قطارات كييف... ملاذ الهاربين من ويلات الحرب

«الشرق الأوسط» رصدت حركة طبيعية في محطة العاصمة

حشود من الأوكرانيين يحاولون مغادرة العاصمة على متن القطار في 5 مارس 2022 (أ.ف.ب)
حشود من الأوكرانيين يحاولون مغادرة العاصمة على متن القطار في 5 مارس 2022 (أ.ف.ب)
TT

قطارات كييف... ملاذ الهاربين من ويلات الحرب

حشود من الأوكرانيين يحاولون مغادرة العاصمة على متن القطار في 5 مارس 2022 (أ.ف.ب)
حشود من الأوكرانيين يحاولون مغادرة العاصمة على متن القطار في 5 مارس 2022 (أ.ف.ب)

في فبراير (شباط) من العام الماضي، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته ببدء ما سماها عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا، ما لبثت أن تحولت فيها العاصمة كييف إلى ساحة من ساحات الحرب التي دخلت عامها الثاني.
تقدمت القوات الروسية براً من عدة محاور شرق البلاد، فيما طالت الضربات الصاروخية أهدافاً عدة في العاصمة وفي جميع المدن الأوكرانية الأخرى، على وقع دوي صافرات الإنذار بأنحاء العاصمة، وأصوات الانفجارات العنيفة التي هزت المدينة مترامية الأطراف على ضفتي نهر دنيبرو؛ قبل احتدام القتال على ضواحيها، وسط محاولات تقدم القوات الروسية للسيطرة على العاصمة.
دفعت تطورات الحرب التي احتدمت في شوارع العاصمة، السكان، إلى المسارعة للهرب من ويلاتها. تكدست الشوارع بآلاف السيارات والحافلات عند مخارج العاصمة الجنوبية والغربية، فيما سارع الآلاف للحاق بالقطارات المغادرة نحو غرب البلاد.

 

باتت محطة القطارات المركزية في وسط العاصمة المخرج شبه الوحيد للسكان؛ على وقع الضربات التي استهدفت الطرق، والجسور، والبنى التحتية. ومع اشتداد المعارك وانقطاع التيار الكهربائي، غدت المحطة ملجأً لسكان المدينة، وملاذاً آمناً من الخوف والبرد والجوع.
عشرات الآلاف من سكان العاصمة والمناطق القريبة تدفقوا نحو محطة القطارات حاملين أطفالهم، وما خف من أمتعتهم؛ يتملكهم الخوف والرعب، ويحدوهم الأمل بالهرب من جحيم المعارك التي دارت رحاها في شوارع المدينة، وبالقرب من أحيائهم السكنية. اكتظت صالات المحطة بالآلاف، بينما امتدت طوابير النازحين إلى خارج مباني المحطة. توقف بيع التذاكر، وانطفأت شاشات المواعيد، واكتظت عربات القطارات المعدودة، بآلاف الخائفين؛ حتى بدا الحال هناك حينها كارثياً.

 

بدت الحركة في محطة قطارات كييف طبيعية أمس (الشرق الأوسط)

اليوم، وبعد مرور عام على نشوب الحرب، يبدو المشهد في المحطة مختلفاً للغاية؛ فصالات الانتظار بدت خالية إلا من حركة عادية، بينما تبدو الحركة طبيعية في مرافق المحطة التي ازدحمت بالهاربين من ويلات الحرب في أيامها الأولى، وبدت العربات التي نقلت مئات آلاف النازحين نحو غرب البلاد خاوية أو تكاد؛ إلا من ركابها العاديين، ونشطت حركة الوصول إلى كييف بالرغم من حالة الحذر والترقب في العاصمة.
كاتيا؛ موظفة في محطة القطار، وكانت على رأس عملها صبيحة اندلاع الحرب، تروي لـ«الشرق الأوسط»، حالة الفوضى ومشاعر الخوف والرعب التي شهدتها محطة القطارات خلال ذلك اليوم والأيام التي تلت. وقالت: «كان ذلك اليوم يوماً غريباً ومروعاً، اليوم نشعر بحال أفضل وأكثر هدوءاً، يعود الفضل بذلك لدعم العالم لبلدنا، وشعبنا الذي ما زال يعاني من تبعات الحرب».
ورغم حالة القلق التي تخيم على كييف وسط مخاوف من تصاعد وتيرة الحرب، بدا السكان هنا غير راغبين بالمغادرة مجدداً، تقول كاتيا: «رغم مشاعر الخوف التي تتملك سكان المدينة، فإن أحداً لا يفكر بالرحيل عنها الآن».
وقال بعض المسافرين لـ«الشرق الأوسط»، إن «سكان كييف يحاولون التأقلم مع واقع الحرب في البلاد». فيما رأى مكسيم، أحد سكان العاصمة، أن «الوضع العام ليس بالسيئ»؛ مضيفاً: «بالطبع هناك تخوف من عودة القصف، بيد أن سكان العاصمة يحاولون التأقلم مع الواقع الجديد». وأضاف: «لا أحد يعلم ما الذي سيحدث في المستقبل، نأمل في أن تتحسن الأمور، الحالة النفسية اليوم أفضل مما كانت عليه في العام الماضي، كان هناك شعور بالخوف والترقب، ونحن اليوم نؤمن بقواتنا المسلحة، وبقدراتنا الدفاعية؛ لهذا نحن نشعر بحالة أفضل مما كانت عليه عند بداية الحرب». وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يفكر بالرحيل عن العاصمة، حال تصاعدت الأوضاع من جديد، قال مكسيم: «بالطبع سوف أبقى في العاصمة كييف، مثلي مثل الكثيرين».
طيلة أشهر الحرب الماضية، مثلت شبكة القطارات شرياناً حيوياً للسكان في المدن الأوكرانية، فرغم اشتداد المعارك، وما أصاب البنى التحتية من أضرار جراء تعرضها للضربات، ظلت القطارات تعمل بانتظام؛ إذ تشير الأرقام إلى أن القطارات نقلت أكثر من 4 ملايين نازح من مناطق الشرق والوسط والعاصمة ومدن أخرى، نحو المناطق الغربية الأكثر أمناً في أوكرانيا. كما تحولت القطارات إلى ناقل حصري للرؤساء والمسؤولين القادمين من الحدود البولندية لزيارة كييف، إذ أقلت عربات القطار عشرات الوفود الأجنبية وعدداً من الرؤساء والمسؤولين لكييف؛ كان آخرهم الرئيس الأميركي جو بايدن؛ جاءوا للتعبير عن تضامنهم ودعمهم للشعب الأوكراني في الحرب التي يبدو أن قطارها الذي انطلق قبل عام بات أبعد ما يكون عن بلوغ محطته الأخيرة.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تقرير عن إنتاج روسيا طائرات مُسيرة بدعم صيني

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مُسيرة صغيرة خلال أحد التدريبات (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تقرير عن إنتاج روسيا طائرات مُسيرة بدعم صيني

قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن التكتل يساوره «قلق بالغ» إزاء تقرير ذكر أن روسيا تطوِّر برنامج طائرات مُسيرة هجومية بدعم من الصين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا ضابط من الشرطة الروسية - أرشيفية (رويترز)

روسيا تحاكم أميركياً عمره 72 عاماً بتهمة القتال كـ«مرتزق» لحساب أوكرانيا

يحاكم أميركي في الـ72 من العمر منذ الجمعة في موسكو بتهمة القتال كـ«مرتزق» لحساب أوكرانيا، على ما أفادت به وكالة «ريا نوفوستي» الرسمية للأنباء التي حضرت الجلسة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا هل تهديدات بوتين «النووية» جدية؟ وكيف يمكن لـ«ناتو» الرد عليها؟

هل تهديدات بوتين «النووية» جدية؟ وكيف يمكن لـ«ناتو» الرد عليها؟

طرحت مجلة «نيوزويك» الأميركية سؤالاً على خبراء بشأن خيارات المتاحة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) للرد على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم فولوديمير زيلينسكي يصافح كامالا هاريس (رويترز)

هاريس: تنازل أوكرانيا عن أراض هو صيغة للاستسلام وليس السلام

أكّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي تتنافس مع دونالد ترمب في انتخابات نوفمبر، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن «دعمها للشعب الأوكراني راسخ».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

واشنطن: تهديدات بوتين النووية الجديدة «غير مسؤولة على الإطلاق»

عدَّ وزير الخارجية الأميركي، الخميس، التهديدات الجديدة للرئيس الروسي بشأن الأسلحة النووية «غير مسؤولة على الإطلاق»، بعد إعلانه خططاً لتوسيع استخدامها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نداء مشترك أميركي-أوروبي-عربي «لوقف مؤقت لإطلاق النار» في لبنان

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
TT

نداء مشترك أميركي-أوروبي-عربي «لوقف مؤقت لإطلاق النار» في لبنان

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي (رويترز)

أصدرت الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، الأربعاء، نداء مشتركا لإرساء "وقف مؤقت لإطلاق النار" في لبنان حيث يهدّد النزاع الدائر بين إسرائيل وحزب الله بجرّ المنطقة إلى حرب واسعة النطاق.
وقال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك "لقد عملنا معا في الأيام الأخيرة على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنّب مزيد من التصعيد عبر الحدود"، مشيرين إلى أنّ "البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كلّ من الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر".

وكان وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو كشف خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء، عن اقتراح مشترك مع الولايات المتحدة لإرساء وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما في لبنان لمنع تطور النزاع الراهن بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة.

وقال بارو خلال الجلسة التي عُقدت بطلب من بلاده إنّه "في الأيام الأخيرة، عملنا مع شركائنا الأميركيين على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوما لإفساح المجال أمام المفاوضات". وأضاف أنّ هذا المقترح "سيتم الإعلان عنه سريعا ونحن نعوّل على قبول الطرفين به".

وشدّد الوزير الفرنسي على أنّ اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله "ليس حتميا" بشرط أن تنخرط كل الأطراف "بحزم" في إيجاد حلّ سلمي للنزاع. وحذّر بارو من أنّ "الوضع في لبنان اليوم يهدّد بالوصول إلى نقطة اللاعودة". وأضاف أنّ "التوترات بين حزب الله وإسرائيل اليوم تهدّد بدفع المنطقة إلى صراع شامل لا يمكن التكهن بعواقبه". وإذ ذكّر الوزير الفرنسي بأنّ لبنان يعاني منذ ما قبل التصعيد الراهن من حالة "ضعف كبيرة" بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية التي يتخبط فيها، حذّر من أنّه في حال اندلعت فيه "حرب فهو لن يتعافى منها".

ويبدو الوضع الحالي بين حزب الله وإسرائيل وكأنه وصل إلى طريق مسدود، إذ يشترط الحزب المسلح المدعوم من إيران وقف الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة لكي يوقف هجماته على الدولة العبرية التي تشترط من جهتها انسحابه بعيدا عن حدودها لكي توقف هجماتها ضدّه.وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، قال الوزير الفرنسي "فلنستفد من وجود العديد من القادة في نيويورك لفرض حلّ دبلوماسي وكسر دائرة العنف". وتأتي هذه المبادرة الفرنسية-الأميركية بعد مباحثات مكثفة جرت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبعد لقاء ثنائي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأعلن البيت الأبيض أنّ بايدن التقى ماكرون في نيويورك "لمناقشة الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ومنع حرب أوسع نطاقا". وأتى هذا اللقاء بعدما حذّر بايدن من أنّ اندلاع "حرب شاملة" في الشرق الأوسط هي "أمر محتمل"، بينما دعا ماكرون "إسرائيل إلى وقف التصعيد في لبنان وحزب الله إلى وقف إطلاق النار".

وقال الرئيس الفرنسي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة "نحضّ إسرائيل على وقف هذا التصعيد في لبنان، ونحضّ حزب الله على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. نحضّ كل من يزوّد (حزب الله) الوسائل اللازمة للقيام بذلك على التوقف"، معتبرا في الوقت نفسه أنّه لا يمكن للدولة العبرية "أن توسّع عملياتها في لبنان من دون عواقب". وشدّد ماكرون في كلمته على أنّه "لا يمكن أن تكون هناك حرب في لبنان".

وتزامنت هذه التحذيرات مع إعلان الجيش الإسرائيلي الأربعاء أنّه يستعد لشنّ هجوم برّي محتمل على لبنان لضرب حزب الله الذي يزيد يوما تلو الآخر وتيرة قصفه للأراضي الإسرائيلية. والأربعاء اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية صاروخا بالستيا أطلقه حزب الله باتجاه تل أبيب، في سابقة من نوعها منذ بدء النزاع بين الطرفين قبل حوالى عام، إذ لم يسبق للحزب المدعوم من إيران أن قصف الدولة العبرية بصاروخ بالستي كما أنها المرة الأولى التي يوجّه فيها نيرانه إلى تل أبيب.

وفي مستهلّ جلسة مجلس الأمن، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنّ التصعيد الراهن بين إسرائيل وحزب الله "يفتح أبواب الجحيم في لبنان"، مؤكدا أنّ "الجهود الدبلوماسية تكثفت للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار".

من ناحيته، حذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبيل بدء الاجتماع من أنّ الشرق الأوسط "على شفير كارثة شاملة"، مؤكدا أنّ بلاده ستدعم لبنان "بكل الوسائل". بالمقابل، قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون إنّ الدولة العبرية تفضّل استخدام القنوات الدبلوماسية لتأمين حدودها الشمالية مع لبنان، لكنها ستستخدم "كل الوسائل المتاحة" إذا فشلت الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق مع حزب الله.