الذكاء الاصطناعي يساهم في رصد انبعاثات غاز الميثان المضرّ بالبيئة

كثبان من الفحم منخفض الجودة تظهر بالقرب من منجم للفحم في روتشو بمقاطعة هنان بالصين في 4 نوفمبر 2021 (رويترز)
كثبان من الفحم منخفض الجودة تظهر بالقرب من منجم للفحم في روتشو بمقاطعة هنان بالصين في 4 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يساهم في رصد انبعاثات غاز الميثان المضرّ بالبيئة

كثبان من الفحم منخفض الجودة تظهر بالقرب من منجم للفحم في روتشو بمقاطعة هنان بالصين في 4 نوفمبر 2021 (رويترز)
كثبان من الفحم منخفض الجودة تظهر بالقرب من منجم للفحم في روتشو بمقاطعة هنان بالصين في 4 نوفمبر 2021 (رويترز)

تستخدم شركة الهندسة البيئية «كيروس» في باريس بيانات أقمار اصطناعية، ونماذج من الذكاء الاصطناعي لترصد بدقة عمليات تسرّب الميثان، وهو غاز قوي من غازات الدفيئة المنبعثة من مصادر الطاقة الأحفورية.

وهذه الأعمدة الغازية عديمة الرائحة، وغير المرئية في الهواء تظهر على خرائط الشركة على شكل سحب ملونة، بعد معالجة صور التقطتها أقمار اصطناعية، وفق وكالة «الصحافة الفرنسية».

ورصدت «كيروس» منذ العام 2019 نحو 10 آلاف حدث لتركيز غاز الميثان في العالم. وتحدث تسريبات كهذه عندما «تُسجَّل مشكلات في الضغط بخط أنابيب الغاز» وتكون الصمامات مفتوحة «لتجنب خطر الانفجار»، على ما يوضح عالم البيانات في «كيروس» ألكسيس غروشنري.

والميثان، الذي يتمتع بعمر أقصر من ثاني أكسيد الكربون لكن بقدرة أكبر فيما يخص الاحترار، مسؤول عن نحو 30 في المائة من الاحترار العالمي منذ الثورة الصناعية.

وتشير وكالة الطاقة الدولية (IEA) إلى أنّ 40 في المائة من انبعاثات غاز الميثان المتأتية من إنتاج مصادر الطاقة الأحفورية (الفحم والنفط والغاز) يمكن تجنّبها، وبتكلفة شبه معدومة. لكن يتعيّن رصدها، وقياسها بشكل صحيح.

وتستخدم «كيروس» في مقرها تسعة أقمار اصطناعية تديرها وكالات فضائية حكومية، أو رسمية، كوكالتي الفضاء الأوروبية، والأميركية، والتي ترسل صورها إلى الأرض بترددات مختلفة، مرات عدة في الأسبوع أو كل 15 دقيقة، بدقة كبيرة أو صغيرة تبعاً للنماذج.

ويقول غروشنري «نعمل مع مختلف المصادر المتاحة لمحاولة تعزيز المراقبة».

ويؤكد أن الجانب السلبي بالنسبة إلى «علماء الرياضيات» في مجال التكنولوجيا الخضراء هو وجود «كمية كبيرة جداً من البيانات التي تتعين معالجتها، إذ لا يمكن ببساطة النظر إلى كل الصور».

وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي.

تدريب واسع

ويقول غروشنري «لمعالجة هذه الكميات من البيانات، نبتكر نماذج من الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق، ثم ندرّبها، حتى تتمكن من تنفيذ مهمة الرصد» تلقائياً.

ويشكل التعلم العميق فئة من الذكاء الاصطناعي ابتُكرت قبل الذكاء الاصطناعي التوليدي بفترة طويلة، وهو أسلوب حوسبة فائقة يركز على تدريب الشبكات «العصبية العميقة».

وينبغي أن يتعلم نموذج الرصد «مليارات البيانات» لتدريب نفسه على التعرف على مختلف أعمدة الميثان، حتى الصغيرة منها، أو التي تصعب رؤيتها بسبب الإضاءة الخافتة، أو الغيوم مثلاً.

ويقول عالم البيانات «لتدريب نموذج الرصد بشكل صحيح، سنولّد باستخدام خوارزميات المحاكاة كمية من البيانات الوهمية، لكن المعقولة مادياً». ويتم بعد ذلك التحقق من صحة النموذج بعد اختباره على بيانات حقيقية عن تسرب الميثان.

وتستند الشركة أيضاً إلى أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقديم تحليلات بناءً على أسئلة بسيطة.

ويقول المشارك في تأسيس «كيروس» أنطوان روستان «بفضل معلومات كثيرة متراكمة بشأن البنى التحتية الهيدروكربونية في قاعدة بيانات، نطرح على الذكاء الاصطناعي أسئلة مختلفة من بينها اسم الشركة التي أطلقت أكبر كمية من غاز الميثان في الأسبوع الفائت، ثم نجري مقارنات، أو نحدد البنية التحتية التي حصل منها التسرب».

وتأسست الشركة في العام 2016 نتيجة «اعتراف بفشل جماعي» في وقف آثار التغير المناخي.

وتشيد وكالة الطاقة الدولية التي تتجاوز تقديراتها بشأن غاز الميثان تقديرات الأمم المتحدة بنسبة 50 في المائة بالاعتماد على عدد متزايد من الأقمار الاصطناعية المتطورة التي تراقب تسربات غاز الميثان، على غرار «ميثان سات» MethaneSAT، وهو قمر اصطناعي من «غوغل» مُزود بالذكاء الاصطناعي أُطلق في مارس (آذار).

والاعتماد على هذه الأقمار سيتيح لوكالة الطاقة الدولية التحقق من الالتزامات الأخيرة لشركات النفط والغاز بخفض انبعاثات غاز الميثان إلى الصفر تقريباً.


مقالات ذات صلة

43 قتيلًا في هجوم شمال باكستان

آسيا خلال تشييع شخص قُتل بالهجمات في باكستان الخميس... في باراشينار شمال غربي باكستان في 22 نوفمبر 2024 (أ.ب)

43 قتيلًا في هجوم شمال باكستان

ارتفعت حصيلة هجومين استهدفا، أمس (الخميس)، موكبين لعائلات شيعية في شمال غربي باكستان، الذي يشهد عنفاً طائفياً، إلى 43 شخصاً من بينهم 7 نساء و3 أطفال.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن التواصل الدبلوماسي السابق بين بيونغ يانغ وواشنطن أكد عداء الولايات المتحدة «الثابت» تجاه بلاده.

«الشرق الأوسط» (سيول)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس... 19 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

أوربان يتحدى «الجنائية الدولية» ويدعو نتنياهو لزيارة المجر

أعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أنه سيدعو نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المجر في تحدٍّ لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
TT

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)
شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين، وإبرام عقود مع الجهات المعنية بتوفير هذه الخدمات لتحقيق المداخيل من محتواها.

واقترحت دار النشر «هاربر كولينز» الأميركية الكبرى أخيراً على بعض مؤلفيها، عقداً مع إحدى شركات الذكاء الاصطناعي تبقى هويتها طي الكتمان، يتيح لهذه الشركة استخدام أعمالهم المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وفي رسالة اطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية»، عرضت شركة الذكاء الاصطناعي 2500 دولار لكل كتاب تختاره لتدريب نموذجها اللغوي «إل إل إم» لمدة 3 سنوات.

آراء متفاوتة

ولكي تكون برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج مختلف أنواع المحتوى بناء على طلب بسيط بلغة يومية، تنبغي تغذيتها بكمية مزدادة من البيانات.

وبعد التواصل مع دار النشر أكدت الأخيرة الموافقة على العملية. وأشارت إلى أنّ «(هاربر كولينز) أبرمت عقداً مع إحدى شركات التكنولوجيا المتخصصة بالذكاء الاصطناعي للسماح بالاستخدام المحدود لكتب معينة (...) بهدف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتحسين أدائها».

وتوضّح دار النشر أيضاً أنّ العقد «ينظّم بشكل واضح ما تنتجه النماذج مع احترامها حقوق النشر».

ولاقى هذا العرض آراء متفاوتة في قطاع النشر، إذ رفضه كتّاب مثل الأميركي دانييل كيبلسميث الذي قال في منشور عبر منصة «بلوسكاي» للتواصل الاجتماعي: «من المحتمل أن أقبل بذلك مقابل مليار دولار، مبلغ يتيح لي التوقف عن العمل، لأن هذا هو الهدف النهائي من هذه التكنولوجيا».

هامش تفاوض محدود

ومع أنّ «هاربر كولينز» هي إحدى كبرى دور النشر التي أبرمت عقوداً من هذا النوع، فإنّها ليست الأولى. فدار «ويلي» الأميركية الناشرة للكتب العلمية أتاحت لشركة تكنولوجية كبيرة «محتوى كتب أكاديمية ومهنية منشورة لاستخدام محدد في نماذج التدريب، مقابل 23 مليون دولار»، كما قالت في مارس (آذار) عند عرض نتائجها المالية.

ويسلط هذا النوع من الاتفاقيات الضوء على المشاكل المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يتم تدريبه على كميات هائلة من البيانات تُجمع من الإنترنت، وهو ما قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الطبع والنشر.

وترى جادا بيستيلي، رئيسة قسم الأخلاقيات لدى «هاغينغ فايس»، وهي منصة فرنسية - أميركية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، أنّ هذا الإعلان يشكل خطوة إلى الأمام، لأنّ محتوى الكتب يدرّ أموالاً. لكنها تأسف لأنّ هامش التفاوض محدود للمؤلفين.

وتقول: «ما سنراه هو آلية لاتفاقيات ثنائية بين شركات التكنولوجيا ودور النشر أو أصحاب حقوق الطبع والنشر، في حين ينبغي أن تكون المفاوضات أوسع لتشمل أصحاب العلاقة».

ويقول المدير القانوني لاتحاد النشر الفرنسي (SNE) جوليان شوراكي: «نبدأ من مكان بعيد جداً»، مضيفاً: «إنّه تقدم، فبمجرّد وجود اتفاق يعني أن حواراً ما انعقد وثمة رغبة في تحقيق توازن فيما يخص استخدام البيانات مصدراً، التي تخضع للحقوق والتي ستولد مبالغ».

مواد جديدة

وفي ظل هذه المسائل، بدأ الناشرون الصحافيون أيضاً في تنظيم هذا الموضوع. ففي نهاية 2023، أطلقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية اليومية ملاحقات ضد شركة «أوبن إيه آي» مبتكرة برنامج «تشات جي بي تي» وضد «مايكروسوفت» المستثمر الرئيسي فيها، بتهمة انتهاك حقوق النشر. وقد أبرمت وسائل إعلام أخرى اتفاقيات مع «أوبن إيه آي».

وربما لم يعد أمام شركات التكنولوجيا أي خيار لتحسين منتجاتها سوى باعتماد خيارات تُلزمها بدفع أموال، خصوصاً مع بدء نفاد المواد الجديدة لتشغيل النماذج.

وأشارت الصحافة الأميركية أخيراً إلى أنّ النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو كأنها وصلت إلى حدودها القصوى، لا سيما برامج «غوغل» و«أنثروبيك» و«أوبن إيه آي».

ويقول جوليان شوراكي: «يمكن على شبكة الإنترنت، جمع المحتوى القانوني وغير القانوني، وكميات كبيرة من المحتوى المقرصن، مما يشكل مشكلة قانونية. هذا من دون أن ننسى مسألة نوعية البيانات».