قرارات «ديكتاتورية» في اليوم الأول من تولي ترمب الرئاسة... ما هي؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
TT

قرارات «ديكتاتورية» في اليوم الأول من تولي ترمب الرئاسة... ما هي؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه لن يكون ديكتاتوراً خلال ولايته الرئاسية «باستثناء اليوم الأول» في البيت الأبيض، مشيراً إلى أن لديه الكثير ليفعله في ذلك اليوم.

ووفقاً لتقرير نشرته وكالة «أسوشيتد برس»، تتضمن قائمته بدء الترحيل الجماعي للمهاجرين، والتراجع عن سياسات إدارة الرئيس الأميركي بايدن بشأن التعليم، وإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية من خلال طرد الآلاف من الموظفين الفيدراليين الذين يعتقد أنهم يعملون ضده سراً، والعفو عن الأشخاص الذين تم القبض عليهم لدورهم في أعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

وقال ترمب عن خططه لليوم الأول: «أريد إغلاق الحدود، وأريد الحفر، الحفر، الحفر».

عندما تولى ترمب منصبه في عام 2017، كانت لديه قائمة طويلة أيضاً، بما في ذلك إعادة التفاوض على الفور على الصفقات التجارية، وترحيل المهاجرين ووضع تدابير للقضاء على الفساد الحكومي. لم تحدث هذه الأشياء دفعة واحدة.

وفيما يلي نظرة على ما قاله ترمب إنه سيفعله في ولايته الثانية وما إذا كان قادراً على القيام بذلك بمجرد دخوله البيت الأبيض:

معالجة القضايا الجنائية

قال ترمب إنه «في غضون ثانيتين» من توليه منصبه سيطرد جاك سميث، المستشار الخاص الذي كان يلاحق قضيتين فيدراليتين ضده. يقوم سميث بالفعل بتقييم كيفية إنهاء القضايا بسبب سياسة وزارة العدل القديمة التي تقول إنه لا يمكن محاكمة الرؤساء الحاليين. اتهم سميث ترمب العام الماضي بالتخطيط لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 واحتكار وثائق سرية بشكل غير قانوني في عقاره مار إيه لاغو في فلوريدا.

لا يستطيع ترمب العفو عن نفسه عندما يتعلق الأمر بإدانته في ولاية نيويورك في قضية أموال سرية، لكنه قد يسعى إلى الاستفادة من مكانته كرئيس منتخب في محاولة لإلغاء أو محو إدانته بالجناية وتجنب عقوبة السجن المحتملة. من المرجح أن تكون القضية في جورجيا، حيث اتُهم ترمب بالتدخل في الانتخابات، هي القضية الجنائية الوحيدة المتبقية. ومن المرجح أن يتم تأجيل القضية حتى عام 2029 على الأقل، أي في نهاية فترة ولايته الرئاسية. وقد فاز المدعي العام في جورجيا بهذه القضية مؤخراً بإعادة انتخابه.

العفو عن المؤيدين الذين هاجموا مبنى الكابيتول

تم توجيه الاتهامات لأكثر من 1500 شخص منذ أن هاجم حشد من أنصار ترمب، الذين حشدهم الرئيس المنتهية ولايته، مبنى الكابيتول قبل ما يقرب من أربع سنوات.

بدأ ترمب حملته الانتخابية العامة في مارس (آذار)، ليس فقط من خلال محاولة إعادة كتابة تاريخ أعمال الشغب، بل ووضع الحصار العنيف، والمحاولة الفاشلة لقلب انتخابات 2020 كحجر الزاوية في محاولته للعودة إلى البيت الأبيض. وكجزء من ذلك، وصف مثيري الشغب بأنهم «وطنيون لا يصدقون»، ووعد بمساعدتهم «في اليوم الأول الذي نتولى فيه السلطة».

وبصفته رئيساً، يمكن لترمب العفو عن أي شخص أدين في محكمة فيدرالية أو محكمة مقاطعة كولومبيا العليا أو في محكمة عسكرية. ويمكنه وقف استمرار مقاضاة مثيري الشغب من خلال إخبار المدعي العام بالتنحي. وقال ترمب على منصته على وسائل التواصل الاجتماعي في مارس عند الإعلان عن الوعد: «أنا أميل إلى العفو عن العديد منهم. لا أستطيع أن أقول عن كل واحد منهم، لأن اثنين منهم ربما خرجا عن السيطرة».

تفكيك «الدولة العميقة» للعاملين الحكوميين

قد يبدأ ترمب عملية تجريد عشرات الآلاف من الموظفين المحترفين من حمايتهم في الخدمة المدنية، حتى يمكن فصلهم بسهولة أكبر. هو يريد القيام بأمرين: تقليص القوى العاملة الفيدرالية بشكل كبير، التي قال منذ فترة طويلة إنها استنزاف غير ضروري، و«محو الدولة العميقة تماماً»، الممثلة في الأعداء المفترضين الذين يعتقد أنهم يختبئون في الوظائف الحكومية.

داخل الحكومة، هناك مئات من المهنيين المعينين سياسياً الذين يأتون ويذهبون مع الإدارات. هناك أيضاً عشرات الآلاف من المسؤولين «المهنيين»، الذين يعملون تحت إشراف رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين. يعتبرون عمالاً غير سياسيين تساعد خبرتهم في الحفاظ على عمل الحكومة، وخاصة خلال فترات الانتقال.

يريد ترمب القدرة على تحويل بعض هؤلاء الأشخاص المحترفين إلى وظائف سياسية، مما يجعل فصلهم واستبدالهم بالموالين أسهل. سيحاول تحقيق ذلك من خلال إحياء أمر تنفيذي لعام 2020 يُعرف باسم «الجدول F». كانت الفكرة وراء الأمر هي تجريد العمال الفيدراليين من الحماية الوظيفية وإنشاء فئة جديدة من الموظفين السياسيين. وقد يؤثر ذلك على ما يقرب من 50 ألفاً من 2.2 مليون موظف فيدرالي مدني.

ألغى الرئيس بايدن الأمر عندما تولى منصبه في يناير 2021، لكن الكونغرس فشل في تمرير مشروع قانون يحمي الموظفين الفيدراليين.

قال ترمب إنه يركز بشكل خاص على «البيروقراطيين الفاسدين والجهات الفاعلة الفاسدة في جهاز الأمن القومي والاستخبارات لدينا».

وبعيداً عن عمليات الفصل، يريد ترمب اتخاذ إجراءات صارمة ضد المسؤولين الحكوميين الذين يسربون المعلومات إلى الصحافيين. كما يريد أن يفرض على الموظفين الفيدراليين اجتياز اختبار جديد للخدمة المدنية.

فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة

وعد ترمب طوال الحملة بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، وخاصة تلك القادمة من الصين. وزعم أن مثل هذه الضرائب على الواردات من شأنها أن تحافظ على وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، وتقلص العجز الفيدرالي وتساعد في خفض أسعار المواد الغذائية. كما اعتبرها عنصراً أساسياً في أجندته للأمن القومي. وقال ترمب خلال تجمع حاشد في شهر سبتمبر (أيلول) في فلينت بولاية ميشيغان: «الرسوم الجمركية هي أعظم شيء تم اختراعه على الإطلاق».

وتفاوت حجم الرسوم الجمركية التي تعهد بها. فقد اقترح فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على الأقل على السلع المستوردة، وضريبة استيراد بنسبة 60 في المائة على السلع القادمة من الصين، ورسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع السلع القادمة من المكسيك، إن لم يكن أكثر.

ولن يحتاج ترمب على الأرجح إلى الكونغرس لفرض هذه التعريفات، كما كان واضحاً في عام 2018، عندما فرضها على واردات الصلب والألمنيوم دون المرور عبر المشرعين من خلال الاستشهاد بالقسم 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962.

ووفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس، يمنح هذا القانون الرئيس سلطة تعديل التعريفات الجمركية على الواردات التي قد تؤثر على الأمن القومي للولايات المتحدة، وهي الحجة التي ساقها ترمب. وقال ترمب في تجمع حاشد في ولاية كارولينا الشمالية هذا الشهر: «نتعرض للغزو من قبل المكسيك». وفي حديثه عن رئيسة المكسيك الجديدة، كلوديا شينباوم، قال ترمب: «سأبلغها في اليوم الأول أو قبل ذلك بأنه إذا لم يوقفوا هذا الهجوم الشرس من المجرمين والمخدرات القادمة إلى بلادنا، فسأفرض على الفور تعريفة جمركية بنسبة 25 في المائة على كل ما يرسلونه إلى الولايات المتحدة الأميركية».

إلغاء الحماية للطلاب المتحولين جنسياً

قال ترمب خلال حملته الانتخابية إنه سيتراجع عن إجراءات إدارة بايدن الساعية إلى حماية الطلاب المتحولين جنسياً من التمييز في المدارس في اليوم الأول من إدارته الجديدة؛ حيث كانت معارضة حقوق المتحولين جنسياً محورية في الحجة الختامية لحملة ترمب.

أعلنت إدارة بايدن أن معاملة الطلاب المتحولين جنسياً بشكل مختلف عن زملائهم في الفصل هي تمييز. ورد ترمب قائلاً إنه سيتراجع عن هذه التغييرات، وتعهد بالقيام ببعضها في اليوم الأول من إدارته الجديدة، مشيراً على وجه التحديد إلى أنه يتمتع بالسلطة للتصرف من دون الكونغرس.

من غير المرجح أن يتوقف ترمب عند هذا الحد. قال ترمب في تجمع حاشد في ويسكونسن في يونيو (حزيران) إنه «في اليوم الأول» سيوقع على أمر تنفيذي جديد من شأنه أن يقطع الأموال الفيدرالية عن أي مدرسة «تدفع بنظرية العرقية النقدية، والجنون المتحول جنسياً، وغير ذلك من المحتوى العنصري أو الجنسي أو السياسي غير اللائق إلى حياة أطفالنا». ويتمتع ترمب بسلطة كبيرة من خلال الأوامر التنفيذية لتنفيذ هذه الوعود.

سياسات المناخ

يتطلع ترمب إلى عكس سياسات المناخ التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. بأمر تنفيذي في اليوم الأول، يمكنه التراجع عن الحماية البيئية، ووقف مشاريع الرياح، وإحباط أهداف إدارة بايدن التي تشجع التحول إلى السيارات الكهربائية وإلغاء المعايير التي يجب أن تلتزم بها الشركات لتصبح أكثر مراعاة للبيئة. لقد تعهد بزيادة إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، ووعد بـ«الحفر، الحفر، الحفر»، عندما يتولى منصبه في اليوم الأول.

تسوية الحرب بين روسيا وأوكرانيا

قال ترمب مراراً وتكراراً إنه يستطيع تسوية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في يوم واحد. عندما طُلب منه الرد على هذا الادعاء، قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا: «لا يمكن حل الأزمة الأوكرانية في يوم واحد». وقالت السكرتيرة الصحافية الوطنية لترمب، كارولين ليفيت، لقناة «فوكس نيوز» بعد إعلان ترمب فائزاً في الانتخابات إن ترمب سيكون الآن قادراً على «التفاوض على اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا». وأضافت: «يتضمن ذلك، في اليوم الأول، إحضار أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء هذه الحرب».

غزت روسيا أوكرانيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. وانتقد ترمب، الذي لا يخفي إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، إدارة بايدن لمنحها أموالاً لأوكرانيا لخوض الحرب.

الترحيل الجماعي للمهاجرين في الولايات المتحدة

في حديثه الشهر الماضي في تجمع حاشد في ماديسون سكوير جاردن في نيويورك، قال ترمب: «في اليوم الأول، سأطلق أكبر برنامج ترحيل في تاريخ أميركا لإخراج المجرمين. وسأنقذ كل مدينة وبلدة تعرضت للغزو والاحتلال، وسنضع هؤلاء المجرمين الأشرار المتعطشين للدماء في السجن، ثم نطردهم من بلادنا بأسرع ما يمكن».

ويستطيع ترمب أن يوجه إدارته لبدء الجهود في اللحظة التي يصل فيها إلى منصبه، ولكن الأمر أكثر تعقيداً بكثير لترحيل ما يقرب من 11 مليون شخص يُعتقد أنهم يقيمون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. وهذا يتطلب قوة إنفاذ قانون ضخمة ومدربة، ومرافق احتجاز ضخمة، وطائرات لنقل الأشخاص والدول الراغبة في قبولهم.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».