رئيس «مايكروسوفت العربية» لـ«الشرق الأوسط»: نسعى لجلب التكنولوجيا العالمية إلى السعودية

استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات

تهدف «مايكروسوفت» من خلال استثماراتها في السعودية إلى تسريع الابتكار ودعم الشركات المحلية بالذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
تهدف «مايكروسوفت» من خلال استثماراتها في السعودية إلى تسريع الابتكار ودعم الشركات المحلية بالذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
TT

رئيس «مايكروسوفت العربية» لـ«الشرق الأوسط»: نسعى لجلب التكنولوجيا العالمية إلى السعودية

تهدف «مايكروسوفت» من خلال استثماراتها في السعودية إلى تسريع الابتكار ودعم الشركات المحلية بالذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
تهدف «مايكروسوفت» من خلال استثماراتها في السعودية إلى تسريع الابتكار ودعم الشركات المحلية بالذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

تشهد المملكة العربية السعودية تحولاً رقمياً سريعاً كجزء من «رؤية 2030». ويُعد الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في هذا التحول، واعداً بتعريف الصناعات وتبسيط العمليات وفتح فرص اقتصادية جديدة.

تقدم «مايكروسوفت» نفسها شريكاً رئيسياً في رحلة التحول هذه مقدمةً أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية والخبرة الصناعية للشركات المحلية. ومع الإعلان عن منطقة مراكز بيانات «مايكروسوفت» في المملكة العربية السعودية المقرر إطلاقها في 2026، تعزز الشركة التزامها بتسريع اعتماد الذكاء الاصطناعي وضمان أمان البيانات وتمكين الشركات من جميع الأحجام.

وكجزء من فهم دور «مايكروسوفت» في تطور الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية، أتيحت لـ«الشرق الأوسط» الفرصة لزيارة مقر الشركة الرئيسي في سياتل للتعرف على أحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي والسحابة. تلتها «جولة مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي» في الرياض، حيث عرض قادة الصناعة والتنفيذيون والعملاء كيف يقوم الذكاء الاصطناعي بتحويل مشهد الأعمال السعودي.

تركي باضريس رئيس «مايكروسوفت» العربية متحدثاً خلال «جولة «مايكروسوفت» للذكاء الاصطناعي» في الرياض (مايكروسوفت)

مراكز بيانات «مايكروسوفت» الجديدة في المملكة

يؤكد رئيس «مايكروسوفت العربية»، تركي باضريس، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» التزام شركته العميق تجاه المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى الاستثمارات الجارية في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية وتطوير المواهب المحلية. ويرى أن «مايكروسوفت شريك رائع للمملكة لأكثر من 25 عاماً، وكل عام نواصل توسيع استثماراتنا». ويضيف أن منطقة مراكز البيانات القادمة ستكون «نقطة تحول»، حيث «ستجلب قدرات سحابية وقدرات ذكاء اصطناعي عالمية المستوى للشركات المحلية».

يعد إطلاق منطقة مراكز بيانات «مايكروسوفت» في المملكة التي ستبدأ عملها في 2026، أي عام قبل الموعد المحدد لها سابقاً، علامة فارقة في استراتيجية توسع الشركة. ستوفر هذه المرافق المتطورة الامتثال للإطار التنظيمي السعودي بما يتماشى مع معايير إقامة البيانات والأمان. وكذا خدمات الذكاء الاصطناعي والسحابة منخفضة الكمون ( أي معالجة البيانات والاستجابة لها بأقل قدر من التأخير). أيضاً ستعزز حماية الأمن السيبراني بتطبيق أفضل الممارسات العالمية لحماية بيانات الأعمال الحساسة.

ويشير تركي باضريس إلى هدف «مايكروسوفت» المتمثل في جلب التكنولوجيا العالمية إلى السعودية، مما يضمن وصول الشركات السعودية إلى نفس القدرات السحابية وقدرات الذكاء الاصطناعي المتوفرة في الولايات المتحدة.

ويقول: «سواء في المملكة العربية السعودية أو سياتل، نعمل بنفس معايير الأمان والموثوقية العالية. هدفنا هو تمكين الشركات من خلال خدمات سحابية عالمية المستوى هنا في المملكة».

وتكمن أهمية هذه التطورات بشكل خاص في أنها توائم سعي السعودية إلى تحديد موقعها قائدةً في الصناعات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مستفيدةً من الحوسبة السحابية وتحليل البيانات لدفع الكفاءة والابتكار.

مجموعة من ممثلي شركات سعودية خلال مشاركتهم في «جولة «مايكروسوفت» للذكاء الاصطناعي» بالرياض (مايكروسوفت)

دعم الشركات في السعودية

يُحدث ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي ثورة في الكثير من الصناعات في المملكة، موفِّراً للشركات الأتمتة الذكية والرؤى التنبؤية والتكامل السلس مع السحابة. من التصنيع إلى التعليم والأمن السيبراني، يمكّن الذكاء الاصطناعي الشركات من تحسين العمليات، وتعزيز اتخاذ القرار، وخلق فرص جديدة.

- التصنيع الذكي

أحد الأمثلة البارزة على تأثير «مايكروسوفت» المدعوم بالذكاء الاصطناعي في المملكة هو «مجموعة العبيكان للاستثمار»، وهي شركة رائدة في التعبئة والتغليف والتعليم والصحة، وتعد من أكبر 100 شركة في السعودية.

من خلال دمج «أزور إيه آي» (Azure AI) في منصة (O3) للتصنيع الذكي، قامت العبيكان بتحويل عملياتها التصنيعية لتحقيق كفاءة أكبر واستدامة وأتمتة.

يقول صابر عطية، المدير التنفيذي للعمليات في شركة العبيكان، خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» إنه عبر استخدام حلول الذكاء الاصطناعي من «مايكروسوفت» حققت شركته زيادة بنسبة 30 في المائة في فعالية المعدات الكلية وتحسين إنتاجية العمالة بمقدار 1.5 مرة وخفض تكاليف التشغيل بشكل كبير.

ومن خلال دمج خدمات «مايكروسوفت» المصغرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حسَّنت العبيكان أيضاً الصيانة التنبؤية ومراقبة الجودة، مما يسمح للمصانع بتوقع الأعطال المحتملة قبل حدوثها، مما يقلل من التوقف ويزيد الكفاءة. ويعتمد قطاع التصنيع بشكل كبير على الإدارة الفعالة لسلسلة التوريد، وقد استفادت شركة العبيكان من ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي لرفع مستوى العمليات إلى مستويات غير مسبوقة. من خلال التحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تستطيع الشركة معالجة وتحليل مليارات النقاط البياناتية لتحسين قرارات سلسلة التوريد.

ويوضع عطية أن الذكاء الاصطناعي يسمح لشركته بمعالجة تريليونات النقاط البياناتية، مما يضمن اتخاذ أفضل القرارات المتعلقة بسلسلة التوريد في الوقت الفعلي.

وبدمج الخدمات الصغيرة المدعومة بذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي، حسّنت «العبيكان» أيضاً الصيانة التنبؤية ومراقبة الجودة، مما يمكّن المصانع من توقع الأعطال المحتملة قبل حدوثها، مما يقلل من وقت التوقف ويزيد من الكفاءة.

هبة عطية المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «غاميت» خلال مشاركتها بالحدث في الرياض (الشرق الأوسط)

- تحويل التعليم بالذكاء الاصطناعي

يُحدث الذكاء الاصطناعي أيضاً ثورة في مجال التعليم في السعودية، حيث تستفيد الشركات الناشئة مثل «غاميت (Gameit)» من ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي لإنشاء تجارب تعليمية مخصصة للأطفال. تُعد «غاميت» أول شركة ناشئة سعودية يتم نشرها على «Azure Marketplace» مما يوفر وصولاً إلى العملاء العالميين من خلال النظام البيئي السحابي لـ«مايكروسوفت».

تشير هبة عطية، المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» إلى كيفية قيام الألعاب المدعومة بالذكاء الاصطناعي بإعادة تشكيل عملية التعلم. وتشرح: «تقوم ألعابنا المدعومة بالذكاء الاصطناعي بتقييم القدرات المعرفية للأطفال وتصميم برامج تدريبية مخصصة وفقاً لذلك». وتزيد بأن ذكاء «مايكروسوفت» الاصطناعي ساعد شركتها على تعزيز مشاركة الطلاب، وتتبع التقدم في الوقت الفعلي، والتوسع عالمياً. وتؤكد عطية أن حلول مايكروسوفت» السحابية والمدعومة بالذكاء الاصطناعي ليست مجرد تقنيات، بل إنها تفتح الأبواب أمام الشركات الناشئة السعودية للتوسع عالمياً، مما يجلب الابتكار من المملكة إلى العالم.

هذا يعكس النمو المتزايد للنظام البيئي للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية، حيث تستخدم الشركات الناشئة والشركات الكبرى على حد سواء بنية «مايكروسوفت» التحتية للذكاء الاصطناعي لإنشاء حلول ذات تأثير عالمي.

تراقب وحدة الجرائم الرقمية في «مايكروسوفت» أكثر من 3000 مجموعة إجرامية إلكترونية عالمياً (شاترستوك)

تعزيز الأمن السيبراني بالذكاء الاصطناعي

مع التحول الرقمي السريع في المملكة، أصبح الأمن السيبراني أولوية قصوى. خلال «جولة (مايكروسوفت) للذكاء الاصطناعي في الرياض»، كان هناك تركيز كبير على الحلول الأمنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تساعد الشركات على البقاء في المقدمة وحماية أنظمتها من التهديدات المتطورة. وقبل ذلك، شاهدت «الشرق الأوسط» خلال زيارة حصرية لها إلى وحدة الجرائم الرقمية (DCU) التابعة لـ«مايكروسوفت» في سياتل، كيف تراقب الشركة أكثر من 3000 مجموعة إجرامية إلكترونية حول العالم وتعالج 78 تريليون إشارة أمنية يومياً. يعلق باضريس على أهمية الأمن السيبراني في المنطقة مؤكداً أن الأمان هو الأولوية القصوى لـ«مايكروسوفت». ويقول إن ما يحدث في «وحدة الجرائم الرقمية» في سياتل ليس فقط للولايات المتحدة بل يخدم العالم بأكمله بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط والسعودية. ويضيف: «التهديدات السيبرانية عالمية، وكذلك جهودنا لمكافحتها».

وتذكر «مايكروسوفت» أنه يتم الآن استخدام «Security Copilot» و«Microsoft Defender» المدعومَين بالذكاء الاصطناعي لحماية الشركات السعودية من برامج الفدية والتصيد الاحتيالي والاحتيال. مع ازدياد الجرائم الإلكترونية، توفر هذه الأدوات درعاً ضرورية للمنظمات التي تتعامل مع بيانات العملاء الحساسة، على حد قولها.

الذكاء الاصطناعي في قطاع الاتصالات

أطلقت مجموعة «إس تي سي» مزود خدمات الاتصالات الرائد في المملكة، سوق «إس تي سي» للذكاء الاصطناعي، وهي مجموعة من التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مصمَّمة لتعزيز تفاعلات العملاء وتبسيط العمليات. وخلال الحدث في الرياض الذي نظمته «مايكروسوفت»، قالت «إس تي سي» إنه من خلال دمج تقنية «Azure OpenAI» من «مايكروسوفت» نجحت في تقليل وقت التعامل مع المكالمات، مما أدى إلى تسريع خدمة العملاء. وأيضاً تمكنت من تعزيز عمليات المبيعات بتوفير رؤى فورية لفرق المبيعات. كما أدى ذلك إلى تحسين الكفاءة التشغيلية، مما خفض التكاليف عبر وظائف أعمال متعددة. يوضح هذا التعاون بين «إس تي سي» و«مايكروسوفت» كيف يقود الذكاء الاصطناعي الكفاءة في واحدة من أهم الصناعات في السعودية.

الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية في «معادن»

قامت «معادن» أكبر شركة تعدين في المملكة العربية السعودية بنشر «Microsoft 365 Copilot» لتحسين إنتاجية الموظفين. وأوضح ممثلون خلال مشاركتهم في حدث «مايكروسوفت» في الرياض أنه باستخدام الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وفَّر موظفو «معادن» أكثر من 2000 ساعة عمل شهرياً من خلال تقليل الاجتماعات غير الضرورية وتبسيط معالجة المستندات. هذا التحول نحو سير العمل المدعوم بالذكاء الاصطناعي يسمح للشركات بالتركيز أكثر على المهام الاستراتيجية، مما يعزز الكفاءة والابتكار.

تدعم «مايكروسوفت» المواهب السعودية بتدريب 100 ألف فرد على تقنيات الذكاء الاصطناعي (غيتي)

الطريق إلى الأمام

مع تسارع المملكة نحو اقتصاد مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ستكون استثمارات «مايكروسوفت» في البنية التحتية السحابية وتطوير المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي والشراكات الاستراتيجية عوامل تمكين رئيسية. ومن المتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي 135 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، مما يبرز التأثير الاقتصادي الهائل لهذه التكنولوجيا.

وقد قامت «مايكروسوفت» بالفعل بتدريب 100 ألف فرد في المملكة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والسحابة، 60 في المائة منهم من النساء. كما تعمل مع القطاعين الخاص والعام، لضمان مواءمة ابتكارات الذكاء الاصطناعي مع أهداف «رؤية المملكة 2030».

وقال باضريس إن «الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية، بل هو محرك اقتصادي... (مايكروسوفت) ملتزمة بتزويد الشركات السعودية بالأدوات والخبرات التي تحتاج إليها لتقود ثورة الذكاء الاصطناعي».

من خلال استثماراتها في مراكز البيانات المحلية، جنباً إلى جنب مع حلولها المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تسعى «مايكروسوفت» إلى ضمان أن الشركات سواء كانت ناشئة أو متعددة الجنسيات لديها إمكانية الوصول إلى أحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي للتنافس والتوسع والازدهار.


مقالات ذات صلة

كيف يغير تقارب الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وجه الاكتشافات العلمية؟

خاص التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية يمكن أن يسرع الاكتشافات في مجالات مثل الأدوية والمناخ (أدوبي)

كيف يغير تقارب الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وجه الاكتشافات العلمية؟

الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي يجتمعان لقيادة الابتكار العلمي، مع تقدم سريع في التطبيقات التجارية، من اكتشاف الأدوية إلى الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (سياتل)
علوم تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد حققت قفزات متوالية في مجال جراحة العظام (جامعة برنو للتكنولوجيا)

ثورة في جراحة العظام: كيف تحسّن «الغرسات المطبوعة» زراعة المفاصل؟

مع التطور السريع في تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، شهد قطاع الرعاية الصحية تحولاً جذرياً في تصنيع الغرسات الطبية، لا سيما في جراحة العظام واستبدال المفاصل.

محمد السيد علي (القاهرة)
علوم جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة

جين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الشيخوخة

كشفت أبحاث حديثة عن اكتشاف جيني قد يمهد الطريق لعلاجات ثورية لإدارة الشيخوخة والحد من الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم اختراقات علمية وتقنية جديدة

اختراقات علمية وتقنية جديدة

ما الذي سيحمل أهمية حقيقية على المدى البعيد؟ يتوقف خبراء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي أمام هذا السؤال،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص تهدف مبادرات مثل «النطاق العريض اللاسلكي» إلى ضمان اتصال سلس وعالي السرعة للمستخدمين في جميع أنحاء المملكة (شاترستوك)

خاص «نوكيا»: السعودية ستكون رائدة عالمياً في نشر شبكات «الجيل السادس»

في حديث لـ«الشرق الأوسط»، يصف نائب الرئيس الأول لشبكات الهواتف الجوالة في الشرق الأوسط وأفريقيا في «نوكيا» المشهد في السعودية بـ«العاصفة المثالية من النمو».

نسيم رمضان (الرياض)

«تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0»: صراع العمالقة في عالم الذكاء الاصطناعي

منافسة حادة بين نموذجي «تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0» للتربع على عرش الذكاء الاصطناعي
منافسة حادة بين نموذجي «تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0» للتربع على عرش الذكاء الاصطناعي
TT

«تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0»: صراع العمالقة في عالم الذكاء الاصطناعي

منافسة حادة بين نموذجي «تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0» للتربع على عرش الذكاء الاصطناعي
منافسة حادة بين نموذجي «تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0» للتربع على عرش الذكاء الاصطناعي

في سباق محموم نحو تطوير الذكاء الاصطناعي، تطل علينا شركتا «أوبن إيه آي» و«غوغل» بإصدارين جديدين يعدان بنقلة نوعية في عالم نماذج اللغة الكبيرة: «تشات جي بي تي 4.5» Chat GPT 4.5 و«غوغل جيميناي 2.0» Google Gemini 2.0، وهما نموذجان يقدِّمان ميزات وقدرات متطورة تجعل منهما أداتين قويتين ومتنوعتين قادرتين على التعامل مع مهام معقدة بكفاءة ودقة عالية.

وسنستعرض في هذا الموضوع أبرز المزايا التي يقدمها هذان النموذجان ونقارن بينهما في جوانب عدة، لنكشف عن نقاط القوة والضعف في كل منهما ونسلط الضوء على الفروقات التي قد تكون حاسمةً في اختيار النموذج الأنسب لكم.

قفزة «جي بي تي» النوعية

يتجسَّد في «تشات جي بي تي 4.5»، الفهم المحسَّن للسياق. وهو يمثل قفزةً نوعيةً في عالم نماذج اللغة الكبيرة، حيث يأتي بتحسينات ملحوظة في الأداء والقدرات مقارنة بالإصدارات السابقة. وهذه التحسينات تجعله أداةً أكثر قوةً وتنوعاً، قادرةً على التعامل مع مجموعة واسعة من المهام بكفاءة ودقة عالية.

وسنستعرض فيما يلي أبرز المزايا التي يقدِّمها هذا النموذج المطور.

• الميزة الأولى: الفهم المُحسَّن للسياق، حيث يتمتع «تشات جي بي تي 4.5» بقدرة مُحسَّنة على فهم السياق في المحادثات المعقدة والطويلة. وهذا الأمر يعني أنه يمكنه تتبع التفاصيل الدقيقة للمحادثة وفهم العلاقات بين الأفكار المختلفة وتقديم استجابات أكثر دقةً وملاءمة.

وهذه الميزة تجعل النظام أكثر فاعليةً في المهام التي تتطلب فهماً عميقاً للنصوص، مثل تلخيص المستندات الطويلة أو الإجابة عن الأسئلة المعقدة.

• الميزة الثانية: تقديم دقة أعلى في الإجابات، حيث تم تحسينه لتقديم إجابات أكثر دقةً وموثوقيةً، مع خفض الهلوسة أو توليد معلومات خاطئة. وهذا التحسين يجعله أداةً أكثر موثوقيةً للاستخدام في مجموعة متنوعة من المهام المتخصصة، مثل البحث عن المعلومات أو كتابة المحتوى.

• الميزة الثالثة التي يتمتع بها «تشات جي بي تي 4.5»، هي تقديم قدرات إبداعية محسنة، إذ يتمتع بقدرات إبداعية مُطوَّرة تسمح له بتوليد نصوص أكثر إبداعاً وتنوعاً. ويمكن استخدام هذه الميزة لكتابة القصص والشعر والنصوص المتقدمة والمحتوى الإبداعي.

• الميزة الرابعة هي دعم قدرات الوسائط المتعددة؛ حيث تتكامل مع أحدث ميزات «تشات جي بي تي»، بما في ذلك تحميل الملفات والصور وقدرات البحث، وغيرها. ومع ذلك، لا تزال قدرات الوسائط المتعددة مثل الوضع الصوتي ومعالجة الفيديو ومشاركة الشاشة غير مدعومة في هذا الإصدار الجديد.

«جيميناي 2.0»: تكامل مع «غوغل»

يمثل «غوغل جيميناي 2.0» خطوةً ثوريةً في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي، حيث يجمع بين قوة التعلم العميق، وقدرات معالجة البيانات الهائلة؛ لتقديم أداء غير مسبوق في مجموعة متنوعة من المهام. ويتميز هذا الإصدار الجديد بقدرته على فهم وتوليد النصوص والصور والصوتيات وعروض الفيديو، مما يجعله نموذجاً متعدد الوسائط، قادراً على التكيف مع احتياجات المستخدمين في مختلف المجالات.

• الميزة الأولى لـ«غوغل جيميناي 2.0» هي دعم الوسائط المتعددة، حيث إن له قدرةً فائقةً على فهم وتوليد المحتوى عبر مختلف الوسائط، بما في ذلك النصوص والصور والصوتيات وعروض الفيديو. ويمكنه تحليل الصور والفيديوهات بدقة عالية وفهم محتواها وتوليد أوصاف نصية دقيقة لها. كما يمكنه توليد الصوتيات وتحويل النصوص إلى كلام منطوق، والعكس. هذه القدرات المتعددة الوسائط تجعله أداةً متقدمةً جداً للإبداع والتواصل والتعلم.

• الميزة الثانية، هي الفهم المتقدم للغات؛ ما يسمح له بتحليل النصوص المعقدة وفهم العلاقات بين الكلمات والجمل بدقة عالية، حيث يمكنه فهم السياق واستخلاص المعلومات المهمة والإجابة عن الأسئلة المعقدة بدقة وموضوعية. وهذا الفهم المتقدم للغة (يشمل فهم اللغة العربية) يجعله أداةً قيّمة للبحث عن المعلومات وتلخيص النصوص والترجمة بين اللغات المختلفة وكتابة المحتوى.

• الميزة الثالثة: تحسن الإصدار من حيث قدرات كتابة النصوص البرمجية، وذلك نتيجة تحسينه للتعامل مع المهام البرمجية المعقدة، حيث يمكنه فهم وتوليد النصوص البرمجية بلغات البرمجة المختلفة وتصحيح الأخطاء واقتراح التحسينات للنصوص الحالية. وهذه القدرات البرمجية تجعله مرجعاً مهماً للمطورين والمبرمجين، حيث يمكنهم استخدامه لكتابة النصوص بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

• الميزة الرابعة، وهي تكامله السلس مع خدمات «غوغل»، حيث يتكامل الإصدار الجديد بسلاسة مع مجموعة واسعة من خدمات «غوغل»؛ ما يجعله متاحاً للمستخدمين في مختلف التطبيقات والمنصات. ويمكن استخدامه في محرك البحث و«مساعد غوغل» والخدمات السحابية لـ«غوغل» التي تشمل «وثائق غوغل» وجداول الحسابات وعروض التقديم، وغيرها من الخدمات الأخرى. هذا التكامل السلس يجعل من الإصدار الجديد أداةً عالية الكفاءة للبحث عن المعلومة وإنجاز المهام والتواصل مع الآخرين.

مقارنة بين الإصدارين الجديدين

ولدى طلب التخطيط لقضاء إجازة في منطقة، قدَّم «تشات جي بي تي 4.5» خط سير مفصلاً مع اقتراحات للسير لمسافات طويلة، وأماكن لتناول الطعام، وخيارات للسكن، إلى جانب نصائح حول كيفية الوصول إلى الوجهة. وفي المقابل، قدَّم «غوغل جيميناي 2.0» مقترحات جيدة للسير لمسافات طويلة وتناول الطعام، ولكنه كان أقل تحديداً حول أماكن السكن.

وفي ما يتعلق بالترجمة، قدم كلا النموذجين ترجمات دقيقة بين اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. وكان الفارق الوحيد هو أن «تشات جي بي تي 4.5» قدَّم روابط مع الترجمة. أما لدى سؤال الإصدارين حول حالة الطقس في مدينة الرياض، فقدَّم «غوغل جيميناي 2.0» حالة الطقس الحالي، بينما قدم «تشات جي بي تي 4.5» توقعات لكل ساعة مع صور وكلمات تصف حالة الطقس.

وفي الخلاصة، لا يمكن اعتبار أي منهما أفضل بشكل قاطع من الآخر، على الرغم من وجود بعض الاختلافات الطفيفة بينهما، والتي قد لا تكون ملحوظةً في الاستخدامات اليومية العادية. ويُنصح بالتحقق من جميع النتائج حتى لا يقع المستخدم في مشكلة الهلوسة (تأليف الذكاء الاصطناعي للمعلومة التي لا يعرفها لتبدو وكأنها حقيقية).

النموذجان متقدمان والاختيار بينهما يعتمد على تفضيلات المستخدمين بشكل فردي. ولكن يبقى فارق أخير بينهما يستحق الذكر، وهو أن «غوغل جيميناي 2.0» يسمح بتحميل الملفات والوثائق الكبيرة وتلخيصها والإجابة عن أي استفسارات مرتبطة بها بشكل مجاني، مقارنة باشتراك مدفوع في «تشات جي بي تي 4.5» وقيوده فيما يتعلق بحجم الملفات وعدد مرات استخدام هذا الميزة في اليوم الواحد.

«أبل» تؤجّل ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة

من جهتها أعلنت «أبل» تأجيل إطلاق النسخة المُحدَّثة من مساعدها الصوتي «سيري» التي كان من المفترض أن تُقدِّم قدرات متطورة لفهم السياق الشخصي وتنفيذ المهام داخل التطبيقات. وأوضحت الشركة أنها ستطلق هذه التحديثات خلال العام المقبل دون تحديد موعد دقيق لذلك. ويأتي هذا التأجيل نتيجة لصعوبات واجهت «أبل» في تطوير «سيري» المحدث، وإدراكها أن خططها لربط المساعد الصوتي بنموذج لغة كبير لتعزيز قدراته قد تستغرق سنوات عدة لتنضج بالشكل المرغوب، مقارنة بقدرات «سامسونغ» للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها في سلسلة هواتفها «غالاكسي إس 25»، التي أطلقتها في شهر فبراير (شباط) الماضي، والتي تدعم تنفيذ المهام داخل التطبيقات بشكل مدمج.

وكانت «أبل» قد قدَّمت «سيري» المطور بوصفه جزءاً أساسياً من رؤيتها لـ«ذكاء أبل»، حيث وعدت بقدرة المساعد الصوتي على فهم ما يحدث في الجوال وتنفيذ الإجراءات داخل التطبيقات. ولكن ما تم إطلاقه حتى الآن يقتصر على ميزات مبسطة مثل الكتابة إلى «سيري» وفهم وشرح ميزات منتجات «أبل» وتحسينات بصرية، وتكامل مع «تشات جي بي تي».