ألمانيا: هاجس الترحيل يؤرق السوريين

دعوات متزايدة للاجئين بالمغادرة والمساعدة في إعادة إعمار بلدهم

شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
TT

ألمانيا: هاجس الترحيل يؤرق السوريين

شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

تمتزج روائح المأكولات العربية ودخان الأراكيل بكلام، لم يعد همساً، يتداوله شبان حول الترحيل إلى سوريا، وهم يجلسون أمام المقاهي على أرصفة شارع زوننآليه المعروف بـ«شارع العرب» وسط برلين. يشربون القهوة العربية ويأكلون الكنافة والمعجنات. يبدون في حالة استرخاء، ولكن النقاش متوتر، ومليء بالتساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا ستبدأ فعلاً ترحيلهم إلى سوريا.

موضوع ترحيل السوريين يشغل ألمانيا منذ أيام، ويتصدر أخبارها؛ بدأ مع زيارة وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى دمشق، حيث جال في حرستا، ضاحية العاصمة المدمرة، ومن هناك قال إنه لا يرى عودة كبيرة للسوريين من ألمانيا بسبب حجم الدمار الهائل في البلاد.

وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول خلال جولة له في ضواحي دمشق (أرشيفية - د.ب.أ)

ولكن صدى كلامه كان أشبه بالزلزال في ألمانيا. وبدأت تردداته من داخل الحزب «المسيحي الديمقراطي» الذي انقلب على وزير الخارجية منتقداً تصريحاته. وكان أول المنتقدين المستشار، فريدريش ميرتس، الذي قال إن تصريحات فاديفول كانت لا شك متأثرة باللحظة، وبسبب جولته بين الدمار، ليضيف بأن سبب منح اللجوء للسوريين انتفى بسقوط بشار الأسد، وأنه لا مانع من عودتهم إلى بلادهم اليوم للمشاركة في إعادة إعمارها. وتابع يقول إن من يرفض المغادرة يمكن ترحيله.

صفق كثيرون داخل الحزب المحافظ للمستشار، الذي أعلن أيضاً أنه سيدعو الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة ألمانيا لمناقشة وضع اللاجئين.

من بين المصفقين وزير الداخلية، ألكسندر دوربينت، الذي يدفع بالاتجاه نفسه: ترحيل السوريين ليس فقط المدانين بجرائم بل أيضاً وغيرهم، خاصة الشبان الذين وصلوا إلى ألمانيا منفردين، ويمكن تصنيفهم على أنهم يشكلون «خطراً أمنياً».

ولكن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك، مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي يطالب بنزع صفة اللجوء عن كل السوريين الذين منحوا حق اللجوء والبقاء المؤقت، باعتبار أن الحرب في سوريا انتهت ولم يعد هناك خطر ملاحقة للعائدين. واستغل الحزب اعتقال لاجئ سوري بتهمة التحضير لعمل إرهابي في اليوم نفسه الذي كان فاديفول يجول فيه في سوريا، ليبرر سياسته الداعية لترحيل كل السوريين. وحتى أن أعضاء في الحزب بدأوا حملات دعائية تدعو لرحيل السوريين، مثل ميغيل كلاوس، عضو «البديل من أجل ألمانيا» في ولاية بادن فورتمبورغ، الذي كتب تغريدة على منصة «إكس» يروج فيها للافتة تحمل صورته وكلاماً باللغتين الألمانية والعربية يقول: «أيها السوريون الأعزاء، حان وقت العودة إلى دياركم، وإعادة بناء وطنكم».

ليانا الدحدوح وصلت لاجئة سورية إلى ألمانيا والآن هي صاحبة مقهى في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

ويبدو فعلاً أن المستشار وعدداً من السياسيين داخل حزبه يتبنون سياسة راديكالية في ترحيل السوريين، رغم أن ميرتس أوضح أن الترحيل لن يطال المندمجين، والذين لديهم وظائف، ويدفعون الضرائب. وبينما يسعى وزير الداخلية لعقد اتفاق مع الحكومة السورية تبدأ بترحيل المدانين بجرائم، فهو أوضح مراراً أن الترحيل لن يكون مقتصراً فقط على هؤلاء.

على الأرض، يبدو أن الكثيرين من السوريين الذين ما زالوا ينتظرون أوراقهم في حالة من «عدم المبالاة». منهم من يقول إنهم يمكنهم العودة لو أجبروا على ذلك، وأنهم لم يعد لديهم ما يخشونه في حال اضطروا للعودة.

ولكن آخرين، خاصة المندمجين في سوق العمل، والذين أسسوا أعمالاً لهم، فإن قصة العودة تبدو شبه مستحيلة. من هؤلاء، ليانا دحدوح التي فتحت مقهى لها قبل أشهر سمته «لوز»، لأنه يذكرها بدمشق حيث يزهر اللوز في فصل الشتاء البارد والصعب، وتقول إن في ذلك شبها بقصتها التي أوصلتها لاجئة إلى ألمانيا، ولكنها الآن تمكنت من أن تفتح مقهى ناجحاً تملكه، وتقضي وقتها في إدارته. بالنسبة لليانا، تبدو العودة مستحيلة. تقول إنها سافرت إلى سوريا بعد يومين من سقوط النظام مع والدتها، ومكثتا في منزل جدتها في دمشق لمدة أسبوعين، وتضيف مبتسمة: «ربما في الأسبوعين استحمينا مرة واحدة وبمياه باردة». وتشرح ليانا التي حصلت على جواز السفر الألماني أن الوضع في سوريا بدا صعباً جداً بغياب المقومات الأساسية، وأنها بقدر ما تريد العودة بعاطفتها، فهي تتساءل ما إذا كانت قادرة فعلاً على العودة، والبدء من الصفر مرة ثانية.

محلات سورية في شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

وتتردد هذه القصة كثيراً بين السوريين في برلين. ويصعب على الكثيرين اتخاذ قرار أن الحكومة الألمانية لا تسمح لحاملي اللجوء والإقامة المؤقتة بالعودة للزيارة، ومن يثبت أنه زار سوريا يصبح عرضة لخسارة لجوئه، لأن السبب الذي منح اللجوء على أساسه، أي عدم القدرة على العودة خوفاً من الملاحقة، يكون قد انتفى.

وحتى الآن لا يمكن ترحيل السوريين إلى سوريا، إلا أن قراراً من محكمة في دوسلدورف شكل سابقة، وربما يفتح الباب أمام ذلك. فقد أصدرت المحكمة الإدارية في دوسلدورف قراراً يعطي الضوء الأخضر لترحيل سوري يبلغ من العمر 46 عاماً وابنه البالغ من العمر 26 عاماً لم يرتكبا أي جرائم في ألمانيا. واستنتجت المحكمة أن ترحيل الرجلين لن يؤدي إلى تعريض حياتهما للخطر كونهما من دمشق واللاذقية، حيث مستوى العنف صار منخفضاً، بحسب تبرير القاضي. وبررت المحكمة قرارها أيضاً بأنه ليست هناك مخاوف من أن يتعرض الرجلان للإفقار في حال العودة، مستندة بذلك إلى حجم المساعدات التي تتلقاها سوريا.

وبحسب وزارة الداخلية، فقد صدرت أوامر ترحيل بحق 920 سورياً من أصل أكثر من 950 ألفاً دخلوا البلاد منذ العام 2015. ومن هؤلاء، يعتمد نحو 480 ألفاً على الإعانات الاجتماعية من الدولة، بينما دخل سوق العمل 300 ألف منهم، وتجنس منهم قرابة الـ150 ألفاً.

وحتى تتضح معالم الاتفاق الذي تسعى الحكومة الألمانية لعقده مع الحكومة السورية، فإن موضوع النقاش الأساسي بين الشبان السوريين في «شارع العرب» يبدو أنه سيبقى حول المخاوف من الترحيل إلى سوريا.


مقالات ذات صلة

وفاة 25 فلسطينياً في غزة جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر

المشرق العربي فلسطينيون نازحون يقفون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة في ظل ظروف شتوية باردة تشهدها المنطقة في 29 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وفاة 25 فلسطينياً في غزة جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر

قال تلفزيون «فلسطين»، الاثنين، إن 25 مواطناً في قطاع غزة لقوا حتفهم جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر الجاري.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ أحد المؤيدين لترمب يحمل لافتة مكتوباً عليها «ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآن» خلال تجمع انتخابي العام الماضي (أ.ف.ب)

واشنطن تبحث نقل رعايا دول ثالثة إلى بالاو

قالت الولايات المتحدة إن نائب وزير الخارجية كريستوفر لانداو أجرى اتصالاً هاتفياً مع سورانغيل ويبس، رئيس بالاو، بحثا خلاله نقل رعايا دول ثالثة إليها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أفراد من الجيش الأميركي يرافقون أعضاءً مزعومين في عصابة ترين دي أراغوا الفنزويلية وعصابة إم إس-13 رحّلتهم الحكومة الأميركية إلى مركز احتجاز في السلفادور (رويترز)

«سي بي إس» تمنع بث تقرير عن عمليات ترحيل جماعي نفذتها إدارة ترمب

منعت رئيسة التحرير الجديدة لشبكة «سي بي إس» الأميركية بث تقرير نهاية هذا الأسبوع حول تبعات عمليات الترحيل الجماعي التي نفذتها إدارة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

تقديرات «المفوضية» أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي برهم صالح المفوض السامي لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (ا.ب)

ردود فعل عراقية على انتخاب برهم صالح رئيساً لوكالة اللاجئين

أعلن الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، الجمعة، انتخابه رسمياً مفوضاً سامياً جديداً للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، متعهداً بنهج يقوم على الالتزام بالقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: سنناقش مع ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا

الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الثلاثاء، إن ‌كييف ‌ستناقش ‌مع الرئيس الأميركي ​دونالد ‌ترمب إمكانية وجود قوات أميركية في أوكرانيا، في إطار الضمانات الأمنية.

ووفقاً لـ«رويترز»، أضاف ‌زيلينسكي لوسائل إعلام في محادثة عبر تطبيق «واتساب»، أن أوكرانيا ملتزمة بمواصلة ​المحادثات بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأنه مستعدّ للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شكل.


باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

عجَّل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد اجتماع الأحد في مارالاغو (فلوريدا) الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة من القادة الأوروبيين إلى الإعلان عن اجتماع قريب لـ«تحالف الراغبين» الذي يضم 35 دولة أكثريتها الساحقة أوروبية.

وكتب ماكرون على منصة «إكس» ما حرفيّته: «نحرز تقدماً فيما يخص الضمانات الأمنية (التي تطلبها أوكرانيا) والتي سيكون لها دور مركزي في التوصل إلى سلام عادل ودائم (بين روسيا وأوكرانيا). وسوف نجتمع كمجموعة (تحالف الراغبين) في باريس بداية يناير (كانون الثاني) لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الفعلية لكل طرف».

وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن قمة «تحالف الراغبين» ستعقد الثلاثاء القادم (6 يناير) في باريس وسيسبقها اجتماع لمستشاري الأمن القومي التحالف المذكور في كييف يوم 3 يناير.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا 15 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خلفيات الاستعجال الفرنسي

يأتي الاستعجال الفرنسي عقب ما اعتُبر تقدماً ملموساً تَحقَّق خلال اجتماع ترمب - زيلينسكي، وما جاء على لسان الرئيسين بخصوص الضمانات الأمنية. فالرئيس الأوكراني أعلن، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترمب، أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يخص الضمانات الأمنية «القوية» التي يلتزم بها الجانب الأميركي.

وأضاف زيلينسكي، في حوار مع مجموعة صحافية على تطبيق «واتساب»، أن واشنطن عرضت ضمانات أمنية صالحة لـ15 عاماً، وأنه طلب من الرئيس الأميركي أن تمتد إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً لردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين. وأضاف زيلينسكي أن ترمب وعده بالرد على طلبه. والأهم أن الرئيس الأوكراني جزم بأنه «من دون ضمانات أمنية، لن تنتهي هذه الحرب بصورة واقعية». بيد أنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل الضمانات الأميركية، مكتفياً بالقول إنها تشمل آليات لتنفيذ؛ أي اتفاق سلام، وأنها تضم «شركاء»، في إشارة الى «تحالف الراغبين». وقال في المناسبة عينها إن وجود قوات داعمة لكييف على الأراضي الأوكرانية «جزء مهم» من هذه الضمانات. أما ترمب فقد أشار في المؤتمر الصحافي المذكور إلى أنه يتوقع من الدول الأوروبية أن «تضطلع بجزء كبير» من هذه الضمانات «بدعم أميركي».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالثياب العسكرية كما ظهر في صورة مأخوذة من مقطع فيديو السبت الماضي (أ.ب)

المعضلة أن ترمب نفسه لم يكشف النقاب عمّا ستلتزم به بلاده، الأمر الذي يثير، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، صعوبتين متلازمتين: الأولى، أن الدول الجاهزة للمشاركة في «قوة الطمأنة» التي ستنبثق عن «تحالف الراغبين» تربط مساهمتها بوجود «تعهد أميركي» بالتدخل، في حال عاودت روسيا استهداف أوكرانيا مجدداً. وبكلام آخر، لا يريد الأوروبيون أن يكونوا وحدهم في مواجهة القوات الروسية، انطلاقاً من مبدأ أن القوات الأميركية وحدها قادرة على «ردع» الجانب الروسي. لذا، فإنهم يطالبون بـ«شبكة أمان» (Backstop) تتضمن تعهداً أميركياً بحماية «قوة الطمأنة» عند الحاجة. والصعوبة الثانية أن روسيا ترفض نشر أي قوات على الأراضي الأوكرانية تكون تابعة لدول أعضاء في الحلف الأطلسي.

وسبق لموسكو أن جعلت من هذا الأمر «خطاً أحمر». ومن الواضح أن الأوروبيين يراهنون على دور أميركي في «تليين» الموقف الروسي. وإذا واظبت موسكو على رفضها، فإن أي نشر لـ«قوة الطمأنة» سيكون مستبعداً، على الرغم من أن الخطط الأوروبية لا تتحدث إطلاقاً عن نشرها على خط المواجهة بل في المواقع الخلفية ما بين كييف وحدود أوكرانيا الغربية. وأكثر من مرة، أكد قادة أوروبيون وعلى رأسهم ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن «قوة الطمأنة» لن تكون قوة قتالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحِّباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريد الأحد الماضي (أ.ف.ب)

من الوعود إلى الالتزامات

حتى اليوم، كانت دول «تحالف الراغبين» تقدم وعوداً بالمشاركة في توفير الضمانات الأمنية، التي تراها باريس في ثلاثة مستويات: الأول، توفير الدعم الضروري للجيش الأوكراني مالياً وتسليحياً بحيث يشكل «الضمانة الأولى»؛ والثاني، المشاركة الفعلية بوحدات عسكرية لرفد «قوة الطمأنة». وحتى اليوم، ثمة عدة دول أعلنت بوضوح استعدادها للمشاركة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإستونيا والنروج وليتوانيا وتركيا، فيما دول أخرى «مستعدة» ولكنها لم تكشف عن طبيعة مساهماتها، ومنها بلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا ولاتفيا... في المقابل، ثمة دول رفضت أي مشاركة بوحدات عسكرية، وعلى رأسها بولندا وإيطاليا... أما المستوى الثالث فهو بالطبع يخص الجانب الأميركي. وأفادت مصادر رئاسية بأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد مشاركة بلاده في الضمانات الأمنية ولكنه بقي غامضاً إزاء طبيعتها، علماً أن أوكرانيا تطالب بما يشبه «البند الخامس» من معاهدة «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) التي تجعل من أي اعتداء خارجي لبلد عضو في الحلف اعتداءً على كل أعضائه.

في هذا السياق فإن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيوفِّر لها ضمانة أوروبية شبيهة بالفقرة الخامسة، وهو ما أكدته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بقولها إن انضمام أوكرانيا يشكّل ضمانة أمنية أساسية «في حد ذاته» شبيهة بالمادة 5 من الحلف الأطلسي. بيد أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة دفاعية - عسكرية كالحلف الأطلسي. ورغم أن الأوربيين يدفعون باتجاه تسريع انضمام كييف إلى ناديهم، فإن موعده ليس واضحاً بسبب القواعد المفترض توفرها في الدولة المرشحة. وبعد الفضائح الأخيرة التي عرفتها كييف، فمن غير المرجح أن يتم انضمامها إلى الاتحاد سريعاً.

أمن القارة الأوروبية

قياساً إلى ما سبق، تبرز أهمية الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو إليه ماكرون الأسبوع المقبل، والذي ترجح باريس أن يكون بمشاركة زيلينسكي وعديد من القادة الأوروبيين. والسبب في ذلك أهميته الاستثنائية في ظل تسارع الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية والانخراط الأميركي القوي، التي من شأنها جعل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أقرب من أي وقت مضى.

لذا، ثمة حاجة ملحة لـ«تحالف الراغبين» إلى تسريع العمل وتحديد ما يلتزم كل طرف بتقديمه جدياً على المستويات المالية والتسليحية واللوجيستية والعسكرية، علماً أن هيئة أركان جماعية يديرها ضابط فرنسي تجتمع في ضاحية قريبة من باريس وتعمل على رسم خطط الانتشار ودراسة السيناريوهات المحتملة لـ«قوة الطمأنة» التي لا يُعرف بعد تكوينها وعديدها وتسليحها.

وينظر الأوروبيون إلى مساهماتهم من زاويتين: الأولى، تأكيد وحدة الموقف الأوروبي بالوقف الحازم إلى جانب أوكرانيا (مع بعض الاستثناءات: المجر وسلوفاكيا)، والأخرى، اعتبار مشاركتهم المدخل المتاح حتى لا يتفرد «الحليف الأميركي» بالملف الأوكراني، وليكون لهم دور في شأن يرتبط به أمن القارة الأوروبية، فضلاً عن المشاركة في الدفع باتجاه اتفاق سلام يُنهي حرباً على قارتهم انطلقت قبل أربع سنوات.


وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
TT

وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)

وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الفضائح التي طالت مظليين في القوات المسلحة الألمانية بأنها «صادمة»، مؤكداً أنها تمثل انتهاكاً صارخاً لقيم الجيش الألماني.

وتشمل القضايا المبلغ عنها حالات تطرف يميني، وسلوكاً جنسياً غير لائق، وتعاطي مخدرات، حسبما أوضح الوزير في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأعلنت وزارة الدفاع أن التحقيقات في فوج المظليين رقم 26 في منطقة تسفايبروكن بولاية راينلاند - بفالتس أسفرت عن فصل عدد من الجنود، بينما تواصل النيابة العامة التحقيق مع 19 جندياً.

وأبدى بيستوريوس استياءه من تعامل القيادة المحلية في البداية مع هذه البلاغات، رغم بدء التحقيقات لاحقاً، وفرض عقوبات أولية، مؤكداً أن تجاهل المخالفات أو عدم التعامل معها بالحزم المطلوب أمر غير مقبول.

وأوضح الوزير أن المفتش العام للقوات البرية، الجنرال ليفتنانت كريستيان فرويدينغ، أطلق إجراءات عاجلة للحيلولة دون تكرار هذه السلوكيات، موضحاً أن هذه الإجراءات ستجمع في «خطة عمل للقوات المحمولة جواً» لضمان تنفيذها.

وحدد بيستوريوس 3 أهداف أساسية، وهي كشف جميع الوقائع بشكل كامل، ومعاقبة أي مخالفات إضافية بأقصى صرامة، واستعادة الثقة بالقيادة العسكرية المحلية.

وشدد الوزير على أنه لا مكان للتطرف، والسلوك الجنسي غير اللائق، وتعاطي المخدرات في الجيش الألماني، مؤكداً ضرورة توفير بيئة آمنة للإبلاغ عن الانتهاكات دون خوف أو تضامن خاطئ مع المخالفين.

وذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» اليومية الوطنية في وقت سابق أن التحقيقات كانت جارية منذ أشهر في فوج المظليين 26 في زويبروكن، مع التركيز على التطرف اليميني، وسوء السلوك الجنسي، والطقوس العنيفة والمخدرات.

وتم اتهام عشرات الأفراد في الفوج بالاعتداء الجنسي والتحرش بالنساء، مع اتهام 30 على الأقل بالتطرف السياسي ومعاداة السامية فيما يتعلق بأكثر من 200 حادثة.

وذكرت الصحيفة تأدية تحيات هتلرية ووجود حزب نازي بناءً على معلومات داخلية. وأفادت بأن النساء تعرضن لأعمال استعراضية، وأجبرن على الاستماع إلى نكات إباحية وخيالات اغتصاب.

وقال بيستوريوس إنه يجب أن يكون واضحاً أن التطرف وسوء السلوك الجنسي وتعاطي المخدرات لا مكان لها في القوات المسلحة.

وأضاف: «من المهم بنفس القدر ألا يكون هناك خوف من الإبلاغ عن الحوادث - أو حتى الشعور المضلل بالتضامن مع أولئك الذين يتجاوزون كل الخطوط».

وأكد الوزير ضرورة ضمان مساحة آمنة في جميع الأوقات، ليشعر المتضررون بالأمان عند الإبلاغ عن حوادث من هذا النوع.