ما العلاقة بين نجمة «بوب» والإعلام وهوليوود وواشنطن؟

بايدن وترمب و«البنتاغون» وتايلور سويفت في مباراة «السوبر بول»

تايلور سويفت تشجّع من المدرجات (رويترز)
تايلور سويفت تشجّع من المدرجات (رويترز)
TT

ما العلاقة بين نجمة «بوب» والإعلام وهوليوود وواشنطن؟

تايلور سويفت تشجّع من المدرجات (رويترز)
تايلور سويفت تشجّع من المدرجات (رويترز)

قلما حظيت المباراة النهائية لكرة القدم الأميركية «السوبر بول»، كما حظيت المباراة الأخيرة، باهتمام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وجاء ذلك على خلفية دلالاتها السياسية والرسائل «المخفية» التي تحملها.

في العادة كان البث التلفزيوني لمباراة «السوبر بول»، الحدث الرياضي الأعلى مشاهدة خلال السنة، مساحة للتنافس التجاري والإعلاني والثقافي، حيث تنفق فيه مئات ملايين الدولارات، لاستقطاب جمهور كبير، يصعب جمعه في أي مناسبة أخرى. وعادة ما تشتري العلامات التجارية مواقع إعلانية للبطولة، كدليل على ازدياد شعبية كرة القدم بين النساء والشباب معاً. وساعد نجوم «البوب» والشخصيات المؤثرة مثل تايلور سويفت وأليكس إيرل، في تحقيق ارتفاع غير مسبوق في تقييمات اتحاد كرة القدم الأميركي لهذا الموسم.

الرؤساء نجوم في المباراة

منذ عام 2009، درج الرؤساء الأميركيون على تسجيل مقابلات تلفزيونية مع واحدة من شبكات التلفزيون الرئيسية، التي تبث حصرياً مباراة «السوبر بول»، كي تُعرض المقابلة قبل المباراة وخلالها، على الرغم من بعض الاستثناءات. إذ قاطع الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018، شبكة الـ«إن بي سي» التي كانت تملك حق البث حصرياً. وفي العام الماضي، رفض الرئيس الحالي جو بايدن الظهور على قناة «فوكس نيوز»، التي يناصب مقدّمو البرامج الكبار فيها، من أمثال شون هانيتي، العداء السياسي له. إلا أن مباراة هذا العام بدت مختلفة ومحيرة في الوقت نفسه. ومع أن الشبكة التي ستبثها حصرياً، هي «سي بي إس» التي سبق لبايدن أن ظهر معها في مباراة 2021، وشارك في مقطعين طويلين من برنامجها الشهير «60 دقيقة»، عامي 2022 و2023، غير أنه رفض هذا العام الظهور معها. وقال بن لابولت، مدير الاتصالات بالبيت الأبيض، في بيان: «نأمل في أن يستمتع المشاهدون بمشاهدة المباراة فقط».

لقطة من مباراة "السوبر بول" 2024 (رويترز)

ذاكرة بايدن وزلاته

تفاسير عدة أعطيت لامتناع بايدن عن الظهور مع الشبكة (سي بي إس) «غير المعادية» سياسياً له. بل كان من الممكن أن يستغل «البث الأكثر متابعة جماهيرية» للكلام عن كثير من الأخبار التي يمكنه التعليق عليها... من «الفوضى العارمة» لدى الجمهوريين بعد نكساتهم في مجلس النواب لعزل وزير الداخلية، إلى فشلهم في تمرير حزمة مساعدات مستقلة لإسرائيل، مروراً بتراجعهم عن اتفاق الحدود في مجلس الشيوخ. كذلك كان بإمكانه الترويج لسياساته الخارجية، من حرب غزة إلى الضربات على الميليشيات المدعومة من إيران، فضلاً عن تقرير الوظائف الإيجابي وحال الاقتصاد وتراجع التضخم.

والحقيقة، أن بايدن كان بأمس الحاجة لتعزيز حملته، في ظل التراجع المستمر لأرقام قبوله، مع اقتراب منافسه الجمهوري ترمب، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري. وعدّ امتناعه، تخوفاً من النتائج العكسية التي قد ترتد عليه، جراء تلك السياسات نفسها. وما زاد الطين بلّة، «هفوات» ذاكرته الضعيفة، التي جاء تقرير المحقّق الخاص في قضية احتفاظه بوثائق سرّيّة، ليؤكد أنها أعجز من أن تمكنه من المثول أمام هيئة محلفين لمحاسبته. وبالمناسبة، بايدن كان أقل رئيس أميركي يجري مقابلات إعلامية مفتوحة، وأجرى آخر مقابلة مهمة مع شبكة تلفزيونية رئيسية، في أكتوبر (تشرين الأول) مع شبكة «سي بي إس».

«البنتاغون» وسويفت «عملية نفسية»

لكن الجدل حول مباراة «السوبر بول»، لا يقف عند هذا الحد. ورغم نجاح مسؤولي الأمن القومي في الرد على «نظريات المؤامرة»، التي عادة ما تستهدف المؤسسات السياسية والدولة «العميقة» - خصوصاً دور وزارة الدفاع (البنتاغون) - فاقت كل التوقعات الشائعات الأخيرة عن وجود «مؤامرة خفية» متورط فيها «البنتاغون» لإدارة «عملية نفسية» غايتها إعادة انتخاب بايدن عبر استخدام شعبية نجمة «البوب» الشهيرة، تايلور سويفت.

فمهاجمة «البنتاغون» كانت على الدوام «تدريباً إعلامياً» بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري... بدءاً من حرب فيتنام ووصولاً إلى حركة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) شعار ترمب. وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت وزارة الدفاع بمثابة «كيس ملاكمة» تدريبي لليمين المتطرف، إذ يتهم المشرّعون المحافظون مراراً وتكراراً كبار المسؤولين، بإعطاء الأولوية «لسياسات التنوع والشمول» على حساب إعداد الجيش للحرب، وهو اتهام ينفيه مسؤولو «البنتاغون». وللعلم، أوقف السيناتور الجمهوري اليميني المتشدد تومي توبرفيل، مئات الترقيات العسكرية العليا لمدة سنة تقريباً، بسبب اعتراضه على سياسة «البنتاغون» المتمثلة في دفع تكاليف سفر أعضاء الخدمة، لإجراء عمليات الإجهاض وغيرها من الرعاية الإنجابية.

شون هانيتي (آ ب)

تراجع الثقة بالجيش

كذلك استجاب قادة «البنتاغون» بشكل مباشر لادعاءات من «فوكس نيوز»، وردّوا على التعليقات الجارحة التي أدلى بها الإعلامي تاكر كارلسون حول «القوات النسائية»، (في إشارة إلى المثليين والمتحوّلين جنسياً من عناصر الجيش الأميركي)، ورحبوا بإقالته لاحقاً من الشبكة. وفي السنوات الأخيرة، كافح قادة «البنتاغون» لتحقيق زيادة في التجنيد، الذي تراجع بسبب الاقتصاد التجاري المزدهر، بحسب البعض. لكنه تزامن أيضاً مع اتجاه الأميركيين إلى فقدان الثقة في القوات المسلحة. وقال تقرير حديث لمؤسسة «راند»، إن «تقدير الرأي العام يتذبذب، متأثراً بعوامل مثل نهاية الحرب في أفغانستان، والاستقطاب المزداد بين عامة الناس، وزيادة تسييس المؤسسة العسكرية».

ولكن، منذ 6 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اكتسبت «نظريات المؤامرة» زخماً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المتشددة، بعد اختيار تايلور سويفت شخصية العام لمجلة «تايم». وفي الشهر الماضي، قدّمت شبكة «فوكس نيوز» مقطعاً حول هذه «المؤامرة»، عبر بث مقطع من مؤتمر لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، قيل إنه يدعم النظرية القائلة إن سويفت كانت جزءاً من «عملية نفسية للبنتاغون» تهدف لمكافحة المعلومات عبر الإنترنت. وعلى الرغم من رد «البنتاغون» في حينه على هذا الادعاء، واصلت الشائعات الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي. وراهناً، تعمل منصات اجتماعية ومواقع إخبارية يمينية متشددة منتمية إلى «ماغا»، للترويج لفكرة مفادها أن علاقة سويفت - التي أيّدت بايدن في عام 2020 - مع اللاعب ترافيس كيلسي، أحد نجوم فريق نادي «كانساس سيتي تشيفز»، الذي فاز بمباراة «السوبر بول» بتغلبه على فريق نادي «سان فرنسيسكو فورتي ناينرز»، هي جزء من «عملية نفسية» لـ«البنتاغون»، لإعادة انتخاب الرئيس بايدن، والتلاعب بطريقة ما في نتيجة المباراة. وهنا يذكر أنه سبق لكيلسي الظهور في إعلان لشركة الأدوية العملاقة «فايزر» للترويج للقاحات «كوفيد - 19» والإنفلونزا، وعد اليمين الأميركي ذلك جزءاً من «مؤامرة» من قبل اتحاد كرة القدم الأميركية والحزب الديمقراطي لتأييد بايدن في «السوبر بول».

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي اكتسبت «نظريات المؤامرة» زخماً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المتشددة

تلاعب وسائل التواصل الاجتماعي

أندرو سيليباك، البروفسور بجامعة فلوريدا، الذي يدرّس دورات حول وسائل التواصل الاجتماعي، والتقاطع بين الإعلام والسياسة، يرى «قدراً كبيراً من الشكوك في علاقات المشاهير». ويعزو هذه الشكوك إلى ثقافة مبنية على التحايل، موضحاً: «وسائل التواصل الاجتماعي هي في جوهرها تلاعب بالصورة الذاتية، إلى جانب انعدام ثقة على نطاق واسع في المؤسسات بشكل عام».

أما فيما يخص سويفت، فثمة مجموعة من العوامل جعلتها هدفاً لـ«نظريات المؤامرة» التي تجتاح الإنترنت الآن. وفضلاً عن التشكيك بعلاقات المشاهير، يتهمها البعض بتضمين «رسائل مخفية» في كلمات أغانيها ومنشوراتها على تطبيق «إنستغرام». وخلال السنوات الأخيرة، بدأت سويفت في التعبير عن مواقفها السياسية، التي تسببت في تراكم «نظريات المؤامرة اليمينية» ضدها. فقد أيدت اثنين من الديمقراطيين في ولايتها تينيسي (اليمينية المحافظة) مُشهِرة دعمها للقضايا الليبرالية. وفي عام 2020، نشرت صورة لها على «تويتر» (إكس حالياً)، حاملة صينية من بسكويت «بايدن - هاريس».

ومن ثم، غدت مواقفها والهجمات عليها، مادة خصبة للحديث عن الروابط بين وسائل الإعلام وهوليوود والسلطة في واشنطن، والعلاقة مع الناخبين. وفعلاً، في سبتمبر (أيلول) الماضي، نشرت سويفت قصة على «إنستغرام» دفعت 35 ألف شخص إلى التسجيل للتصويت على موقع «فوت.اورغ». والواقع أن الديمقراطيين يراهنون عليها لرفع مشاركة الناخبين في ولاية فلوريدا، حيث تعد لحفل غنائي فيها قبل أقل من شهر على انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، علها تساعدهم في استعادة السيطرة عليها. ويأمل هؤلاء في أن يأتي الخطاب المناهض لها بنتائج عكسية... فيدفع مجموعة كبيرة من معجبيها الشباب إلى مراكز الاقتراع.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.