اختبار «تشات جي بي تي كانفاس»: تحسينات جذرية وصعوبات التطوير

الغلبة تبقى لتطبيقات الكتابة المجرّبة القديمة

اختبار «تشات جي بي تي كانفاس»: تحسينات جذرية وصعوبات التطوير
TT

اختبار «تشات جي بي تي كانفاس»: تحسينات جذرية وصعوبات التطوير

اختبار «تشات جي بي تي كانفاس»: تحسينات جذرية وصعوبات التطوير

يمكننا القول إن كلمة «تشات» في اسم «تشات جي بي تي» (ChatGPT)، توجز بدقة أحد الأسباب الرئيسة وراء التأثير الهائل للمساعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي الذي طرحته شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI)؛ إذ استعنا بالكومبيوترات والهواتف للدخول في دردشات مع آخرين طيلة سنوات... على الأقل، منذ ظهور «AOL Instant Messenger». وعليه، فإن إجراء دردشة مع برنامج، بالاعتماد على واجهة مشابهة إلى حد كبير، قد لا يبدو قفزة ذهنية كبرى.

ومع ذلك، فإن تركيز «تشات جي بي تي» على مسألة الدردشة ربما يشكل عثرة في طريقه بصورة ما، وذلك لأنه ليس من الممكن التعبير عن جميع المهام التي يحتاج إليها المرء، في صورة حوار مباشر بين طرفين.

من الدردشة إلى الكتابة

على سبيل المثال، تتطلب مهمة الكتابة تقنية أشبه بمعالج للكلمات، مع توفير مساحة واسعة لصياغة النص، والقدرة على إدخال التعديلات التي ترغب فيها. وهذه الحاجة لا تتغير لمجرد أنه تصادف تعاونك، في إنجاز مهمة الكتابة، مع مساعد يعمل بالذكاء الاصطناعي.

حديثاً، أطلقت «أوبن إيه آي» نسخة جديدة من «تشات جي بي تي» تضع في حسبانها هذا السيناريو. وحملت النسخة الجديدة اسم «تشات جي بي تي 4 أو» الذي يضم برنامج «كانفاس» (ChatGPT 4o with Canvas)، ما يُعدّ خياراً جديداً أمام المشتركين بقائمة نماذج «تشات جي بي تي بلس»، وهي قائمة جرى تصميمها مع وضع مسألة الكتابة والترميز في الاعتبار.

وللوهلة الأولى، قد يبدو الأمر أشبه بالشكل المعتاد لـ«تشات جي بي تي»، لكن إذا طلبت من هذا التطبيق كتابة شيء ما، ربما يقرر وضع النتائج داخل نافذة مستند كبيرة، ونقل الدردشة إلى اليسار. وإذا طرحت طلبات أخرى، فسيقوم بتحديث النافذة، بدلاً من البدء من جديد. ويتيح لك التطبيق تحرير النص بنفسك، أو تشغيل مستند فارغ وإدخال مواد خاصة بك، مثل شيء ترغب في تلخيصه. وهناك كذلك خيارات لصقل النص النثري، والتحقق من القواعد النحوية، وضبط مستوى القراءة، وتقصير النص أو إطالته.

تحسينات وصعوبات

وفيما يخص مهام الذكاء الاصطناعي المعتمدة بشدة على النصوص، يعمل «كانفاس» على إدخال تحسينات جذرية على واجهة «تشات جي بي تي» التقليدية. ومع ذلك، يبدو الأمر، حتى هذه اللحظة، غير مكتمل بعد، لا سيما أنني لم أتمكن من تشغيل أجزاء كبيرة منها في «سفاري» عبر جهاز «ماك» أو «آيباد». وفي مرحلة ما، التهم التطبيق على نحو غير مفهوم أجزاء من النص سبق أن لصقتها (لحسن الحظ، يمكنك العودة إلى نسخ سابقة).

ويمكن للبرنامج كذلك استخدام أدوات أساسية، على الأقل، للتعامل مع المستندات التي تنشئها، مثل القدرة على إعادة تسميتها ورؤيتها جميعاً في مكان واحد.

نظرياً، يسهم «كانفاس» في جعل «تشات جي بي تي» أقرب، من حيث الواجهة والوظائف، إلى أداة «غوغل إيه آي» المعروفة باسم «نوتبوك إل إم» (NotebookLM). يُذكر أن هذه الأداة أُطلقت أواخر العام الماضي، وتُعتبر أداة بحثية جرى تعزيز أدائها لخدمة الكتَّاب الذين تتضمن أعمالهم مواد مرجعية - ملفات نصية، مثل نصوص مقابلات وصفحات ويب وملفات «بي دي إف»، وحتى الملفات الصوتية. وبمجرد أن تدخل هذه العناصر في التطبيق، سيوجزها لك، ويجيب عن أسئلتك حولها، بل يقترح عليك أسئلة ينبغي لك طرحها.

مقارنات مع أدوات «غوغل»

بوجه عام، فإن كثيراً مما يمكنك إنجازه بالاعتماد على «نوتبوك إل إم»، يمكنك إنجاز نتائج قريبة منها بالاعتماد على أي روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أبدي إعجابي بجودة ملخصاته، وقدرته على تحديد الحقائق ذات الصلة بسرعة أكبر مما يمكنني تحديده بنفسي. ومثلما الحال مع «تشات جي بي تي» مع «كانفاس»، تبقى الجوانب غير ذات الصلة المباشرة بالذكاء الاصطناعي غير مكتملة تماماً: مثلاً، بالتأكيد أتمنى لو أن باستطاعتي إعادة ترتيب الملاحظات التي أدوِّنها. ورغم ذلك، فهي مُدرَجة في القائمة القصيرة لأدوات الذكاء الاصطناعي التي تركت تأثيراً حقيقياً على إنتاجيتي.

من ناحية أخرى، أشعر بالمتعة أكثر من شعوري بتلقي مساعدة، عندما أعتمد على ميزة «أوديو أوفير فيو» (Audio Overview) الجديدة بتطبيق «نوتبوك إل إم»، التي تنتشر على نطاق واسع بالوقت الحالي. امنح هذه الميزة بعض الوقت، وسرعان ما ستجدها تبتكر محاكاة «بودكاست»، من بطولة اثنين من المضيفين الآليين يناقشان أي موضوع تتولى تحميله على التطبيق. وفي الواقع، تبدو درجة ثرثرتهما على المستوى البشري مذهلة، رغم أن جوهر الدردشة ربما يميل للسطحية، وقد يبدو حماسهما المصطنع تجاه أي شيء يتحدثان عنه مضحكاً. (على سبيل التجربة، أنشأت «بودكاست» ناقشا خلاله شعور المرء في أثناء مشاهدته طلاء يجف. واتضح لي أن الأمر رائع!).

إنجاز تكنولوجي متميز

وبصورة عامة، أرى أن «أوديو أوفير فيو» إنجاز تكنولوجي مذهل ومثير للاهتمام. وقد نجح بإغرائي لدرجة أنني قضيت نصف يوم في ضخ مواد بداخله فقط لمعاينة ما ستتمخض عنه في النهاية. ومع ذلك، يبدو البرنامج غير مناسب داخل تطبيق مخصص للبحث الجاد. في الواقع، بدا الأمر لي أقرب إلى ندوة جادة حول علم المكتبات، استعان القائمون عليها بساحر لاستعراض مهاراته في خفة اليد المرتبطة بالكتب؛ الأمر الذي ربما يكون نذيراً ينبه إلى أن «نوتبوك» بدأ يفقد بوصلة مساره.

تحديات نضوج التطبيقات الذكية

أما المخاطرة الأكبر المرتبطة بكل من «نوتبوك إل إم» و«تشات جي بي تي 4 أو» المزود بـ«كانفاس»؛ فهي أن أياً منهما لن يبلغ مرحلة النضج، ثم يبقى بالجوار.

الحقيقة أن «غوغل» (التي تصف «نوتبوك إل إم» بأنه «تجريبي») لها تاريخ أسطوري في التخلي عن منتجاتها - حتى عن البعض الرائع المحبوب منها. أما «أوبن إيه آي»، التي تقول إن «كانفاس» بمرحلة تجريبية، فمشغولة للغاية بمهام كبرى على نطاق شديد الاتساع، على نحو يجعل من المستحيل معرفة أين سينتهي المطاف بـ«كانفاس» في خضم أولوياتها الكثيرة.

تطبيقات الكتابة المعتادة

كل هذا يجعلني أشعر بامتنان أكبر تجاه تطبيقين أثبتا جدارتهما بمرور الوقت، وأجدهما لا غنى عنهما، بعد أن قررتُ التوقف عن استخدام «أفيرنوت» (Evernote)، العام الماضي، أتولى الآن تدوين ملاحظاتي باستخدام تطبيق لطيف يعمل على أجهزة «ماك» و«آيباد» و«آيفون»، يعرف باسم «بير» (Bear).

وفيما يتعلق بمشروعات الكتابة، التي تتضمن مواد بحثية وتتجاوز بضعة مئات من الكلمات، استخدم نسخة من «سكريفينر» (Scrivener) تناسب «آيباد» - وهو تطبيق يتمتع بشعبية أسطورية في صفوف كتاب الأنماط الطويلة من الكتابة.

وإضافة لكونهما ممتازين، ثمة عنصر مشترك آخر بين «بير» و«سكريفينر»: أنهما منتجان رائدان لشركتين صغيرتين للغاية. وكلاهما مدروس ومركَّز ومكتمل الميزات على نحو غالباً ما يتحقق عندما تكون أنظار الشركة المطورة مركزة على بضعة منتجات، وتسعى الشركة لأن تكون هذه المنتجات جديرة بالمال الذي يجري دفعه مقابلها.

يُذكر أنه لا يوجد لدى أي من «بير» و«سكريفينر» استخدامات واضحة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي. ولست واثقاً مما إذا كان ذلك يعكس قراراً مدروساً من جانب مبتكريهما، أو مجرد نتيجة لنقص في الموارد. إلا أن هذا الأمر يزعجني، فقط لأنه قد يأتي اليوم الذي تجد الشركات المطورة الصغيرة نفسها عاجزة عن المنافسة بمجال الذكاء الاصطناعي على نحو يهدد بقاءها، في مواجهة «أوبن إيه آي» و«غوغل».

ومع هذا ينبغي الانتباه هنا إلى أن «بير» و«سكريفينر» تحديداً على وشك نيل بعض وظائف الذكاء الاصطناعي، دون أدنى مجهود من جانبهما، وذلك لأن ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة من «آبل»، المقرر طرحها، تتضمن العديد من أدوات الكتابة، التي ستتاح عبر أنظمة «آي أو إس»، و«آيباد»، و«ماك»، بما في ذلك خيارات لإعادة الكتابة ومراجعة النصوص وتلخيصها وتنسيقها. وفي حين أنها لا تحاكي الجوانب الأكثر طموحاً من «كانفاس» و«نوتبوك إل إم»، فإنها ستوفر لكل تطبيق يتضمن مدخلات نصية مستوى أساسياً من قدرات الذكاء الاصطناعي.

وآمل أن يتجاوز «تشات جي بي تي» مع «كانفاس» و«نوتبوك إل إم» وضعهما الراهن باعتبارهما نماذج أولية.

وأرى أنه مثلما الحال مع كثير من منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يتميز الاثنان بالفعل بأداء مذهل، لكن هذا لا يكفي لضمان استمرارهما.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»



هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى حدوده القصوى؟

لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
TT

هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى حدوده القصوى؟

لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)
لوغو تطبيق «شات جي بي تي» (رويترز)

هل وصلت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى طريق مسدود؟ منذ إطلاق «تشات جي بي تي» قبل عامين، بعث التقدم الهائل في التكنولوجيا آمالاً في ظهور آلات ذات ذكاء قريب من الإنسان... لكن الشكوك في هذا المجال تتراكم.

وتعد الشركات الرائدة في القطاع بتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة على صعيد الأداء، لدرجة أن «الذكاء الاصطناعي العام»، وفق تعبير رئيس «أوبن إيه آي» سام ألتمان، يُتوقع أن يظهر قريباً.

وتبني الشركات قناعتها هذه على مبادئ التوسع، إذ ترى أنه سيكون كافياً تغذية النماذج عبر زيادة كميات البيانات وقدرة الحوسبة الحاسوبية لكي تزداد قوتها، وقد نجحت هذه الاستراتيجية حتى الآن بشكل جيد لدرجة أن الكثيرين في القطاع يخشون أن يحصل الأمر بسرعة زائدة وتجد البشرية نفسها عاجزة عن مجاراة التطور.

وأنفقت مايكروسوفت (المستثمر الرئيسي في «أوبن إيه آي»)، و«غوغل»، و«أمازون»، و«ميتا» وغيرها من الشركات مليارات الدولارات وأطلقت أدوات تُنتج بسهولة نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو عالية الجودة، وباتت هذه التكنولوجيا الشغل الشاغل للملايين.

وتعمل «إكس إيه آي»، شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك، على جمع 6 مليارات دولار، بحسب «سي إن بي سي»، لشراء مائة ألف شريحة من تصنيع «نفيديا»، المكونات الإلكترونية المتطورة المستخدمة في تشغيل النماذج الكبيرة.

وأنجزت «أوبن إيه آي» عملية جمع أموال كبيرة بقيمة 6.6 مليار دولار في أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، قُدّرت قيمتها بـ157 مليار دولار.

وقال الخبير في القطاع غاري ماركوس «تعتمد التقييمات المرتفعة إلى حد كبير على فكرة أن النماذج اللغوية ستصبح من خلال التوسع المستمر، ذكاء اصطناعياً عاماً». وأضاف «كما قلت دائماً، إنه مجرد خيال».

- حدود

وذكرت الصحافة الأميركية مؤخراً أن النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو وكأنها وصلت إلى حدودها القصوى، ولا سيما في «غوغل»، و«أنثروبيك» (كلود)، و«أوبن إيه آي».

وقال بن هورويتز، المؤسس المشارك لـ«a16z»، وهي شركة رأسمال استثماري مساهمة في «أوبن إيه آي» ومستثمرة في شركات منافسة بينها «ميسترال»: «إننا نزيد (قوة الحوسبة) بالمعدل نفسه، لكننا لا نحصل على تحسينات ذكية منها».

أما «أورايون»، أحدث إضافة لـ«أوبن إيه آي» والذي لم يتم الإعلان عنه بعد، فيتفوق على سابقيه لكن الزيادة في الجودة كانت أقل بكثير مقارنة بالقفزة بين «جي بي تي 3» و«جي بي تي 4»، آخر نموذجين رئيسيين للشركة، وفق مصادر أوردتها «ذي إنفورميشن».

ويعتقد خبراء كثر أجرت «وكالة الصحافة الفرنسية» مقابلات معهم أن قوانين الحجم وصلت إلى حدودها القصوى، وفي هذا الصدد، يؤكد سكوت ستيفنسون، رئيس «سبيلبوك»، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي القانوني التوليدي، أن «بعض المختبرات ركزت كثيراً على إضافة المزيد من النصوص، معتقدة أن الآلة ستصبح أكثر ذكاءً».

وبفضل التدريب القائم على كميات كبيرة من البيانات المجمعة عبر الإنترنت، باتت النماذج قادرة على التنبؤ، بطريقة مقنعة للغاية، بتسلسل الكلمات أو ترتيبات وحدات البكسل. لكن الشركات بدأت تفتقر إلى المواد الجديدة اللازمة لتشغيلها.

والأمر لا يتعلق فقط بالمعارف: فمن أجل التقدم، سيكون من الضروري قبل كل شيء أن تتمكن الآلات بطريقة أو بأخرى من فهم معنى جملها أو صورها.

- «تحسينات جذرية»

لكنّ المديرين في القطاع ينفون أي تباطؤ في الذكاء الاصطناعي. ويقول داريو أمودي، رئيس شركة «أنثروبيك»، في البودكاست الخاص بعالم الكمبيوتر ليكس فريدمان «إذا نظرنا إلى وتيرة تعاظم القدرات، يمكننا أن نعتقد أننا سنصل (إلى الذكاء الاصطناعي العام) بحلول عام 2026 أو 2027».

وكتب سام ألتمان الخميس على منصة «إكس»: «ليس هناك طريق مسدود». ومع ذلك، أخّرت «أوبن إيه آي» إصدار النظام الذي سيخلف «جي بي تي - 4».

وفي سبتمبر (أيلول)، غيّرت الشركة الناشئة الرائدة في سيليكون فالي استراتيجيتها من خلال تقديم o1، وهو نموذج من المفترض أن يجيب على أسئلة أكثر تعقيداً، خصوصاً في مسائل الرياضيات، وذلك بفضل تدريب يعتمد بشكل أقل على تراكم البيانات مرتكزاً بدرجة أكبر على تعزيز القدرة على التفكير.

وبحسب سكوت ستيفنسون، فإن «o1 يمضي وقتاً أطول في التفكير بدلاً من التفاعل»، ما يؤدي إلى «تحسينات جذرية».

ويشبّه ستيفنسون تطوّر التكنولوجيا باكتشاف النار: فبدلاً من إضافة الوقود في شكل بيانات وقدرة حاسوبية، حان الوقت لتطوير ما يعادل الفانوس أو المحرك البخاري. وسيتمكن البشر من تفويض المهام عبر الإنترنت لهذه الأدوات في الذكاء الاصطناعي.