الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي... استخدامات متنوعة

توافر عنصر الإبداع يبشّر بفتوحات علمية وتقنية وثقافية كبرى

الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي... استخدامات متنوعة
TT

الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي... استخدامات متنوعة

الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي... استخدامات متنوعة

القدرة على نمو الخوارزميات في غياب المُدخَلات البشرية هي جوهر الذكاء الاصطناعي يستخدم كل من الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI والتعلم الآلي (تعلّم الآلة) Machine learning الخوارزميات في معالجة التحديات المعقدة، ولكن الذكاء الاصطناعي التوليدي يستخدم نمذجة أكثر تطوراً وخوارزميات أكثر تقدماً لإضافة العنصر الإبداعي.

ذكاء اصطناعي وتعلّم آلي

إن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي المصمم لإنتاج محتوى مثل النصوص، والصور، والفيديو، والموسيقى. ويستخدم نماذج لغوية كبيرة وخوارزميات لتحليل الأنماط في مجموعات البيانات ومحاكاة نمط أو بنية أنواع معينة من المحتوى.

من ناحية أخرى، يساعد التعلم الآلي أجهزة الكومبيوتر على تعلُّم المهام والإجراءات باستخدام التدريب المصمم، استناداً إلى نتائج مجموعات البيانات الكبيرة، وهو عنصر أساسي في أنظمة الذكاء الاصطناعي. وقد خصّص موقع «إي ويك» الإلكتروني موضوعاً للمقارنة بين خصائص هذين النظامين واستخداماتهما.

مخطط للمقارنة

إليكم مخططاً للمقارنة بين الذكاء الاصطناعي التوليدي (1) مقابل التعلم الآلي (2).

إن الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي هما تقنيتان مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً، كما يوضح الجدول أدناه. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتفوّق في إنشاء المحتوى، فإن التعلم الآلي موجه إلى تحليل البيانات والنماذج الإحصائية.

> التعريف:

1. إنشاء محتوى جديد.

2. تحليل البيانات لإجراء تنبؤات.

• استخدام الخوارزميات:

1. خوارزميات متقدمة ومبتكرة.

2. التعرف على نمط البيانات.

• المُخرَجات:

1. النصوص، والصور، والفيديو، والموسيقى.

2. التنبؤات والتصنيفات.

• مجالات التطبيق:

1. إنشاء المحتوى والتصميم.

2. تحليل البيانات والأمن السيبراني.

• القاعدة التقنية:

1. نماذج اللغة الكبيرة والشبكات التوليدية التنافسية.

2. النماذج الإحصائية والخوارزميات.

التاريخ والتطور

على مدى عدة عقود، كان تطور كل من الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي مدفوعاً بالتطوير المستمر للخوارزميات المصممة لأداء مهام محددة.

على مدار العقد الماضي، ازداد مستوى تعقيد هذه الخوارزميات بصورة كبيرة. وفي أكثر مراحل تطورها أضحى بمقدورها أن تكتسب قدرة التأدية الوظيفية من دون استمرار المدخلات البشرية. وهذه القدرة على النمو في غياب المدخلات البشرية هي جوهر الذكاء الاصطناعي، الذي هو أساس كل من الذكاء الاصطناعي التوليدي والتعلم الآلي.

في السنوات القليلة الماضية، مكّنت التطورات في القدرة الحاسوبية وتوافر البيانات -التي صارت ممكنة من خلال منصات الحوسبة السحابية مثل «أمازون ويب سيرفيسز»، و«مايكروسوفت أزور»- من تحقيق تقدم كبير.

ظهر التعلم الآلي أولاً، مع التركيز على تحديد الأنماط واتخاذ القرارات القائمة على البيانات. وبُني الذكاء الاصطناعي التوليدي على هذه الأسس، عبر تقديم نماذج قادرة على خلق محتوى جديد وأصلي من خلال التعلم من مجموعات البيانات الواسعة.

حدث التقدم الرئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022. عندما أطلقت شركة «أوبن إيه آي» برنامج «تشات جي بي تي»، وهو تطبيق يخلق محتوى يستند إلى المطالبات النصية واستفسارات اللغة الطبيعية.

ما هو الذكاء الاصطناعي التوليدي؟

الذكاء الاصطناعي التوليدي عبارة عن تقنية ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي، والخوارزميات، ونماذج اللغة الكبيرة لإنتاج عدة أنواع من المحتوى، من النصوص إلى الصور إلى الفيديو.

يستفيد التعلم الآلي من التعلم العميق وتقنيات الشبكة العصبية، لإنشاء المحتوى الذي يستند إلى الأنماط التي يلاحظها في مجموعة واسعة من المحتويات الأخرى. وعلى الرغم من أن هذا المحتوى مُصنّف على أنه أصلي فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي في الواقع يستخدم التعلم الآلي ونماذج الذكاء الاصطناعي، لتحليل إبداعات الآخرين السابقة ثم تكرارها. إنه يستفيد من مستودعات ضخمة من المحتويات، ويستخدم تلك المعلومات لمحاكاة الإبداع البشري.

مع الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكنك القيام بمهام مثل تحليل الأعمال الكاملة لكتاب مشهورين، مثل: تشارلز ديكنز، أو جي كيه رولينغ، أو إرنست همنغواي؛ لإنتاج رواية أصلية تسعى لمحاكاة نمط هؤلاء المؤلفين وأنماط الكتابة لديهم.

وبالتالي، فإن مشاريع الذكاء الاصطناعي التوليدي تتجاوز كثيراً مستوى التعلم الآلي التقليدي. من خلال استخدام أشكال متعددة من أنظمة التعلم الآلي، والنماذج، والخوارزميات، والشبكات العصبية، يُقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي انطلاقة جديدة إلى عالم الإبداع.

حالات استخدام النظم الذكية

يستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز -وليس استبدال- أعمال الكتاب ومصممي الغرافيك والفنانين والموسيقيين من خلال إنتاج مواد جديدة. وهو مفيد بصورة خاصة في عالم الأعمال في مجالات مثل وصف المنتجات، ويمكن أن يخلق كثيراً من الاختلافات في التصاميم القائمة. كما يمكنه مساعدة الفنان على استكشاف المفاهيم الجديدة عبر الوسائط المختلفة.

وفيما يلي بعض حالات استخدامه، بدءاً من حالات الاستخدام المؤسساتية للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى عمليات تنفيذ التطبيقات الأصغر نطاقاً.

> البيع بالتجزئة. يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز عمليات البيع بالتجزئة بشكل كبير من خلال أتمتة إنشاء أوصاف المنتجات، وتوليد محتوى تسويقي مخصص، وتحسين إدارة المخزون.

وبينما يركّز التعلم الآلي على تحليل البيانات لتقديم التوصيات، يأخذ الذكاء الاصطناعي التوليدي خطوة أبعد من خلال إنشاء المحتوى نفسه.

> قطاع الأعمال. يمكن رؤية الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الأعمال في عمليات مثل وضع التقارير وإنجازها، وتصور البيانات، وإنشاء مواد تسويقية. يمكن للشركات إنشاء تقارير الأعمال تلقائياً عن طريق تحليل مجموعات البيانات الكبيرة واستخراج الرؤى الرئيسية، ما يقلّل من الأخطاء والوقت المستغرق لهذه المهام. وهذا يسمح لمحللي الأعمال بالتركيز على اتخاذ القرارات الاستراتيجية بدلاً من إعداد التقارير العادية.

وبالمقارنة، يُستخدم التعلم الآلي عادة لتحليل أنماط البيانات وتقديم رؤى تنبؤية، في حين يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على هذه الرؤى لإنتاج تقارير وعروض تقديمية شاملة.

> الرعاية الصحية. في مجال الرعاية الصحية، يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي على إنشاء بيانات طبية اصطناعية للبحث، وتطوير خطط علاجية مخصصة، وتعزيز الدقة التشخيصية. ومرة أخرى، يبني الذكاء الاصطناعي التوليدي على الأساس الذي وضعته الآلة.

وفي حين يتفوّق التعلم الآلي في تحديد الأنماط لدى البيانات الطبية، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يذهب إلى أبعد من ذلك عبر توليد بيانات جديدة وسيناريوهات علاجية جديدة، يمكن أن تساعد في البحوث الطبية والتشخيصات.

• التصنيع والإنتاج. الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تقنية مُرحب بها عندما يتعلق الأمر بالنمذجة الأولية. ويعمل على تحسين تصميم المنتجات وعمليات التصنيع من خلال إنشاء نماذج التصميم الأولية المتعددة استناداً إلى قيود ومدخلات محددة.

وبينما التعلم الآلي يُستخدم في التنبؤ باحتياجات الصيانة وتحسين جداول الإنتاج، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتيح إنشاء التصاميم والحلول المبتكرة التي يمكن تنفيذها مباشرة في التصنيع.

• الخدمات المالية. في القطاع المالي، يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز الخدمات من خلال توليد تقارير مالية مخصصة، وأتمتة الكشف عن الأنشطة الاحتيالية، وتحسين إدارة المخاطر.

وفي حين أن التعلم الآلي عادة ما يكتشف الأنماط وأشكال الشذوذ، لا يحدد الذكاء الاصطناعي التوليدي هذه المشكلات فحسب، وإنما يُنشئ أيضاً تقارير تفصيلية واستراتيجيات معينة لمعالجتها.

• دعم العملاء. يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تحسين دعم العملاء من خلال روبوتات المحادثة المتقدمة والمساعدين الافتراضيين. تعتمد الشركات روبوتات المحادثة العاملة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، للتعامل مع مجموعة واسعة من استفسارات العملاء؛ من توصيات المنتجات إلى تتبع الطلبات. ولا تزال روبوتات المحادثة هذه تتشابه مع البشر على نحو متزايد.

يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي خلق استجابات مخصصة ومناسبة من حيث السياق، ما يجعل التفاعلات تبدو أكثر إنسانية وأكثر فاعلية من أساليب العمل البسيطة القائمة على التعلم الآلي.



شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
TT

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين، وإبرام عقود مع الجهات المعنية بتوفير هذه الخدمات لتحقيق المداخيل من محتواها.

واقترحت دار النشر «هاربر كولينز» الأميركية الكبرى أخيراً على بعض مؤلفيها، عقداً مع إحدى شركات الذكاء الاصطناعي تبقى هويتها طي الكتمان، يتيح لهذه الشركة استخدام أعمالهم المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفي رسالة اطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية»، عرضت شركة الذكاء الاصطناعي 2500 دولار لكل كتاب تختاره لتدريب نموذجها اللغوي «إل إل إم» لمدة 3 سنوات.

آراء متفاوتة

ولكي تكون برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج مختلف أنواع المحتوى بناء على طلب بسيط بلغة يومية، تنبغي تغذيتها بكمية مزدادة من البيانات.

وبعد التواصل مع دار النشر أكدت الأخيرة الموافقة على العملية. وأشارت إلى أنّ «(هاربر كولينز) أبرمت عقداً مع إحدى شركات التكنولوجيا المتخصصة بالذكاء الاصطناعي للسماح بالاستخدام المحدود لكتب معينة (...) بهدف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسين أدائها».

وتوضّح دار النشر أيضاً أنّ العقد «ينظّم بشكل واضح ما تنتجه النماذج مع احترامها حقوق النشر».

ولاقى هذا العرض آراء متفاوتة في قطاع النشر، إذ رفضه كتّاب مثل الأميركي دانييل كيبلسميث الذي قال في منشور عبر منصة «بلوسكاي» للتواصل الاجتماعي: «من المحتمل أن أقبل بذلك مقابل مليار دولار، مبلغ يتيح لي التوقف عن العمل، لأن هذا هو الهدف النهائي من هذه التكنولوجيا».

هامش تفاوض محدود

ومع أنّ «هاربر كولينز» هي إحدى كبرى دور النشر التي أبرمت عقوداً من هذا النوع، فإنّها ليست الأولى. فدار «ويلي» الأميركية الناشرة للكتب العلمية أتاحت لشركة تكنولوجية كبيرة «محتوى كتب أكاديمية ومهنية منشورة لاستخدام محدد في نماذج التدريب، مقابل 23 مليون دولار»، كما قالت في مارس (آذار) عند عرض نتائجها المالية.

ويسلط هذا النوع من الاتفاقيات الضوء على المشاكل المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتم تدريبه على كميات هائلة من البيانات تُجمع من الإنترنت، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الطبع والنشر.

وترى جادا بيستيلي، رئيسة قسم الأخلاقيات لدى «هاغينغ فايس»، وهي منصة فرنسية - أميركية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، أنّ هذا الإعلان يشكل خطوة إلى الأمام، لأنّ محتوى الكتب يدرّ أموالاً. لكنها تأسف لأنّ هامش التفاوض محدود للمؤلفين.

وتقول: «ما سنراه هو آلية لاتفاقيات ثنائية بين شركات التكنولوجيا ودور النشر أو أصحاب حقوق الطبع والنشر، في حين ينبغي أن تكون المفاوضات أوسع لتشمل أصحاب العلاقة».

ويقول المدير القانوني لاتحاد النشر الفرنسي (SNE) جوليان شوراكي: «نبدأ من مكان بعيد جداً»، مضيفاً: «إنّه تقدم، فبمجرّد وجود اتفاق يعني أن حواراً ما انعقد وثمة رغبة في تحقيق توازن فيما يخص استخدام البيانات مصدراً، التي تخضع للحقوق والتي ستولد مبالغ».

مواد جديدة

وفي ظل هذه المسائل، بدأ الناشرون الصحافيون أيضاً في تنظيم هذا الموضوع. ففي نهاية 2023، أطلقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اليومية ملاحقات ضد شركة «أوبن إيه آي» مبتكرة برنامج «تشات جي بي تي» وضد «مايكروسوفت» المستثمر الرئيسي فيها، بتهمة انتهاك حقوق النشر. وقد أبرمت وسائل إعلام أخرى اتفاقيات مع «أوبن إيه آي».

وربما لم يعد أمام شركات التكنولوجيا أي خيار لتحسين منتجاتها سوى باعتماد خيارات تُلزمها بدفع أموال، خصوصاً مع بدء نفاد المواد الجديدة لتشغيل النماذج.

وأشارت الصحافة الأميركية أخيراً إلى أنّ النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو كأنها وصلت إلى حدودها القصوى، لا سيما برامج «غوغل» و«أنثروبيك» و«أوبن إيه آي».

ويقول جوليان شوراكي: «يمكن على شبكة الإنترنت، جمع المحتوى القانوني وغير القانوني، وكميات كبيرة من المحتوى المقرصن، مما يشكل مشكلة قانونية. هذا من دون أن ننسى مسألة نوعية البيانات».