نظم الذكاء الاصطناعي تساهم في صدّ الهجمات السيبرانية المتزايدة

توفر حلولاً أمنية متقدمة للإنترنت

نظم الذكاء الاصطناعي تساهم في صدّ الهجمات السيبرانية المتزايدة
TT

نظم الذكاء الاصطناعي تساهم في صدّ الهجمات السيبرانية المتزايدة

نظم الذكاء الاصطناعي تساهم في صدّ الهجمات السيبرانية المتزايدة

مع اتساع النقاش حول مخاطر وتهديدات نظم الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، ليس من العدل أن نهمل ما يقابلها من المكاسب التي توفّرها هاتان التقنيتان.

حلول أمنية متقدمة

تزداد الهجمات السيبرانية تعقيداً وتكراراً؛ ما يضاعف أهميّة تبنّي شركات الأمن السيبراني، وحتّى المستخدمين في منازلهم لحلول متقدّمة. وهنا، يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي غيّر الطريقة التي ندافع بها عن أنفسنا أمام الهجمات السيبرانية.

ومع توظيف المهاجمين لتكتيكات أكثر تعقيداً، تعكف الشركات الأمنية على الانتقال إلى تقنيات متقدّمة؛ كالتعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي؛ لتعزيز دفاعاتها الأمنية واستباق التهديدات الآخذة في التطوّر.

يتوجّب على المستهلكين أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي لتقوية أمنهم السيبراني، لا سيّما في ظلّ أجواء الأمن الإلكتروني القائمة. فمع الانتشار اللافت لهجمات التصيّد خلال الصيف، بحسب تقرير «اتجاهات الصيف» Summer Trends Report الذي أعدّه باحثو برنامج «راف» (اختصار برنامج أبحاث المخاطر والاعتداءات والعنف باللغة الإنجليزية)، بات تعزيز الأمن السيبراني المنزلي مهماً بقدر ما هو عليه في المنظّمات والشركات الكبرى.

تسخير قوّة التعلّم الآلي

في حديث لموقع «دارك ريدنغ»، يقول أندرو نيومان، رئيس الخبراء التقنيين والشريك المؤسس لمختبرات «ريزون لابز»، إنه ومع تزايد تعقيد ووتيرة الهجمات السيبرانية، بات الابتكار ضرورياً جداً للشركات الأمنية لمواكبتها. وهنا يعزّز دمج الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي قوّة هذه الشركات لتمتين دفاعات أمنها السيبراني، ورصد التهديدات الناشئة، والاستجابة بفاعلية أكبر.

ولعلّ رصد التهديد والوقاية هما الوسيلتان الأكثر شيوعاً، الأمر الذي دفع الشركات إلى توظيف قوّة الذكاء الاصطناعي للصالح العام.

تتفوّق خوارزميات التعلّم الآلي في التحليل السلوكي، وتعريف الأنماط والعلل، وتمكين الشركات الأمنية من تحليل كميات هائلة من البيانات لرصد تهديدات سابقة مجهولة أو هجمات محتملة. وتتعلّم خوارزميات التعلّم الآلي من بيانات قديمة، وتتأقلم مع مؤشرات الهجوم الجديدة، ما يرجّح أنّ دقّتها ستتحسّن مع الوقت في ظلّ استمرار تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي.

تتسم مواطن الضعف غير المنتظرة - مواطن الضعف غير المعروفة للمطوّرين وصانعي البرمجيات - بصعوبة التعريف (بالهجمات) باستخدام الوسائل التقليدية. بينما تستطيع خوارزميات التعلّم الآلي تحليل الرمز والسلوك لرصد وتخفيف التهديدات غير المنتظرة، وبالتالي تخفيف هامش الانكشاف.

مزايا برامج الأمن بالذكاء الاصطناعي

توفّر البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي استجابة آلية للأحداث الأمنية في الوقت الحقيقي، حيث إنّها تستطيع عزل الأجهزة المخترقة، وإبطال الوصول غير المصرّح به إلى شبكات الشركة، ومنع انتشار التهديدات. علاوةً على ذلك، تحلّل قدرات الذكاء الاصطناعي التنبؤية البيانات القديمة لاستباق التهديدات ومواطن الضعف المستقبلية المحتملة. تمكّن هذه المقاربة الاستباقية الشركات الأمنية من اتخاذ تدابير وقائية قبل حصول الهجمة.

تلعب قدرات الذكاء الاصطناعي في إدارة مواطن الضعف أيضاً دوراً بارزاً في مسح وتعريف هذه المشاكل في شبكات وأنظمة الشركات؛ لأنّها تصنّف مواطن الضعف بناء على التأثير المحتمل، وتساعد الشركات على تخصيص مواردها بكفاءة لحلّ المشاكل الحسّاسة أولاً.

بدورها، تحلّل تقنيات معالجة اللغة الطبيعية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات غير المنظّمة من مصادر كالمقالات الإخبارية، والمدوّنات، والتواصل الاجتماعي، ما يساعد خبراء الأمن في البقاء على اطلاع على التهديدات الناشئة وتقنيات الهجوم الآخذة في التطوّر.

وأخيراً وليس آخراً، يجب على أصحاب الشركات والمؤسسات الاستفادة من أنظمة تستخدم التعلّم الآلي لمقاومة الفيروسات؛ لأنّها تستطيع حماية الشركات، والبيانات، ومعلومات الموظفين والزبائن الشخصية، للحفاظ على تفوّقها في لعبة الأمن السيبراني.

قدرات الذكاء الاصطناعي التنبؤية تحلّل البيانات لاستباق التهديدات

التحديات والاعتبارات

نعم، يجلب التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي مكاسب هائلة لعالم الأمن السيبراني (أبرزها أداء أعمال هائلة بسرعات تفوق الطاقة البشرية)، ولكن تحدياتها لا تزال قائمة أيضاً، ولهذا السبب لا بدّ من التركيز على اعتبارات مهمّة؛ أبرزها ضمان نوعية بيانات التدريب، وتجنّب الانحياز في الخوارزميات، والتعامل مع الإنذارات الخاطئة بالشكل الصحيح.

تواجه صناعة الأمن السيبراني أيضاً نقصاً في عدد الخبراء المتمرّسين المخوّل لهم تطوير وتنفيذ وإدارة حلول التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي بكفاءة. وفي حال أدّى نقص العاملين المتوفرين في هذا المجال، ولا سيّما المحلّلين، إلى حلول برامج الذكاء الاصطناعي مكانهم، فهذا يعني أنّ فرص العمل المتاحة للمتخصصين في المجال السيبراني ستتراجع، وسنجد أنفسنا في وضع «من أتى أولاً: البيضة أم الدجاجة؟»؛ لأنّ المهارات الناشئة ستشعر بالتردّد من الدخول إلى الصناعة، ما قد يؤدّي إلى مفعول عكسي يسبب تراجعاً في عدد المدافعين السيبرانيين الماهرين، ويترك المؤسسات وأصحاب الأعمال منكشفين وضعافاً أمام الهجمات.

خوارزميات التعلّم الآلي تتفوّق في التحليل السلوكي وتعريف الأنماط

المستخدمون والذكاء الاصطناعي

غيّر الذكاء الاصطناعي نظرة المستهلكين لبعض جوانب حياتهم. فمع تصاعد الاختراقات التي تطول بيانات الزبائن (كهجمات «موف آت»، وتلك التي استهدفت حسابات «لينكد إن» و«مايكروسوفت آوتلوك»)، أصبح المستهلكون، وحتّى أقلّهم دراية بالأمور التقنية، واعين لتأثير ضعف الأمن الإلكتروني على حماية هويتهم واستخدام بعض التقنيات.

يستطيع الأفراد الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشراء برامج مقاومة للفيروسات وللبرمجيات الخبيثة تعرّف وتحصر التهديدات في الوقت الحقيقي. تستخدم هذه الأدوات التعلّم الآلي للتأقلم مع التهديدات الناشئة بتوفير حماية متينة من الفيروسات، وهجمات الفدية، وغيرها من البرمجيات الخبيثة التي تطول الأجهزة الشخصية.

ويساعد أمن البريد الإلكتروني المدفوع بالذكاء الاصطناعي في حماية المستهلكين من رسائل التصيّد التي تصل عبر البريد الإلكتروني، خصوصاً أنّ تقدّم النماذج اللغوية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي أتاح لمنفّذي الهجمات تقليل التفاصيل التي تشير إلى التصيّد في الرسائل الإلكترونية؛ كعلامات الترقيم، والأخطاء اللغوية.

يساهم الذكاء الاصطناعي أيضاً في تعزيز أمن كلمات المرور بتوليد كلمات مرور متينة وغير مألوفة، إلى جانب إشعار المستهلك بأيّ اختراق محتمل. تستطيع أدوات تنظيم كلمات المرور استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتأمين المعلومات الحسّاسة. ويمكن للمستهلك أيضاً تحسين أمن شبكته باستخدام حلول توجيه الإشارة والجدران الحامية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لحماية الشبكات المنزلية من الوصول غير المصرّح به والتهديدات السيبرانية عبر الرصد والحجب الأوتوماتيكي للنشاط الشبكي المريب.

سواء كنا من العاملين المتمرسين في مجال الأمن السيبراني، أو مستخدمين عاديين، أصبح واجباً علينا الاستثمارُ في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، في ظلّ معركة الأمن الرقمي المستمرّة.

يقود الذكاء الاصطناعي اليوم تحوّلاً بارزاً في طريقة دفاع شركات الأمن السيبراني والمستهلكين عن أنفسهم أمام التهديدات السيبرانية التي لا تتوقّف عن التطوّر. ومن رصد التهديد والتحليل التنبؤي إلى الاستجابة الآلية للحدث وتحليل سلوك المستخدم، يلعب الذكاء الاصطناعي اليوم دوراً محورياً في حماية البيئات الرقمية.

ومع استمرار تطوّر تعقيد وذكاء الهجمات السيبرانية، فإن تبنّي الحلول المدفوعة بالذكاء الاصطناعي من قِبل الشركات والأفراد أصبح خطوةً أساسية لضمان التقدّم على المجرمين السيبرانيين ولو بخطوة واحدة.


مقالات ذات صلة

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية تُرسّخ بنية الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا تحتضن السعودية حالياً 33 مركز بيانات نشطاً وتعمل على تطوير 42 آخر ما يعكس طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية الحوسبية (شاترستوك)

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية تُرسّخ بنية الذكاء الاصطناعي

تسير السعودية بخطى متسارعة نحو بناء بنية تحتية رقمية متقدمة للذكاء الاصطناعي عبر شراكات استراتيجية ومراكز بيانات ضخمة تدعم رؤيتها للتحول الوطني.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا 
يتميز «E-BAR» بقدرته على التقاط المستخدم في حال فقدان التوازن عبر وسائد هوائية مدمجة دون الحاجة إلى أحزمة (MIT)

روبوت ذكي يساعد كبار السن على التنقل ويمنعهم من السقوط

الروبوت الذكي الذي يُدعى «E-BAR» يدعم كبار السن، ويمنع سقوطهم، بهدف تعزيز استقلاليتهم في المنزل، وتحسين جودة حياتهم بأمان، وابتكار.

نسيم رمضان (لندن)
يوميات الشرق تكنولوجيا قد توفّر رؤى جديدة حول عيوب القلب الخلقية (جامعة كلية لندن)

من خلية إلى نبض... كاميرا ترصد اللحظة الأولى لقلب يتكوَّن

في حدث غير مسبوق، تمكّن العلماء من تصوير لحظة بداية تشكُّل القلب باستخدام صور مدهشة بتقنية الفاصل الزمني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد زحام مروري وقت الذروة في الضاحية المالية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

الصين تُسرّع الدعم المالي للابتكار العلمي والتكنولوجي

أعلنت الصين، يوم الأربعاء، أنها ستعزز دعم سوق رأس المال لمؤسسات الابتكار العلمي والتكنولوجي، وستُوسّع نطاق دعم الائتمان المصرفي لهذه الشركات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا التقرير قال إن هناك «محتالين» من كوريا الشمالية يحصلون على وظائف في الولايات المتحدة بمساعدة شركات صينية (رويترز)

تقرير: محتالون من كوريا الشمالية يحصلون على وظائف في أميركا بمساعدة شركات صينية

كشف تقرير جديد عن أن هناك «محتالين» من كوريا الشمالية يحصلون على وظائف في الولايات المتحدة بمساعدة شركات صينية.

«الشرق الأوسط» (بيونغ يانغ)

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية تُرسّخ بنية الذكاء الاصطناعي

تحتضن السعودية حالياً 33 مركز بيانات نشطاً وتعمل على تطوير 42 آخر ما يعكس طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية الحوسبية (شاترستوك)
تحتضن السعودية حالياً 33 مركز بيانات نشطاً وتعمل على تطوير 42 آخر ما يعكس طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية الحوسبية (شاترستوك)
TT

من التحول الرقمي إلى التفوق التقني... السعودية تُرسّخ بنية الذكاء الاصطناعي

تحتضن السعودية حالياً 33 مركز بيانات نشطاً وتعمل على تطوير 42 آخر ما يعكس طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية الحوسبية (شاترستوك)
تحتضن السعودية حالياً 33 مركز بيانات نشطاً وتعمل على تطوير 42 آخر ما يعكس طفرة غير مسبوقة في البنية التحتية الحوسبية (شاترستوك)

يمهد التحول الرقمي الذي تخوضه المملكة العربية السعودية الطريق كي تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. ومن بين أبرز التطورات في هذا التحول، تأتي الشراكة بين شركة الذكاء الاصطناعي السعودية «هيوماين» وشركة الرقائق الأميركية العملاقة «إنفيديا» التي أعلن عنها خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة هذا الأسبوع، وتشمل توريد 18.000 شريحة من رقائق «GB200 Grace Blackwell» المتقدمة من «إنفيديا» بهدف تشغيل مركز بيانات للذكاء الاصطناعي بقدرة 500 ميغاواط.

الأضخم عالمياً

يُتوقع أن يصبح مركز البيانات هذا، الذي صُمم ليكون من الأكبر من نوعه على مستوى العالم، حجر الزاوية في قدرات المملكة التدريبية والتنفيذية في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يُعد محطة بارزة في التعاون التقني بين الشرق الأوسط والولايات المتحدة.

وقال جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لـ«إنفيديا»، إن الذكاء الاصطناعي مثل الكهرباء والإنترنت، حيث بات بنية تحتية أساسية لكل دولة. وأضاف: «نحن فخورون بالشراكة مع السعودية لبناء العمود الفقري الرقمي لتحولها في مجال الذكاء الاصطناعي». وقد جاءت هذه الخطوة ضمن حزمة أوسع من الاستثمارات بين السعودية والولايات المتحدة، حيث التزمت المملكة بضخ أكثر من 600 مليار دولار في استثمارات تشمل الدفاع والفضاء والذكاء الاصطناعي.

تدمج «رؤية 2030» بين بناء القدرات التقنية والبشرية من خلال استثمارات ضخمة وشراكات دولية وبرامج تدريب وطنية (شاترستوك)

الطفرة في مراكز البيانات

تعتمد طموحات المملكة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على عنصر جوهري وهو بنية الحوسبة التي تتمثل بمراكز البيانات.

تقول شركة الاستشارات «بلاكريدج ريسيرتش» (Blackridge Research) إنه بحلول مطلع عام 2025، أصبح في المملكة 33 مركز بيانات نشطاً، إضافة إلى 42 مركزاً قيد التطوير، ليبلغ الإجمالي 75 مشروعاً موزعاً على مدن رئيسية مثل الرياض وجدة والدمام، بالإضافة إلى مناطق مستقبلية مثل «نيوم». من بين المشاريع في هذا المجال، مركز بيانات «داتا فولت» (DataVolt) في «نيوم» باستثمار قدره 5 مليارات دولار، حيث من المتوقع أن يوفر 1.5 غيغاواط من القدرة الحوسبية المخصصة للذكاء الاصطناعي. ويتميّز المشروع بالاستدامة، حيث يشمل تبريداً سائلاً واستخدام الطاقة المتجددة والتوسّع المعياري.

في الوقت ذاته، أعلنت شركة «كوانتوم سويتش تماسوك» Quantum Switch Tamasuk (QST) عن خطة لبناء ستة مراكز بيانات فائقة السعة عبر المملكة، بقدرة إجمالية تبلغ 300 ميغاواط، موجهة إلى خدمات السحابة السيادية والتطبيقات المؤسسية.

شريحة إلكترونية من إنتاج «إنفيديا» في معرض بمدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

بنية تحتية مخصصة للذكاء الاصطناعي

يتسابق عمالقة الحوسبة السحابية العالميون لترسيخ وجودهم داخل المملكة. فقد أعلنت شركة «تنسنت كلاود» عن أول منطقة سحابية لها في الشرق الأوسط من خلال السعودية، مع منطقتي «توفر». كما حصلت كل من «أوراكل» و«غوغل كلاود» و«مايكروسوفت أزور» على تراخيص للعمل داخل المملكة، في ظل الطلب المتزايد على البنية التحتية المهيأة للذكاء الاصطناعي.

وقد وضّحت الجهات التنظيمية السعودية، وعلى رأسها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، أن توطين البيانات السيادية أمر غير قابل للتفاوض. إذ يجب تنفيذ المهام المتعلقة بالحكومة والدفاع على بنية تحتية محلية وآمنة، مما يرفع الطلب على السعة الحوسبية داخل المملكة. لكن الأمر لا يتعلق بالحجم فقط، بل بجودة البنية التحتية نفسها، حيث يتم إنشاء مراكز بيانات حديثة مخصصة لحوسبة الذكاء الاصطناعي عالية الكثافة باستخدام وحدات معالجة الرسوميات (GPU) الخاصة لتدريب النماذج الكبرى (LLMs)، والتوأمة الرقمية، وتطبيقات المدن الذكية.

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا» جينسن هوانغ يتحدث في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي (رويترز)

شراكات استراتيجية وبناء قدرات وطنية

إلى جانب البنية التحتية، تعقد المملكة شراكات استراتيجية متعددة لضمان أن يكون دفعها نحو الذكاء الاصطناعي مستداماً وذا سيادة. فمشروع مركز البيانات بين «هيوماين» و«إنفيديا» ليس سوى جزء من الصورة. إذ تعمل «سدايا» مع «إنفيديا» على نشر 5000 شريحة «بلاك ويل» (Blackwell) لإنشاء مصنع ذكاء اصطناعي سيادي، يهدف إلى تدريب آلاف المطورين المحليين، ودعم الخدمات الحكومية الذكية في قطاعات مثل الصحة والتنقل والطاقة.

في الوقت نفسه، تساهم شركات مثل «UiPath» و«AWS» و«IBM» في برامج تنمية المهارات، تشمل تدريب الموظفين الحكوميين على الأتمتة، ومعسكرات تدريب مطوري الذكاء الاصطناعي، وتمكين الشركات الناشئة مما يضمن توازناً بين البنية التحتية والقدرات البشرية المحلية القادرة على تشغيلها وتطويرها.

مخطط رقمي بتأثيرات عالمية

تندمج هذه المبادرات بسلاسة ضمن إطار «رؤية 2030»، وهي الاستراتيجية الوطنية التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصاد قائم على الابتكار. حتى الآن، تجاوزت الاستثمارات في مراكز البيانات والبنية الرقمية في المملكة 21 مليار دولار، مع توقّع أن يتجاوز الإنفاق على الذكاء الاصطناعي وحده 100 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقديرات وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.

ولا يتمثل الهدف فقط في نشر الذكاء الاصطناعي، بل في امتلاكه وتطويره وتصديره. ومع بدء تشغيل البنية التحتية، تستعد السعودية لتكون عاصمة الحوسبة والسحابة في الشرق الأوسط، موفرة قدرات آمنة وسيادية ومخصصة للذكاء الاصطناعي لا تخدم فقط تحولها الوطني بل الأسواق الإقليمية والأفريقية كذلك.