ترمب - هاريس وجهاً لوجه أمام عشرات الملايين من الأميركيين

المناظرة تظهر «مقاربتين متناقضتين» للقيادة الأميركية محلياً ودولياً

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في صورة أرشيفية مركبة (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في صورة أرشيفية مركبة (رويترز)
TT

ترمب - هاريس وجهاً لوجه أمام عشرات الملايين من الأميركيين

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في صورة أرشيفية مركبة (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في صورة أرشيفية مركبة (رويترز)

حتى قبل موعد المناظرة، التي يترقّبها الأميركيون والعالم باهتمام خاص نظراً لما يمكن أن تعنيه محلياً وخارجياً، شاعت التساؤلات عن نتائج مواجهة نائبة الرئيس كامالا هاريس، ومنافسها اللدود الرئيس السابق دونالد ترمب في مناظرة بين مرشحَين رئاسيَّين لديهما مقاربتان متناقضتان تماماً لقيادة الولايات المتحدة، لما لا يقل عن السنوات الأربع المقبلة، في اختبار يُتوقَّع أن يكون الأكثر تأثيراً في مجمل الحياة السياسية للمرشحة الديمقراطية، مقابل خصم جمهوري عنيد مجرّب خلال عهد كامل في البيت الأبيض.

ووسط تقارب شديد في الاستطلاعات في الولايات السبع المتأرجحة، كان فريقا كل من ترمب وهاريس يأملان في رفع نسبة حظوظهما خلال مناظرة الدقائق الـ90 التي يمكن أن تكون اليتيمة بينهما، بضيافة شبكة «إيه بي سي» الأميركية للتلفزيون في فيلادلفيا، وهي مركز الثورة الأميركية الذي شهد توقيع إعلان الاستقلال، وكتابة الدستور الأميركي، ومهد ولادة أميركا وعاصمتها الأولى.

التحضيرات النهائية للمناظرة بين نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في فيلادلفيا (أ.ف.ب)

وجاءت المناظرة هذه بعدما تمكّنت هاريس خلال أقل من شهرين من تحويل مسار انتخابات عام 2024 بشكل مثير للإعجاب، بعد الأداء البائس الذي قدّمه الرئيس جو بايدن في مناظرته ضد ترمب عبر شبكة «سي إن إن» في يونيو (حزيران) الماضي، ودفعه إلى إنهاء مساعيه من أجل إعادة انتخابه. وهي أعادت الولايات المتأرجحة: بنسلفانيا، وجورجيا، وميشيغان، وويسكونسن، وأريزونا، ونيفادا، ونورث كارولاينا، بوصفها ساحات معارك انتخابية، بعدما كاد معظم الديمقراطيين يفقدون الأمل في احتمالات الفوز في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

الأصوات الـ270

وحتى اللحظات التي سبقت موعد المناظرة، لم يؤدِّ نجاح هاريس في توحيد حزبها الديمقراطي وتصويرها بوصفها صوتاً جديداً للتغيير والانتقال إلى جيل جديد من السياسيين الأميركيين، إلى إنشاء مسار حاسم لحصولها على الأصوات الـ270 الذهبية من مجموع 538 صوتاً في المجمع الانتخابي، وبالتالي الفوز بالرئاسة، علماً بأن المؤشرات كانت ترجّح قبل المناظرة فوز ترمب، الذي نجا من محاولة اغتيال وعشرات التهم الجنائية.

وعلى الرغم من أن المناظرات الرئاسية لا تقرر مصير الانتخابات. فإن تأثيرها كان «كارثياً» لبايدن، ويمكن أن تمثل أفضل فرصة متبقية لهاريس لإحباط جهود ترمب للعودة إلى البيت الأبيض، نظراً لعقدها في وقت الذروة تلفزيونياً وكونها من أكثر المناسبات الإعلامية أهمية سياسياً عند عشرات الملايين من الأميركيين، وبينهم الملايين ممن لم يحسموا خيارهم الانتخابي مع بدء عمليات الاقتراع عبر البريد أو عن بُعد، وقبل نحو 8 أسابيع فقط على وضع أوراقهم في صناديق الاقتراع.

علم أميركي يرفرف أمام مركز الدستور الوطني حيث تُعقد المناظرة الرئاسية بين نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترمب في فيلادلفيا (إ.ب.أ)

وكان يتوجب على هاريس في فيلادلفيا استخدام مهاراتها الخطابية التي غالباً ما جرى التشكيك فيها خلال عملها نائبةً للرئيس، علماً بأن هذا المنصب لا يمكن أن يكون طاغياً بسبب التوقعات المطلوبة من الرئيس نفسه. وفي حين كانت لها لحظات مهمة في المناقشات وجلسات الاستماع حين كانت سيناتورة في مجلس الشيوخ، كافحت هاريس أحياناً لصوغ سياسات ومواقف واضحة تحت الضغط في مواقف عفوية. كما أن المقابلة الإعلامية الرئيسية الوحيدة التي أجرتها منذ صارت مرشحة الحزب الديمقراطي في 21 يوليو (تموز) الماضي عبر شبكة «سي إن إن» الشهر الماضي، لم ترفع مستوى أدائها المتوقع في المناظرة الوحيدة حتى الآن مع ترمب. ومع أنها شاركت في مناظرات في 3 محطات انتخابية منفصلة، ​​ستكون هذه أول مناظرة - «مغامرة» لها منذ مواجهتها نائب الرئيس السابق مايك بنس عام 2020.

امرأة وسوداء

بينما تسعى هاريس إلى أن تصير أول امرأة سوداء ومن أصل جنوب آسيوي رئيسةً للولايات المتحدة، ستقترب للمرة الأولى من منافس لا يتورع عن فعل للفوز بالرئاسة، ولديه سجل في استخدام التعابير العنصرية والجنسية لتحقيق مكاسب سياسية. وهو شكك حتى الآونة الأخيرة في ذكائها وأصلها العرقي بوصفها امرأة سوداء، وضخّم التلميحات الجنسية عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المرشحة الديمقراطية تبدو مصممةً على عدم الانجرار إلى فخاخه. ورفضت أخيراً مناقشة خطاب ترمب القائم على العرق بوصفه «الدليل القديم والمتعب نفسه» عند الأميركيين.

وتتمتع هاريس بخبرة سياسية رفيعة المستوى، ولكن أقل بكثير من المرشحة الديمقراطية لعام 2016 وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أو بايدن عندما واجها ترمب في المناظرات الرئاسية. وحتى بعض أعضاء حزبها لم يعتقدوا بأنها أقوى زعيمة ديمقراطية محتملة في حقبة ما بعد بايدن.

لكن المناظرة مثلت لهاريس فرصةً لتغيير التصورات حول حنكتها السياسية. ويمكن أن يكون لفشلها المحتمل ثمن هائل؛ لأن ترمب متهم بأنه حاول تقويض الديمقراطية الأميركية بعد انتخابات 2020، وتمكّن من وضع نفسه على طريق العودة إلى رئاسة جديدة أعلن أنه سيكرس جزءاً منها لـ«الانتقام». وتأكدت المخاطر بالنسبة للديمقراطيين، الأسبوع الماضي، حين تعهّد ترمب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بمقاضاة وسجن مسؤولي الانتخابات والمعارضين السياسيين والمانحين وغيرهم من «غشّاشي» الانتخابات، حيث وجّه مزيداً من الاتهامات الكاذبة بأن خسارته عام 2020 كانت نتيجة لتزوير إرادة الناخبين.

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)

تحديات لفوز هاريس

ومع ذلك، إذا تمكّنت هاريس من تحمل الضغوط ومواجهة الهجوم العنيف من ترمب، فإن المناظرة تُقدِّم لها فرصاً كبيرة، وربما أكثر من تلك المتاحة لترمب، المعروف عنه أنه إما محب أو كاره. يمكن أن يؤدي أداؤها الناجح إلى إنشاء منصة صلبة لإقناع الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد في الولايات المتأرجحة الحرجة بأنها لديها خططاً موثوقة لتحسين حياتهم. وأفاد استطلاع أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، بالتعاون مع كلية سيينا أخيراً، بأن لدى هاريس فرصةً لتعزيز شعبيتها، إذ تبين أن 28 في المائة من الناخبين المحتملين يريدون معرفة مزيد عنها، في حين أن 9 في المائة فقط يعتقدون الشيء نفسه عن المرشح الجمهوري.

الرئيس السابق دونالد ترمب (رويترز)

ولكن لتحقيق النجاح في المناظرة، تواجه هاريس 3 مهمات صعبة. وتتمثل الأولى في إيجاد توازن بين دحض ما تتوقعه حملتها من هجمات ترمب وما تسميها «أكاذيبه» والتأكيد على رسالتها التي تدعي أنها «تكافح من أجل الشعب الأميركي» بخلاف ترمب الذي «يقاتل من أجل نفسه فحسب». أما الثانية فتركز على تحييد التناقض الأساسي في حملتها، وهي أنها عامل للتغيير والتجديد على الرغم من كونها جزءاً من إدارة بايدن غير الشعبية. وفي تحدٍ ثالث ذي صلة، يجب على هاريس محاولة تعويض بايدن في قضيتين يقول الناخبون إنهما الأكثر أهمية بالنسبة لهم: إدارة الاقتصاد والهجرة.

وفي الوقت نفسه، تحتاج هاريس إلى إيجاد طريقة لصد اتهامات ترمب ضدها بأنها تراجعت عن سياسات دعّمتها خلال حملتها الانتخابية التمهيدية الديمقراطية القصيرة الأمد في عام 2019، بما في ذلك سياسات استخراج النفط عبر التكسير الهيدروليكي، وكذلك الحدود.


مقالات ذات صلة

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

منع المدعية ويليس من مقاضاة ترمب في قضية التدخل بنتائج الانتخابات في جورجيا

قضت محكمة استئناف في جورجيا، الخميس، بمنع المدعية العامة لمقاطعة فولتون، فاني ويليس، من مقاضاة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والعديد من حلفائه.

«الشرق الأوسط» (أتلانتا)
المشرق العربي تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)

بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنّه ما زال «متفائلًا» بإمكان التوصّل خلال ولاية الرئيس جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤيدون للرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال الانتخابات الأخيرة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ترمب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي توقعتا فوز هاريس في الانتخابات

رفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دعوى قضائية ضد صحيفة في ولاية أيوا وشركة استطلاعات رأي كانت وراء نشر توقع غير صحيح بفوز منافسته الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

جديد قضية شراء الصمت... محامو ترمب يتهمون أعضاء هيئة المحلفين بسوء السلوك

قال محامو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إن إدانته بدفع رشوة لشراء الصمت تخللها سوء سلوك أعضاء هيئة المحلفين، مما يفتح جبهة جديدة في معركتهم لإلغاء الحكم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

TT

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)
تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)

اتهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بنما، أمس (السبت)، بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام قناة بنما، وقال إنه إذا لم تُدر بنما القناة بطريقة مقبولة، فسوف يطالب البلد الحليف للولايات المتحدة بتسليمها.

وفي منشور مسائي على موقعه للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، حذّر ترمب أيضاً من أنه لن يسمح للقناة بالوقوع في «الأيدي الخطأ»، وبدا كأنه يحذر من التأثير الصيني المحتمل على الممر المائي، وكتب أن القناة لا ينبغي أن تديرها الصين.

دونالد ترمب (أ.ف.ب)

كان هذا المنشور مثالاً نادراً للغاية لرئيس أميركي يقول إنه يستطيع الضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراضٍ. كما يؤكد التحول المتوقع بالدبلوماسية الأميركية في عهد ترمب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء.

وتولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999، بعد فترة من الإدارة المشتركة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 (أ.ف.ب)

وكتب ترمب، في منشور على موقع «تروث سوشيال»، أن «الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خصوصاً بالنظر إلى الكرم الاستثنائي الذي قدمته الولايات المتحدة لها».

وأضاف: «لم يتم منحها (السيطرة) من أجل مصلحة الآخرين، بل بوصفها رمزاً للتعاون معنا ومع بنما. وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، ودون أدنى شك».

ولم ترد سفارة بنما في واشنطن حتى الآن على طلب للتعليق. لكن عدداً من الساسة في بنما انتقدوا تصريحات ترمب وطالبوا الحكومة بالدفاع عن القناة. وقالت غريس هيرنانديز، النائبة في البرلمان عن حزب «إم أو سي إيه» المعارض، عبر منصة «إكس»: «على الحكومة واجب الدفاع عن استقلالنا كدولة مستقلة... تستلزم الدبلوماسية الوقوف في وجه (مثل هذه) التصريحات المؤسفة».

وشيدت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من القناة وتولت إدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الولايات المتحدة وبنما وقّعتا اتفاقيتين في عام 1977 مهدتا الطريق أمام عودة القناة إلى السيطرة البنمية الكاملة. وسلمت الحكومة الأميركية السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة. ويمثّل الممر المائي الذي يسمح بعبور ما يصل إلى 14000 سفينة سنوياً 2.5 في المائة من التجارة العالمية المنقولة بحراً، وهو أمر بالغ الأهمية لواردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية عن طريق سفن الحاويات من آسيا ولصادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال. وليس من الواضح كيف سيسعى ترمب لاستعادة السيطرة على القناة، ولن يكون لديه أي سبيل بموجب القانون الدولي إذا قرر المضي قدماً في مسعاه للسيطرة على القناة.