح على الجمهور، ومتابعة رد فعله على ما يقدَّم له من محتوى، والعمل على تلبية احتياجاته المتغيرة، جنباً إلى جنب مع الحفاظ على مبادئ وأخلاقيات الإعلام».

 



الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».