تمويل أوكرانيا يهدد مستقبل جونسون رئيساً لمجلس النواب الأميركي

المسؤول الجمهوري يدرس خيارات بينها إقراض كييف ومصادرة أصول روسية مجمدة

رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
TT

تمويل أوكرانيا يهدد مستقبل جونسون رئيساً لمجلس النواب الأميركي

رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)

مع التخبط الأميركي في إقرار تمويل أوكرانيا، يواجه رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون خطر العزل من منصبه. ودفع تنامي المعارضة الجمهورية الشرسة للتمويل بالبعض من أعضاء حزبه إلى التلويح بسلاح العزل، الذي أطاح في السابق بسلفه كيفين مكارثي.

وبمواجهة هذه التهديدات، يقف جونسون حائراً أمام خيارات متعددة متعلقة بالتمويل؛ من تحويل المساعدات إلى قروض، تلبية لدعوات الرئيس السابق دونالد ترمب، إلى مصادرة أملاك روسيا المجمدة، وتخصيصها لإعادة إعمار أوكرانيا، وكلها خيارات مختلفة كل الاختلاف عن النسخة التي أقرها مجلس الشيوخ والتي يصفها المعارضون بـ«الشيك على بياض».

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، احتمالات توصل الكونغرس إلى تسوية لإقرار المساعدات لكييف في موسم انتخابي حاسم أصبح الناخب فيه يتململ من الدعم الأميركي لأوكرانيا، وما إذا كان جونسون سيدفع الثمن في حال سعى إلى إقرار التمويل، بالإضافة إلى الخيارات المطروحة من قبل المعارضين.

النائبة الجمهورية مارجوري غرين هددت بعزل جونسون (أ.ف.ب)

جونسون وشبح العزل

يقول سكوت كوليناين، مدير الشؤون الحكومية في مؤسسة «رازوم» لأوكرانيا المعنية ببناء العلاقات الأميركية - الأوكرانية، إن التحدي الأساسي في إقرار تمويل أوكرانيا يكمن في المعارضة التي يواجهها رئيس مجلس النواب مايك جونسون في صفوف حزبه الجمهوري.

ويشير كولينين إلى أن جونسون يتمتع بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، ستصل إلى مقعد واحد فقط، الأسبوع المقبل، بسبب استقالة بعض الجمهوريين من مقاعدهم. وأوضح أن «معظم الجمهوريين يدعمون أوكرانيا، لكن هناك أقلية لا تدعمها، ويحاول رئيس المجلس جونسون أن يوفق بين إقرار دعم أوكرانيا والمحافظة على دعمه من قبل الجمهوريين في المجلس وعدم خسارة منصبه».

يتحدث كوليناين هنا عن النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، التي هددت بطرح عزل جونسون رسمياً على التصويت في حال أقر تمويل أوكرانيا. وتشير ناومي ليم، مراسلة البيت الأبيض في صحيفة «واشنطن إيكزامينر»، إلى أنه لهذا السبب يحاول البيت الابيض «إعطاء جونسون مساحة في التصرف». وتفسر قائلة: «قبل انطلاق مفاوضات التمويل، جرى انتقاد رئيس المجلس بشدّة، وهوجم شخصياً. لكن البيت الأبيض تراجع عن هذه الاستراتيجية الآن، لأن انتقاد رئيس المجلس لن يساعدهم، خصوصاً مع تمتع اليمين المتطرف في حزبه بالقوة لعزله».

ومن ناحيته، يتحدث غريغ كيلر، المدير التنفيذي السابق لاتحاد المحافظين الأميركيين، عن «الموقف الصعب» الذي يواجهه جونسون، خصوصاً في ظل الأغلبية الضعيفة جداً في مجلس النواب. ويشير جونسون إلى أن الجمهوريين المحافظين الذين يعارضون تمويل أوكرانيا ينظرون إلى «الفوضى على الحدود الجنوبية، ويقولون: لا يمكننا مراقبة حدودنا الخاصة حالياً، فلماذا نهتم بالحدود بين أوكرانيا وروسيا؟». وأضاف: «لا أقول بأن الأمر صحيح أو عادل، لكن هذه طريقة تفكير الجمهوريين المحافظين اليوم، خصوصاً عندما يطلب البيت الأبيض مئات المليارات من الدولار لحرب خارجية، في دولة لا نملك تاريخاً طويلاً معها؛ وهي أوكرانيا».

ويردّ كوليناين على مقارنة أوكرانيا بأمن الحدود، مشيراً إلى أنها نقطة يسمعها كثيراً بحكم عمله المقرب مع المشرعين بهدف إقناعهم لإقرار التمويل. ويقول: «أعتقد أن الولايات المتحدة بصفتها دولة كبيرة وغنية وقوية، تستطيع القيام بالأمرين. وأنا أقول دوماً لأعضاء الكونغرس القلقين حول حدودنا بأننا يجب أن نحل أزمة الحدود، لكننا دولة عظيمة وكبيرة، ويمكننا القيام بالأمرين معاً».

أما ليم، فتحذر من أن الأغلبية الصغيرة في مجلس النواب سوف تدفع جونسون إلى التماس المساعدة من الديمقراطيين لإقرار أي مشروع قانون، مضيفة: «لدى رئيس مجلس النواب هامش صغير جداً لمحاولة تفعيل هذا التشريع، ومنصبه سيعتمد على ذلك».

ويوافق كيلر على هذا التقييم، مضيفاً أن «رئيس المجلس سيضطر إلى اتخاذ القرار بنفسه، تماماً كما فعل مكارثي، أي إن كان يريد المراهنة بمنصبه أو إن كانت أوكرانيا تستحق أن يتخلى عن منصبه».

وزير الخارجية الأميركي ونظيره الأوكراني ببروكسل في 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

إدارة بايدن والرسائل «المبهمة»

في ظل هذه التجاذبات الحزبية والاختلافات على إقرار المساعدات الطارئة بقيمة 60 مليار دولار، والتي أرسلتها إدارة بايدن إلى الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووافق عليها مجلس الشيوخ في فبراير (شباط)، يوجّه البعض انتقادات للبيت الأبيض بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة في أوكرانيا، وهذا ما تتحدث عنه ليم التي قالت إن «المشكلة بالنسبة إلى إدارة بايدن، هي القول بأنها تريد دعم أوكرانيا مهما كلّف الأمر. وهذا يشير إلى التزام طويل الأمد بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وفكرة الحروب الأبدية لا تستقطب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء». وتشير ليم إلى أن الإدارة قد تعمد الأيام المقبلة إلى تسليط الضوء على فكرة أن معظم حزمة الدعم هذه سيجري إنفاقها في الولايات المتحدة لتصنيع الأسلحة التي سيجري إرسالها إلى الخارج.

لكن هذا ليس كافياً على حد تعبير كيلر، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تحاول إقناع الأميركيين بأنها تدرك كيفية إدارة حرب خارجية، والفوز بها، ثم الخروج منها. وأضاف: «المشكلة في ذلك هو أن هذه لم تكن الحال عبر تاريخ تدخل الولايات المتحدة في هذا النوع من النزاعات الخارجية. فلم تكن هذه الحال في أفغانستان، وبالطبع ليست في العراق. والناخبون الأميركيون، خصوصاً الجمهوريين يعلمون ذلك».

ويسلط كيلر الضوء على المعضلة الثانية التي تواجه الإدارة، وهي الجانب المالي، فيقول: «من أين سنأتي بمبلغ الـ110 أو 150 مليار دولار؟ ما نعلمه من إدارة بايدن، من الطريقة التي يجري بها تمويل مشاريع أخرى، هو أنه يجري طبع مزيد من المال؛ ما يؤدي إلى تضخم اقتصادي».

ترمب يتحدث في حدث انتخابي بويسكنسون في 2 أبريل 2024 (أ.ب)

مساعدات أم قروض؟

ومن هنا طرح بعض الجمهوريين فكرة تحويل المساعدات إلى قروض «من دون فائدة»، وهي فكرة روج لها الرئيس السابق دونالد ترمب، ودعمها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وغيره من مشرعين.

ويقول كوليناين إن فكرة تحويل المساعدات إلى قروض هي ليست فكرة سيئة «إذا كانت تضمن إقرار المبلغ المطلوب». وتابع: «إذا كان ذلك هو المطلوب للحصول على الموافقة من الكونغرس، فهذه مقايضة جيدة».

وتذكر ليم أن البيت الأبيض لا يشارك في المفاوضات المفتوحة بين الجمهوريين في مجلس النواب حول الخيارات المطروحة، لأنه يريد الحفاظ على قوته التفاوضية. وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي يريد في نهاية المطاف إقرار أكبر قدر ممكن من المساعدات، وهذا يفتح الباب أمام التنازلات التي قد تشمل تحويل المساعدات إلى قروض.

وهنا يشير كيلر إلى سؤال يكرره الجمهوريون: «لماذا تعدّ هذه معركة أميركا؟ لماذا يجب أن نكون رأس الحربة؟ لماذا يجب أن نكون الشعب أو الدولة، التي دائماً ما تقود المجتمع العالمي في هذه الحروب؟». ويرى كيلر أن على دول حلف شمالي الأطلسي أن تستثمر الأموال والعتاد في هذه الحرب كما تفعل الولايات المتحدة، مذكراً بموقف ترمب حيال هذه القضية.

أوكرانيا ليست على لائحة أولويات الناخب الأميركي (أ.ب)

أوكرانيا والانتخابات الأميركية

ومع تراجع دعم الناخب الأميركي، خصوصاً الجمهوري، لتمويل أوكرانيا، يشير كوليناين إلى أنه «كلما مرّ الوقت، واقترب موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر، تراجعت حظوظ إقرار التمويل». ويفسر قائلاً: «بالنسبة إلى الناخبين الجمهوريين، تحتلّ أوكرانيا مرتبة متدنية للغاية في قائمة الأولويات. إذن، سوف يتطلب إقرار التمويل نوعاً من الشجاعة من قبل المشرعين».

وهذا ما يوافق عليه كيلر، الذي أشار إلى أنه رغم وجود شعور بالتعاطف مع الأوكرانيين، فإن وضع الاقتصاد والحدود يجعل من الصعب جداً إقناع الأميركيين خصوصاً الناخبين الجمهوريين أن أوكرانيا هي بين القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ويتحدث كيلر عن تغيير في طبيعة الحزب الجمهوري منذ أيام عمله في حملة بوش- تشيني الانتخابية وحتى اليوم، فيقول: «من الواضح أن الحزب الجمهوري اليوم هو أكثر انعزالية مما كان عليه منذ 20 عاماً. وهو يشهد تغييراً هائلاً هذه الأيام، إذ أصبح حزباً أكثر شعبوية، كما لا يمكننا أن نتجاهل النفوذ الذي يملكه دونالد ترمب على هذا الحزب». وأضاف: «إذا جرت الانتخابات اليوم، فسيفوز ترمب، وستختلف السياسة الأميركية بشكل جذري مع أوكرانيا».

وهذا أمر يعلمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويراهن عليه، على حد قول كوليناين. وأوضح: «إذا كان كل ما على بوتين فعله للفوز هو الانتظار، فسيكمل الحرب لـ6 أو 8 أو 10 أشهر إضافية. أعتقد أن هذا ما يراهن عليه بوتين، وهذه استراتيجيته لتحقيق الفوز؛ فهو يعلم أنه لا يمكنه التغلب على الأوكرانيين في ساحة المعركة حالياً، بل إن فوزه يمر عبر واشنطن».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي ناشط من المستوطنين اليهود بحماية جنود إسرائيليين خلال احتفالات عيد المظال اليهودي في منطقة البلدة القديمة بالخليل (د.ب.أ)

تقرير: أميركا حذرت إسرائيل من تصاعد العنف بعد قرار وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين

نقل موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم (السبت)، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت إسرائيل من تصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا جنوب أوكرانيا (أ.ف.ب)

موسكو حذرت واشنطن قبل 30 دقيقة من إطلاق صاروخ «أوريشنيك» متوسط ​​المدى

قالت وزارة الدفاع الروسية إنها استخدمت صاروخاً «باليستياً» متوسط ​​المدى من طراز «أوريشنيك» لأول مرة في أعمال قتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (كييف)

ترمب يكشف عن مرشحيه لتولي وزارات الخزانة والعمل والإسكان

سكوت بيسنت مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» يتحدث في مناسبة انتخابية للرئيس ترمب (رويترز)
سكوت بيسنت مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» يتحدث في مناسبة انتخابية للرئيس ترمب (رويترز)
TT

ترمب يكشف عن مرشحيه لتولي وزارات الخزانة والعمل والإسكان

سكوت بيسنت مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» يتحدث في مناسبة انتخابية للرئيس ترمب (رويترز)
سكوت بيسنت مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» يتحدث في مناسبة انتخابية للرئيس ترمب (رويترز)

رشّح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الجمعة، سكوت بيسنت، مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب» وأحد المروجين المتحمسين لفرض رقابة سياسية على الاحتياطي الفدرالي، لتولي منصب وزير الخزانة، وفق ما ذكرت وسائل إعلام أميركية.

وكان اسم بيسنت قد ورد بين المرشحين المفضلين لتولي هذا المنصب، وهو مقرب من عائلة ترمب منذ فترة طويلة، وسيضطلع بدور رئيسي في تنفيذ البرنامج الاقتصادي للرئيس الأميركي المنتخب بالإضافة إلى السيطرة على الدين العام.

سكوت تيرنر (ا.ف.ب)

كما أعلن ترمب في بيان، أن لاعب كرة القدم الأمريكية السابق ومساعد البيت الأبيض سكوت تيرنر، هو مرشحه لمنصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية.وكان تيرنر قد تولى إدارة مجلس الفرص والتنشيط في البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترمب الأولى.

وكشف ترمب، أنه سيرشح النائبة الجمهورية لوري تشافيز دي ريمير، لتولي وزارة العمل.

لوري تشافيز دي ريمير (ا.ف.ب)

وتلقت عضو مجلس النواب عن ولاية أوريغون، والتي خسرت في محاولة إعادة انتخابها بفارق ضئيل في وقت سابق من الشهر الحالي، دعماً قوياً من أعضاء النقابات في منطقتها.

وقال ترمب في بيان، إن «دعم لوري القوي من مجتمعي الأعمال والعمال سيضمن أن تتمكن وزارة العمل من توحيد الأميركيين من جميع الخلفيات خلف أجندتنا لتحقيق نجاح وطني غير مسبوق - وجعل أميركا أكثر ثراء وقوة وازدهاراً من أي وقت مضى».