المحاكمات لا تضر ترمب بل تفيده للعودة إلى البيت الأبيض

ترمب يراهن على الوقت للبت في قضية التدخل بالانتخابات

الرئيس السابق دونالد ترمب والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً يحيي مناصريه في ولاية أيوا في 6 يناير الحالي (أ.ف.ب)
الرئيس السابق دونالد ترمب والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً يحيي مناصريه في ولاية أيوا في 6 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

المحاكمات لا تضر ترمب بل تفيده للعودة إلى البيت الأبيض

الرئيس السابق دونالد ترمب والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً يحيي مناصريه في ولاية أيوا في 6 يناير الحالي (أ.ف.ب)
الرئيس السابق دونالد ترمب والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً يحيي مناصريه في ولاية أيوا في 6 يناير الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المرشح الأوفر حظاً لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات هذا العام، أمام المحكمة الفيدرالية في العاصمة واشنطن، في قضية التدخل بالانتخابات. وهي خطوة من المؤكد أنها ستسلط الضوء على مشاكله القانونية قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات التمهيدية الحزبية في ولاية أيوا. غير أن المشاكل القانونية التي يواجهها ترمب، لا تبدو أنها تعرقل مساعيه للعودة إلى البيت الأبيض، بل على العكس تماماً، فقد أسهمت في تعزيز معركته للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري، في مواجهة خصومه الجمهوريين، الذين يبدو أن حظوظهم تتراجع بشكل كبير، وسط توقعات بانهيار حملة رجل الأعمال، فيفيك راماسوامي، في الأيام والأسابيع المقبلة.

ترمب يخطف الأضواء من منافسيه

ترمب لم يكن ملزماً بحضور جلسة المحاكمة، الثلاثاء، لكنه اختار التوجه إلى قاعة المحكمة، في إشارة واضحة على أنه يعتقد أن ذلك سيساعد جهوده في ولاية أيوا، ولن يضر بها. كما أنه يدرك أن الأضواء ووسائل الإعلام ستسلط عليه، وتمنحه تغطية مجانية، ما يحرم خصومه، وخصوصاً نيكي هالي ورون ديسانتيس المتنافسين على المركز الثاني، التغطية الإعلامية. ويتقدم ترمب على خصومه بـ34 نقطة في مجموع استطلاعات الرأي.

موكب الرئيس السابق دونالد ترمب يصل إلى مبنى المحكمة في العاصمة واشنطن الثلاثاء (إ.ب.أ)

ورغم انشغاله بالدفاع عن نفسه أمام المحاكم ضد 91 تهمة جنائية، فإن حملته قامت بتكليف الكثير من المحافظين البارزين المؤيدين لترمب، لملء الفراغ الناجم عن حضوره تلك الجلسات. وبدا أن ترمب قد خطط مع مساعديه جيداً لهذه المرحلة؛ إذ يخطط بعد مثوله أمام محكمة واشنطن، أن يعود الأربعاء إلى ولاية أيوا لحضور حدث تنظمه محطة «فوكس نيوز»، ثم العودة إلى قاعة محكمة أخرى في نيويورك الخميس.

ومن المقرر أن يجادل محامو ترمب أمام لجنة محكمة الاستئناف، المؤلفة من ثلاثة قضاة، بأن الرئيس السابق محصن من تهمة تغيير نتائج الانتخابات، لأنه كان يتصرف بصفته الرسمية، وهو ادعاء عالي الأخطار، ويمكن أن يؤدي إلى إلغاء القضية.

المرشح الجمهوري رون ديسانتيس يلتقط الصور مع مناصريه خلال حفل انتخابي في ولاية أيوا يوم الأحد (أ.ب)

يؤكد ترمب أنه يجب إسقاط قضيته الجنائية، لأنه يتمتع بالحصانة من الملاحقة الجنائية، ويقول إن الملاحقة القضائية ترقى إلى خطر مزدوج غير دستوري بعد عزله وتبرئته في نهاية المطاف في مجلس الشيوخ بشأن أعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

تداعيات تاريخية

وقال محامو ترمب في ملفاتهم للمحكمة: «خلال 234 عاما من 1789 إلى 2023، لم تتم محاكمة أي رئيس حالي أو سابق جنائيا على الإطلاق بسبب أفعال رسمية... إن لائحة الاتهام الموجهة إلى الرئيس ترمب تهدد بإطلاق دورات من الاتهامات المضادة والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية التي ستبتلى بها أمتنا لعقود عديدة قادمة، ومن المرجح أن تحطم أساس جمهوريتنا، والأهم، ثقة المواطنين الأميركيين في نظام قضائي مستقل».

في المقابل يجادل مكتب المستشار الخاص، جاك سميث، الذي ينظر في القضية، بأن «مبدأ المساءلة» عن الأعمال الإجرامية يلعب دوراً حيوياً، مثل الرئاسة في النظام الدستوري الأميركي.

مرشحة الجمهورية نيكي هالي خلال حدث انتخابي نظمته محطة «فوكس نيوز» في ولاية أيوا يوم الاثنين (إ.ب.أ)

وكتب ممثلو الادعاء في مذكرات المحكمة «بدلاً من الدفاع عن إطارنا الدستوري، فإن مطالبة المدعى عليه بالحصانة الشاملة تهدد بالسماح للرؤساء بارتكاب جرائم للبقاء في مناصبهم... لم يكن المؤسسون ينوون ولم يكونوا ليؤيدوا مثل هذه النتيجة».

وتشرف قاضية المحكمة الجزئية الأميركية، تانيا تشوتكان، المعينة من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، على إجراءات المحاكمة، وانحازت في السابق إلى جانب المدعين العامين برفض حجة ترمب، معلنة أن مكتب الرئاسة «لا يمنح حق الخروج من السجن مدى الحياة». وهو ما استأنفه الرئيس السابق.

ووفق الخبراء فإن المعركة تدور حول توقيت المحاكمات وليس حول ادعاءات ترمب. ومن المقرر إجراء محاكمة له في 4 مارس (آذار)، وهي الأولى من بين قضاياه الجنائية الأربع. لكن فريق سميث يقر بأن قضية الحصانة يمكن استئنافها قبل وصول القضية إلى هيئة المحلفين، مما يعني أن عملية الاستئناف المطولة يمكن أن تؤجل الموعد.

رهان على التوقيت

وفي حال تم ذلك، فمن شأنه أن يساعد هدف ترمب الأوسع المتمثل في تأخير القضية إلى ما بعد الانتخابات. وإذا عاد إلى البيت الأبيض، فيمكنه إغلاق القضية المرفوعة اليوم في العاصمة واشنطن، والمحاكمة الأخرى التي يتابعها سميث في ولاية فلوريدا، بينما يحاول في الوقت نفسه وقف ملاحقتين قضائيتين على مستوى الولاية خلال فترة ولايته.

وفي محاولة للحفاظ على الجدول الزمني الحالي، سعى سميث إلى تجاوز محكمة الاستئناف في دائرة العاصمة، والانتقال مباشرة إلى المحكمة العليا. لكنها رفضت طلبه الشهر الماضي، مما مكن المعركة من المضي قدما في محاكمة عادية أطول. ويعتقد كثير من الخبراء القانونيين أن القضية ستحال إلى المحكمة العليا في نهاية المطاف.

ترمب لدى وصوله إلى تجمع انتخابي في أيوا في 6 يناير الحالي (رويترز)

ويواجه ترمب أيضا اتهامات في نيويورك في التحقيق الذي يجريه المدعي العام لمنطقة مانهاتن بشأن الأموال غير المشروعة، واتهامات اتحادية في فلوريدا بشأن سوء تعامله المزعوم مع وثائق سرية.

وفيما يتنقل ترمب بين مسار حملته الرئاسية وقاعات المحاكم، نشرت حملته شبكة من الحلفاء المحافظين البارزين للمساعدة في سد الثغرات ونشر قضيته في جميع الولايات. وعلى مدار الأشهر الماضية، نظمت حملته تجمعات أصغر مع شخصيات جمهورية بارزة، لديها تأثير خصوصاً على قاعدة المحافظين، وحققوا شهرة في أوساطها.

ومنذ بداية هذا الشهر، عقدت الحملة الأسبوع الماضي فعاليات مع حاكمة ولاية ساوث داكوتا كريستي نويم، والنائبة مارغوري غرين من ولاية جورجيا، وإريك ترمب، أحد أبنائه. ومن المقرر أن يظهر هذا الأسبوع، بن كارسون، وزير الإسكان والتنمية الحضرية السابق في إدارته في حدثين في ولاية أيوا قبل موعد الانتخابات التمهيدية. وكانت الحملة قد خططت قبل أن تضرب عاصفة شتوية ولاية أيوا وتعطل السفر، لعقد فعاليات يومي الاثنين والثلاثاء مع حاكمة أركنساس سارة هاكابي ساندرز، السكرتيرة الصحافية السابقة لترمب، ومايك هاكابي، حاكم أركنساس السابق.


مقالات ذات صلة

محادثات أممية - روسية لتنسيق الجهود بشأن حل توافقي للأزمة الليبية

شمال افريقيا مشاركة السايح في ندوة حول الانتخابات البلدية بمصراتة (مفوضية الانتخابات)

محادثات أممية - روسية لتنسيق الجهود بشأن حل توافقي للأزمة الليبية

أعلنت القائمة بأعمال البعثة الأممية، ستيفاني خوري، أنها بحثت مع السفير الروسي آيدار أغانين، الوضع الحالي للعملية السياسية في ليبيا. 

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا عثمان معزوز رئيس حزب «التجمع من أجل الديمقراطية» المعارض (إعلام الحزب)

الجزائر: «التجمع من أجل الديمقراطية» يقاطع الاستحقاق الرئاسي

قرر «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (تيار علماني) مقاطعة انتخابات الرئاسة المقررة في 7 سبتمبر، بذريعة أنها «لا تثير أي اهتمام لدى المواطنين».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الاقتصاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يحضر تجمعاً حاشداً في بنسلفانيا في سبتمبر 2022 (رويترز)

«ترمب 2.0»: الأسواق في حالة تأهب وتنتظر الاستقرار... أم الفوضى

أحدثت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الأميركي الحالي الديمقراطي جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، ضجةً كبيرةً في الساحة السياسية.

هدى علاء الدين (بيروت)
أوروبا نجم كرة القدم الفرنسي كيليان مبابي (أ.ف.ب)

لوبان: مبابي «الثري للغاية» لا يمكنه تمثيل المهاجرين الفرنسيين

انتقدت مارين لوبان نجم كرة القدم كيليان مبابي، زاعمة أنه لا يمثل المهاجرين بعد أن حث معجبيه على التصويت ضد حزبها.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)

آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

يعلق ملايين الإيرانيين آمالهم على الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في تخفيف القيود على الحريات الاجتماعية، وانتهاج سياسة خارجية تميل إلى البراغماتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

من ينقذ «الحلم الأميركي» من اعتلالات الديمقراطية؟

سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)
سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

من ينقذ «الحلم الأميركي» من اعتلالات الديمقراطية؟

سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)
سياح قرب الكابيتول مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن (أ.ف.ب)

بعد أن يهدأ الغبار الذي أثارته الانتخابات البرلمانية البريطانية والفرنسية والانتخابات الرئاسية الإيرانية، ستتركز الأنظار على الولايات المتحدة التي ستختار في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل رئيساً يقيم في البيت الأبيض أربع سنوات، وحتى الآن ينحصر السباق بين المقيم الحالي والمقيم السابق، اي الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترمب (بدأ جمهورياً عام 1997 وانتقل في 2001 إلى الحزب الديمقراطي قبل أن يعود جمهورياً في 2009 مع فترة سنتين انضم فيها إلى حزب الاستقلال في نيويورك).

وستشهد الأشهر السابقة ليوم الاقتراع استمراراً للسجال حول أهلية بايدن الذهنية وأهلية ترمب الخُلُقية لمواصلة قيادة أقوى دولة في العالم. الأول يزداد ضياعاً وتلعثماً، والثاني لا يستطيع إزالة غيوم المتاعب القانونية والإدانات القضائية من سمائه السياسية.

الشعب الأميركي مدعوّ للاختيار بين هذين «الحدّين»، أو بتعبير آخر ممارسة حقه السياسي في إطار يقال إنه ديمقراطي بامتياز...

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

لا يمنع هذا النظام الديمقراطي نظرياً نشوء أحزاب متعددة، لكنه عملياً وبفعل عوامل ومؤثرات عديدة يحصر الحياة السياسية بحزبين يتبادلان إدارة البلاد عبر البيت الأبيض والكونغرس بمجلسَيه. ولطالما أنتج هذا النظام مشكلات في الإدارة على المستوى الفدرالي ليس أقلها التعثر المتكرر في إقرار الموازنة السنوية، وما يتطلبه ذلك من مفاوضات وضغوط وتسويات بين الرئيس ومجلسي النواب والشيوخ، خصوصاً إذا كانت الأكثرية في المجلسين أو في أحدهما من الحزب الآخر، أي غير حزب الرئيس...

ولعل أسوأ نتيجة لهذا الاعتلال هي التوتر المتعاظم بين الأميركيين الموزعين بين الولاءين الحزبيين، والمتفقة غالبيتهم في المقابل على التشكيك في السياسة والقائمين على إدارة شؤونهم.

تلخّص الباحثة السياسة كيلي بورن الوضع بقولها: «إن عدم ثقة الأميركيين بالانتخابات وعدم ثقتهم بعضهم ببعض هما من نتائج المشاكل الثقافية والبنيوية والمؤسسية العميقة الجذور. وإلى أن تُحل هذه المشاكل، فإن أزمة الديمقراطية الأميركية سوف تستمر، وسوف يستمر الناخبون في المطالبة بأنواع جديدة من الحلول، سواء كانت ديمقراطية، تكنوقراطية، أو سلطوية».

وتضيف الأكاديمية التي تدير «مؤسسة ديفيد ولوسيل باكارد» البحثية، أن العالم يعيش منذ قرابة 20 عاما في خضم «ركود ديمقراطي»، مع تنامي شعبية الحركات غير الليبرالية والشعبوية والمعادية للمهاجرين. وتسجل أن «أقل من 8% من سكان العالم يعيشون الآن في ظل الديمقراطية الكاملة. وفي حين أن أربعة من كل عشرة أشخاص تحكمهم أنظمة استبدادية، فإن ما يقرب من 38% يعيشون في ديمقراطيات منقوصة، وهي الفئة التي تشمل الآن الولايات المتحدة».

ومن هنا يمكن بالتالي فهم السبب الذي أوصل ثقة الأميركيين بعضهم ببعض إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. فمنذ عام 1994، تضاعفت ثلاث مرات نسبة الأميركيين الذين لديهم رأي سلبي للغاية في الحزب السياسي الذي يعارضونه، وهو ما يعكس زيادة حادة في ما سمته كيلي بورن «الاستقطاب العاطفي» الذي لا يقوم على الاختلافات السياسية، بل على الكراهية العميقة للجانب الآخر. ووفقاً لـ«مركز بيو للأبحاث» في واشنطن، فإن نسبة متزايدة من الناخبين من كلا الحزبين الرئيسيين «يصفون أولئك الذين ينتمون إلى الحزب الآخر بأنهم أكثر انغلاقاً، وغير صادقين، وغير أخلاقيين، وأقل ذكاء من الأميركيين الآخرين».

ما ينطبق على علاقات الأفراد ينسحب على المؤسسات، فنسبة الأميركيين الذين يثقون بحكومتهم لا تتجاوز 30% منذ عام 2007، وهو ما يوازي مستويات الثقة الموجودة الآن في أرمينيا، وكرواتيا، ونيجيريا، وأقل من نصف الثقة المسجَّلة في بلدان الشمال الأوروبي على سبيل المثال. وتوسعت حالة التشكيك لتشمل العملية الانتخابية نفسها، إذ يعتقد أربعة من كل عشرة أميركيين، ونحو سبعة من كل عشرة جمهوريين، أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 «سُرقت» من ترمب لمصلحة بايدن.

المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ب)

أسباب الأزمة

يعيد خبير الاجتماع السياسي الأميركي لاري دايموند أزمة الديمقراطية الأميركية إلى خلل في تمويل الحملات الانتخابية ويطالب بإصلاح جذري لهذه المسألة بهدف إبعاد المصالح الاقتصادية عن الخيار السياسي. ويقرّ بأن المهمة صعبة وتتطلب توافقاً بين طيف واسع من الساسة المنتمين إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي لحماية الإصلاحيين من «انتقام» أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى.

ويرفض دايموند كون بعض الولايات تجري الانتخابات على أنواعها من دون استخدام أي مستند ورقي، لأن ذلك يؤجج نار مزاعم التزوير لأن التكنولوجيا الرقمية قابلة دائماً للاختراق.

ويرى أن الديمقراطية الأميركية «ليست أثينية لأن الجمهور ليس على دراية كافية بالقضايا ليتمكن من إبداء رأيه فيها. لذا فإن كل مسألة مطروحة تتحول إلى شعارات، وأحياناً تشويهات، في حملات مشحونة للغاية».

من جهتها، ترى الباحثة السياسية فانيسا وليامسون من «مؤسسة بروكنغز» أن الديمقراطية الأميركية ضعفت لسببين: التلاعب بالانتخابات وتعاظم قوة السلطة التنفيذية.

وتشرح «أنه بعد الانتخابات الرئاسية 2020، حاول الرئيس (ترمب)، على الرغم من اعترافه سرًا بخسارته، تخريب النتائج والبقاء في منصبه. لكن التآكل الديمقراطي في الولايات المتحدة ليس مرادفا لدونالد ترمب. فمنذ العام 2010 سُنّت قوانين تهدف إلى الحد من وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وتسييس إدارة الانتخابات، ومنع المنافسة الانتخابية من خلال التلاعب بالدوائر. وشهدت الولايات المتحدة أيضًا توسيعاً كبيراً في السلطة التنفيذية وجهودًا لتقويض استقلال الأجهزة الحكومية».

وتضيف أنه «في مواجهة هذه الضغوط، يبدو الكونغرس الذي يعاني من الجمود والحزبية المفرطة غير مجهز بشكل جيد لتوفير الرقابة والمساءلة غير المنحازة للسلطة التنفيذية، كما أن هناك تساؤلات جدية حول نزاهة السلطة القضائية».

وتلفت وليامسون إلى أن ما يخدع الناس هو أن عملية الانتخاب تشكل ستاراً يخفي تآكل الديمقراطية على مستوى العالم، ففي حين أن عدد المستبدين الذين يصلون إلى الحكم بوسائل عنفية يتراجع، يمسك بالسلطة عدد لا بأس به منهم عبر انتخابات يشوبها الكثير من العيوب. ويستخدم علماء السياسة مجموعة من المصطلحات لوصف هذه الظاهرة، بما في ذلك «تآكل الديمقراطية»، و«التراجع الديمقراطي»، و«الانحدار الديمقراطي».

جذور الأزمة

تتفق فانيسا وليامسون وكيلي بورن على أن السبب الحقيقي لأزمة الديمقراطية تاريخي ويعود إلى نشأة البلاد، فالنظام وُضع لحماية المتنفذين والعائلات الثرية (في العقد التاسع من القرن الثامن عشر كان يحق لـ6% من الأميركيين التصويت!)، شأنه في ذلك شأن الأنظمة في الدول الأوروبية، لكن الفرق أن الأخيرة طورت أنظمتها على مر العقود والقرون لجعل ديمقراطياتها شعبية قدر الإمكان، فيما بقى النظام الأميركي جامداً إلى حد كبير.

على سبيل المثال، لم تضمن السلطات الفدرالية حق المواطنين ذوي الأصول الأفريقية من سكان ولايات جنوبية («ملعب» العنصرية) في التصويت إلا عام 1965.

متظاهرون في واشنطن يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 يزعمون أن ترمب فاز بالانتخابات التي «سُرقت» منه (أ.ب)

كذلك، مما يضرب سلامة العملية الانتخابية التلاعب بحدود الدوائر الانتخابية، إذ يرسم المسؤولون المنتخبون حدود المقاطعات لمصلحة الحزب الذي ينتمون إليه. وهذا من شأنه أن يُنتج دوائر انتخابية آمنة معروفة نتائج الانتخابات فيها سلفاً، فتصير الانتخابات العامة ـ إلى جانب معدلات المشاركة المنخفضة للغاية في الانتخابات التمهيدية ـ غير ذات أهمية. وبسبب التلاعب بحدود الدوائر الانتخابية، لم تعد ما يقرب من 90% من الدوائر تنافسية، وهذا يعني أنه أياً يكن الفائز في الانتخابات التمهيدية فإنه سيفوز حتماً في الانتخابات العامة.

الخلاصة أن الدولة العظمى التي تقول إن رحابها تتيح لكل امرئ أن يطارد «الحلم الأميركي» ويحققه، تحتاج إلى عملية إصلاح لديمقراطيتها ترأب الصدوع العميقة، وتعالج الثقة المتدنية للشعب بالنظام السياسي، وتفعّل إنتاجية المؤسسات الحكومية الفدرالية، وتنظم بيئة الإعلام والتكنولوجيا الرقمية الفوضوية التي تساهم حكماً في التضليل عن قصد أو غير قصد. وكل هذا يتطلب قيادة شجاعة لا أحد يعلم في الوقت الراهن من أين ستخرج...