محامون يطالبون «بي بي سي» بسحب تحرير خطاب لترمب أو مواجهة دعوى

رئيس مجلس إدارتها اعتذر... وستارمر أبدى دعمه وشدّد على تصحيح الأخطاء «بسرعة»

مقر «بي بي سي» في لندن (إ.ب.أ)
مقر «بي بي سي» في لندن (إ.ب.أ)
TT

محامون يطالبون «بي بي سي» بسحب تحرير خطاب لترمب أو مواجهة دعوى

مقر «بي بي سي» في لندن (إ.ب.أ)
مقر «بي بي سي» في لندن (إ.ب.أ)

قال محامو الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) سحب التحرير الذي أجراه برنامج «بانوراما» على خطاب للرئيس بحلول 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، أو تواجه دعوى ستطالبها بمبلغ «لا يقل» عن مليار دولار، وذلك في رسالة أرسلت، الأحد.

كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ذكرت، الاثنين، أنها تسلمت خطاباً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب يهدد فيه باتخاذ إجراءات قانونية ضدها بسبب إجراء الهيئة تعديلات في خطاب له.

وأعلن المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية استقالته، الأحد، في خضم جدل بشأن مونتاج لوثائقي عن ترمب الذي ندّد بـ«صحافيين فاسدين».

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»؛ فقد استقال تيم ديفي ورئيسة قسم الأخبار في «بي بي سي» ديبورا تورنيس، وسط اتهامات بأن شريطاً وثائقياً أنتجه برنامج «بانوراما» الرائد لدى الشبكة، قام بتعديل مقاطع من خطاب لترمب بطريقة مضلّلة.

«أشخاص غير أمناء»

ورداً على ذلك، قال ترمب عبر منصته الاجتماعية «تروث سوشيال» إنه تم كشف «صحافيين فاسدين»، مضيفاً أن «هؤلاء أشخاص غير أمناء للغاية حاولوا التدخل في الانتخابات الرئاسية. وفوق كل ذلك، فهم من بلد أجنبي، يعده الكثيرون حليفنا الأول. وهذا أمر سيئ للديمقراطية».

المدير العام لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) تيم ديفي (أ.ف.ب)

وقال ديفي في بيان نشره الموقع الإلكتروني للشبكة: «مثل جميع المؤسسات العامة، (بي بي سي) ليست مثالية، ويجب أن نكون دائماً منفتحين، وشفافين، وخاضعين للمساءلة».

وتابع: «رغم أنه ليس السبب الوحيد، فقد أسهم الجدل الحالي حول أخبار (بي بي سي) في اتّخاذي قراري»، مضيفاً: «عليَّ تحمل المسؤولية».

وتأتي استقالة ديفي بعد أيام على تسريب صحيفة «التلغراف» مذكرة داخلية أثارت تساؤلات بشأن الوثائقي.

ومن جهتها، صرّحت تورنيس بأن «(بي بي سي) ليست متحيزة مؤسسياً».

وقالت تورنيس في أول تصريحات علنية لها منذ تقديم استقالتها: «الأخطاء واردة، لكنَّ صحافيي (بي بي سي) مجتهدون، ويسعون جاهدين إلى الحياد».

ومن ناحيته، اعتذر رئيس مجلس إدارة «بي بي سي» سمير شاه، الاثنين، باسم «هيئة البث البريطانية» عن «سوء التقدير» بعد بثّ التقرير.

وكتب شاه في رسالة إلى رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في البرلمان نُشرت على الإنترنت: «ندرك أن طريقة توليف الخطاب أعطت انطباعاً بتوجيه دعوة مباشرة إلى العنف. تتقدم (هيئة الإذاعة البريطانية) بالاعتذار عن سوء التقدير هذا».

وفي وقت سابق، الأحد، وصفت وزيرة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية ليزا ناندي التقارير بشأن تعديل «بي بي سي» للمقاطع بأنها «بالغة الخطورة».

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فقد أعرب، الاثنين، عن دعمه «بي بي سي» كي تكون قوية ومستقلة.

وقال متحدث باسم ستارمر لصحافيين: «في عصر يسوده التضليل، تزداد الحاجة إلى خدمة إخبارية بريطانية متينة ومحايدة أكثر من أي وقت مضى»، مشدداً على أهمية تصحيح الأخطاء «بسرعة» للحفاظ على الثقة.

تعديل خطاب لترمب

تتعلق الاتهامات بمقاطع تم تجميعها من أجزاء من خطاب الرئيس الأميركي في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، أوحت بأنه قال لمؤيديه إنه سيسير معهم إلى مبنى الكابيتول، و«يقاتل بشراسة» رغم خسارته الانتخابات أمام الديمقراطي جو بايدن.

لكن في المقطع الأصلي غير المعدل يدعو الرئيس الحضور للسير معه «وسنهتف دعماً لشجعاننا من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب».

آنذاك كان ترمب لا يزال يطعن في فوز بايدن في الانتخابات التي خسرها بعد ولايته الأولى.

وقد تم تضمين المقطع المعدل في وثائقي بعنوان: «ترمب: فرصة ثانية؟» بثته «بي بي سي» قبل أسبوعين من انتخابات الرئاسة الأميركية العام الماضي.

اتهامات بالتحيّز

قالت ناندي إن تعديل مقطع خطاب ترمب هو أحد المخاوف الكثيرة بشأن المعايير التحريرية لدى «بي بي سي».

وأضافت في مقابلة مع تلفزيون «بي بي سي» أن «المسألة لا تقتصر على برنامج (بانوراما) فحسب، رغم أنها بالغة الخطورة، فهناك عدد من الاتهامات الخطيرة جداً، وأخطرها هو وجود تحيز مؤسساتي في طريقة تغطية القضايا الحساسة في (بي بي سي)».

وعبَّرت ناندي عن قلقها إزاء اتجاه المعايير التحريرية واللغة المستخدمة في التقارير إلى أن تكون «غير متسقة»، سواء تعلق الأمر بـ«إسرائيل أو غزة... أو بالعابرين جنسياً، أو بهذه القضية المتعلقة بالرئيس ترمب».

وبدا أن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت قد فرحت بخبر الاستقالة، حيث نشرت على موقع «إكس» صورة للنبأ من موقع «بي بي سي» الإخباري.

وفي مقابلة نُشرت، يوم الجمعة، وصفت ليفيت «بي بي سي» بأنها شبكة «أخبار زائفة 100 في المائة».

تقدير وتساؤلات

تحظى «بي بي سي» بتقدير واسع على مستوى العالم، لكنها واجهت اتهامات في السنوات القليلة الماضية بعدم الحفاظ على التزامها بالحياد في نقل الأخبار وسط صعوبة تواجهها للتعامل مع البيئة السياسية والاجتماعية شديدة الاستقطاب.

وبحسب وكالة «رويترز» للأنباء، فقد جاء في تقرير داخلي مسرب أن «(بي بي سي) العربية أظهرت تحيزاً معادياً لإسرائيل في تقاريرها عن الحرب في غزة».

وفي السنوات الماضية، عانت «بي بي سي» من انتقادات بسبب رأي حول الهجرة أدلى به غاري لينيكر مقدم البرامج الرياضية الأعلى أجراً لديها؛ ما أدى إلى إضراب الموظفين لفترة وجيزة.

كما لاقت تنديداً بعد بث حفل ردد فيه مغنٍّ في فرقة بوب فيلان عبارات ضد الجيش الإسرائيلي في مهرجان غلاستونبري.

وسحبت أيضاً فيلماً وثائقياً عن غزة في وقت سابق من هذا العام بدعوى أن الراوي فيه ابن نائب وزير في الحكومة التي تديرها «حماس».


مقالات ذات صلة

الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون يعلن أنه سيشتري عقاراً في قطر

العالم العربي الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون (أ.ب)

الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون يعلن أنه سيشتري عقاراً في قطر

أعلن الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون، الأحد، أنه سيشتري عقاراً في قطر، نافياً الاتهامات بأنه تلقى أموالاً من الدولة الخليجية.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد إعلان شركة «نتفليكس» إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على «وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجلس، نيويورك )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

البيت الأبيض يخصص قِسماً على موقعه الرسمي لانتقاد وسائل الإعلام

أطلق البيت الأبيض قسماً جديداً على موقعه الرسمي يوم الجمعة، ينتقد علناً المنظمات الإعلامية والصحافيين الذين يدَّعي أنهم «يشوهون التغطية الإعلامية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة سعودية وزير الرياضة الفيصل يتحدث بحضور وزير الإعلام سلمان الدوسري (وزارة الرياضة)

«جزيرة شورى» تحتضن لقاء الإعلام الرياضي السعودي

احتضنت جزيرة شورى، المركز الرئيس لمشروع البحر الأحمر في السعودية، أمس فعاليات «لقاء الإعلام الرياضي» الذي أطلقته وزارة الرياضة.

أوروبا شعار هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (متداولة)

هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية توقف النشر على منصة «إكس» جرّاء «معلومات مضللة»

قالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الهولندية (إن أو إس)، الثلاثاء، إنها توقفت عن النشر على منصة «إكس» بسبب نشر المنصة معلومات مضللة.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)

تقرير: ويتكوف يستضيف اجتماعاً لمدير «الموساد» ومسؤول قطري في نيويورك

المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف (أ.ب)
المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف (أ.ب)
TT

تقرير: ويتكوف يستضيف اجتماعاً لمدير «الموساد» ومسؤول قطري في نيويورك

المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف (أ.ب)
المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف (أ.ب)

نقل موقع «أكسيوس»، اليوم الأحد، عن مصدرين قولهما إن نيويورك ستستضيف اجتماعاً ثلاثياً بين أميركا وإسرائيل وقطر بهدف إعادة بناء العلاقات بين الأطراف بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة حركة «حماس» أثناء وجودهم في الدوحة.

وأكد الموقع أن هذا الاجتماع هو «الأرفع مستوى» بين البلدان الثلاثة منذ التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، الذي لعبت قطر دوراً كبيراً في الوساطة من أجل إبرامه، كما يأتي الاجتماع بينما تستعد إدارة الرئيس دونالد ترمب لإعلان انتقال الاتفاق إلى المرحلة الثانية.

وأكد المصدران أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف سيستضيف الاجتماع الذي من المقرر أن يحضره رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، ومسؤول قطري رفيع المستوى.

وكانت إسرائيل استهدفت أحد المقرات السكنية لحركة «حماس» الفلسطينية في الدوحة، في سبتمبر (أيلول) الماضي، ما أسفر عن مقتل عدد من أعضاء الحركة وفرد أمن قطري.

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

وتتواصل المحادثات لدفع المرحلة التالية من خطة الرئيس ترمب لإنهاء الصراع المستمر منذ عامين في غزة.

وتنص الخطة على إدارة فلسطينية تكنوقراط مؤقتة في القطاع، يشرف عليها «مجلس سلام» دولي، وتدعمها قوة أمنية متعددة الجنسيات. وقد ثبتت صعوبة المفاوضات حول تشكيل هذه القوة وتفويضها.


قاضية أميركية تمنع استخدام أدلة قديمة لتوجيه اتهامات جديدة لكومي

جيمس كومي (رويترز)
جيمس كومي (رويترز)
TT

قاضية أميركية تمنع استخدام أدلة قديمة لتوجيه اتهامات جديدة لكومي

جيمس كومي (رويترز)
جيمس كومي (رويترز)

أصدرت قاضية فيدرالية أميركية، السبت، قراراً يمنع وزارة العدل، مؤقتاً، من استخدام مجموعة من الأدلة لتوجيه اتهامات جديدة إلى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي.

ومنذ عودته إلى السلطة في يناير (كانون الثاني)، يحضّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزارة العدل على الملاحقة القضائية لكومي، البالغ 64 عاماً، ولغيره من خصومه السياسيين.

وفي سبتمبر (أيلول)، وُجّه الاتهام إلى كومي بتقديم بيانات كاذبة إلى الكونغرس وعرقلة إجراءات الهيئة التشريعية، لكن القاضية الفيدرالية كامرون كاري ردّت في الشهر الماضي القضية، بعدما خلصت إلى أن المدعية العامة التي وجّهت الاتهام عُيّنت خلافاً للقانون.

وفي تطوّر جديد، السبت، أصدرت القاضية كولين كولار-كوتيلي أمراً يقع في 4 صفحات يمنع الحكومة، أقله حتى يوم الجمعة، من الوصول إلى فحوى اتصالات جرت بين كومي وحليفه المقرب والمحامي السابق دانيال ريتشمان.

هذا القرار يمنع عملياً إدارة ترمب من استخدام الأدلة نفسها لتوجيه اتهامات جديدة في الأيام المقبلة.

وكان محامي ريتشمان قد دفع أمام المحكمة بأن الإدارة الأميركية انتهكت حقه في التعديل الدستوري الرابع الذي ينص على عدم جواز المساس بحق الناس بأن يكونوا بمنأى من تفتيشهم وتفتيش منازلهم ومستنداتهم ومقتنياتهم من دون سبب، وكذلك من إصدار مذكرة بهذا الخصوص إلا في حال وجود سبب معقول.

وقال المحامي إن السلطات «تحتفظ بنسخة كاملة من جميع الملفات على حاسوبه الشخصي».

وعُيّن كومي مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2013، وأقاله ترمب في 2017.

وجاءت الاتهامات بعد أيام على حضّ ترمب وزيرة العدل بام بوندي علناً على التحرّك ضدّ كومي وغيره ممن يعدهم أعداءً وخصوماً سياسيين.

وجرى توجيه الاتهام إلى كومي على خلفية شهادة أدلى بها تحت القسم أمام لجنة في مجلس الشيوخ في عام 2020، في إطار تحقيق بشأن ما إذا كان أعضاء في فريق حملة ترمب للانتخابات الرئاسية تعاونوا مع موسكو من أجل إيصاله إلى السلطة في انتخابات عام 2016.

إضافة إلى قضية كومي، ردّت القاضية كامرون كاري القضية المرفوعة ضد المدعية العامة لنيويورك ليتيشا جيمس، للسبب نفسه.


قلق أميركي من تعميق الشراكة الروسية - الهندية

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

قلق أميركي من تعميق الشراكة الروسية - الهندية

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)

أثارت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند حالة من اليقظة في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي عدّت الشراكة المتجددة بين نيودلهي وموسكو بمثابة تقويض مباشر لجهودها الرامية لوقف تمويل حرب روسيا في أوكرانيا. ويجمع محللون على أن الزيارة، برمزيتها وما أفرزته من اتفاقيات، تمثل رسالة «تحدٍ» و«استقلالية استراتيجية» واضحة موجهة إلى واشنطن.

غير أنه وبالرغم من توقيعها سلسلة اتفاقيات جديدة تعيد تثبيت علاقاتها مع روسيا إلى مستوياتها الاستراتيجية، تجد الهند نفسها في مرحلة شديدة التعقيد في سياستها الخارجية، في وقت تشهد فيه العلاقات الهندية - الأميركية توتراً متصاعداً بسبب إصرار نيودلهي على الحفاظ على شراكتها التاريخية مع الكرملين.

ومنذ لحظة الاستقبال الحار الذي خصّ به رئيس الوزراء ناريندرا مودي ضيفه الروسي، مروراً بالعشاء غير الرسمي في مقر إقامته، وصولاً إلى مراسم الوداع، حرصت نيودلهي على إظهار أن العلاقة مع موسكو «ثابتة مثل النجمة القطبية»، كما قال مودي بعد توقيع الاتفاقيات. وقد منح مودي بوتين إشادات لافتة، مثنياً على «قيادته وبصيرته»، في رسالة واضحة لواشنطن بأن الهند لا تعتزم التخلي عن سياسة «الاستقلال الاستراتيجي» التي تُبقي خطوطها مفتوحة مع جميع الأطراف.

توتر غير مسبوق

بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترمب، باتت الهند جزءاً من ساحة ضغط أوسع على روسيا. فالإدارة ترى أن الشراكة الهندية - الروسية توفر لموسكو منفذاً اقتصادياً ودبلوماسياً يخفف من حدة العقوبات الغربية. ومُنذ عام 2022، عدّت واشنطن أن نيودلهي تحولت إلى «مغسلة للكرملين»، بعد أن قفزت وارداتها من النفط الروسي من 2 في المائة إلى أكثر من ثلث إجمالي وارداتها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي في تيانجين يوم 1 سبتمبر (رويترز)

وأمام هذا المسار، رفعت الإدارة الأميركية الرسوم الجمركية على السلع الهندية إلى 50 في المائة، وفرضت عقوبات على شركات شحن وتأمين وبنوك تُسهّل تجارة النفط الروسي. وقد دفعت الضغوط الأميركية عدداً من كبرى التكتلات الهندية، مثل «ريلاينس»، إلى وقف معظم مشترياتها من الخام الروسي تفادياً للعقوبات الثانوية.

لكن موسكو تؤكد أن هذا التراجع «مؤقت»، وأنها تطور آليات التفاف جديدة لضمان استمرار تدفق النفط إلى السوق الهندية. وتراقب واشنطن من كثب أي تعمق إضافي في العلاقات الروسية - الهندية، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات جديدة تشمل الطاقة والتكنولوجيا والتصنيع.

وأشار معهد هدسون إلى أن الهند عادت إلى وضعها الافتراضي المتمثل في «التحوط» في تحالفاتها، «مرسلة إشارة إلى الولايات المتحدة بأن لديها خيارات متعددة». بل يرى بعض المحللين أنه «كلما زاد استهداف ترمب وإدارته للهند، ترسخت في الهند قناعة بأهمية علاقتها مع روسيا».

معادلة السلاح والتجارة

رغم الضغوط الأميركية، يبقى المجال الدفاعي حجر الزاوية في العلاقة الروسية - الهندية. إذ لا تزال أكثر من 60 في المائة من ترسانة الهند روسية المنشأ، من الطائرات المقاتلة إلى أنظمة الدفاع الجوي، وصواريخ «براهموس» المشتركة التطوير.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وخلال القمة الأخيرة، أكدت موسكو استعدادها لصفقات جديدة، بينما تواصل الهند تقدير المخاطر، خشية تفعيل واشنطن لعقوبات قانون «كاتسا». وفي خلفية هذا المشهد، تستخدم نيودلهي العروض الروسية بوصفها أداة مساومة مع واشنطن للحصول على أنظمة أميركية أكثر تقدماً، مُدركة أنها تحتاج إلى موافقة ضمنية من الولايات المتحدة قبل الدخول في صفقات كبرى جديدة مع موسكو. فالهند تُعدّ ركناً أساسياً في الرؤية الأميركية لموازنة صعود الصين، ما يمنحها هامشاً محدوداً لكنه مُهم، في مواجهة الضغوط.

التوازن مع الصين

الكرملين من جهته يسعى إلى تنويع شراكاته في آسيا، وتقليل اعتماده المفرط على الصين، التي تحولت إلى أكبر مشترٍ للطاقة الروسية.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أثناء لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وتحاول موسكو تعزيز وارداتها من السلع الصناعية والزراعية الهندية، ومعالجة الاختلال التجاري الكبير الذي تتجاوز فيه صادراتها إلى الهند 60 مليار دولار مقابل 5 مليارات فقط في الاتجاه المعاكس.

وتُشكّل المشاريع النووية، ومنها محطة «كودانكولام» التي تبنيها «روساتوم» في تاميل نادو، ومشاريع الصناعات الدوائية والطاقة، ركائز إضافية في هذا التوجه. وقد أكد بوتين استعداد بلاده لـ«استمرار الإمدادات غير المنقطعة من الطاقة» للاقتصاد الهندي المتنامي.

التكنولوجيا ساحة تنافس جديدة

التعاون التكنولوجي برز في الزيارة بصفته أحد أهم مجالات التعاون بين نيودلهي وموسكو. فإلى جانب عروض نقل تكنولوجيا المقاتلة «سو 57»، تكشف وثائق حصلت عليها أجهزة أوروبية، ونشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، عن جهود روسية بقيادة أندريه بيزروكوف، الجاسوس السابق الذي أصبحت حياته أساس مسلسل اسمه «الأميركيون»، لاختراق قطاع التكنولوجيا الهندي عبر مشاريع مشتركة تشمل الأمن السيبراني والحوسبة المتقدمة.

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

وتُوضّح الوثائق أن هذه المبادرة لا تقتصر على تعزيز «السيادة التكنولوجية» الروسية، بل تهدف أيضاً لفتح أبواب النفوذ داخل الأنظمة التقنية الهندية، من خلال مشاريع، مثل تطوير معالجات وطنية تعتمد على «إلبروس» الروسية، أو إدخال نظام التشغيل «باس آلت» في مؤسسات حكومية، بما فيها الدفاعية. وقد أبدت نيودلهي اهتماماً ببعض هذه المشاريع، وجرى توقيع اتفاقيات أولية لمجمعات إنتاج مشتركة.

غير أن محللين غربيين يحذرون من أخطار «أبواب خلفية» أمنية قد تسمح لموسكو بالتسلل إلى البنية التحتية الرقمية الهندية، خصوصاً مع سوابق العقوبات الأميركية على شركات سيبرانية روسية مرتبطة بالاستخبارات. كما تشير الوثائق إلى تواصل روسي - صيني حول بعض هذه المشاريع، ما يثير تساؤلات إضافية بشأن تأثيرها على الأمن القومي الهندي.

كيف سترد واشنطن؟

أمام هذا المشهد المتشابك، يتوقع مراقبون أن تسعى واشنطن إلى رفع مستوى الضغط على نيودلهي إذا مضت قُدماً في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع موسكو.

عسكرياً، أي صفقة سلاح روسية كبرى مثل توسيع منظومة «إس 400»، أو تعاون في إنتاج «سو 57» قد يؤدي ذلك إلى تفعيل عقوبات «كاتسا»، مع ضعف احتمال منح إعفاء استراتيجي لنيودلهي في ظل الإدارة الحالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسير إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في ألاسكا يوم 15 أغسطس (د.ب.أ)

اقتصادياً ونفطياً، ستواصل الولايات المتحدة مراقبة التزام الهند بسقف أسعار النفط الروسي، وقد توسع العقوبات على شركات شحن وتمويل مرتبطة بالتجارة النفطية لإغلاق أي ثغرات تمكّن موسكو من الالتفاف على سقف الأسعار.

تكنولوجياً، من المتوقع أن تدرس واشنطن استهداف الشركات الروسية المشاركة في مشاريع سيبرانية داخل الهند، وقد تضغط على الشركات الأميركية لعدم التعاون مع أطراف هندية منخرطة في المبادرات التكنولوجية الروسية.

تتقدم الشراكة الروسية - الهندية بثبات، لكنها تتقدم أيضاً داخل حقل ألغام دبلوماسي واقتصادي أميركي. الهند، التي تعتمد على روسيا في أمنها القومي وعلى الولايات المتحدة بوصفها بوابتها الاقتصادية والتكنولوجية نحو المستقبل، تحاول تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية وعدم الانحياز، فيما تسعى موسكو إلى استثمار هذا التوازن لمواجهة عزلتها الدولية، وتقليص هيمنة الصين عليها.

لكن قدرة نيودلهي على الحفاظ على هذا التوازن ستتوقف على عاملين: مدى نجاح روسيا في تجاوز العقوبات الغربية، ومدى استعداد واشنطن لتقبُّل دور للهند، بحيث لا تدور بالكامل في فلكها.