هل الأميركيون مستعدون لأول رئيسة في تاريخهم؟

تخوُّف ديمقراطي من تكرار «كابوس» كلينتون

كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

هل الأميركيون مستعدون لأول رئيسة في تاريخهم؟

كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)
كامالا هاريس في ختام حملتها الانتخابية بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)

شَكَّل قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالتخلي عن طموحاته للفوز بولاية ثانية، في عز السباق الانتخابي، سابقة في التاريخ الأميركي، كما شَكَّلَ تسلُّم نائبة الرئيس، كامالا هاريس، الشعلة لاستكمال المشوار الصعب إلى البيت الأبيض، سابقة أخرى أيضاً.

وكأن هذا لم يكن كافياً لزعزعة توازن «القوة العظمى» لتأتي حرب غزة والتصعيد في المنطقة والتنافس مع الصين والحرب الروسية الأوكرانية والأزمة في السودان، لتصب النار على زيت التجاذبات السياسية الداخلية، وتدفع بالناخب الأميركي الذي قلَّما يركز على السياسة الخارجية، للنظر في تداعياتها ورسم جزء من قراره الانتخابي بناءً عليها.

ناخبات وناخبون ينتظرون دورهم للإدلاء بأصواتهم في ميلووكي بويسكونسن الثلاثاء (أ.ف.ب)

وفي خضم هذه الأحداث التاريخية على أكثر من مستوى، يتساءل الكثيرون: هل ستشهد انتخابات هذا العام منعطفاً تاريخياً عبر وصول امرأة إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيض للمرة الأولى في التاريخ الأميركي؟ وهل أميركا مستعدة فعلاً لامرأة تحكمها؟

فالولايات المتحدة التي يرتكز دستورها على مبادئ العدالة والمساواة والحريات، لم تنتخب منذ تأسيسها على يد الآباء المؤسسين في عام 1776 امرأة في منصب الرئاسة. واقع محيّر يفرض أسئلة كثيرة من دون أجوبة واضحة، فالحلم الأميركي، الذي أطلق الرئيس السابق، المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، رصاصة الرحمة عليه عندما قال في أحد التجمعات الانتخابية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي إنه، أي الحلم الأميركي، «مات»، يعتمد على صورة أساسية وهي تكافؤ الفرص، لكن هل حظوظ هاريس بالفوز مهددة بسبب جندرها وليس سياساتها؟ وهل يتكرر سيناريو هيلاري كلينتون؟

مؤيدو هاريس في تجمع انتخابي بفيلادلفيا في بنسلفانيا الثلاثاء (أ.ف.ب)

الأميركيون وانتخاب «رئيسة»

إجابة الأميركيين عن هذا السؤال ليست مطمئنة للديمقراطيين ومرشحتهم كامالا هاريس، وهي أول امرأة تتسلم منصب نائب الرئيس. ففيما يؤكد 54 في المائة من الأميركيين أنهم مستعدون لانتخاب امرأة لمنصب الرئاسة، يقول 30 في المائة من الناخبين إنهم غير مستعدين لاتخاذ خطوة من هذا النوع، بحسب استطلاع أجرته مجلة «إيكونوميست» بالتعاون مع «youGov» بعد انسحاب بايدن من السباق. رقم صادم ومن شأنه أن يقضي على حظوظ هاريس بالفوز في سباق محتدم ومتقارب مع ترمب. وعند سؤال الناخبين عمّا إذا كان الأميركيون سينتخبون امرأة في صناديق الاقتراع، يرجح 41 في المائة منهم أن الناخب لن يصوت لامرأة مقابل رجل إذا كان الاثنان مؤهلين للمنصب. وحتى بالنسبة للناخبين الديمقراطيين الذين يدعمون بنسبة 70 في المائة وصول امرأة إلى سدة الرئاسة، إلا أن 37 في المائة منهم يشككون بأن الناخبين الآخرين سيصوتون لامرأة مقابل رجل لديه الكفاءة نفسها.

ويتخوّف الديمقراطيون هنا من تكرار سيناريو عام 2016 عند خسارة مرشحتهم هيلاري كلينتون أمام ترمب، بينما عَدَّهُ الكثيرون تصويتاً ضد وصول امرأة إلى سدة الرئاسة.

صورة مركبة تجمع هيلاري كلينتون والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)

كلينتون و«السقف الزجاجي»

كلينتون، وهي المرأة الأولى في التاريخ الأميركي التي تمكنت من انتزاع ترشيح حزب أساسي للانتخابات، خسرت خسارة فادحة أمام ترمب رغم كل الاستطلاعات التي أظهرت تقدمها. وهي بنت حملتها الانتخابية على أساس شعار: «أنا معها»، وروّجت لمسيرتها على هذا الأساس. ولعلّ أكثر مشهد انطبع في ذاكرة الأميركيين كان في ليلة المؤتمر الوطني الحزبي الديمقراطي عندما «كسرت» المرشحة الديمقراطية سقفاً زجاجياً، وهو إشارة مجازية للتحديات التي تواجهها النساء للوصول إلى مناصب مهمة في الولايات المتحدة.

ولعلّ ما يؤرق نوم الديمقراطيين اليوم هو أن نسبة الأميركيين المتحفظين عن انتخاب امرأة للرئاسة، تتخطى نسبة عام 2015، أي تاريخ ترشح كلينتون للرئاسة. حينها أظهرت الاستطلاعات أن 63 في المائة من الناخبين كانوا مستعدين لرئيسة في ذلك المنصب. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تراجعت هذه النسبة بـ9 نقاط بدلاً من أن تتقدم، وذلك في استطلاع جديد لـ«تايمز» بالتعاون مع «SAY24».

هيلاري كلينتون خلال الليلة الختامية للحزب الديمقراطي في شيكاغو 19 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

ومن المؤكد أن هذه الأرقام شكّلت عاملاً مهماً في اختيار هاريس رجلاً نائباً لها، بدلاً من حاكمة ميشيغان مثلاً غريتشين ويتمر التي تتمتع بشعبية كبيرة وكانت من المرشحين البارزين للمنصب. وقد وقع خيار هاريس في نهاية المطاف على تيم والز، رجل أبيض في الستين من العمر لضمان «توازن» البطاقة.

هاريس وكلينتون: استراتيجيات مختلفة

«إن لم تفعلها هيلاري، فكيف ستفوز كامالا؟» سؤال يتردد على لسان كثير من الديمقراطيين الذين يسعون جاهدين للتركيز على السياسات بدلاً من الشخصيات في هذا السباق الحاسم، والذي يصفه الكثيرون بالسباق لـ«إنقاذ الأمة» من براثن ترمب الذي قضى على حظوظ كلينتون بهزيمة ساحقة ومفاجئة. لهذا السبب تعتمد حملة هاريس على استراتيجية مختلفة عن استراتيجية كلينتون في أكثر من من ملف:

١- مهاجمة ترمب «المجرم»

فكلينتون مثلاً تجنبت مهاجمة ترمب شخصياً في محاولة من الحزب الديمقراطي لإظهار أنه حزب يعتمد على القيم والمبادئ، لكنها استراتيجية أثبتت فشلها بوجه ترمب المتعطش للمواجهة، وتوجيه الإهانات والانتقادات؛ لهذا السبب يعتمد فريق هاريس على استراتيجية تسلط الضوء على دورها السابق بوصفها مدعية عامة في ولاية كاليفورنيا، تُسائل «مجرماً مداناً» وهو ترمب الذي تمت إدانته في نيويورك في قضية «أموال الصمت».

٢- الإجهاض وصوت المرأة

لعلّ الفارق الأبرز في انتخابات هذا العام هو أنها تأتي بعد إلغاء المحكمة العليا حق الإجهاض المعروف بـ«رو مقابل وايد» بعد أكثر من 50 عاماً من إقراره. في قرار اتهم الكثيرون ترمب بالتسبب به بسبب تعييناته القضائية في المحكمة التي يسيطر عليها اليوم المحافظون.

وقد واجه إلغاء هذا القرار موجة من الغضب والاستياء من النساء، وهذا ما تعول عليه حملة هاريس لانتزاع الفوز عبر استقطاب هذه الفئة الانتخابية المهمة التي تصوت أكثر من الرجال. وتظهر أرقام الاستطلاعات أن 54 في المائة من النساء يدعمن هاريس مقابل 45 في المائة من المؤيدات لترمب، بينما تعتقد 70 في المائة من الناخبات أن أجندة هاريس ستساعدهن مقابل 43 في المائة فقط لترمب.

٣- التبرعات وحماسة الناخب

تمكنت هاريس من جمع تبرعات قياسية مقارنة بكل من كلينتون في عام 2015 وترمب اليوم، إذ أعلنت حملتها عن جمع أكثر من 310 ملايين دولار في شهر يوليو (تموز) 66 في المائة منها أتت من أشخاص تبرعوا لأول مرة، مقابل 138 مليوناً لحملة ترمب. وذلك في إشارة واضحة لحماسة الناخب الأميركي الذي سئم بحسب الأرقام من الوجوه نفسها في المعترك السياسي، ويسعى لدفع وجوه جديدة إلى الواجهة.

وهنا يأتي دور هاريس وبطاقتها، فهي المرة الأولى منذ 50 عاماً تقريباً التي لا تحمل فيها البطاقتان الانتخابيتان اسم بوش أو كلينتون أو بايدن. فبين الأعوام 1980 إلى 2020، حمل المرشحون للرئاسة أو نوابهم أسماء هذه العائلات المذكورة والعريقة في السياسة، أي أن 3 أجيال كاملة صوتت في الانتخابات الرئاسية لصالح أو ضد فرد من هذه العائلات. ويقول البعض إن هذا ما دفع بالناخبين لرفض هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة والسيناتورة السابقة والسيدة الأولى السابقة التي ارتبط اسمها وصورتها بزوجها وفضيحة مونيكا لوينسكي.

أما ترمب، فقد أصبح هو كذلك من الوجوه التقليدية المكررة خصوصاً في صفوف الناخبين الشباب الذين يبحثون عن وجوه جديدة. فهل سيكون هذا «كعب أخيل» ترمب الذي يضمن خسارته ويمهد لدخول هاريس التاريخ من بابه العريض بوصفها أول رئيسة أميركية؟ أم أن هذه الحماسة ستذبل مع قرب موعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ويعيد التاريخ نفسه؟


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الولايات المتحدة​ بروك رولينز مرشحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الزراعة (أ.ب)

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لشغل منصب وزير الزراعة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم أسلحة (أ.ب)

السجن 4 سنوات لأميركي باع أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني لأشخاص في إسرائيل

قالت شبكة «فوكس 32» شيكاغو إن رجلاً من مدينة بالوس هيلز الأميركية حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات تقريباً بتهمة شحن أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب) play-circle 01:16

ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة

رشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الطبيبة الأردنية، جانيت نشيوات، جراحاً عاماً للولايات المتحدة، بحسب قناة «فوكس نيوز» السادسة عشرة الإخبارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الإسرائيلي لويد أوستن (إ.ب.أ)

أوستن يؤكد لكاتس أهمية ضمان أمن الجيش اللبناني والـ«يونيفيل»

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (السبت).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».