كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الحروب الحديثة؟

لقطة من فيلم «المدمر – 3» لآلية عسكرية متخيلة تعمل بشكل مستقل عن البشر
لقطة من فيلم «المدمر – 3» لآلية عسكرية متخيلة تعمل بشكل مستقل عن البشر
TT

كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الحروب الحديثة؟

لقطة من فيلم «المدمر – 3» لآلية عسكرية متخيلة تعمل بشكل مستقل عن البشر
لقطة من فيلم «المدمر – 3» لآلية عسكرية متخيلة تعمل بشكل مستقل عن البشر

عندما يأتي ذكر موضوع الذكاء الاصطناعي المتقدم، أغلب النقاش يكون حول الوظائف التي قد تشهد نوعاً من الانقراض مثلما حدث عند بدء استخدام الروبوتات، وبينما من المرجح أن الذكاء الاصطناعي بالفعل سيكون قادراً على القيام بجزء كبير من وظائف المحامين والمحاسبين والمدرسين والمبرمجين، وحتى الصحافيين أيضاً، فإن هذه المجالات ليست الأكثر تأثراً بالذكاء الاصطناعي.

أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي المعروف باسم «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، كما يقول الكاتب مايكل هيرش في مجلة «فورين بوليسي»، تعدنا بأن تغير تماماً طبيعة الحروب والردع. وستفعل ذلك عبر طرق ليست بالضرورة «مريحة»، وقد تتحول إلى خطر على وجودنا.

من ناحية، هذه التكنولوجيا قد تجعل الحروب أقل قتلاً وتقوي من عملية الردع. ويمكن الحفاظ على الأرواح عن طريق التوسع بشكل كبير في استخدام الطائرات المسيرة العاملة بالذكاء الاصطناعي في القوات الجوية والبحرية والبرية.

إطلاق عشرات المسيرات العسكرية المتصلة بنظام قتالي للجيش الكوري الجنوبي (إ.ب.أ)

وبالفعل، وزارة الدفاع الأميركية تختبر برامج ذكاء اصطناعي يمكنها قيادة طائرات «إف-16» معدلة، وروسيا تختبر مركبات تشبه الدبابات آلية بالكامل. أما الصين فتحث الخطى لابتكار أنظمة عسكرية تدار بالذكاء الاصطناعي.

وستزداد فاعلية الطائرات المسيرة المسلحة في السنوات المقبلة، فواحد من أكبر البرامج السرية التي ما زالت في المراحل الأولى، هو برنامج «الجيل الجديد من السيطرة الجوية» للقوات الجوية الأميركية، وعن طريقه ستعمل ألف طائرة من طراز «وينجمان» (طائرات قتالية غير مأهولة)، ويطلق عليها طائرات قتالية معاونة، بجوار 200 طائرة أخرى مأهولة.

وزير الخارجية البريطاني خلال تجربة تشغيل آلة مسيرة لإزالة الألغام (إ.ب.أ)

وقال دوجلاس شو، كبير المستشارين لدى منظمة «مبادرة التهديد النووي»: «يمكنني بسهولة تخيل مستقبل يكون فيه عدد الطائرات المسيرة يفوق عدد البشر بشكل كبير».

بينما علق الجنرال المتقاعد في القوات الجوية الأميركية شارلز والد قائلاً: «سيتضاعف عدد القوات، لأن إحدى كبرى المشكلات الآن هي التجنيد».

من جانب آخر، البرمجيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى تقليص الوقت اللازم للقوى الكبرى لاتخاذ القرارات من أيام وساعات إلى دقائق. وقد يعتمدون على الذكاء الاصطناعي أكثر من اللازم في التقييم الاستراتيجي والتكتيكي وحتى في الحرب النووية.

جندي أوكراني يطلق طائرة مراقبة مسيرة قرب دونيتسك (رويترز)

ويقول هيربرت لين من جامعة ستانفورد، إن الخطر يكمن في أن صانعي القرار يعتمدون رويداً رويداً على الذكاء الاصطناعي في القيادة والسيطرة على الأسلحة، على اعتبار أنه يعمل أسرع كثيراً من البشر.

في كتاب صدر هذا العام بعنوان «الذكاء الاصطناعي والقنبلة»، تخيل الكاتب جيمس جونسون من جامعة آبردين، حرباً نووية تندلع في بحر الصين الشرقي عام 2025 تشارك فيها استخبارات مدعومة بالذكاء الاصطناعي من الجانبين الأميركي والصيني، و«آليات ذات محركات تربو يقودها الذكاء الاصطناعي، وفيديوهات بتقنية الديب فيك، وعمليات عسكرية مخادعة».

جنود أوكران يشغلون طائرات مراقبة مسيرة قرب الجبهة في دونيتسك (رويترز)

ذكر تقرير نشر في مطلع فبراير (شباط)، تقول فيه «رابطة الحد من الأسلحة» إن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الجديدة مثل الصواريخ الفرط صوتية قد تؤدي إلى تمييع الحدود بين الحرب التقليدية والنووية.

التقرير يقول أيضاً إن «الهرولة خلف اختبار التكنولوجيا الجديدة في الاستخدامات العسكرية أصبحت أسرع من جهود تقييم المخاطر التي تمثلها تلك التكنولوجيا ووضع حدود لاستخدامها. ومن الضروري إبطاء تحويل التكنولوجيا الجديدة للاستخدامات العسكرية، وتقييم مخاطرها بعناية، وتبني قيود ذات فاعلية لاستخدامها عسكرياً».

مسؤولون أميركيون أكدوا أنهم يقيمون بالفعل، لكن العملية تمضي ببطء كأنهم يسيرون على منحدر زلق. ففي يناير (كانون الثاني) حدثت وزارة الدفاع الأميركية توجيهاتها بخصوص أنظمة الأسلحة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، قائلة إنه على الأقل يجب أن يكون هناك عنصر بشري في عملية اتخاذ قرار بتطوير أو نشر أنظمة أسلحة آلية. ومع ذلك، في الوقت نفسه البنتاغون يختبر دمج الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار في مختلف فروع الجيش ومراكز قيادة القتال.

طائرة مروحية مسيرة من معرض للطيران في موسكو (إ.ب.أ)

ومع اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إجراءات صارمة ضد تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، خاصة أشباه الموصلات، للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن البنتاغون على الأرجح سيسرع من جهوده.

الجنرال المتقاعد والد قال: «أظن أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في عملية تحديد أولوية الاستهداف، ويمكنه أن يكون مفيداً في الاستراتيجية المضادة للصين التي لديها تفوق على الولايات المتحدة في الوصول إلى مناطق بالمحيط الهادئ، وهو ما قد يعوق أي رد مشترك على غزو تايوان».

في خطاب ألقاه، في 2019، الفريق جاك شانهان، المدير السابق للمركز المشترك للذكاء الاصطناعي في البنتاغون، قال: «بينما تسعى وزارة الدفاع لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن ذلك لن يتضمن القيادة والسيطرة على الأسلحة النووية».

وأضاف شانهان إنه يرى دوراً للذكاء الاصطناعي في تحديد كيفية استخدام القوة المميتة. وهو يوماً كان قرار العنصر البشري. وأوضح: «لا أعني أننا سنتجه مباشرة نحو (أنظمة آلية بالكامل ذات قوة مميتة)، لكن ما أود قوله إننا سنستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن أنظمة الأسلحة لإعطائنا ميزات تنافسية، وهو ما قد يؤدي لإنقاذ الأرواح والمساعدة في الردع أو حتى منع الحرب في المقام الأول».

يبقى السؤال هل سيتبع الروس والصينيون، وأي أطراف خارجية أخرى، نفس القواعد التي سيتبعها البنتاغون؟

يضيف الجنرال المتقاعد والد: «لا أعتقد أن على الولايات المتحدة أن تمضي في طريق يسمح بأشياء لا يسيطر عليها البشر، لكني لست متأكداً من أن الآخرين سيتبعون نفس الطريق، وسيبقى الهاجس الأكبر هو أن هذه التكنولوجيا في الأيدي الخطأ قد تسمح للآلات والكيانات بحرية عمل أكبر من اللازم».


مقالات ذات صلة

«أوبن إيه آي» تطلق واجهة جديدة باسم «كانفاس» لمنصة «شات جي بي تي»

تكنولوجيا شعار شركة الذكاء الاصطناعي الأميركية «أوبن إيه آي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تطلق واجهة جديدة باسم «كانفاس» لمنصة «شات جي بي تي»

أطلقت شركة الذكاء الاصطناعي الأميركية «أوبن إيه آي» طريقة جديدة للتفاعل مع منصة محادثة الذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي» بواجهة مستخدم تسمى «كانفاس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
تكنولوجيا شعار شركة «ميتا» (أ.ف.ب)

«ميتا» تكشف عن أداة ذكاء اصطناعي تنتج مقاطع صوت وصورة

أعلنت شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك»، الجمعة، أنها أنشأت نموذج ذكاء اصطناعي جديداً أطلقت عليه اسم «موفي جين» يمكنه إنشاء مقاطع مصورة مصحوبة بالصوت لتبدو واقعية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا تطرح «أوبن أيه آي» برنامج «كانفاس» كمساعد رقمي يفهم سياق مشروعك بالكامل (شاترستوك)

تعرف على «كانفاس»... الواجهة التعاونية الجديدة لـ«تشات جي بي تي»

يوفر «كانفاس» أدوات لصقل القواعد النحوية، وتعزيز الوضوح، وضمان الاتساق.

نسيم رمضان (لندن)
علوم نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ

نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ

مدى نجاح اليوم ليس بعدد الساعات؛ بل بجودة الإنتاج العقلي من حلول وأفكار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا يتشارك المستخدمون محادثات عميقة وتأملية مع نسخة من أنفسهم تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي في سن الستين (MIT)

نظام ذكاء اصطناعي يجعلك تتكلم مع «ذاتك المستقبلية»!

يجري ذلك عبر محادثات عميقة وتأملية مع نفسك وأنت في عمر الستين.

نسيم رمضان (لندن)

الذكاء الاصطناعي التوليدي... فقاعة أم ثورة؟

شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي التوليدي... فقاعة أم ثورة؟

شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)
شعارا «أوبن إيه آي» و«تشات جي بي تي» في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

يستقطب الذكاء الاصطناعي التوليدي استثمارات مالية طائلة، إلى حد إثارة مخاوف من ظهور فقاعة جديدة... لكن معظم الخبراء يعتقدون أن هذه التكنولوجيا الجديدة ستؤتي ثمارها في نهاية المطاف، على الأقل بالنسبة إلى بعض الشركات.

باتت قيمة «أوبن إيه آي»، الشركة الناشئة في سان فرنسيسكو التي أطلقت طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي مع برنامجها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» في نهاية عام 2022، تبلغ 157 مليار دولار، بعد جمع 6.6 مليار دولار من التمويل.

وبعدما كانت غير معروفة لعامة الناس قبل عامين فقط، تعزز الشركة تالياً مكانتها لاعباً أساسياً في قطاع التكنولوجيا، رغم مغادرة عدد كبير من المديرين مناصبهم فيها أخيراً، وسلسلة فضائح هزتها، والمنافسة الشرسة مع شركات أخرى في القطاع، والأهم من ذلك كله، غياب أي احتمال فوري لتحقيق الربحية.

لكن ذلك كله لا يكفي لتثبيط حماسة المحللين الذين ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه «ثورة» حقيقية.

يؤكد دان آيفز وزملاؤه في شركة «ويدبوش (Wedbush)» الاستشارية أن «الثورة الصناعية الرابعة ستصل إلى أشباه الموصلات والبرمجيات والبنية التحتية والإنترنت والهواتف الذكية خلال الأشهر الـ12 إلى 18 المقبلة».

ويضيف هؤلاء: «لقد كانت (تشات جي بي تي) بالنسبة للذكاء الاصطناعي التوليدي، كما كان آيفون بالنسبة للهواتف الذكية»، إذ «فتحت أوبن إيه آي المجال أمام نجاح الذكاء الاصطناعي واعتماده من جانب (نفيديا) و(مايكروسوفت) و(غوغل) وعالم التكنولوجيا بأكمله».

ويشير المحللون في تقديراتهم إلى أن جميع هذه الشركات ستنفق 1000 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ولا بد من الإشارة إلى أن هذه التكنولوجيا مكلفة للغاية، إذ إن إنتاج النصوص والصور والمحتويات الأخرى بناءً على استعلام بسيط باللغة اليومية يحتاج إلى نماذج للذكاء الاصطناعي مثل «جي بي تي 4 (GPT-4)» لـ«تغذيتها» بكميات هائلة من البيانات.

وبالتالي، تتطلب نماذج التدريب والتشغيل بنية تحتية جديدة لتكنولوجيا المعلومات، والكثير من الطاقة، ومهندسين مؤهلين تأهيلاً عالياً، وما إلى ذلك.

وقد ضخت «مايكروسوفت» 13 مليار دولار في «أوبن إيه آي»، وأعلنت أكثر من 15 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في الذكاء الاصطناعي هذا العام، من ألمانيا إلى إندونيسيا.

وأفرجت «غوغل» عن أكثر من 13 مليار دولار على شكل «عقارات ومعدات» في الربع الثاني، أي ما يقرب من الضعف مقارنة بالمبالغ المرصودة قبل عام، وهي ميزانية تعكس احتياجاتها لمراكز البيانات الجديدة والرقائق المتطورة للغاية.

لكن هذا الإنفاق «بالكاد حقق نتائج حتى الآن، باستثناء المكاسب على صعيد الكفاءة للمطورين»، وفق ما أفاد مصرف «غولدمان ساكس» في يونيو (حزيران) الماضي في تقرير له.

يقول المحلل المستقل روب إنديرلي: «نشهد حالياً فقاعة ينادي فيها جميع الموردين بضرورة نشر (الذكاء الاصطناعي التوليدي) في جميع الاتجاهات»، في حين أن العملاء «ليسوا مستعدين بعد».

ووفق إنديرلي، فإن «أكثر من 80 في المائة من عمليات الطرح الأولى كانت فاشلة».

لكن كبار شركات التكنولوجيا لا تتطلع بعد إلى تحقيق الأرباح، كما توضح المحللة في «إي ماركتر» غريس هارمون.

وتشدد على أن هذه الشركات تخشى قبل كل شيء «التقصير في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والخسارة (...) حتى لو لم تكن عوائد الاستثمارات مضمونة».

سواء كنا نشهد فقاعة أم لا، يدرك معظم المراقبين حجم الإمكانات المرتبطة بهذه التكنولوجيا الجديدة على المديين المتوسط أو البعيد.

يقول مدير معهد «سبسكرايبد إنستيتيوت» البحثي مايكل مانسارد: «هل هناك تقييمات مرتفعة للغاية؟ نعم، ولكن هل هناك قيمة وراء ذلك؟ نعم».

ووفق هذا الخبير في القطاع، فإن التحدي الذي يواجه الشركات يكمن في إيجاد نموذج اقتصادي يضمن بقاءها بعد انفجار محتمل للفقاعة.

ويوضح مانسارد: «بالنسبة إلى شركة مصنِّعة للبرمجيات، فإن الحصول على 200 عميل بدلاً من 100 لا يكلف ضعف التكلفة المرتبطة بتشغيل البنية التحتية، ولكن بالنسبة لشركة مزودة للذكاء الاصطناعي التوليدي، هذا الأمر ممكن».

على الرغم من نجاحها العالمي والاشتراكات المدفوعة للأفراد والشركات، فإنه من المتوقع أن تتكبد «أوبن إيه آي» خسائر تبلغ 5 مليارات دولار هذا العام، مقابل 3.7 مليار دولار من الإيرادات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

ليس لدى المحللة المستقلة كارولينا ميلانيسي أدنى شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيصبح قريباً جزءاً من الحياة اليومية، ولكن للبقاء في السباق، وفرض أدوات المساعدة العاملة بالذكاء الاصطناعي وسائر الأدوات، تُضطر الشركات إلى الاستثمار.

وتشير ميلانيسي إلى أنه «من الصعب تحديد نموذج العمل؛ لأنه كلما استخدمت النموذج أكثر، أنفقت أكثر»، مضيفة: «إنه موقف دارويني إلى حد ما: أي أن البقاء سيكون للأقوى فقط».