المحكمة العليا: صراع مفتوح على النفوذ بين الديمقراطيين والجمهوريين

قراراتها المثيرة للجدل جددت النقاش حول تسييسها

مظاهرة خارج المحكمة العليا في واشنطن في يونيو 2022 (أ.ب)
مظاهرة خارج المحكمة العليا في واشنطن في يونيو 2022 (أ.ب)
TT

المحكمة العليا: صراع مفتوح على النفوذ بين الديمقراطيين والجمهوريين

مظاهرة خارج المحكمة العليا في واشنطن في يونيو 2022 (أ.ب)
مظاهرة خارج المحكمة العليا في واشنطن في يونيو 2022 (أ.ب)

ما يقرره السياسيون أو الأميركيون في الولايات المتحدة غالباً ما تتدخل فيه المحكمة العليا بقرار من قضاتها الـ 9 المعينين من الرؤساء الأميركيين، والمُصادَق عليهم من مجلس الشيوخ لمدى الحياة. ولا يقتصر تأثير قراراتها على الداخل الأميركي ونسيج مجتمعه فحسب، بل يمتد ليشمل الخارج مع قرارات كحظر السفر مثلاً.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، ممارسات المحكمة العليا الأميركية وقواعدها، ويناقش الاتهامات بتسييسها وانحيازها.

تواجه المحكمة العليا اتهامات بالتسييس (أ.ب)

هل أصبحت المحكمة العليا مسيسة؟

يقول توماس بيري، الباحث في معهد «كاتو»، إنه لطالما كانت المحكمة مسيّسة، مشيراً إلى أن «المعارضين لقراراتها دائماً ما ادّعوا أن مخاوف السياسة هي التي كانت وراء قرارات المحكمة، بينما يقول المدافعون إن المحكمة تصدر قراراتها استناداً إلى القانون فقط، ولا تهتم للنتيجة من الناحية السياسية».

ويتحدث كيفن مادن، المستشار السابق في حملة المرشح الجمهوري ميت رومني والخبير الاستراتيجي في الحزب، عن انعكاس الانقسامات السياسية والاجتماعية الحادة في البلاد على المحكمة العليا. فيقول: «الانقسامات الحزبية في أوجها، والانقسام الحزبي ليس بأمر جديد في أميركا، لكنه أصبح في ذروته مؤخراً في النقاشات والحوارات العامة». ويشير مادن إلى أن هناك «شعورا بالتوتر في البلاد، وهذا ما يقود الجدل بين مناصري الحزبين في البلاد». لكن هذا التوتر يؤدي كذلك، بحسب مادن، إلى تشجيع وسائل الإعلام على تغطية هذه المواجهات أو النقاشات.

من ناحيته، يقول المحامي جاريد لودهولت، كبير المستشارين الديمقراطيين السابق للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي، إن «البيئة الحزبية في ما يتعلّق بالمحكمة موجودة منذ فترة طويلة جداً، ويمكننا القول بأنها لطالما كانت فرعاً حكومياً مسيساً». وأضاف لودهولت: «برأيي، فإن المحكمة العليا هيئة سياسية ولطالما كانت قسماً مسيساً جداً من وزارة العدل».

المحكمة العليا مؤلفة من 9 قضاة (أ.ب)

شروط الترشيح و«الخيار النووي»

تحدث لودهولت عن قرارات المحكمة الأخيرة، من إلغاء قرار الرئيس الأميركي جو بايدن إعفاء الديون الطلابية، إلى إلغاء القبول في الجامعات بناء على العرق، ووصولاً إلى السماح لشركات خاصة برفض تقديم خدمات متعلقة بزفاف المثليين. فقال: «أعتقد أن ما رأيناه في الأسابيع القليلة الأخيرة هو نتيجة الانتخابات. للانتخابات عواقب، والأغلبية المحافظة هي نتيجة تعيين الرئيس (السابق دونالد) ترمب ثلاثة قضاة، وهذا ما أدى إلى الوضع الحالي».

وتتوزع مقاعد المحكمة، المؤلفة من 9 قضاة، حاليا بين 6 قضاة محافظين، عيّنهم رؤساء جمهوريون، و3 قضاة ليبراليين عيّنهم ديمقراطيون.

ويشير مادن إلى أن أحد الأسباب لتأرجح كفة المحكمة لصالح المحافظين هو تغيير قواعد المصادقة في مجلس الشيوخ من ستين صوتاً للأغلبية البسيطة، في إجراء يطلق عليه اسم «الخيار النووي» نظراً لخطورته. فقال: «في السابق، كانت المصادقة تحصل عبر ائتلاف واسع جدا في مجلس الشيوخ، لكن هذا الدعم حاليا بسيط، أي 50 + 1. وقد غيّر هذا كثيراً في طريقة احتساب الرئيس لخياراته في القضاة».

من ناحيته، تحدّث لودهولت عن توجّه الرؤساء لاختيار مرشحين صغار في السن نسبياً لمنصب قضاة في المحكمة، لأن المنصب هو لمدى الحياة. فيشرح قائلاً: «إذا كنت رئيس الولايات المتحدة، فستسعى إلى ترشيح قاضٍ في أواخر الثلاثينات من عمره لأنه تعيين مدى الحياة». ويقول لودهولت إن هناك ضرورة في التوازن في اختيار المرشح من حيث العمر: «مثالياً، يجب أن يكون المرشّح صغيرا في السن، وأن يكون لديه سجل كاف حتى ندرك توجهاته حول قضايا شائكة. ولكن من دون أن يكون هذا السجل طويلاً، لدرجة أنه لا يسمح له بالتغلب على المعارضة».

ويشير بيري إلى عدم وجود أي شرط في الدستور حول عمر قاضي المحكمة لدى ترشيحه، عاداً أنه «أمر غير اعتيادي». ويقول: «يجب على الرئيس الأميركي أن يكون في الخامسة والثلاثين من العمر (على الأقل)، بينما عضو مجلس الشيوخ يجب أن يكون في الثلاثين من العمر، وعضو مجلس النواب في الخامسة والعشرين، لكن لم يتم تحديد العمر لقضاة المحكمة العليا».

والمفارقة الأخرى هنا هي عدم وجود أي شرط في الدستور بأن على القاضي أن يتمتّع بدرجة جامعية في المحاماة. ويضيف بيري: «إن نظام التعليم العالي موجود فقط من مائة عام تقريباً في الولايات المتحدة. وفي أربعينات القرن الماضي، كان لدينا قاضي المحكمة العليا روبرت جاكسون ولم يكن قد تخرّج في كلية المحاماة. لكن اليوم أمر من هذا النوع لا يمكن تصوره».

دعوات ديمقراطية لتوسيع المحكمة (أ.ب)

اقتراح ديمقراطي بتوسيع المحكمة

في ظل تأرجح كفة المحكمة لصالح المحافظين، يدعو الليبراليون الديمقراطيون إلى زيادة عدد القضاة، وهي دعوات لم يدعمها الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الساعة. لكن هذا الطرح هو سيف ذو حدين، فيقول لودهولت إن التخوف هو في حال وصل رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض. هذا يعني أنه بدوره يستطيع تغيير عدد القضاة وزعزعة التوازن مجدداً.

ويوافق بيري مع هذا التخوف، ويضيف أنه في حال التوسيع، «ستكون هذه سابقة. وبمجرد وجود سابقة لتوسيع المحكمة من أجل تغيير التوازن، سيقوم الحزب الآخر بالمثل، إذ سيشعر أنه من حقه أيضاً توسيع المحكمة أكثر عندما يكون هناك رئيس من حزبهم. والقلق هنا هو أن المحكمة العليا ستزداد حجماً وسيستمر كل حزب في إضافة العدد الكافي لينال السلطة».

من ناحيته، يعد مادن أن النقاش في هذا الإطار «مسيّس وحزبي»، مضيفاً أن «كل حزب ينظر إلى نجاح حزب آخر على أنه نوع من التهديد»، وهذا ما يجيش النقاش.

قرارات المحكمة المثيرة للجدل تجيش الرأي العام الأميركي (أ.ب)

قرارات مثيرة للجدل

في ظل قرارات المحكمة المثيرة للجدل اجتماعياً وسياسياً في الولايات المتحدة، يشير لودهولت إلى أن عدداً من هذه القضايا من شأنها أن تجيّش الرأي العام الأميركي في موسم الانتخابات. فيقول: «أعتقد أن بعض القضايا التي رأيناها مثل قضية إلغاء حق الإجهاض، أو رفض إلغاء ديون الطلاب، هي أمور مهمة للناخبين الشباب الذين يميلون إلى الحزب الديمقراطي».

لكن لودهولت يشير إلى مشكلة استراتيجية في الحزب الديمقراطي، متسائلاً: «السؤال الذي يطرح هنا، هل سيدرك البيت الأبيض، والحزب الديمقراطي ومختلف حملات المرشحين الديمقراطيين، أهمية الانتخابات المقبلة لناحية قدرتها على زعزعة القضاء؟ تاريخياً، لم ينجح الديمقراطيون بالقيام بذلك، على خلاف المحافظين الذين نجحوا بإدماج قضايا المحكمة العليا مع الأمور اليومية التي تهم الناخبين».

المحكمة العليا تبت قضايا مثيرة للجدل السياسي (أ.ب)

ومن القضايا التي يسعى الديمقراطيون لتجييش الرأي العام الأميركي بشأنها قضية زواج المثليين، فبعد أن شرّعته المحكمة العليا في عام 2015، يرجّح الليبراليون احتمال أن تعيد المحكمة النظر به. ويقول بيري: «لا يمكن للمحكمة العليا أن تخلق قضايا بنفسها، يجب أن تطرح القضية أمامها. فقد كانت هناك استراتيجية طويلة الأمد من قبل المحامين لإعادة النظر في قرار السماح بالإجهاض، لكن هل هناك نفس الرغبة بين الناشطين القانونيين المحافظين لتقديم قضية المثليين أمام المحكمة؟ بصراحة لا أرى نفس مستوى الشغف الذي كان موجوداً لعكس قرار الإجهاض».

قضية أخرى تتفاعل بشكل متسارع في الولايات الأميركية هي قضية تغيير الجنس لدى القاصرين. ففي حين تدفع ولايات مثل كاليفورنيا باتجاه إعطاء القاصرين المزيد من الحرية لإجراء عمليات لتغيير الجنس من دون موافقة الأهل، تعتمد ولايات محافظة مثل تينيسي مقاربة مختلفة، وهي منع أي إجراءات من هذا النوع حتى في حال موافقة الأهل.

ويتحدث بيري عن احتمال وصول قضايا من هذا النوع إلى المحكمة العليا للبت فيها، فيقول إن «السؤال هنا هو ما إذا كانت هناك مسألة دستورية جدية، أم أن الأمر يتعلّق بالسياسات. بالطبع يتمتع الأطفال بحقوق دستورية، فلا يحق للأهل التحكم بالأطفال من النواحي كافة، لكن المحاكم وضعت حدودا ضمن المنطق. إذ يملك الأهل بعض القدرة على التحكم بما يختار أولادهم: فهناك قواعد مثلاً بأنه لا يمكن لقاصر الحصول على وشم من دون موافقة الأهل». ويتابع بيري: «قضايا من هذا النوع هي من دون سوابق، ولهذا السبب تزداد فرص توجهها إلى المحكمة العليا».


مقالات ذات صلة

هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن: العواقب على طهران لم تتبين بعد عقب الهجوم على إسرائيل

قال الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الثلاثاء إن هناك نقاشاً دائراً حول كيفية رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني، وإن العواقب على طهران لم تتبين بعد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب) play-circle 01:17

واشنطن: الهجوم الإيراني تصعيد كبير له عواقب وخيمة

شدد جيك سوليفان مستشار الامن القومي الأميركي، اليوم (الثلاثاء)، على أن إطلاق إيران لأكثر من 200 صاروخ باليستي ضد إسرائيل يعد تصعيداً كبيراً.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود إسرائيليون ينتشرون بمعدات عسكرية في منطقة الجليل الأعلى بشمال إسرائيل بالقرب من الحدود مع لبنان في 29 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الإدارة الأميركية تخشى «حرباً واسعة» بين إسرائيل وحزب الله وإيران

أبدى مسؤولون في الإدارة الأميركية مخاوف من اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» وإيران بعد مقتل حسن نصر الله.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي (رويترز)

واشنطن: الحرب الشاملة ليست السبيل لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى ديارهم

قال البيت الأبيض، اليوم (الأحد)، إن إسرائيل لن تكون بوسعها إعادة سكانها بأمان إلى منازلهم في شمال إسرائيل من خلال شنّ حرب شاملة مع «حزب الله» أو إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقارير: قرصنة صينية لأنظمة تنصت أميركية

رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
TT

تقارير: قرصنة صينية لأنظمة تنصت أميركية

رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)
رسم يُظهر العلمين الأميركي والصيني من خلال زجاج مكسور (صورة توضيحية - رويترز)

أفادت صحيفة أميركية بأن قراصنة إلكترونيين من الصين تمكّنوا من الوصول إلى شبكات مقدمي خدمات النطاق العريض في الولايات المتحدة، وحصلوا على معلومات من أنظمة تستخدمها الحكومة الأميركية في التنصُّت على المحادثات الهاتفية، بعد الحصول على موافقات قضائية.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» السبت، عن مصادر مطلعة قولها إن «فيرايزون كوميونيكيشنز» و«لومين تكنولوجيز» من بين شركات الاتصالات التي تعرضت شبكاتها للاختراق الذي جرى اكتشافه في الآونة الأخيرة.

وقالت الصحيفة إن القراصنة ربما تمكنوا على مدى شهور من الوصول إلى البنية التحتية للشبكات التي تستخدمها تلك الشركات للتعاون في تنفيذ طلبات أميركية مشفوعة بموافقات قضائية للحصول على بيانات متعلقة بالاتصالات. وأضافت أن المتسللين نجحوا كذلك في اختراق أنظمة أخرى تستخدم الإنترنت.

وردّت وزارة الخارجية الصينية، الأحد، بأنها ليست على علم بالهجوم الذي ورد في تقرير الصحيفة، لكنها أشارت إلى أن الولايات المتحدة سبق أن «لفّقت رواية كاذبة» تتهم الصين بتنفيذ هجوم إلكتروني.

وأضافت الوزارة في بيان: «في الوقت الذي أصبح فيه أمن الإنترنت تحدياً مشتركاً لجميع البلدان في أنحاء العالم، فإن مثل هذا النهج الخاطئ لن يؤدي إلا إلى إعاقة جهود المجتمع الدولي لمواجهة التحدي بشكل مشترك من خلال الحوار والتعاون»، وفق ما نقلت وكالة «رويترز».

وكانت بكين قد نفت في الماضي مزاعم الحكومة الأميركية وغيرها من الجهات بأنها استخدمت قراصنة إلكترونيين لاختراق أنظمة كومبيوتر أجنبية.

وقالت وكالة «رويترز» إن شركتي «فيرايزون كوميونيكيشنز» و«لومين تكنولوجيز» لم تردا على طلبات للتعليق على الفور.

وذكرت «وول ستريت جورنال» أن مجموعة قراصنة من الصين نفّذوا الهجوم بهدف جمع معلومات استخباراتية.