ليو الرابع عشر يأسف لتراجع الإيمان أمام «المال والسلطة»

روبرت بريفوست... فاز متغلباً على الحظر التقليدي ضد رئيس للكنيسة الكاثوليكية من الولايات المتحدة

البابا ليو الرابع عشر برفقة البابا بنديكتوس السادس عشر الراحل (رويترز)
البابا ليو الرابع عشر برفقة البابا بنديكتوس السادس عشر الراحل (رويترز)
TT

ليو الرابع عشر يأسف لتراجع الإيمان أمام «المال والسلطة»

البابا ليو الرابع عشر برفقة البابا بنديكتوس السادس عشر الراحل (رويترز)
البابا ليو الرابع عشر برفقة البابا بنديكتوس السادس عشر الراحل (رويترز)

أسف البابا الجديد ليو الرابع عشر، الجمعة، لتراجع الإيمان لحساب «يقينيات أخرى مثل التكنولوجيا والمال والنجاح والسلطة واللذة»، وذلك خلال قُداسه الأول رئيساً للكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. وقال البابا، في عظةٍ ألقاها بالإيطالية أمام الكرادلة: «لهذا السبب بالضبط، فإن المهمة مُلحة (...) لأن الافتقار إلى الإيمان يؤدي غالباً إلى مآسٍ».

ليو الرابع عشر، المُبشّر روبرت بريفوست، المولود في شيكاغو، الذي أمضى حياته الكنسية كاهناً في البيرو، وقاد مكتب تعيين الأساقفة ذا النفوذ في الفاتيكان، فاجأ العالَم، الخميس، عندما ظهر على شُرفة كنيسة القديس بطرس بوصفه البابا رقم 267، متغلباً على الحظر التقليدي ضد بابا من الولايات المتحدة.

ليو الرابع عشر في أول ظهور له بعد انتخابه. سبع مرات كرر «السلام» في كلمته (رويترز)

وفي اليوم الثاني من التئام مَجمع الكرادلة، أجمعت غالبية الثلثين على اسمه؛ أي أنه حصد 89 صوتاً على الأقلّ. لكنْ نظراً للسرية المطلقة المحيطة بالمجمع المغلق، لا يفصح عن تفاصيل العملية الانتخابية. ويؤشر انتخاب بريفوست، الذي عُيّن كاردينالاً في عام 2023، إلى رغبة في الاستمرار على نهج البابا فرنسيس، وإن كان يرجّح أن البابا الرابع عشر سيلتزم أكثر من البابا الراحل ببروتوكول الفاتيكان وبالتقاليد التي كان فرنسيس متمرّداً عليها.

وفي أول ظهورٍ له للعالم، ارتدى البابا (69 عاماً) العباءة الحمراء التقليدية للبابوية - والتي تجنَّبها البابا فرنسيس عند انتخابه في عام 2013 - مما يشير إلى العودة إلى درجةٍ ما من اتباع القواعد بعد حبرية فرنسيس غير التقليدية. ويُعد روبرت بريفوست مستمعاً جيداً ويصنَّف بين المعتدلين. له خبرة في العمل بين الناس على الأرض خلال وجوده في البيرو، وداخل الفاتيكان. وقال فرنسوا مابيي، مدير مرصد الأديان الجيوسياسي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن اختياره «يجمع في وقت واحد بين تعارض مع الحكومة الأميركية وأخذ للمعايير الجيوسياسية في الحسبان».

وكان بريفوست مرشحاً بارزاً لولا جنسيته. وكان هناك حظر، منذ أمد بعيد، على تولّي أميركي منصب البابا؛ نظراً للقوة الجيوسياسية التي تحظى بها الولايات المتحدة في المجال الدنيوي. ووجّه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهنئته إلى البابا، واصفاً ذلك بأنه «شرف عظيم» لبلاده. وقال ترمب، في منشور على منصته الاجتماعية «تروث سوشال»: «تهانينا للكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست، الذي أُعلن بابا للتوّ. إنه لشرفٌ كبير أن نُدرك أنه أول بابا أميركي. يا لَلحماسة ويا له من شرف عظيم لبلدنا!». وأضاف: «أتطلع إلى لقاء البابا. ستكون لحظة بالغة الأهمية». وقال، في تصريحات مقتضبة: «أن يكون البابا من أميركا شرف عظيم. أيُّ شرف أعظم من هذا؟ نحن متفاجئون بعض الشيء، لكننا سعداء جداً». وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وهو كاثوليكي محافظ، في بيان، إن الولايات المتحدة «تتطلع» إلى بناء علاقة عمل مع البابا الجديد.

الآلاف يستمعون لأول كلمة من البابا ليو الرابع عشر (رويترز)

لكن يوجد عدد من المنشورات على حساب روبرت بريفوست، اسم البابا قبل أن يتولى البابوية، على منصة «إكس» يرفض فيها سياسات القادة الجمهوريين. وأثارت هذه المنشورات انتقادات من أنصار ترمب المحافظين، ومن بينهم الناشطة لورا لومر. ولم يعلِّق مسؤولو البيت الأبيض على الانتقادات الواردة في حساب بريفوست. وأعاد بريفوست نشر مقال بعنوان «جي دي فانس مخطئ: يسوع لا يطلب منا تقييم حُبنا للآخرين»، في فبراير (شباط) الماضي. وعندما التقى ترمب رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة، في أبريل (نيسان) الماضي لمناقشة سجن مَن نُقلوا جواً من الولايات المتحدة للاشتباه في أنهم أعضاء، أعاد بريفوست نشر تعليق يقول: «ألا ترى المعاناة؟ ألا يؤنّبك ضميرك؟».

وقلّل فانس من شأن هذه الخلافات بعدما التقى البابا فرنسيس في الفاتيكان، قبل يوم من وفاته، رغم أنها كانت خلافات كبيرة. ووصف فرنسيس سياسات ترمب المتعلقة بالهجرة بأنها عار. وأبدى أنصار حركة ترمب «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» استياءهم من انتخاب ليو. وكتبت لومر، على منصة «إكس»: «إنه مُناهض لترمب، ومناهض لحركة (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، ومؤيد لفتح الحدود، إنه ماركسيّ تماماً مثل البابا فرنسيس». وكتب الناشط اليميني تشارلي كيرك: «البابا ليو الرابع عشر: هل هو جمهوري مسجل في شيكاغو ومحارب مناهض للإجهاض، أم هو من دُعاة فتح الحدود العالمية وجرى تنصيبه لمواجهة ترمب؟». وقال فانس، وهو كاثوليكي، إنه متأكد من أن ملايين الكاثوليك الأميركيين وغيرهم من المسيحيين سيصلُّون من أجل نجاح ليو. وكتب، على منصة «إكس»، يقول: «فليباركه الرب!».

البابا ليو الرابع عشر برفقة البابا بنديكتوس السادس عشر الراحل (رويترز)

لكن بريفوست كان مؤهلاً أيضاً لأنه مواطن بيروفي، وأقام في البيرو لسنوات، مبشراً أولاً ثم رئيس أساقفة. وكان البابا فرنسيس يتابع بريفوست بوضوح، وكان يراه وريثاً له في نواحٍ عدة. وأحضره إلى روما، في عام 2023، لتولي رئاسة اللجنة البابوية لأميركا اللاتينية. في هذه الوظيفة ظلّ على اتصال منتظم مع التسلسل الهرمي الكاثوليكي في ذلك الجزء من العالم الذي يضم معظم الكاثوليك.

ومنذ وصوله إلى روما، ظل بريفوست بعيداً عن الأضواء، لكنه كان معروفاً جيداً للرجال البارزين. وبشكلٍ ملحوظ، ترأس بريفوست أحد أكثر الإصلاحات ثورية التي أجراها فرنسيس، عندما أضاف ثلاث نساء إلى كتلة التصويت التي تُقرر ترشيحات الأساقفة التي يجب تقديمها إلى البابا. وفي أوائل عام 2025، أظهر فرنسيس تقديره لبريفوست، مرة أخرى، من خلال تعيينه في أعلى مرتبة من مراتب الكرادلة.

أعلن الفاتيكان، الجمعة، أن قداس التنصيب الرسمي للبابا الجديد سيقام في ساحة القديس بطرس، يوم الأحد 18 مايو (أيار) الحالي، وسيُجري الحبر الأعظم أول لقاء له مع الجمهور في 21 مايو.

الدخان الأبيض يتصاعد من مدخنة كنيسة سيستينا بالفاتيكان (إ.ب.أ)



خاطب البابا ليو الرابع عشر الكرادلة بالإنجليزية قائلاً: «لقد دعوتموني لأحمل الصليب وتحلّ علي البركة». وطلب مساعدتهم لنشر المذهب الكاثوليكي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُدلي فيها بتصريحات علنية باللغة الإنجليزية، بعد أن تحدّث بالإيطالية والإسبانية فقط في تعليقاته الأولى للعالم من شُرفة كاتدرائية القديس بطرس، الخميس. وأضاف، باللغة الإيطالية، في أول تعليقاته للعالم: «يجب علينا معاً أن نحاول اكتشاف كيفية أن نكون كنيسة تبشيرية، كنيسة تبني الجسور، وتؤسس للحوار، وتكون دائماً مفتوحة وقادرة على استقبال - كما هي الحال في هذه الساحة بأذرع مفتوحة - كل من يحتاج إلى صداقتنا، وحضورنا، والحوار والحب».

وأضاف متأثراً: «شكراً للبابا فرنسيس»، الذي تُوفي في 21 أبريل (نيسان) الماضي عن 88 عاماً، كما شكر زملاءه الكرادلة على انتخابه. وعند خروجه إلى شُرفة بازيليك القديس بطرس، استقبلته حشود المؤمنين والسياح بالتصفيق الحارّ، في حين قُرعت أجراس الكاتدرائية لأكثر من ساعة، بعد تصاعد الدخان الأبيض من المدخنة التي وُضعت على سطح كنيسة سيستينا.

لكنْ عندما أطلق على نفسه اسم ليو؛ نسبة إلى البابا المصلح والداعم للعدالة الاجتماعية في القرن التاسع عشر، وبالإشارة إلى بعض أولويات فرنسيس، ربما كان البابا الجديد يريد أيضاً الإشارة إلى خط قوي من الاستمرارية: كان هناك ليو آخر في تاريخ الكنيسة وهو الأخ ليو، الراهب الذي عاش في القرن الثالث عشر وكان رفيقاً عظيماً للقديس فرنسيس الأسيزي، الذي سُمي البابا الراحل باسمه.

وذكر الفاتيكان أن البابا ليو طلب من جميع رؤساء مكاتب الفاتيكان، الذين فقدوا وظائفهم عملياً بوفاة البابا فرنسيس، أن يعودوا لممارسة أعمالهم حتى إشعارٍ آخر. وأضاف الفاتيكان أنه يرغب في أن يكرس بعض الوقت في «التفكير والصلاة والحوار»، قبل أن يتخذ أي قرارات أخرى بشأن المصادقة على تعيينهم بصورة نهائية.

جون بريفوست يشير إلى صورة قديمة لإخوته بمن فيهم البابا ليو الرابع عشر المنتخَب حديثاً (يسار) (أ.ب)

عندما انبعث الدخان الأبيض من كنيسة سيستينا ليعلن اختيار بابا جديد، فتح جون بريفوست التلفاز في ولاية إلينوي الأميركية ونادى على ابنة أخيه ليشاهدا في ترقب إعلان اسم شقيقه. وقال بريفوست، في مقابلة مع وكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «بدأت ابنة أخي الصراخ، حيث وقع الاختيار على عمها، وأنا لم أصدِّق أن هذا يمكن أن يحدث، حيث إنه أبعد ما يكون عما توقَّعنا أن يحدث». وأضاف، في المقابلة بمنزله في نيو لينوكس بولاية إلينوي، أنه شعر بإحساس كبير بالفخر بأن شقيقه الكاردينال روبرت بريفوست صار الحبر الأعظم رقم 267 لرئاسة الكنيسة الكاثوليكية، فقد أصبح المُبشّر المولود في شيكاغو أول بابا أميركي.

صورة قديمة لبابا الفاتيكان الجديد (رويترز)

ووصف جون بريفوست شقيقه بأنه يهتم كثيراً بالفقراء ومَن ليس لهم صوت. وفي نقطةٍ ما أثناء المقابلة، أدرك جون بريفوست أنه فاتته عدة مكالمات هاتفية من أخيه، لذلك عاود الاتصال بالبابا الجديد.

وبعد رسالة تهنئة قصيرة ومناقشة قصيرة، تحدّث الاثنان، كأيِّ شقيقين، عن ترتيبات السفر ثم أنهيا المكالمة. وكان ليو الأصغر ضمن ثلاثة أشقاء أولاد.

وقال جون بريفوست، الذي يكبره بعام واحد فقط، إنه يتذكر أن روبرت بريفوست كان جيداً للغاية في المدرسة وهو صغير، وكان يستمتع بلعبة مونوبولي وريسك. وأكد جون بريفوست أنه وشقيقه يتحدثان عبر الهاتف بصفة يومية حالياً، حيث يتصل به روبرت ويتناقش الاثنان في كل الأمور؛ من السياسة إلى الدين، وأشياء أخرى، لكنه قال إنه لا يعلم كم من الوقت سوف يحظى بالتجدث إلى شقيقه بعدما صار بابا الفاتيكان، وكيف سيتواصل الاثنان مستقبلاً.


مقالات ذات صلة

بابا الفاتيكان يدعو لوقف إطلاق النار في غزة ويرثي الأطفال القتلى

أوروبا البابا ليو بابا الفاتيكان (رويترز) play-circle

بابا الفاتيكان يدعو لوقف إطلاق النار في غزة ويرثي الأطفال القتلى

دعا البابا ليو، بابا الفاتيكان، اليوم الأربعاء، إلى وقف إطلاق النار في غزة، وحث إسرائيل ومسلّحي حركة «حماس» على الاحترام التام للقانون الإنساني الدولي.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان )
رياضة عالمية استقبل البابا ليو الرابع عشر فريق نابولي بطل دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم في الفاتيكان (أ.ف.ب)

البابا ليو يستقبل نابولي الفائز بكأس الدوري الإيطالي

استقبل البابا ليو الرابع عشر، فريق نابولي بطل دوري الدرجة الأولى الإيطالي لكرة القدم، في الفاتيكان، اليوم (الثلاثاء)، ومزح بشأن انتمائه الكروي.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ) play-circle

لافروف يشكك في إمكان عقد مفاوضات روسية أوكرانية بالفاتيكان

أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الجمعة شكوكا بأن يكون الفاتيكان مكانا محتملا لإجراء محادثات السلام مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم لقاء نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان (د.ب.أ) play-circle

فانس وزيلينسكي يلتقيان للمرة الأولى في الفاتيكان منذ خلافهما بالبيت الأبيض

التقى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى منذ خلافهما بالبيت الأبيض وابتسما وتصافحا في الفاتيكان اليوم الأحد

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا البابا ليو الرابع عشر خلال جولة بسيارة مكشوفة بساحة القديس بطرس في الفاتيكان (إ.ب.أ)

ليو الرابع عشر ينتقد أنماطاً اقتصادية «تستغل موارد الأرض وتهمش الأكثر فقراً»

قام البابا ليو الرابع عشر -وهو أول بابا أميركي في التاريخ- بأول جولة بالسيارة الباباوية عبر ساحة القديس بطرس قبل تنصيبه.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)

بوتين: أعتقد أن «أوكرانيا كلها ملكنا»... و«كل مكان تطأه قدم الجندي الروسي»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT

بوتين: أعتقد أن «أوكرانيا كلها ملكنا»... و«كل مكان تطأه قدم الجندي الروسي»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه يعتقد أن «أوكرانيا بأكملها ملكنا»، في حين هدَّد للمرة الأولى، الجمعة، بالاستيلاء على مدينة سومي، الواقعة في شمال شرقي أوكرانيا. وحذَّر من أن القوات الروسية ربما تستولي على المدينة الأوكرانية في إطار سعيها للسيطرة على منطقة عازلة على طول الحدود تمتد حالياً لمسافة تتراوح بين 10 و12 كيلومتراً من الجهة الشمالية الشرقية. ويفصل خط المواجهة حالياً نحو 18 كيلومتراً فقط عن حدود مدينة سومي.

بوتين خلال اجتماع مع الرئيس التنفيذي لشركة «روستيك» في الكرملين (أ.ب)

ورداً على سؤال على هامش «المنتدى الاقتصادي الدولي» في سان بطرسبرغ، قال بوتين، الجمعة: «لا نستهدف الاستيلاء على سومي، ولكنني من حيث المبدأ، لا أستبعد حدوث ذلك».

وندَّد وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيها، بهذه التعليقات، ووصفها بأنها دليل على «ازدراء» روسيا لجهود السلام الأميركية. وقال إن موسكو عازمة على مواصلة الاستيلاء على الأراضي، وقتل الأوكرانيين.

وتسيطر روسيا حالياً على خُمس مساحة أوكرانيا تقريباً، ومنها شبه جزيرة القرم، وأكثر من 99 في المائة من منطقة لوهانسك، وأكثر من 70 في المائة من مناطق دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، وأجزاء من مناطق خاركيف وسومي ودنيبروبتروفسك. وهدَّدت روسيا أخيراً بضم مزيد من المناطق إذا لم توافق كييف على الحد الأقصى من الشروط التي وضعتها روسيا لإنهاء الحرب.

وخلال كلمته، الجمعة، قال الرئيس الروسي: «إن الروس والأوكرانيين شعب واحد، وبهذا المعنى، كل أوكرانيا لنا». وهذا ما رفضه مراراً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن الروس والأوكرانيين شعب واحد، وشدَّد على أن شروط بوتين للسلام هي «أقرب إلى مطالبة بالاستسلام».

ورداً على سؤال من مدير جلسة النقاش عن حجم الأراضي الأوكرانية التي ينوي الاستيلاء عليها، أجاب بوتين: «كل مكان تطأه قدم الجندي الروسي، فهو ملك لنا». وقال: «هناك مثل يقول: أي مكان تطأه قدم جندي روسي، هو ملك لنا». وأضاف: «من هذه الزاوية، أوكرانيا بأكملها ملك لنا»، وسط تصفيق حار من الحضور، كما نقلت «الوكالة الألمانية للأنباء» من وسط الحدث.

وقال بوتين، الجمعة، إنه لا يشكِّك في استقلال أوكرانيا، ولا في سعي شعبها من أجل السيادة، لكنه أكد أن أوكرانيا عندما أعلنت استقلالها مع سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 كانت أكدت حيادها أيضاً.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

وتقول كييف وحلفاؤها الغربيون إن مطالبات موسكو بالسيادة على 4 أقاليم أوكرانية، وشبه جزيرة القرم، غير قانونية. وكتب وزير الخارجية الأوكراني، على منصة «إكس»، أن «تصريحات بوتين الخبيثة تُظهر ازدراء مطلقاً لمساعي السلام الأميركية (...) السبيل الوحيد لحمل روسيا على السلام هو حرمانها من شعورها بالإفلات من العقاب». وأضاف: «بينما تدعو الولايات المتحدة وبقية العالم إلى وقف فوري للقتل، يُناقش أكبر مجرم حرب روسي خططاً للاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية، وقتل مزيد من الأوكرانيين». وتابع: «أينما وطأت أقدام جندي روسي، لا يجلب معه سوى الموت والدمار والخراب».

وقال زيلينسكي في خطابه المسائي المُصوَّر، كما نقلت عنه «رويترز»، إن روسيا أظهرت «بكل صراحة وسخرية أنها لا ترغب في الموافقة على وقف إطلاق النار. روسيا تريد مواصلة الحرب». وأضاف أن القادة العسكريين ناقشوا العمليات الجارية في منطقة سومي شمال أوكرانيا، وأن روسيا لديها «خطط ونوايا مختلفة ومجنونة تماماً كعادتها. نحن نصدهم ونقضي على هؤلاء القتلة؛ دفاعاً عن سومي».

زيلينسكي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أ.ف.ب)

على الصعيد الدبلوماسي، وصلت المحادثات بين البلدين، التي بدأت بدفع من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى طريق مسدود بعد جولتين من المفاوضات في إسطنبول فشلتا في التوصُّل إلى وقف لإطلاق النار يفضي إلى إنهاء صراع أودى بعشرات الآلاف خلال أكثر من 3 سنوات. ورفضت روسيا الهدنة «غير المشروطة» التي سعت إليها أوكرانيا، ووصفت كييف من جانبها مطالب موسكو بأنها «إنذارات».

ويرفض بوتين المشارَكة في محادثات السلام شخصياً، وأعلن (الخميس) أنه لن يلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلا خلال «المرحلة الأخيرة» من المفاوضات.

اتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، موسكو بتسليم بلاده عمداً جثامين 20 جندياً روسياً، أحدهم يحمل الجنسية الإسرائيلية، بدلاً من رفات جنود أوكرانيين تم الاتفاق على إعادتها خلال عملية تبادل جثث جرت أخيراً. وقال الرئيس الأوكراني، خلال إحاطة صحافية الجمعة، طُلب عدم نشر مضمونها حتى السبت: «نعتقد أنهم يفعلون ذلك عمداً لإظهار عدد الجثث الأوكرانية التي يُفترَض أنها بحوزتهم» ولتقليل عدد القتلى بين الجنود الروس.

وميدانياً، نقلت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، السبت، عن وزارة الدفاع قولها، إن القوات الروسية سيطرت على بلدة زابوريجيا في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا. لكن لم يتم التأكد بشكل مستقل من التقرير المتعلق بساحة المعركة.

ذكرت السلطات العسكرية المحلية، السبت، أن طائرات دون طيار وصواريخ أطلقتها روسيا، الليلة الماضية، ألحقت أضراراً بالبنية التحتية للطاقة في وسط أوكرانيا. وقال الحاكم العسكري للمنطقة، فولوديمير كوهوت على تطبيق «تلغرام» إنه تم تسجيل «ضربات مباشرة»، وسقوط حطام في منطقة كريمنشوك في بولتافا. وأُصيب شخص واحد في الهجوم، طبقاً للمسؤول، الذي لم يكشف عن مزيد من التفاصيل حول حجم الأضرار. وذكرت تقارير إعلامية محلية أنه تم سماع دوي انفجارات قوية في مدينة كريمنشوك الصناعية، على بعد نحو 250 كيلومتراً جنوب شرقي كييف.

صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

من جانب آخر، قال الرئيس الأوكراني، الجمعة، إن بلاده تعمل على التطوير السريع للطائرات المسيّرة الاعتراضية لمواجهة أسراب المسيّرات الروسية التي هاجمت المدن الأوكرانية بأعداد متزايدة في الأسابيع الماضية. وأشار المسؤولون الأوكرانيون إلى الزيادة الحادة في أعداد الطائرات المسيّرة من طراز «شاهد»، التي صممتها إيران، وتطلقها روسيا في الليلة الواحدة. ويقولون إنه من الضروري تطوير تكنولوجيا قادرة على التصدي للتهديد الذي تُشكِّله هذه الطائرات. وقال زيلينسكي في كلمته المسائية المصورة، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»، «نعمل أيضاً بشكل منفصل على الطائرات المسيّرة الاعتراضية التي تهدف إلى تعزيز الحماية ضد طائرات (شاهد) المسيّرة». وأضاف: «شركات محلية عدة، وبالتالي أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، تحقق نتائج. ويزداد بالفعل حجم الإنتاج من الطائرات الاعتراضية».

وتطلق القوات الروسية أكثر من 400 طائرة مسيّرة في الليلة الواحدة، وتجاوز عددها 470 في بعض الأحيان.

صورة مركبة للرئيسين الروسي والأميركي (أ.ف.ب)

وأطلقت موسكو 440 طائرة مسيّرة، بالإضافة إلى 32 صاروخاً، الأسبوع الماضي، في هجوم «مشترك» على كييف دمَّر جزءاً من مبنى سكني وقتل 28 شخصاً. ووصف زيلينسكي ومسؤولون آخرون الإنتاج المحلي للطائرات المسيّرة بأنه عنصر أساسي في الدفاع الوطني، وزاد الإنتاج كثيراً بعد أن كان شبه معدوم قبل الاجتياح الروسي في فبراير (شباط) 2022. وأخبر زيلينسكي شركات تصنيع الأسلحة الأجنبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن أوكرانيا يمكنها إنتاج 4 ملايين طائرة مسيّرة سنوياً، كما أنها تزيد من إنتاجها للأسلحة الأخرى بوتيرة سريعة.