طريق كامالا هاريس إلى البيت الأبيض يمرّ من «الجدار الأزرق»

مسار بديل «أكثر وعورة» من ولايات «حزام الشمس» و«حزام الصدأ»

نائبة الرئيس كامالا هاريس ومرشحها لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها الرئاسية حاكم مينيسوتا تيم والز خلال حملة انتخابية في ميشيغان (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس كامالا هاريس ومرشحها لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها الرئاسية حاكم مينيسوتا تيم والز خلال حملة انتخابية في ميشيغان (أ.ف.ب)
TT

طريق كامالا هاريس إلى البيت الأبيض يمرّ من «الجدار الأزرق»

نائبة الرئيس كامالا هاريس ومرشحها لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها الرئاسية حاكم مينيسوتا تيم والز خلال حملة انتخابية في ميشيغان (أ.ف.ب)
نائبة الرئيس كامالا هاريس ومرشحها لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها الرئاسية حاكم مينيسوتا تيم والز خلال حملة انتخابية في ميشيغان (أ.ف.ب)

تتطلّع المرشّحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية نائبة الرئيس، كامالا هاريس، إلى إعادة بناء ما بات يُعرَف باسم «الجدار الأزرق»: بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، بوصفه ضمانةً أولى هي الأسهل لتعبيد طريق عودتها - هذه المرة رئيسةً - إلى البيت الأبيض. غير أن هذا الطريق ليس ممراً إلزامياً لكي يحتفظ الديمقراطيون بسيطرتهم على المنصب الأول للسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة.

كانت هذه الولايات الثلاث، المُصنّفة أيضاً بأنها من بين 7 ولايات «متأرجحة» أو «ميادين معارك» أساسية في الانتخابات الأميركية، التي لم يتبقَّ أمام موعدها في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) سوى حفنة من الأيام، بوابةَ الفوز للرئيسَين الديمقراطيين الأخيرين، مرة للرئيس جو بايدن عام 2020، ومرّتين للرئيس الأسبق باراك أوباما عامَي 2008 و2012.

المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس مع ابنتها الروحية هيلينا هادلين خلال مغادرتهما ميشيغان (أ.ف.ب)

وتشير الحسابات الحالية للمجمع الانتخابي، المؤلف من 538 صوتاً، إلى أن هاريس لديها نظرياً الآن 225 صوتاً، مقابل 219 لمنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب. وإذا تمكّنت من الفوز في «الجدار الأزرق»؛ الذي يشمل بنسلفانيا التي لديها 19 صوتاً في المجمع الانتخابي، وميشيغان (15 صوتاً) وويسكونسن (10 صوتاً)، فإنها تحتاج إلى صوت واحد آخر «شارد» يمكن أن يأتي من مقاطعة أوماها في نبراسكا، التي لديها مع ماين خصوصية في توزيع أصوات كل منهما في المجمع الانتخابي، لتصل إلى الرقم 270 السحري وتنتزع النصر. وستكون بذلك ليس فقط الرئيسة الأولى، بل أيضاً أول امرأة سوداء وآسيوية تعتلي الكرسي الأول في الدولة العظمى.

صوت في أوماها

تعقد حملة هاريس الأمل على هذا الصوت الواحد في أوماها، خشية ألا تتمكّن من إحداث اختراق للفوز بواحدة على الأقل من ولايات «حزام الشمس» المتأرجحة، التي تشمل أريزونا (11 صوتاً في المجمع الانتخابي)، ونيفادا (6 أصوات)، وجورجيا (16 صوتاً)، ونورث كارولاينا (16 صوتاً).

وتمنح كل الولايات الأميركية جلّ أصواتها في المجمع الانتخابي للفائز بالتصويت الشعبي، باستثناء ماين ونبراسكا اللتين تحظيان بوضع مختلف. وتُخصّص كل منهما صوتين انتخابيين للفائز بالتصويت الشعبي على مستوى الولاية، ثم صوتاً انتخابياً واحداً للفائز بالتصويت الشعبي في كل دائرة انتخابية (2 في ماين، و3 في نبراسكا)، مما يؤدي إلى تقسيم الأصوات الانتخابية.

وكانت حملة هاريس، وحملة بايدن من قبلها، تُركّز على هذا المسار، علماً بأن ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا ذهبت معاً لمصلحة الديمقراطيين في 7 من آخر 8 انتخابات رئاسية. أما المرة الوحيدة التي لم يحدث فيها ذلك منذ عام 1992، فكانت عام 2016 عندما فاز ترمب. ولكن السؤال يبقى: ما الذي يمكن أن يحصل إذا حصل تصدع ما في «الجدار الأزرق» بخسارة واحدة أو أكثر من هذه الولايات الثلاث التي تصوّت تاريخياً بشكل متشابه؟

مؤيدون للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس أمام البيت الأبيض في واشنطن العاصمة (رويترز)

إذا فاز ترمب بميشيغان أو ويسكونسن، فسيكون الأمر نذير شؤم حتى لو ضمنت هاريس بنسلفانيا، التي زارتها 15 مرة منذ تسلّمها مهمة الترشيح مكان الرئيس جو بايدن في يوليو (تموز) الماضي. ويقول مسؤول كبير في الحملة الديمقراطية إنه «كان هناك اعتقاد بأن ميشيغان أو ويسكونسن قد تتراجعان»، علماً بأن «القلق الأكبر» يتعلق بميشيغان. وإذ أشارت إلى وجود هاريس في الولاية هذا الأسبوع، قالت الناطقة باسم الحملة لورين هيت: «نحن نتنافس بالتأكيد للفوز بميشيغان. نعتقد بأننا سنفوز بولاية ميشيغان»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ويسكونسن.

طريق «أكثر وعورة»

وعلى الرغم من أن «الجدار الأزرق» يبقى الطريق الأفضل لتأمين الفوز، فإن عدداً من مستشاري هاريس أشاروا إلى الجمع بين الأصوات الانتخابية في نورث كارولاينا ونيفادا بوصفه مساراً بديلاً قوياً لهاريس إذا فاز ترمب ببنسلفانيا. غير أن طريق الديمقراطيين للفوز بنورث كارولاينا، حيث يحافظ الديمقراطيون على تنظيم قوي هناك، «أكثر وعورة» من طريق بنسلفانيا. وساءت أحوال الديمقراطيين هناك أكثر بعد إعصار «هيلين»، والتضليل المتفشي الذي أعقبه.

امرأة من قبيلة نافاغو الأصلية الأميركية تلوِّح بيدها خلال حملة انتخابية للمرشحة الرئاسية نائبة الرئيس كامالا هاريس في قافلة من العربات خلال معرض في توبا سيتي بأريزونا (أ.ب)

وبعدما تخلّى الرئيس بايدن عن السعي إلى الترشيح وتأييد هاريس، توسّعت خريطة الديمقراطيين لتشمل الولايات الست المتأرجحة التي فاز بها بايدن عام 2020، بالإضافة إلى نورث كارولاينا. وبينما قامت الحملة بإعداد البنية التحتية في تلك الولايات تحت قيادة بايدن، فإن تقييماته المنخفضة فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة أبقت فقط ولايات «الجدار الأزرق» ضمن السباق. ولكن الأمر تغير عندما دخلت هاريس المعركة الانتخابية.

كذلك، تُطرح سيناريوهات معقولة بأن تكرّر هاريس خريطة بايدن لعام 2020 مع خسارة جورجيا وبنسلفانيا؛ ما سيؤدي إلى خسارتها الرئاسة لأنها ستنتهي بـ268 صوتاً في المجمع الانتخابي، أي أقل بصوتين عن الأصوات الـ270 الضرورية للفوز. وبالمثل، إذا خسرت ميشيغان وبنسلفانيا، فسيتبقى لها 269 صوتاً لتتعادل مع ترمب، مما قد يؤدي إلى إرباك المصادقة على الانتخابات في الجلسة المشتركة للكونغرس داخل مجلس النواب. وهناك سيناريوهات أخرى أشد سوءاً من ذلك.

«حزام الشمس»

مؤيدون للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال تجمع في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

لتفادي هذه السيناريوهات، سعت هاريس إلى تأمين مسار بديل للفوز من خلال بناء جسر فيما يُسمى «حزام الشمس» المرتفع النمو، وبعض الولايات الجنوبية الشرقية؛ حيث صار الحزب فجأة تنافسياً، مثل أريزونا ونيفادا وجورجيا ونورث كارولاينا، التي صارت من الولايات المتأرجحة لانتخابات عام 2024، وربما من المفاتيح لمستقبل الحزب الديمقراطي.

إذا خسرت هاريس «الجدار الأزرق» بالكامل، فسيكون عليها أن تفوز بكل ولايات «حزام الشمس». وهذا من شأنه أن يجعلها تحصل على 275 صوتاً انتخابياً. ولا تزال نتائج هاريس متقاربةً للغاية في هذه الولايات، بسبب سكانها الجدد من الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين الأميركيين، لكن نتائجها أسوأ قليلاً في «حزام الشمس» قياساً بـ«الجدار الأزرق»، لذلك يبدو اكتساح هذا الحزام أقل احتمالاً.

وبينما تشير الاستطلاعات إلى أن 43 من الولايات الـ50 ستصوِّت وفقاً للخطوط الحزبية المتوقعة، وهو ما يمثل أكثر من 80 في المائة من إجمالي الأصوات، يترقب العالم ما إذا كانت هاريس ستتمكّن فعلاً من استخدام «سلاح سرّي» يشمل «خليطاً» من ولايات «حزام الصدأ» التي تشمل ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا و«حزام الشمس» الذي يضم نيفادا وأريزونا وجورجيا ونورث كارولاينا؛ لضمان وصولها إلى البيت الأبيض.

طريق ترمب

الرئيس الأميركي السابق المرشح الجمهوري دونالد ترمب يلوِّح بيده خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا (إ.ب.أ)

بحسابات الرياضيات، يجب أن يحصل واحد من أمرين حتى يفوز ترمب أو هاريس بالرئاسة، شريطة عدم خسارة الولايات التقليدية المحسوبة على الجمهوريين أو الديمقراطيين. وبالتالي يتعين على ترمب أن يفوز بإحدى ولايات «الجدار الأزرق»، أو يتوجب على هاريس الفوز بواحدة من ثلاث: بنسلفانيا أو نورث كارولاينا أو جورجيا.

وبعبارة أخرى: لا يوجد طريق رئاسة لترمب من دون الفوز بواحدة من ولايات «الجدار الأزرق». بها، يمكنه الحصول على 270 صوتاً انتخابياً، حتى من دون أي من الأصوات الأخرى. وهو يتقدم حالياً بفارق ضئيل للغاية في أريزونا. ولذلك، لا يُرجّح أن يفوز في بنسلفانيا ونورث كارولاينا وجورجيا، ولا يفوز بأريزونا أيضاً. وهذا من شأنه أن يضعه عند 281، حتى لو خسر نيفادا وميشيغان وويسكونسن.

وإذا تمكّن من الفوز بولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا على غرار ما فعل عام 2016، فيمكنه أن يفوز حتى لو خسر نورث كارولاينا وجورجيا ونيفادا. ولكن سيتعين عليه فقط الفوز بأريزونا من «حزام الشمس» في مثل هذا السيناريو.


مقالات ذات صلة

«صدّقت الضجة الإعلامية»... كامالا هاريس «صُدمت تماماً» من الخسارة أمام ترمب

الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس (رويترز) play-circle

«صدّقت الضجة الإعلامية»... كامالا هاريس «صُدمت تماماً» من الخسارة أمام ترمب

صُدمت نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس من هزيمتها أمام الرئيس دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن «صدقت» الضجة الإعلامية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ونائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس (رويترز) play-circle

تقرير: أوباما عمل ضد هاريس خلف الكواليس في انتخابات 2024

كشفت التقارير عن أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم يؤيد ترشيح الديمقراطيين لنائبة الرئيس آنذاك كامالا هاريس، وذلك في أعقاب انسحاب بايدن من السباق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرد على أسئلة وسائل الإعلام في البيت الأبيض يوم 25 مارس 2025 (إ.ب.أ)

ترمب يطالب بإثبات الجنسية الأميركية للسماح بالتصويت في الانتخابات

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس (الثلاثاء) أمراً تنفيذياً من شأنه أن يلزم الناخبين بإثبات أنهم مواطنون أميركيون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص الرئيس دونالد ترمب يستمع إلى إيلون ماسك وهو يتحدث في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)

خاص هل يكون انحدار «تسلا» مدفوعاً بانحيازات إيلون ماسك السياسية؟

كان لتحالف إيلون ماسك مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وانغماسه عميقاً في السياسات الداخلية والخارجية، نتائج قد تكون مقلقة اقتصادياً بالنسبة للشركة ولماسك.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث بينما يستمع لاعب الغولف تايغر وودز خلال حفل استقبال بمناسبة شهر تاريخ السود في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض... الخميس 20 فبراير 2025 في واشنطن (أ.ب)

ترمب يثير فكرة الترشح لولاية ثالثة «غير دستورية» مجدداً... وأنصاره: نعم لأربع سنوات أخرى

قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثار، الخميس، مجددا فكرة ترشحه لولاية ثالثة، وذلك على الرغم من أنها فكرة تتعارض مع الدستور

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يعيد تعريف علاقة واشنطن مع الحلفاء... والخصوم

ترمب مع فريقه في البيت الأبيض خلال اجتماع مع أمين عام «ناتو» 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)
ترمب مع فريقه في البيت الأبيض خلال اجتماع مع أمين عام «ناتو» 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)
TT

ترمب يعيد تعريف علاقة واشنطن مع الحلفاء... والخصوم

ترمب مع فريقه في البيت الأبيض خلال اجتماع مع أمين عام «ناتو» 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)
ترمب مع فريقه في البيت الأبيض خلال اجتماع مع أمين عام «ناتو» 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، كان من الواضح أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيغير من الأعراف الدولية وبروتوكولات التعامل مع الحلفاء والخصوم على حد سواء. فقد هدَّد بضم كندا وتعهد بالاستحواذ على غرينلاند، و«استعادة» قناة بنما. انتقد الأوروبيين، هاجم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتودد إلى روسيا. قرر إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران، تغنَّى بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وشن حرباً تجارية بتعريفات من كل حدب وصوب.

الرئيس الأميركي معروف بمواقفه المفاجئة وغير التقليدية، التي تؤرّق نوم حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، مواقف ترمب في هذه الملفات، وما إذا كانت تهدف إلى الحصول على تنازلات معينة، بالإضافة إلى استراتيجية إدارته في التعامل مع الأزمات الدولية ودور فريقه فيها.

عامل المفاجأة

ترمب ونتنياهو في اجتماع بالبيت الأبيض 7 أبريل 2025 (د.ب.أ)

يعرب دايفيد شينكر، الذي عمل في عهد ترمب الأول في منصب مساعد وزير الخارجية، عن مفاجأته من المواقف التي اتخذها ترمب في ملفات السياسة الخارجية، «رغم أنه أنذر بهذه المواقف قبل وصوله إلى الرئاسة». وخص شينكر بالذكر اجتماعه «الصادم» مع الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، عاداً أن «رؤية حليف وشريك ودولة ديمقراطية صديقة يعامَل بهذه الطريقة في المكتب البيضاوي هو أمر مزعج». ويرى شينكر أن القاسم المشترك لمواقف ترمب هو «زعزعة الوضع القائم»، وأن هدف خطواته «تجاري يهدف إلى التوصل إلى صفقات وتقاسم الأعباء» مع الشركاء.

أما جايكوب هيلبورن، كبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك» والمحرر في مجلة «ناشيونال إنترست» للسياسة الخارجية، فأشار إلى أن ترمب «بنسخته الثانية» لديه رؤية متسقة للسياسة الخارجية، التي يمكن أن تلخَّص بـ«أميركا القلعة» غير المقيّدة وغير المثقلة بالحلفاء الأجانب، أكانوا في أوروبا أم في آسيا. وأعطى مثالاً على ذلك في لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عاداً أنه «قام فعلياً بإضعافه أمام إيران». وأضاف هيلبورن: «ترمب لا يملك ولاءً لأي بلد أجنبي. فهو لا يكترث بألمانيا أو بإسرائيل، وسيستخدم أياً كان لأهدافه الخاصة». لكن هيلبورن يحذّر من أن سياسات ترمب التي تهدف إلى وضع أميركا أولاً قد تنقلب عليه. ويفسر: «يقود الولايات المتحدة نحو الركود، ويحاول منافسة أو تحدي الصين من دون أي حلفاء معه. إذن تكتيكاته متناقضة مع نفسها، وقد يؤدي إلى إيصال الولايات المتحدة إلى حافة الهاوية المالية».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقاء عاصف في البيت الأبيض يوم 28 فبراير (أ.ف.ب)

من ناحيته، يشير تشارلز كوبشان، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارتي باراك أوباما وبيل كلينتون وكبير الباحثين في مجلس السياسة الخارجية، إلى أن ترمب يعتمد على «عامل المفاجأة في سياسته الخارجية، فقد تم انتخابه كي يزعزع ويتحدى المنظومة السياسية» وهو يقوم بذلك.

وقارن كوبشان بين عهد ترمب الأول والثاني، مشيراًِ إلى أن فريقه الذي أحاط به في إدارته الأولى تضمن وجوهاً جمهورية تقليدية تمكنت من السيطرة على «بعض اندفاعاته»، وقد غابت هذه الوجوه عن إدارته الثانية.

لكن كوبشان يرى أن هذه الاندفاعات ليست خاطئة تماماً، ويفسر قائلاً: «هل تستغل الصين النظام التجاري العالمي؟ نعم. هل كان للولايات المتحدة سياسة هجرة غير فعالة؟ نعم. هل الطبقة الوسطى في أميركا تعاني تدهور جودة الحياة على مدى العقود؟ نعم. هل يجب على حلفائنا أن يساهموا بمبالغ أكبر للدفاع عن أنفسهم؟ نعم. لذا هناك نوع من الحقيقة في الكثير مما يقوله ويفعله ترمب، لكنه لم يترجم ذلك إلى سياسة منسجمة».

لهذا السبب، يقول كوبشان إن الجهود التي رأيناها حتى الساعة تسبب الضرر أكثر من النفع «لأنها غير مترابطة».

«ابتزاز» أم تنازلات؟

وفي ظل هذه التناقضات، يقول شينكر إن ترمب ليس لديه تقدير للنظام العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يعود عليها بفوائد كبيرة، «رغم وجود بعض المشاكل»، بحسب تعبيره. ويعزو السبب في ذلك إلى غياب القيم الجمهورية التقليدية في إدارة ترمب الثانية؛ نظراً إلى عدم اعتماده على شخصيات جمهورية تقليدية على خلاف ولايته الأولى.

يتهم البعض ترمب بالتودد لبوتين (أ.ف.ب)

وفي حين يرى البعض أن ترمب يعتمد على هذه السياسات والمواقف المثيرة للجدل للحصول على تنازلات خاصة من الأوروبيين، يرفض هيلبورن هذه المقاربة، واصفاً ما يجري بـ«الابتزاز» وليس بالسعي للحصول على تنازلات. ويقول: «إنه يتصرّف كزعيم مافيا؛ فهو يريد أن يفكك الاتحاد الأوروبي، والتفاوض على اتفاقيات تجارية فردية مع دول أوروبية». وأعطى مثالاً على ذلك قائلاً: «يقول ترمب إنه يجب على الدول الأوروبية أن تساهم أكثر. لكن حتى لو فعلت ذلك، فهو سيقول إنها تدين للولايات المتحدة بمبالغ سابقة، وهذا ما ذكره مؤخراً».

وهنا يذكر كوبشان أن النظام العالمي يحتاج فعلاً إلى إصلاحات جذرية، عاداً أنه من المحتمل أن يكون ترمب هو الرئيس الذي سيؤدي إلى تلك الإصلاحات لإنشاء توازن أفضل بين الولايات المتحدة وحلفائها، وجعل النظام التجاري العالمي أكثر عدالة بحيث تستفيد منه دول أكثر. لكنه يحذّر من أنه يقوم حالياً «بتدمير النظام العالمي بدلاً من إصلاحه»، مضيفاً: «قد يغير موقفه مع وجود معطيات سلبية، فقد رأيناه يغير توجهه حول التعريفات الجمركية حينما بدأت سوق السندات في التراجع».

إيران والشرق الأوسط

وزير الخارجية الإيراني والرئيس الروسي في موسكو 17 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

يحتل ملف الشرق الأوسط مساحة واسعة على أجندة الإدارة الأميركية الحالية، مع ارتباط عدد كبير من القضايا به؛ من حرب غزة المستمرة وجماعة الحوثي في اليمن، إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ولبنان مع مساعي ضبط نفوذ «حزب الله».

ويرى شينكر أن هناك فرصاً هائلة في المنطقة، مشيراً إلى أن إدارة ترمب بدأت تنظر إلى فرصة لنزع السلاح بشكل نهائي من «حزب الله» في لبنان، وإخضاع الحكومة لمعايير صارمة من الأداء والمسؤولية ووضع توقعات عالية لها. أما عن سوريا، فقد عدّ شينكر أن الإدارة الأميركية لا تنتهز «الفرصة الهائلة الموجودة هناك حالياً». ويفسر قائلاً: « لقد تم إسقاط نظام الأسد، حليف إيران، وهناك اليوم نظام إشكالي، لكنه ما زال أفضل من السابق، وهو نظام (أحمد) الشرع. ما زلنا لا نستطيع تجاوز فكرة أن كل من كان جهادياً سيظل كذلك. وهذا ما يعيقنا».

أما عن إيران، وفي ظل المحادثات المباشرة معها، يحذّر شينكر من أن الإدارة قد ترتكب خطأً فادحاً في التفاوض بسبب «انخفاض معاييرها لدرجة أصبحت فيها مشابهة للاتفاق النووي لذي أبرمته إدارة أوباما». ويعارض هيلبورن شينكر في الملف الإيراني معرباً عن تفاؤله بجهود ترمب مع طهران. وقال: «أعتقد أنه سيسعى إلى افتتاح سفارة أميركية في طهران، وإبرام اتفاقية عظمى بما أنه معروف بإتمامه للصفقات. إن الباب مفتوح أمامه وهو فعلياً أغلق الطريق أمام نتنياهو في الملف الإيراني». وتابع: «ترمب لا ينفّذ أوامر أي أحد، فلديه أجندته الخاصة في ما يتعلّق بإيران».

ويوافق كوبشان مع مقاربة هيلبورن، عاداً أن ترمب «يقوم بالصواب» من خلال التواصل مع خصوم أميركا. وأوضح: «من الجيد أن يتصل ترمب ببوتين، ومن الحكمة أنه دعا شي جينبينغ إلى حفل تنصيبه، ومن الجيد أيضاً أن الولايات المتحدة تقوم بخطوات دبلوماسية مع إيران». ورجَّح كوبشان التوصل إلى اتفاقية دبلوماسية مع طهران «لأنها في موقف ضعيف حالياً»، على خلاف روسيا والصين.

انقسامات في فريق ترمب

وزير الخارجية ماركو روبيو ومبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في باريس 17 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

سلطت الأزمات الدولية الضوء على اختلاف الآيديولوجيات في صفوف فريق ترمب، خصوصاً بين الوجوه التقليدية كوزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز من جهة، أنصار «ماغا» كمبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ونائب الرئيس جاي دي فانس من جهة أخرى.

ويرجّح شينكر فوز مقاربة فريق «ماغا»: «حين يصل إلى نقطة الفصل التامة، وهي الإدراك بأن توجه الفريق التقليدي لا يأتي بالنتيجة المرغوبة». ويرى شينكر ان روبيو في خطر، مشيراً إلى أن ريتشارد غرينيل الذي عيَّنه ترمب مبعوثاً خاصاً للمهام الخاصة «يراقبه من كثب ساعياً إلى تولي منصبه».

ويوافق هيلبورن على أن روبيو هو من الوجوه التي سيتم دفعها خارج الإدارة، مذكراً بوصف ترمب له بـ«روبيو الصغير» خلال السباق الانتخابي الذي جمع بين الرجلين. وأشار هيلبورن إلى أن ترمب دفع بروبيو إلى الصفوف الخلفية في إدارته؛ إذ أنه لا يشارك بشكل فعلي في ملفات الصين أو إيران أو حتى أوروبا، وأنه يفضل التعامل مع مبعوثه الخاص ويتكوف «الخارج عن الدائرة السياسية» في هذه الملفات.

من ناحيته، يُرجّح كوبشان أن يكون روبيو ووالتز من أوائل «ضحايا» ترمب في إدارته الثانية، مضيفاً: « تدريجياً سوف إما أن يتم طرد أنصار العولمة أو سيتم إسكاتهم، فالجناح الآيديولوجي لـ(ماغا) هو الجناح الذي يكسب اهتمام ترمب، ويفوز في هذه المعارك الداخلية».