يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي، بمناسبة قمتهم يومي الخميس والجمعة المقبلين في بروكسل، اتخاذ قرار بشأن استخدام الأصول الروسية المودعة لدى مؤسسة «يوروكلير» لدعم أوكرانيا، والتي عمد الأوروبيون إلى تجميدها حتى نهاية الحرب الأوكرانية بعد أن درج تجميدها كل ستة أشهر. وتقوم الخطة الأوروبية التي قدمتها أورسولا فون دير لاين على اقتراض مبلغ 90 مليار يورو من الأصول الروسية الجمدة حديثاً في المؤسسة وتحويلها إلى «قروض تعويضات» إلى كييف من أجل مساندتها مالياً واقتصادياً وعسكرياً للعامين 2026 و2027.

وتحتفظ «يوروكلير» بـ190 ملياراً من الأصول العائدة بشكل رئيسي إلى البنك المركزي الروسي، بينما مجمل الأصول الروسية لدى الاتحاد الأوروبي تبلغ 210 مليارات يورو. ولن يتوجب على كييف تسديد هذه القروض إلا بعد أن تحصل من موسكو على تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها الحرب الروسية. وبما أنه لا أحد يتوقع أن تعمد روسيا لدفع تعويضات لأوكرانيا، فهذا يعني أنه لن يتعين على كييف أن تسدد القروض التي مصدرها «يوروكلير».
وأهمية هذه الآلية أن دول الاتحاد الأوروبي لن تكلف دافعي الضرائب لديها بأي أعباء، علماً بأن غالبية الميزانيات الأوروبية تعاني من عجوزات، كما أن الرأي العام الأوروبي لم يعد «متحمساً» لتوجيه مئات المليارات إلى كييف في حرب متواصلة منذ أربعة أعوام.
دور المستشار الألماني
كان المستشار الألماني فريدريش ميرتس أول من دفع في هذا الاتجاه، رغم المحاذير القانونية والسياسية التي تلف عملية طابعها «الاستيلاء» أو وضع اليد على ودائع «سيادية» تعود لروسيا.
وحتى اليوم، كان الاتحاد يستخدم عائدات الأصول لدعم أوكرانيا، والتي يقدر مردودها السنوي بنحو خمسة مليارات يورو. بيد أن تراجع إدارة ترمب عن توفير الهبات والقروض المالية والدعم العسكري لكييف، وتمسكها بأن تدفع الدول الأوروبية ثمن الأسلحة الأميركية الموجهة للقوات الأوكرانية، ضاعفا عبء ما يتعين على الأوروبيين تحمله. وتقدر حاجات أوكرانيا للعامين المقبلين بـ135 مليار يورو يأمل الاتحاد توفير 90 مليار يورو منها، على أن تقوم دول أخرى مثل بريطانيا واليابان وأستراليا ودول أخرى بتوفير الباقي.
بيد أن الخطة الألمانية - الأوروبية تواجه صعوبات أساسية؛ أُولاها رفض بلجيكا، حتى اليوم، السير بها.

وخلال الأسابيع الماضية، وقف بارت دي ويفر، رئيس وزراء بلجيكا، بوجه الخطة، معتبراً أن بلاده تركب مخاطر كبرى، قانونية بالدرجة الأولى، بشأن عملية لا تحظى بغطاء قانوني كافٍ. ونبه دي ويفر إلى أن بروكسل قد تُجرّ إلى المحاكم، وأن إلزامها بإعادة المبالغ المصادرة سيضرب اقتصادها. كذلك أعرب عن تفهمه لممانعة إدارة مؤسسة «يوروكلير» للخطة الأوروبية باعتبار أن مبادرة كهذه يمكن أن تهز الثقة التي تتمتع بها لدى العديد من الدول، فضلاً عن ضرب استقرار السوق المالية في بلجيكا وأوروبا بشكل عام.

التغلب على معارضة بلجيكا
إزاء هذه المعارضة، سعى ميرتس وفون دير لاين إلى طمأنة رئيس الوزراء البلجيكي الذي يطالب بـ«ضمانات» أوروبية «صلبة»، حتى «لا تترك بلاده وحيدة» في حال ساءت الأمور. وخلال زيارته للندن نهاية الأسبوع الماضي، قال دي ويفر إنه «إذا برز من خلال المفاوضات المقبلة» بين الأوروبيين «أننا لم نعد وحيدين، وأن هناك تقاسماً للمخاطر، فإن مواطني بلجيكا قد يطمئنون»، مضيفاً أن بلجيكا تدعم أوكرانيا «متمتعة بالسيادة والحرية الديمقراطية».
وبالنظر للشروط التي يطرحها دي ويفر، فإن السير بخطة استخدام الأصول الروسية مرهون بما سيقدمه القادة الأوروبيون لنظيرهم البلجيكي. ولا يبدو توافق الأوروبيين مضموناً، وهو ما يفهم من تصريحات كايا كالاس، مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد التي قالت، الاثنين، بمناسبة اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل: «إن الخيار الأكثر جدوى هو (قرض التعويضات) الذي نعمل عليه».
وأضافت كالاس: «لم نتوصل إلى حل بعد، والأمر يزداد صعوبة، ولكننا نبذل قصارى جهدنا».
وإزاء المخاوف البلجيكية، سارعت كالاس إلى القول: «أعتقد أنه من المهم أن يكونوا موافقين على أي خطوة نتخذها»، منوهة بأن «استخدام الأصول الروسية سيرسل إشارة واضحة تفيد بأنه إذا ألحقتم كل هذه الأضرار بدولة أخرى، فعليكم أن تدفعوا ثمن التعويضات».
ما تقوله كالاس، شدد عليه الرئيس الأوكراني والمستشار الألماني بمناسبة انعقاد المنتدى الألماني - الأوكراني في برلين، الاثنين.
وقال فولوديمير زيلينسكي إنه «يجب أن تُوظَّف هذه الأموال بشكل كامل وفعّال للدفاع ضد العدوان الروسي. هذا أمر عادل ومعقول وقابل للتحقيق».
ومن جانبه قال ميرتس: «إن وضع اللمسات الأخيرة على الخطة مسألة أساسية ومحورية يجب حلها على الفور بطريقة يشارك فيها الجميع، وأن تتحمل جميع الدول الأوروبية المخاطر نفسها».
وأضاف: «إذا لم ننجح في ذلك، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل ستتضرر بشدة لسنوات، إن لم يكن لفترة أطول، وسنُظهر للعالم عجزنا عن التكاتف والعمل في مثل هذه اللحظة الحاسمة من تاريخنا».
منذ أن بدأ الأوروبيون جدياً في البحث بهذه المسألة، تواترت التحذيرات الروسية على كافة المستويات.
وتصف موسكو ما يسعى إليه الأوروبيون بـ«السرقة الموصوفة»، وتَعِد بالرد عليها بشكل حاسم. ومن التدابير العقابية المتوافرة لديها، السيطرة على الشركات والأصول الغربية المتنوعة لديها، إضافة إلى الإجراءات القانونية، بما فيها أمام المحاكم الروسية أو المحاكم الدولية. واعتبر رئيس صندوق الاستثمارات الروسية أن الخطة الأوروبية تعد «أكبر خطر على الاستقرار المالي للتكتل الأوروبي».

تهديدات روسيا بالانتقام
لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يعير كبير اهتمام للتحذيرات الروسية، خصوصاً بعد أن نجح في الالتفاف على المعارضة الداخلية للمجر وتشيكيا. لكن المفوضية نجحت في العثور على مادة قانونية للاتحاد تتيح لها القفز فوق مبدأ الإجماع والعمل بمبدأ الأكثرية المعززة. ولذا، فإذا اقتنع رئيس الوزراء البلجيكي بالضمانات الأوروبية، فإن ذلك يعني أن الطريق أصبحت معبدة أمام اللجوء إلى الأصول الروسية لدعم كييف من جهة، ولحرمان الولايات المتحدة من حق التصرف بها.

لكن تبقى في الأفق بعض الصعوبات، وأُولاها احتمال أن تربط موسكو قبولها بوقف الحرب والذهاب إلى اتفاق سلام مع كييف باستعادة أصولها المالية، الأمر الذي لم يثره الطرف الروسي حتى اليوم، ولكنه يبقى احتمالاً قائماً. ومع تسارع الاتصالات عالية المستوى بين الأطراف الأميركية والأوروبية والأوكرانية، والاقتراب أكثر من أي يوم مضى من احتمال التوصل إلى اتفاق في الأيام والأسابيع المقبلة، تصبح مسألة التعويضات، ومعها مصير الأصول الروسية، أكثر إلحاحاً.

يتم ذلك فيما شهدت مدينة لاهاي الهولندية ولادة «اللجنة الدولية للمطالبات»، بمشاركة الرئيس الأوكراني وعشرات المسؤولين الأوروبيين وغير الأوروبيين. والغرض من اللجنة الجديدة التي تنشأ هو إحصاء مطالبات التعويض.
وشدد وزير خارجية هولندا ديفيد فان ويل على أهمية المساءلة ودفع التعويضات للمتضررين في أوكرانيا؛ أكانوا أفراداً أم مؤسسات أم السلطات العامة. وقال، الثلاثاء: «من دون المساءلة، لا يمكن حل أي نزاع بشكل كامل. وجزء من هذه المساءلة هو دفع التعويضات عن الأضرار التي أُلحقت. لذلك أعتقد أن ما نقوم به اليوم خطوة كبيرة؛ إذ نقوم الآن بإنشاء لجنة للمطالبات، ونوقّع معاهدة بهذا الشأن». لكن لم تُعرف حتى الآن كيفية تمويل المطالب المشار إليها، وما إذا كانت تتداخل هذه الآلية مع ما يتأهب له الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا أيضاً، للقيام به من اللجوء إلى الأصول الروسية لدفع التعويضات.


