ألمانيا: هاجس الترحيل يؤرق السوريين

دعوات متزايدة للاجئين بالمغادرة والمساعدة في إعادة إعمار بلدهم

شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
TT

ألمانيا: هاجس الترحيل يؤرق السوريين

شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)
شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

تمتزج روائح المأكولات العربية ودخان الأراكيل بكلام، لم يعد همساً، يتداوله شبان حول الترحيل إلى سوريا، وهم يجلسون أمام المقاهي على أرصفة شارع زوننآليه المعروف بـ«شارع العرب» وسط برلين. يشربون القهوة العربية ويأكلون الكنافة والمعجنات. يبدون في حالة استرخاء، ولكن النقاش متوتر، ومليء بالتساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا ستبدأ فعلاً ترحيلهم إلى سوريا.

موضوع ترحيل السوريين يشغل ألمانيا منذ أيام، ويتصدر أخبارها؛ بدأ مع زيارة وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إلى دمشق، حيث جال في حرستا، ضاحية العاصمة المدمرة، ومن هناك قال إنه لا يرى عودة كبيرة للسوريين من ألمانيا بسبب حجم الدمار الهائل في البلاد.

وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول خلال جولة له في ضواحي دمشق (أرشيفية - د.ب.أ)

ولكن صدى كلامه كان أشبه بالزلزال في ألمانيا. وبدأت تردداته من داخل الحزب «المسيحي الديمقراطي» الذي انقلب على وزير الخارجية منتقداً تصريحاته. وكان أول المنتقدين المستشار، فريدريش ميرتس، الذي قال إن تصريحات فاديفول كانت لا شك متأثرة باللحظة، وبسبب جولته بين الدمار، ليضيف بأن سبب منح اللجوء للسوريين انتفى بسقوط بشار الأسد، وأنه لا مانع من عودتهم إلى بلادهم اليوم للمشاركة في إعادة إعمارها. وتابع يقول إن من يرفض المغادرة يمكن ترحيله.

صفق كثيرون داخل الحزب المحافظ للمستشار، الذي أعلن أيضاً أنه سيدعو الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة ألمانيا لمناقشة وضع اللاجئين.

من بين المصفقين وزير الداخلية، ألكسندر دوربينت، الذي يدفع بالاتجاه نفسه: ترحيل السوريين ليس فقط المدانين بجرائم بل أيضاً وغيرهم، خاصة الشبان الذين وصلوا إلى ألمانيا منفردين، ويمكن تصنيفهم على أنهم يشكلون «خطراً أمنياً».

ولكن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك، مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي يطالب بنزع صفة اللجوء عن كل السوريين الذين منحوا حق اللجوء والبقاء المؤقت، باعتبار أن الحرب في سوريا انتهت ولم يعد هناك خطر ملاحقة للعائدين. واستغل الحزب اعتقال لاجئ سوري بتهمة التحضير لعمل إرهابي في اليوم نفسه الذي كان فاديفول يجول فيه في سوريا، ليبرر سياسته الداعية لترحيل كل السوريين. وحتى أن أعضاء في الحزب بدأوا حملات دعائية تدعو لرحيل السوريين، مثل ميغيل كلاوس، عضو «البديل من أجل ألمانيا» في ولاية بادن فورتمبورغ، الذي كتب تغريدة على منصة «إكس» يروج فيها للافتة تحمل صورته وكلاماً باللغتين الألمانية والعربية يقول: «أيها السوريون الأعزاء، حان وقت العودة إلى دياركم، وإعادة بناء وطنكم».

ليانا الدحدوح وصلت لاجئة سورية إلى ألمانيا والآن هي صاحبة مقهى في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

ويبدو فعلاً أن المستشار وعدداً من السياسيين داخل حزبه يتبنون سياسة راديكالية في ترحيل السوريين، رغم أن ميرتس أوضح أن الترحيل لن يطال المندمجين، والذين لديهم وظائف، ويدفعون الضرائب. وبينما يسعى وزير الداخلية لعقد اتفاق مع الحكومة السورية تبدأ بترحيل المدانين بجرائم، فهو أوضح مراراً أن الترحيل لن يكون مقتصراً فقط على هؤلاء.

على الأرض، يبدو أن الكثيرين من السوريين الذين ما زالوا ينتظرون أوراقهم في حالة من «عدم المبالاة». منهم من يقول إنهم يمكنهم العودة لو أجبروا على ذلك، وأنهم لم يعد لديهم ما يخشونه في حال اضطروا للعودة.

ولكن آخرين، خاصة المندمجين في سوق العمل، والذين أسسوا أعمالاً لهم، فإن قصة العودة تبدو شبه مستحيلة. من هؤلاء، ليانا دحدوح التي فتحت مقهى لها قبل أشهر سمته «لوز»، لأنه يذكرها بدمشق حيث يزهر اللوز في فصل الشتاء البارد والصعب، وتقول إن في ذلك شبها بقصتها التي أوصلتها لاجئة إلى ألمانيا، ولكنها الآن تمكنت من أن تفتح مقهى ناجحاً تملكه، وتقضي وقتها في إدارته. بالنسبة لليانا، تبدو العودة مستحيلة. تقول إنها سافرت إلى سوريا بعد يومين من سقوط النظام مع والدتها، ومكثتا في منزل جدتها في دمشق لمدة أسبوعين، وتضيف مبتسمة: «ربما في الأسبوعين استحمينا مرة واحدة وبمياه باردة». وتشرح ليانا التي حصلت على جواز السفر الألماني أن الوضع في سوريا بدا صعباً جداً بغياب المقومات الأساسية، وأنها بقدر ما تريد العودة بعاطفتها، فهي تتساءل ما إذا كانت قادرة فعلاً على العودة، والبدء من الصفر مرة ثانية.

محلات سورية في شارع زوننآليه المعروف بشارع العرب في برلين (راغدة بهنام - الشرق الأوسط)

وتتردد هذه القصة كثيراً بين السوريين في برلين. ويصعب على الكثيرين اتخاذ قرار أن الحكومة الألمانية لا تسمح لحاملي اللجوء والإقامة المؤقتة بالعودة للزيارة، ومن يثبت أنه زار سوريا يصبح عرضة لخسارة لجوئه، لأن السبب الذي منح اللجوء على أساسه، أي عدم القدرة على العودة خوفاً من الملاحقة، يكون قد انتفى.

وحتى الآن لا يمكن ترحيل السوريين إلى سوريا، إلا أن قراراً من محكمة في دوسلدورف شكل سابقة، وربما يفتح الباب أمام ذلك. فقد أصدرت المحكمة الإدارية في دوسلدورف قراراً يعطي الضوء الأخضر لترحيل سوري يبلغ من العمر 46 عاماً وابنه البالغ من العمر 26 عاماً لم يرتكبا أي جرائم في ألمانيا. واستنتجت المحكمة أن ترحيل الرجلين لن يؤدي إلى تعريض حياتهما للخطر كونهما من دمشق واللاذقية، حيث مستوى العنف صار منخفضاً، بحسب تبرير القاضي. وبررت المحكمة قرارها أيضاً بأنه ليست هناك مخاوف من أن يتعرض الرجلان للإفقار في حال العودة، مستندة بذلك إلى حجم المساعدات التي تتلقاها سوريا.

وبحسب وزارة الداخلية، فقد صدرت أوامر ترحيل بحق 920 سورياً من أصل أكثر من 950 ألفاً دخلوا البلاد منذ العام 2015. ومن هؤلاء، يعتمد نحو 480 ألفاً على الإعانات الاجتماعية من الدولة، بينما دخل سوق العمل 300 ألف منهم، وتجنس منهم قرابة الـ150 ألفاً.

وحتى تتضح معالم الاتفاق الذي تسعى الحكومة الألمانية لعقده مع الحكومة السورية، فإن موضوع النقاش الأساسي بين الشبان السوريين في «شارع العرب» يبدو أنه سيبقى حول المخاوف من الترحيل إلى سوريا.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يُحدِّث إرشادات اللجوء للسوريين بعد عام من سقوط الأسد

أوروبا  سوريون يتابعون من جانب الطريق سيارات وزارة الداخلية خلال الإطلاق الرسمي لهويتها البصرية الجديدة في دمشق (أ.ب)

الاتحاد الأوروبي يُحدِّث إرشادات اللجوء للسوريين بعد عام من سقوط الأسد

أصدر الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، توجيهات مُحدّثة لطلبات اللجوء المُقدّمة من المواطنين السوريين، تعكس الأوضاع الجديدة في سوريا بعد عام من سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (برشلونة (إسبانيا))
شمال افريقيا الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

سلطات طرابلس تلوّح لأوروبا بورقة الـ«3 ملايين مهاجر»

قال الطرابلسي وزير داخلية حكومة الوحدة الليبية إن جهود ترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلده تعد «أحد أهم الإجراءات لمواجهة محاولات التوطين»

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي الصومالي عبد الله عمر مع زوجته وأطفاله في حي البساتين في عدن (أ.ف.ب)

لاجئون صوماليون يفضلون العودة لبلدهم هربا من «الفقر والبطالة» في اليمن

يعيش آلاف الصوماليين مع أطفالهم في فقر مدقع في حي البساتين في عدن، ما دفع كثيرين منهم إلى اتخاذ قرار العودة الى بلادهم.

«الشرق الأوسط» (عدن)
شمال افريقيا أطفال سودانيون يتامى من الفاشر يتشاركون وجبة معكرونة ولحم من مشروع إطعام خيري (رويترز)

الفارون من رمضاء العنف في السودان يكتوون بنار شح المساعدات على حدود تشاد

لا تجد العائلات السودانية اللاجئة التي تصل إلى بلدة الطينة على الحدود مع تشاد سوى قليل من المساعدات الإنسانية الدولية في ظل الأزمة السودانية المستمرة.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا مهاجرون على متن أحد «قوارب الموت» أُنقذوا من قبل خفر السواحل الإسباني (أ.ف.ب)

خفر السواحل الموريتاني ينقذ 101 أفريقي من رحلات «قوارب الموت»

أعلن خفر السواحل الموريتاني، الخميس، إنقاذ زورق على متنه 101 من المهاجرين غير النظاميين الأفارقة، كان في طريقه إلى إسبانيا.

«الشرق الأوسط» (نواكشوط)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».