المسبار الفضائي «بيبي كولومبو» يستطلع عطارد تمهيداً لدراسته بشكل أفضل سنة 2026

صورة لمحطة الفضاء الدولية 4 أكتوبر 2018 (رويترز)
صورة لمحطة الفضاء الدولية 4 أكتوبر 2018 (رويترز)
TT

المسبار الفضائي «بيبي كولومبو» يستطلع عطارد تمهيداً لدراسته بشكل أفضل سنة 2026

صورة لمحطة الفضاء الدولية 4 أكتوبر 2018 (رويترز)
صورة لمحطة الفضاء الدولية 4 أكتوبر 2018 (رويترز)

مرّ المسبار الفضائي المزدوج «بيبي كولومبو» (BepiColombo)، ليل الأربعاء-الخميس، على مقربة من عطارد في مهمة استطلاعية لموقع أصغر الكواكب وأكثرها شهرة في النظام الشمسي، تمهّد لدراسته على نحو أفضل سنة 2026، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكان تحليق «بيبي كولومبو» فوق سطح عطارد، الرابعة من أصل ست رحلات فوق الكوكب ينبغي أن تنفذها المركبة الفضائية الأوروبية اليابانية قبل الوصول إلى هدفها. وتبلغ مسافة هذه الرحلة تسعة مليارات كيلومتر، وانطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بواسطة صاروخ «أريان 5».

وأوضح عالم الفلك في مرصد «باريس-بي إس إل» (Paris-PSL)، ألان دوريسونديرام، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن عطارد «هو الكوكب الأقرب إلى الشمس، ويُعد الوصول إليه الأصعب بالنسبة إلى مسبار ينشط بين الكواكب».

لكنّه ليس أبعد من المريخ، ويمكن الوصول إليه في أفضل الأحوال خلال سبعة أشهر. وتكمن المشكلة تالياً في أن إبقاء المسبار في مداره صعب، إذ إن كتلة عطارد الصغيرة تجعل جاذبيته ضعيفة جداً مقارنة بجاذبية الشمس.

وشرح عالم الفلك أن «كبح المركبة وتوقفها عند عطارد يتطلب طاقة أكبر بكثير من الذهاب إلى المريخ»، ومن غير المستبعد أن تتحول رماداً أو تضيع في النظام الشمسي.

وفي ذلك تكمن أهمية اعتماد طريقة المساعدة بواسطة الجاذبية، إذ تتيح للمسبار عند مروره بالقرب من جرم سماوي، تسريع مساره أو إبطاءه وتعديله.

منظر قمري

وبدأت مركبة «بيبي كولومبو» التي تزن أربعة أطنان رحلتها بالتحليق فوق الأرض والزهرة. وكان كل شيء يسير على ما يرام حتى أبريل (نيسان) الماضي، عندما أدى حادث تغذية للمركبة بالطاقة الكهربائية إلى تعريض المهمة للخطر، إذ لم يعد محركها الأيوني يتمتع سوى بـ90 في المائة من طاقته.

وأوضحت مديرة المهمة في وكالة الفضاء الأوروبية، سانتا مارتينيز، في بيان، أن هذا المستوى «أقل من الحد الأدنى من الطاقة المطلوبة لإدخاله في مدار عطارد في ديسمبر (كانون الأول) 2025».

ومذّاك، عمل المهندسون على تعديل مسار «بيبي كولومبو» لتمكينه من دخول مدار عطارد مع القليل من التأخير، وتحديداً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026. وبناءً على ذلك، عبر المسبار المزدوج، خلال ليل الأربعاء-الخميس، على بُعد نحو 160 كيلومتراً من سطح عطارد، أي أقرب بنحو 35 كيلومتراً مما كان مقرراً أساساً.

ويثير عطارد أقل قدر من الاهتمام في مجال الاستكشاف بين النجوم الصخرية الأربعة في النظام الشمسي التي تشمل أيضاً الأرض والمريخ والزهرة. ولا يعود ذلك فقط إلى صعوبة الوصول إليه.

فهذا الكوكب الذي كان المسبار «مارينر 10» عام 1974 أول مركبة تحلّق فوقه، ويتميز بمشهد قمري لم يُثر اهتمام العامة ولا الباحثين، إذ أظهروا افتتاناً أكبر بالمريخ، وبما كان يُعتقَد أنه قنوات مائية عليه، أو بكوكب الزهرة، «توءم» الأرض.

16 أداة استكشاف

وكانت «مسنجر» عام 2011 أول مركبة تدخل مدار عطارد لاكتشاف وتأكيد «أشياء غريبة إلى حد ما»، على ما وصفها دوريسونديرام.

هذه «الغرابات» تجعل عطارد، بحسب هذا المتخصص في سطوح الكواكب، «الحلقة المفقودة في علم الكواكب المقارن».

فمن جهة أولى، يتمتع عطارد مع كوكب الأرض بمجال مغناطيسي، ولكن لا يتوافر أي تفسير لكيفية محافظته على هذا المجال رغم قصر المسافة بينه وبين الشمس.

أما عنصر «الغرابة» الآخر، فيتمثل في نواة حديدية تشغل 60 في المائة من كتلة عطارد، مقارنة بالثلث فقط للأرض.

أما «التجويفات» غير المنتظمة واللامعة جداً، فهي ربما علامات تشير إلى نشاط جيولوجي حديث، أو إلى نشاط بركاني سابق.

وبالنسبة إلى طبيعة المعادن التي تغطي سطحه، فيبقى تركيبها لغزاً، وقد يكون «شوهها» الإشعاع الشديد للشمس، ودرجة حرارة السطح التي تصل إلى 430 درجة مئوية أثناء النهار و-180 درجة مئوية في الليل.

وبالتالي، ثمة الكثير من الألغاز التي ستسعى الأدوات الست عشرة في «بيبي كولومبو»، ومنها مسبارا «إم بي أو» (MPO) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية والثاني «إم إم أو» (MMO) التابع لوكالة الاستكشاف الجوّي والفضائي اليابانية، إلى فك رموزها من خلال الدوران حول النجم لمدة عام ونصف عام على الأقل.


مقالات ذات صلة

الكون على طريق التبخُّر والعلماء يراجعون العدَّاد

يوميات الشرق إيقاع تحلُّل هذا العالم يتسارع (غيتي)

الكون على طريق التبخُّر والعلماء يراجعون العدَّاد

يتحلَّل العالم بخطى أسرع مما كان يُعتقد سابقاً، وفق ما يقول العلماء... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مركبة الفضاء «كوزموس 482» ( بابليك دومين)

بعد نصف قرن... مركبة فضائية وزنها نصف طن تصطدم بالأرض

دخلت مركبة فضائية تعود للحقبة السوفياتية الغلاف الجوي للأرض مجدداً بعد إطلاقها في 1972، أي منذ نحو نصف قرن، وسقطت في المحيط الهندي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
علوم أطلق الاتحاد السوفياتي المركبة «كوزموس 482» في مارس 1972 لاستكشاف كوكب الزهرة (ناسا)

مسبار فضائي سوفياتي أطلق منذ 53 عاماً يسقط في المحيط الهندي

دخل مسبار فضائي يعود للحقبة السوفياتية الغلاف الجوي للأرض مجدداً بعد إطلاقه في 1972 وسقط في المحيط الهندي، حسبما أفادت السلطات الروسية، اليوم السبت.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ ماسك: الحياة على الأرض محكوم عليها بالفناء... والمريخ هو الأمل

ماسك: الحياة على الأرض محكوم عليها بالفناء... والمريخ هو الأمل

جدَّد الملياردير الأميركي ومؤسس شركة «سبايس إكس»، إيلون ماسك، دعوته إلى استعمار كوكب المريخ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم وجد الباحثون أدلة تُشير إلى أن النجم المغناطيسي يُطلق عناصر ثقيلة خلال التوهجات العملاقة (ناسا)

علماء يعثرون على مصدر آخر للذهب في الكون

يحاول علماء الفلك تحديد الأصول الكونية لأثقل العناصر، مثل الذهب، منذ عقود. والآن، يشير بحث يستند إلى بيانات أرشيفية لبعثات فضائية، إلى دليل جديد محتمل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ما هي تقنية «ستارلينك» التي غيّرت مفهوم الإنترنت في الطائرات والسفن؟

«ستارلينك» تعتمد على شبكة من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض ما يتيح اتصالاً سريعاً وكموناً منخفضاً في أصعب البيئات
«ستارلينك» تعتمد على شبكة من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض ما يتيح اتصالاً سريعاً وكموناً منخفضاً في أصعب البيئات
TT

ما هي تقنية «ستارلينك» التي غيّرت مفهوم الإنترنت في الطائرات والسفن؟

«ستارلينك» تعتمد على شبكة من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض ما يتيح اتصالاً سريعاً وكموناً منخفضاً في أصعب البيئات
«ستارلينك» تعتمد على شبكة من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض ما يتيح اتصالاً سريعاً وكموناً منخفضاً في أصعب البيئات

في تأكيد واضح لتوجه المملكة نحو تبني أحدث حلول التكنولوجيا الرقمية، أعرب إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركتي «سبيس إكس» و«إكس إيه آي»، عن تقديره لاعتماد السعودية خدمة «ستارلينك» لتوفير الإنترنت في قطاعات الطيران والملاحة البحرية. جاء ذلك خلال مشاركته في «منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي»، حيث وصف ماسك هذه الخطوة بأنها تمثل تحولاً اقتصادياً نوعياً، من شأنه أن يرفع مستوى إنتاجية الأفراد والقطاعات المختلفة. كما أشار إلى مستقبل يندمج فيه الذكاء الاصطناعي والروبوتات البشرية بشكل عميق في بنية الحياة اليومية، بما يفتح الباب أمام طفرة اقتصادية غير مسبوقة.

ما هي «ستارلينك»؟

تعتمد تقنية «ستارلينك» على شبكة ضخمة من الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدار أرضي منخفض (LEO)، ما يسمح بتقديم خدمة إنترنت عالية السرعة بزمن استجابة منخفض مقارنة بالأقمار الاصطناعية التقليدية في المدار الجغرافي الثابت (GEO).

في قطاع الملاحة البحرية، تمثل «ستارلينك مارايتايم» (Starlink Maritime) طفرة في مجال الاتصال البحري. فالشركات المشغلة للسفن التجارية واليخوت الفاخرة وسفن الخدمات النفطية والبحث العلمي، بدأت بتبني هذه الخدمة لتزويد طواقمها بإنترنت عالي الجودة، ما يعزز من كفاءة العمليات وسلامة الإبحار وراحة الطاقم. على سبيل المثال، قامت شركة «رويال كاريبيان» (Royal Caribbean) بنشر الخدمة على أسطولها من السفن السياحية، ما مكّن الركاب من البثّ المباشر ومكالمات الفيديو حتى في عرض المحيط. كما تستخدمها شركات شحن عالمية مثل «مارسك» (Maersk) في تحسين مراقبة الأداء وتدفق البيانات في الوقت الحقيقي.

توفّر الخدمة البحرية سرعات تصل إلى 220 ميغابت في الثانية، بكمون أقل من 99 ميلي ثانية، أي الزمن الذي يستغرقه إرسال البيانات من نقطة إلى أخرى والعودة، وتغطي معظم المحيطات والممرات البحرية الدولية. أما من الناحية التقنية، فتعتمد على هوائيات مزدوجة الأداء، مقاومة للماء والصدمات، وقادرة على العمل حتى في أقسى الظروف المناخية. ويُمكن للمشغلين اختيار خطط بيانات شهرية تبدأ من 50 غيغابايت وصولاً إلى 2 تيرابايت، مع تحكم كامل من خلال منصة إدارة مركزية تتيح مراقبة الاستخدام وتخصيص الموارد.

ماسك يعدّ «ستارلينك» جزءاً من منظومة متكاملة تشمل الذكاء الاصطناعي والروبوتات ضمن رؤية عالم متصل بلا حدود (رويترز)

دعم قطاع الطيران

أما في قطاع الطيران، فقد غيّرت «ستارلينك أفييشن» (Starlink Aviation) المعادلة بالنسبة لاتصال الإنترنت على متن الطائرات. في السابق، كانت شركات الطيران تعتمد على أقمار «جيو» (GEO) ذات الكمون العالي، ما كان يؤدي إلى خدمة بطيئة ومكلفة، وغير مناسبة لتطبيقات العصر الحديث. أما مع «ستارلينك» (Starlink) بات بالإمكان تقديم سرعات تتراوح بين 40 إلى 220 ميغابت في الثانية لكل طائرة، مع تأخير منخفض، بما يكفي لتوفير تجارب سلسة للبثّ المباشر، ومكالمات الفيديو، والعمل عن بعد.

وقد بدأت عدة شركات طيران مثل «JSX» و«هواي إيرلاينز» في الولايات المتحدة تركيب هوائيات «ستارلينك» منخفضة الحجم على الطائرات، لتوفير اتصال فائق الجودة لركابها، مع وعد بتغطية المسارات الجوية العابرة للمحيطات والمناطق النائية. ومن المتوقع أن تتوسع هذه التقنية لتشمل الطيران التجاري في السعودية والمنطقة، خاصة في ظل الحماس الذي أبداه ماسك خلال المنتدى لاستخدام المركبات ذاتية القيادة والروبوتات الذكية في المملكة، ما يعكس تكامل رؤية السعودية التقنية مع مشاريع «سبيس إكس».

توفر «ستارلينك» سرعات إنترنت تصل إلى أكثر من 200 ميغابت في الثانية مع زمن استجابة منخفض يصل إلى 20 - 40 ميلي ثانية (د.ب.أ)

مميزات تقنية أخرى

تستند فاعلية «ستارلينك» إلى بنيتها المتقدمة، التي تضم آلاف الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض، وتُزوّد بأنظمة دفع بالأرجون، وهو نوع من الدفع الأيوني يعتمد على غاز الأرغون لتوليد القوة اللازمة للمناورة وتفادي الحطام الفضائي. وتعتمد هذه الأقمار على هوائيات رقمية مسطحة بتقنية «phased array» لتتبع الأقمار بشكل دقيق دون الحاجة إلى أجزاء ميكانيكية متحركة. كما تتواصل فيما بينها عبر روابط ليزرية، ما يسمح بنقل البيانات بسرعة فائقة دون الاعتماد الكامل على المحطات الأرضية.

هذه المنظومة تتيح لـ«ستارلينك» تقديم خدمة عالمية مرنة، يمكن تخصيصها بحسب احتياج السفن أو الطائرات أو الشركات، سواء للاستخدام التجاري أو للقطاع الحكومي والدفاعي. كما أن تصميم النظام يجعله مثالياً للتوسع في مناطق تتطلع لتعزيز استقلالها الرقمي وتقليل اعتمادها على البنية التحتية الأرضية.

مع التوسع المستمر لخدمات «ستارلينك» واعتمادها من قِبل المملكة ودول أخرى، يصبح من الواضح أن مستقبل الاتصال لن يكون محدوداً بالبنية الأرضية، بل مدعوماً بشبكات فضائية ذكية تُمكّن الناس من البقاء على اتصال، حتى في أقصى نقاط الأرض.