يرى المحلل الأميركي جيم كوك أنه بينما انحسرت أفغانستان بشكل كبير من الذاكرة العامة، تحيي الذكرى السنوية
الثانية للانسحاب الأميركي مشاهد صادمة للفوضى في مطار كابل، حيث حاول المدنيون اليائسون الفرار من البلاد.
ووسط هذا الارتباك، قُتل 13 جندياً أميركياً بشكل مأساوي في تفجير إرهابي مروع. وتوجَّه بعض أفراد الأسر المذهولة مؤخراً إلى واشنطن يطالبون بإجابات من كبار القادة العسكريين والمدنيين.
وقال كوك، وهو أستاذ شؤون الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأميركية في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه في سياق الدفاع عن إجراءات إدارة الرئيس بايدن، اعترف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بأنه لم تكن هناك وسيلة سهلة لإنهاء أطول حرب خاضتها أميركا، ولكن "هذا لا يعني أنها لم تكن تستحق خوضها».
وأضاف كوك أن هذه المناسبة الكئيبة توفر فرصة للتأمل بشأن الحرب وتداعيات الانسحاب بالنسبة لأفغانستان والمصالح الأميركية.
وللأسف هناك تقدم ضئيل في حكم أفغانستان والازدهار الاقتصادي والأمن فيها على مدار العامين الماضيين.
ورغم المؤتمرات الدولية وتعهدات المانحين بمليارات الدولارات في صورة إغاثة إنسانية وأشكال أخرى من المساعدات، فإنه أمام مبادرات النيات الحسنة هذه فرصة ضئيلة في تغيير الوضع الحالي بشكل كبير.
وعلاوة على ذلك، فإن أولئك الذين اعتقدوا على نحو متفائل في تحقق «طالبان» إصلاحاً رأوا آمالهم تتحطم مراراً بسبب سياساتها المتشددة وحكمها الوحشي.
والسؤال هو كيف يؤثر الوضع الراكد والمحزن بأفغانستان في مضي السياسة الخارجية الأميركية قدماً إلى الأمام؟ ومثلما تخبط أسلافه طوال حرب استمرت عقدين دون خطة واضحة للفوز في أفغانستان، يبدو الرئيس جو بايدن قانعاً بمواصلة هذا النهج في حقبة ما بعد الانسحاب.
وبينما تحتفل كابل بالذكرى الثانية لحكم «طالبان»، شهدت البلاد تدهوراً بكل المقاييس، وما زال مواطنوها يعانون من التداعيات. ويقول البنك الدولي في تقاريره إن الاقتصاد الأفغاني انكمش بنسبة 35 في المائة بين عامي 2021 و2022.
ويعيش أكثر من 9 أشخاص من كل 10 في فقر.
وحتى حرب «طالبان» على المخدرات التي خفضت بشكل كبير زراعة الأفيون في البلاد بسبب الإذعان الطوعي والتنفيذ الصارم لحظر فرضته الحكومة، أضرت اقتصادياً بالمزارعين الذين يعيشون عند حد الكفاف؛ نظراً لأنهم فقدوا دخولهم بزراعة محاصيل أقل ربحية مثل القمح. وبناءً على ذلك، فإن هناك نحو 6 ملايين أفغاني على مسافة خطوة واحدة من السقوط في المجاعة، ويعتمدون على برنامج الأغذية العالمي للحصول على حصص غذائية. وما يزيد الأمور سوءاً، حظرت طالبان على النساء الأفغانيات العمل لدى الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أخرى، ما فاقم التحدى الخاص بتوزيع المساعدات الإنسانية.
وأخيراً، تواصل «طالبان» حظرها القمعي على تعليم الإناث رغم الانتقادات العامة من علماء الدين داخل البلاد. وتظل «طالبان» حكومة منبوذة، ولا تلوم إلا نفسها بسبب عدم استعداد المجتمع الدولي لمنح اعتراف دبلوماسي رسمي كان سيمنح الشرعية، ويحفز تقديم مساعدات مالية أكبر، وضخ استثمار أجنبي مباشر في البلاد. وحتى الآن، أخفق الضغط الدبلوماسي والاقتصادي في جعل سلوك «طالبان» معتدلاً. وهناك قلق بأن فرض عقوبات أشد لن يؤدي إلا إلى إلحاق المزيد من الضرر بالشعب الأفغاني. ومع الوضع في الاعتبار هذه المعضلة، فإن الآراء في واشنطن ما زالت منقسمة بشأن التواصل مع نظام «طالبان» الوحشي في كابل، ناهيك عن الاعتراف رسمياً به.
ومثال لذلك، أرسل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي مايكل ماكول رسالة لاذعة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تكشف عن معارضة شديدة لسفر أي مسؤولين حكوميين أميركيين للقاء قادة «طالبان» في أفغانستان.
ودفع ماكول بالقول إن مثل هذه المحاولات تعد خيانة صارخة لذكرى القتلى وملايين الأفغان الذين ما زالوا يأملون في أفغانستان حرة ومزدهرة وديمقراطية، بينما تثير مخاوف تتعلق بالأمن القومي بشأن «تطبيع» النظام الذي يواصل ارتكاب انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان ودعمه النشط لـ(القاعدة)».
ورغم أن بايدن زعم أن تنظيم القاعدة لم يعد موجوداً في أفغانستان، قدم تقرير حديث للأمم المتحدة تقييماً مفاده أن التنظيم الإرهابي يحتفظ بعلاقات تكافلية وتعاونية وثيقة مع «طالبان»، وأنه يقوم حالياً بإعادة قدراته العملياتية.
ولتخفيف حدة خطر المجموعات الإرهابية التي تستعيد نشاطها، ترى الإدارة الأميركية أن الهجوم بمسيرة العام الماضي وقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابل يعدان تأكيداً على نهجها الواضح بشأن مكافحة الإرهاب.
ومع ذلك، لا تزال أجهزة الاستخبارات قلقة إزاء الملاذات الآمنة في أفغانستان التي يمكن أن تسهل شن هجمات في المستقبل ضد الولايات المتحدة ومصالحها. وعلاوة على ذلك، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا في شهادة مؤخراً: «إن التقليص في وسائل جمع المعلومات والموارد التحليلية والمعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع يعني أن حملتنا ضد (القاعدة) وتنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان يعد تحدياً، وبينما يمكننا أن نرى الأطر العريضة للتخطيط لهجوم، فإننا نفتقر للتفاصيل الدقيقة لنرى الصورة الكاملة للتهديد». ورغم المخاطر، فإن من غير المحتمل أن يعلن بايدن عن تغييرات كبيرة في النهج السياسي في أي وقت قريب، وبصفة خاصة في الوقت الذي تبدأ فيه بشكل جدي دورة الانتخابات الرئاسية حامية الوطيس.
وبدلاً من ذلك، سوف تواصل الإدارة الأميركية التخبط في حقبة ما بعد الانسحاب الأميركي وإعادة توجيه تركيز سياستها الخارجية واهتمام الشعب، نحو التحديات الجيوسياسية في أوكرانيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
واختتم كوك تقريره بالقول إنه إذا تكللت هذه الجهود الرامية لطي صفحة أفغانستان بالنجاح، فإن أفغانستان سوف تظل فكرة متأخرة وموضوعاً يظهر مجدداً فقط خلال جلسات الاستماع المشحونة بالانفعالات ومراسم إحياء الذكري السنوية.