الأوروبيون أمام النهاية «الترمبية» لحرب أوكرانيا: إحباط أو فرصة لصحوة متأخرة

عمّقت الشعور لديهم بأن أهدافهم ومصالحهم لا تتطابق تماماً مع أهداف ومصالح واشنطن

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (إ.ب.أ)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (إ.ب.أ)
TT
20

الأوروبيون أمام النهاية «الترمبية» لحرب أوكرانيا: إحباط أو فرصة لصحوة متأخرة

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (إ.ب.أ)
أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (إ.ب.أ)

عندما عبرت جحافل الجيش الروسي الحدود الأوكرانية في مثل هذا اليوم قبل 3 سنوات، شعر الأوروبيون، لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بأن المشروع الذي كانوا يبذلون جهوداً كبيرة لإرسائه على أسس الرفاه الاقتصادي والسلم الاجتماعي قد أصبح في دائرة الخطر. وأدركوا أن العطلة التي منحوها لأنفسهم بعيداً عن الحروب والنزاعات المسلحة طوال 7 عقود قد انتهت، وأن القوة الناعمة لم تعد كافية لدرء الحرائق عن حدود الواحة الأوروبية في زمن التحولات الجيوسياسية الكبرى. وعادوا ليكتشفوا من جديد أن أمنهم لا يزال مرهوناً بمظلة «الصديق الأميركي» وبمناوراته وحساباته المتقلبة.

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا متحدثاً إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس في بروكسل (د.ب.أ)

مع الإدارة الأميركية السابقة فتحت الحكومات الأوروبية خزائنها وأغدقت على أوكرانيا مساعدات مالية وعسكرية غير مسبوقة، وفرضت على روسيا كل أنواع العقوبات متجاوبةً مع رغبات واشنطن التي رفعت شعار منع موسكو من قطف ثمار مغامرتها مهما كان الثمن. لكن بعد 3 سنوات من الاستنزاف العسكري والاقتصادي، تبدو هذه الحرب بلا أفق، سوى توطينها لعقود على غرار عدد من الحروب والأزمات الإقليمية.

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والحكومات الأوروبية تُردد أن الوقت قد أزف لتحصين الاتحاد بذراع عسكرية تكون قادرة على حمايته من المطامع الإمبراطورية المتأصلة في العقل السياسي الروسي، ومن نزوات الذين يتعاقبون على سدة الكرملين. ووضعت المفوضية خطة مفصلة لسياسة دفاعية مشتركة تقوم على إزالة القيود القانونية المفروضة على معدلات الإنفاق العسكري، وعلى زيادة مخصصات الصناعات الحربية، وتوحيد تكنولوجياتها، وتنسيق المهام القيادية، وصولاً إلى تشكيل هيئة أركان أوروبية واحدة على رأس قوات مسلحة تحت راية الاتحاد وإمرة المجلس ومراقبة البرلمان الأوروبي.

أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)
أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)

لكن بعد مرور 3 سنوات على نشوب هذه الحرب الأولى على حدود الاتحاد منذ 70 عاماً، ووصول شظاياها إلى عمق المشهد السياسي الأوروبي، بقيت هذه الخطة مجرد تصور تتبناه الدول الأعضاء بدرجات متفاوتة من الحماس والإرادة السياسية لتنفيذه، فيما راحت تتسع دائرة الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية التي ترفض دخول المشروع الأوروبي نفق سباق التسلح الذي يتعارض مع المبادئ والقيم المؤسسة للاتحاد.

الرئيسان الفرنسي والأوكراني في بروكسل يوم 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني في بروكسل يوم 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

ورغم ذلك، بلغ مجموع الإنفاق العسكري في بلدان الاتحاد الأوروبي العام الماضي 326 مليار يورو، أي بزيادة قدرها 30 في المائة مقارنة مع عام 2021، عشيّة اندلاع الحرب في أوكرانيا. ويُمثّل هذا المبلغ 1.9 في المائة من إجمالي الناتج الأوروبي، أي دون نسبة الـ2 في المائة التي كان يطالب بها دونالد ترمب لعدم رفع الغطاء الأمني عن الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، التي لم تعد مطروحة الآن بعد أن رفعها إلى 5 في المائة، ليعود ويُلمّح بأنها قد لا تكون كافية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال وصولها إلى اجتماع هيئة المفوضين الأسبوعي بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أرشيفية - أ.ب)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال وصولها إلى اجتماع هيئة المفوضين الأسبوعي بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أرشيفية - أ.ب)

وتفيد بيانات وكالة الدفاع الأوروبية بأنه منذ مطلع عام 2022 خرج ما يزيد على 50 مليار دولار من خزائن الاتحاد والدول الأعضاء لتلبية الاحتياجات العسكرية والدفاعية للقوات المسلحة الأوكرانية، وتزويدها بالذخائر والصواريخ، وتدريب 70 ألف جندي أوكراني، وتمويل مشروعات أمنية مشتركة.

كما حصل الاتحاد الأوروبي، ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع، على الضوء الأخضر لاستخدام فوائد الأصول السيادية الروسية المجمدة من أجل دعم المجهود الحربي الأوكراني، وتجديد مخزون القوات المسلحة الأوكرانية بالصواريخ المتطورة والذخائر التي كانت نفذت من الترسانات الوطنية.

لكن هذا الدعم الأوروبي للمجهود الحربي الأوكراني كان دائماً يخضع لتوجيهات وحسابات الشريك الأميركي، الذي رغم تصميمه المعلن على منع موسكو من تحقيق أهدافها، ودفعه الحكومات الأوروبية إلى تمويل الصمود الأوكراني عسكرياً واقتصادياً، كان قد وضع خطوطاً حمراً لنوعية السلاح الذي يسمح بإرساله إلى أوكرانيا والمناطق الروسية التي يمكن أن يستهدفها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه (رويترز)

هذه السياسة التي نهجتها واشنطن منذ بداية الحرب عمّقت الشعور لدى الأوروبيين بأن أهدافهم ومصالحهم لا تتطابق تماماً مع الأهداف والمصالح الأميركية، وأن الأوان قد فات للخروج من ورطة ما كانوا يملكون خيار عدم الوقوع فيها.

وبينما كان هذا الشعور يتنامى مع اقتراب بلوغ الحرب عامها الثالث، من غير أن تظهر على الجيش الروسي بوادر الإنهاك التي كانت تتبدّى بوضوح على القوات الأوكرانية، جاء سيّد البيت الأبيض الجديد ليصبّ الماء البارد على آمال الأوروبيين بنهاية «مشرّفة» لهذه الحرب، أو بأن تكون لهم كلمة في كيفية إنهائها، أو حتى مقعد حول طاولة المفاوضات التي يفترض أن تضع حدّاً لها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)

التصريحات التي توالت على ألسنة كبار المسؤولين الأميركيين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وما عقبها من خطوات، كادت تنسي الأوروبيين طبول الحرب التجارية المعلنة منذ قبل جلوس الرئيس الأميركي الجديد. من المكالمة الهاتفية التي دامت ساعة ونصف الساعة بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، ولم يعرف عنها الأوروبيون إلا من وسائل الإعلام، وما عقبها من تصريحات للرئيس الأميركي بأن «أوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما»، إلى تصريحات نائبه جيه دي فانس حول عدم واقعية استرداد أوكرانيا المقاطعات المحتلة، وما أكّده الموفد الخاص كيت كيلّوغ بأن أوروبا لن تكون على طاولة المفاوضات حول أوكرانيا، وجبة دسمة من الإحباط في الطبق الأوروبي، أو ربما فرصة أخيرة لصحوة أوروبية، وإن متأخرة.


مقالات ذات صلة

ما المتوقع في «يوم التحرير» الأميركي؟

الاقتصاد حاويات في ميناء بالتيمور في ماريلاند (أ.ف.ب)

ما المتوقع في «يوم التحرير» الأميركي؟

يوم الأربعاء هو «يوم التحرير» في أميركا... اللحظة التي يُعلن فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب سياسته التجارية، خصوصاً فيما يتعلق بالرسوم الجمركية المتبادلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد وزير الأعمال البريطاني جوناثان رينولدز في داونينغ ستريت (رويترز)

بريطانيا تأمل في إلغاء الرسوم الجمركية الأميركية من خلال اتفاق اقتصادي

لا تزال بريطانيا تأمل في إلغاء أي رسوم جمركية فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قريباً، وفق ما أعلن وزير الأعمال البريطاني، جوناثان رينولدز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد ترمب يتحدث مع السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت (إ.ب.أ)

ترمب ينشئ مكتباً جديداً لإدارة قانون الرقائق وتسريع الاستثمارات

وقّع الرئيس دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بإنشاء كيان جديد لتولّي برنامج قانون الرقائق وتسريع استثمارات الشركات بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رئيسة المفوضية الأوروبية في قصر الإليزيه بفرنسا (أ.ف.ب)

رئيسة المفوضية الأوروبية: لدينا خطة قوية للرد على رسوم ترمب

قالت رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين إن لدى الاتحاد الأوروبي القدرة على مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية، ولديه خطة قوية للرد على تلك الرسوم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

الأسهم الأميركية تسجل أسوأ ربع منذ 2022 مع ازدياد مخاوف الرسوم

سجلت أسهم وول ستريت أسوأ أداء ربع سنوي لها منذ ما يقرب من 3 سنوات وسط مخاوف من أن تؤدي تعريفات دونالد ترمب إلى فترة من الركود التضخمي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

وزيرة خارجية ألمانيا في كييف.. وتحذر أميركا من «مماطلة بوتين»

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لدى وصولها إلى كييف عبر القطار (د.ب.أ)
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لدى وصولها إلى كييف عبر القطار (د.ب.أ)
TT
20

وزيرة خارجية ألمانيا في كييف.. وتحذر أميركا من «مماطلة بوتين»

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لدى وصولها إلى كييف عبر القطار (د.ب.أ)
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لدى وصولها إلى كييف عبر القطار (د.ب.أ)

وصلت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك إلى كييف، اليوم (الثلاثاء)، في زيارة تهدف إلى إظهار دعم بلادها لأوكرانيا. ولم يعلن عن الزيارة مسبقاً لدواعٍ أمنية.

وحذرت وزيرة الخارجية المنتهية ولايتها في بداية زيارة الوداع إلى العاصمة الأوكرانية، الولايات المتحدة من السقوط في براثن خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إطار مفاوضات وقف إطلاق النار.

وقالت بيربوك إن «بوتين يماطل ويصر على حربه غير القانونية» على أوكرانيا. وأضافت أن ألمانيا التزمت بتقديم 130 مليون يورو إضافية (140 مليون دولار) مساعدات إنسانية وأموالاً لتحقيق الاستقرار لأوكرانيا في وجه الهجمات الروسية المستمرة على أراضيها.

يشار إلى أن هذه هي الرحلة التاسعة لبيربوك إلى أوكرانيا بوصفها وزيرة للخارجية منذ بداية الغزو الروسي للبلاد في فبراير (شباط) 2022.

ومن المرجح أن تكون زيارتها الأخيرة بوصفها وزيرة للخارجية، وسط المفاوضات الجارية في برلين لتشكيل حكومة ائتلاف جديدة بعد الانتخابات التي جرت في فبراير الماضي.

وجرى ترشيح بيربوك لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.