«البنتاغون»: سقوط أفدييفكا ينذر بانهيار الدفاع الأوكراني ما لم نحصل على التمويل الإضافي

أول مكسب كبير تحققه القوات الروسية منذ مايو الماضي... وتزامن مع الذكرى الثانية للحرب

دخان القصف الروسي قرب مصنع الكيماويات في مدينة أفدييفكا (رويترز)
دخان القصف الروسي قرب مصنع الكيماويات في مدينة أفدييفكا (رويترز)
TT

«البنتاغون»: سقوط أفدييفكا ينذر بانهيار الدفاع الأوكراني ما لم نحصل على التمويل الإضافي

دخان القصف الروسي قرب مصنع الكيماويات في مدينة أفدييفكا (رويترز)
دخان القصف الروسي قرب مصنع الكيماويات في مدينة أفدييفكا (رويترز)

قبل يوم واحد من سقوط مدينة أفدييفكا الأوكرانية، في أيدي القوات الروسية، كان القادة العسكريون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، متشائمين من أن يؤدي سقوطها إلى إحداث ما يشبه تساقط أحجار الدومينو، على جبهة ممتدة على طول ألف كيلومتر.

مبان سكنية تضررت جراء الضربات الروسية في أفدييفكا (رويترز)

وما زاد من قلق قادة البنتاغون، أن الهجوم الروسي الذي خططت له موسكو منذ فترة طويلة على المدينة، كان يهدف إلى إسقاطها مع حلول الذكرى الثانية لبدء الحرب على أوكرانيا، وقبيل استعدادات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتجديد انتخابه، ليقدم «الأدلة» الدامغة على صحة سياساته في صراعه، ليس مع أوكرانيا فقط، بل ومع الغرب كله.

وما زاد الطين بلة، أن سقوط أفدييفكا، أرفق برسالة «تحد سياسي فاقعة»، عبر الإعلان عن موت المعارض الروسي أليكسي نافالني، بحسب تعليقات كثير من قادة الغرب المجتمعين في مؤتمر الأمن في ميونيخ، ضاربا بعرض الحائط كل الاعتراضات، داخل روسيا وخارجها. كما جاء سقوط المدينة، في خضم الجدل الدائر حول ديمومة المساعدات الغربية وخصوصا الأميركية لأوكرانيا.

أول مكسب روسي كبير

ويعد سقوط أفدييفكا، التي كانت ذات يوم موطنا لنحو 30 ألف شخص، ولكنها أصبحت الآن خرابا، أول مكسب كبير تحققه القوات الروسية منذ مايو (أيار) الماضي. وبعد صد الهجوم الأوكراني المضاد في الصيف والخريف، واصلت القوات الروسية في الأسابيع الأخيرة الهجوم عبر كامل طول الجبهة. ويأتي الانسحاب الأوكراني يوم السبت، بعد نهاية دموية شهدت بعضا من أعنف المعارك في الحرب المستمرة منذ عامين. وبالاعتماد على تفوقها في الأفراد والأسلحة، قصفت روسيا المدينة جوا وبرا، حتى في الوقت الذي عانى فيه جيشها من عدد هائل من الضحايا.

جندي أوكراني يجلس في موقعه في أفدييفكا بمنطقة دونيتسك بأوكرانيا في أغسطس الماضي (أ.ب)

وبدأت القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص السلاح الانسحاب من مواقعها في الجزء الجنوبي من المدينة يوم الأربعاء، ومنذ ذلك الحين انخرطت في معركة يائسة لتجنب التطويق داخل المدينة مع تقدم القوات الروسية من اتجاهات متعددة.

وبحسب محللين عسكريين، فإنه، حتى لو استقرت الخطوط الأوكرانية في الجزء الخلفي من أفدييفكا، فإن سقوطها تحت السيطرة الروسية سيسمح للجيش الروسي بتحريك قواته ومعداته بشكل أكثر كفاءة بينما يضغط في اتجاهات أخرى.

وأعلن الجيش الأوكراني ليل الجمعة السبت انسحابه من المدينة من أجل «الحفاظ» على حياة أكبر عدد من جنوده. واتخذ الجيش الأوكراني هذا القرار بعد أشهر من المعارك والخسائر والدمار والقتال الكثيف ضد القوات الروسية التي تحاول منذ أكتوبر (تشرين الأول) السيطرة على المدينة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مؤتمر ميونيخ للأمن إن الانسحاب من أفدييفكا «قرار عادل لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح». وأضاف: «لتجنّب أن نكون محاصرين، قررنا الانسحاب على خطوط أخرى. هذا لا يعني أن الناس تراجعوا بضعة كيلومترات وأن روسيا استولت على شيء ما، هي لم تستولِ على شيء». وقال قائد القوات في المنطقة الجنرال الأوكراني أولكسندر تارنافسكي عبر «تلغرام» ليل الجمعة السبت: «في الحالة التي يتقدم فيها العدو عبر السير فوق جثث جنوده ولديه قذائف أكثر بعشر مرات (...) فإن هذا هو القرار الصحيح الوحيد». وأكد أن القوات الأوكرانية تجنبت بالتالي تطويقاً قرب هذه المدينة الصناعية المدمرة إلى حد كبير.

وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف رفقة قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي على خط الجبهة في منطقة دونيتسك (إ.ب.أ)

وقال ميكولا بيليسكوف، المحلل العسكري في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية في أوكرانيا، إن «أفدييفكا نقطة قوية مهمة للغاية في نظام الدفاع الأوكراني»، لأنها تحمي بوكروفسك، على بعد نحو 50 كيلومترا إلى الشمال الغربي، وهي مركز لوجيستي للجيش الأوكراني. وأضاف: «السيطرة على أفدييفكا قد تخلق فرصة لروسيا».

المتحدث باسم «البنتاغون» الجنرال بات رايدر (أ.ب)

ونقلت وسائل إعلام أميركية مقابلات خاصة مع بعض الجنود الأوكرانيين المنسحبين، أعربوا فيها عن قلقهم من أن الدعوة للانسحاب جاءت بعد فوات الأوان، ونشر بعضهم رسائل صارخة على وسائل التواصل الاجتماعي، عن انسحابهم الخطير والفوضوي.

وقال جنود إنه مع اشتداد المعركة من أجل أفدييفكا، اضطر القادة الأوكرانيون الذين يقاتلون في المنطقة إلى تقنين الذخيرة. وهو ما استغله مسؤول عسكري أميركي كبير، حين حذر من أن استمرار الكونغرس في عدم الموافقة على طلب التمويل الإضافي الذي طلبته وزارة الدفاع، فإن أوكرانيا لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي. وقال المسؤول لوسائل الإعلام يوم الجمعة: «إذا فشلت أوكرانيا لأننا فشلنا في تزويدها بالمساعدة الأمنية، فستكون التكاليف بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة والعالم، أعلى من تكلفة المساعدة الأمنية اليوم». وأضاف المسؤول أنه من دون التمويل التكميلي، تواجه وزارة الدفاع الأميركية أيضا فجوات في الموارد لدعم قواتها المنتشرة في أوروبا، مؤكدا على أن عدم وجود ملحق إضافي يؤثر بالفعل على أوكرانيا.

تحذير من انهيار دفاعات أوكرانيا

بيد أن تصريحات المسؤول العسكري، التي ركز فيها على نقص الذخيرة وغيرها من الإمدادات الحيوية، بدت وكأنها تمهد للإعلان، ليس فقط عن سقوط أفدييفكا «قريبا»، بل وأبعد من ذلك. وقال: «نحن نعدّ هذا أمرا يمكن أن يكون نذيرا لما سيأتي إذا لم نحصل على هذا التمويل الإضافي، لأنه من دونه، لا يمكننا فقط إعادة إمداد القوات الأوكرانية، بل سنجد أيضا أن الكثير من المواقع الأخرى على طول الخط الأمامي للقوات ستنخفض إمدادات الذخيرة الحيوية لها». وقال إنه «إلى جانب أفدييفكا، ستسقط مناطق أخرى أيضا مع نفاد الذخيرة وقدرات الدفاع الجوي لدى القوات الأوكرانية».

وأضاف المسؤول: «في هذه المرحلة، الولايات المتحدة ليست أكبر جهة مانحة لأوكرانيا عندما يتعلق الأمر بالمساعدة الأمنية أو المساعدة الاقتصادية. وعندما تنظر إلى المساعدة الأمنية، فإننا في الواقع نحتل المرتبة السادسة عشرة في العالم من حيث النسبة المئوية». وقال إن بعض المساهمين الرئيسيين هم الدنمارك وإستونيا وفرنسا وألمانيا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة. وهو ما عد ردا على تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، التي هدد فيها دول حلف الناتو بعدم الدفاع عنها بوجه أي هجوم روسي، ما لم تف بالتزاماتها في ميزانية الحلف البالغة 2 في المائة من ناتجها القومي.

نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس خلال اجتماعها بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش أعمال مؤتمر الأمن في ميونيخ السبت (رويترز)

ورغم ذلك، حرص المسؤول العسكري الكبير على ذكر تكلفة الحرب على روسيا. وقال إنه من المحتمل أن تكون روسيا قد أنفقت ما يصل إلى 211 مليار دولار على شكل نفقات مالية مباشرة لتجهيز ونشر وصيانة واستدامة العمليات في أوكرانيا. وفيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، قال إن الحرب الأوكرانية أفقدت روسيا أكثر من 10 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة الملغاة أو المؤجلة، وفقدت من نموها الاقتصادي المتوقع حتى عام 2026، ما كلفته 1.3 تريليون دولار. وفيما كرر المسؤول القول إن ما لا يقل عن 315 ألف جندي روسي قتلوا أو جرحوا في القتال، أكد أن القوات الأوكرانية أغرقت أو دمرت أو ألحقت أضرارا بما لا يقل عن 20 سفينة بحرية روسية متوسطة إلى كبيرة.

ويأتي سقوط أفدييفكا، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة الأوكرانية أيضا، لتجنيد وتعبئة الجنود لملء صفوفها المستنفدة بعد عامين من القتال الوحشي في كثير من الأحيان. وكانت أفدييفكا والمناطق المحيطة بها، على خط المواجهة منذ أن استولى المسلحون المدعومون من روسيا على الأراضي في شرق أوكرانيا في عام 2014. لكن الروس كثفوا جهودهم للاستيلاء على المدينة في أكتوبر الماضي، وشنوا هجمات واسعة النطاق لتطويق المنطقة على نطاق واسع.


مقالات ذات صلة

الدنمارك: غرينلاند قد تستقل لكنها لن تصبح ولاية أميركية

أوروبا الجبال الجليدية الضخمة تظهر بالقرب من كولوسوك بغرينلاند (أ.ب)

الدنمارك: غرينلاند قد تستقل لكنها لن تصبح ولاية أميركية

أعلن وزير الخارجية الدنماركي اليوم (الأربعاء) أن غرينلاند قد تستقل عن بلاده إذا أراد سكانها ذلك، لكنها لن تصبح ولاية أميركية.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب) play-circle 00:27

بعد تصريحات ترمب عن غرينلاند وكندا... شولتس: «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»

ذكر المستشار الألماني، أولاف شولتس، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب علناً بمبدأ حرمة الحدود، وذلك على خلفية إعلان الأخير عن رغبته في الاستحواذ على غرينلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ ليفيلسبيرغر أطلق النار على نفسه قبل انفجار شاحنة «تسلا سايبرترك» في يوم رأس السنة الجديدة بلاس فيغاس (أ.ب)

منفذ تفجير سيارة «تسلا» في لاس فيغاس استخدم «شات جي بي تي» لتخطيط الهجوم

كشفت الشرطة الأميركية أمس أن الجندي الذي فجّر شاحنة «تسلا سايبرترك» خارج فندق ترمب في لاس فيغاس بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي استخدم الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شنت واشنطن عشرات الغارات على مواقع الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

ضربات أميركية على منشأتين لتخزين أسلحة تابعتين للحوثيين

نفذ الجيش الأميركي ضربات ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران داخل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل بن أفليك وزوجته السابقة جنيفير لوبيز (رويترز)

بعد زواج دام عامين... جينيفر لوبيز وبن أفليك يتوصّلان إلى تسوية طلاق

توصّل النجمان الأميركيان بن أفليك وجينيفر لوبيز إلى تسوية بشأن طلاقهما، بعد 5 أشهر من الانفصال الذي أنهى زواجهما الذي دام عامين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يطالب محكمةً في نيويورك بإسقاط قضية شراء الصمت

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

ترمب يطالب محكمةً في نيويورك بإسقاط قضية شراء الصمت

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (د.ب.أ)

طلب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب من محكمة في نيويورك، اليوم (الثلاثاء)، إلغاءَ حكم إدانته في القضية المتعلقة بدفع أموال لنجمة أفلام إباحية مقابل شراء صمتها.

كما طلب ترمب من المحكمة إسقاط القضية قبل صدور الحكم فيها يوم الجمعة.

واستشهد محامو ترمب بالحصانة الرئاسية ومتطلبات تنصيبه المرتقب في 20 يناير (كانون الثاني)، وقالوا إن اعتزام القاضي خوان ميرشان عدم معاقبة ترمب «لا يحمل أهمية». وكتب المحامون: «لا يمكن تجاهل انتهاكات حصانة الرئيس من أجل إصدار أحكام متسرعة قبل التنصيب».

وأمر القاضي خوان ميرشان في مانهاتن بالمضي قدماً في جلسة النطق بالحكم، يوم الجمعة المقبل، كما هو مقرر، رافضاً دفوع محاميي ترمب التي طالبت بتأجيلها أثناء تقديمهم طلباً لمحكمة الاستئناف لإلغاء قراره بالإبقاء على الإدانة. ولا يزال بإمكان ترمب مطالبة محكمة الاستئناف بالتدخل وإصدار قرار بتأجيل الجلسة. وخلاف ذلك، سيتم النطق بالحكم عليه قبل أكثر من أسبوع بقليل من حفل تنصيبه لولاية ثانية.

وأبلغ محامو ترمب، القاضي ميرشان، بأنه إذا عقدت جلسة النطق بالحكم، فسيحضرها عبر الفيديو بدلاً من الحضور شخصياً، إذ منحه القاضي هذا الخيار نظراً لمتطلبات عملية الانتقال الرئاسي.

كان القاضي ميرشان قد رفض، يوم الجمعة الماضي، محاولةَ ترمب إلغاء الحكم بسبب عودته الوشيكة إلى البيت الأبيض، لكنه أشار إلى أنه من غير المرجح أن يفرض على ترمب أي عقوبة بالسجن على إدانته بـ34 تهمة جنائية بتزوير السجلات التجارية.