أوروبا تخشى البقاء وحدها في موقع الدفاع عن أوكرانيا وإعادة إعمارها

تقرير «أفول العلاقات الأميركية الأوروبية» يحذر من أن الوقت ليس لصالح القارة ويطالبها بأن «تنهض وتتصدى لأزمة الثقة في نفوذها الدولي»

أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)
أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)
TT

أوروبا تخشى البقاء وحدها في موقع الدفاع عن أوكرانيا وإعادة إعمارها

أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)
أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)

في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا تدرك أنها ستبقى وحدها في موقع الدفاع عن أوكرانيا وإعادة إعمارها، وبالتزامن مع الاجتماع الذي يعقده الحلف الأطلسي في بروكسل، صدر التقرير الأخير الذي وضعه الخبراء والباحثون في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز للتحليل الاستراتيجي تابع للاتحاد الأوروبي، ليفيد بأن الأغلبية الساحقة من الأوروبيين لم تعد تعد الولايات المتحدة، خاصة خلال عهد دونالد ترمب، دولة «حليفة»، بل مجرد «شريك ضروري» يملك قدرة كبيرة على التفرقة بين الأوروبيين في مرحلة بالغة الحساسية تقتضي من بلدان الاتحاد توحيد الموقف من الحرب في أوكرانيا والمنافسة التجارية مع الصين، لكنها تعاني من «انعدام عميق في الثقة بنفسها»، مما يحول دون رصّ الصفوف والتحدث بصوت واحد لمواجهة الاستحقاقات المصيرية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (يسار) ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (يمين) ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتجولون قبل محادثاتهم في بروكسل (أ.ف.ب)

لكن التقرير الذي يستند في تحليله واستنتاجاته إلى سلسلة من الاستطلاعات أجريت خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي في 11 دولة من الأعضاء في الاتحاد فضلاً عن المملكة المتحدة وسويسرا وأوكرانيا، لا يرسم صورة سلبية فحسب لمشهد أفول العلاقات الأوروبية الأميركية، ويعد أنه إذا استطاعت أوروبا الاستفادة من هذه المرحلة التي ستدوم، في أقل تقدير، حتى نهاية فترة إدارة الرئيس الأميركي، فسوف تكون فرصة للقارة الأوروبية لإرساء موقعها بوصفها محوراً أساسياً فاعلاً على المسرح الجيوسياسي الدولي.

أمين عام «الناتو» مع وزير الدفاع الأوكراني في بروكسل (إ.ب.أ)

ويكشف هذا التقرير الذي اختار له واضعوه عنوان «أفول العلاقات الأميركية الأوروبية: الرأي العام الأوروبي في ظل ترمب»، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط» أن ثمة أغلبية ساحقة بين المواطنين الأوروبيين تعد الولايات المتحدة شريكاً ضرورياً ينبغي على أوروبا التعاون معه بشكل استراتيجي، وليست حليفاً يشاطر الأوروبيين القيم والمصالح نفسها. ويلفت النظر في نتائج الاستطلاعات التي يستند إليها التقرير، أن بلداناً تعد من معاقل العلاقات الأطلسية، مثل الدنمارك، وكذلك بولندا التي كانت لسنة خلت تصف الولايات المتحدة بالحليف الأوثق، تبدّلت فيها وجهة رياح الرأي العام بالنسبة لواشنطن، حتى بريطانيا التي كانت دائماً تفاخر بعلاقاتها المميزة مع الشريك الأميركي، لم يعد أكثر من 37 في المائة من مواطنيها يعدون الولايات المتحدة حليفاً وليست شريكاً.

وزير الدفاع الأميركي خلال حضوره جلسة لحلف «الناتو» في بروكسل (أ.ب)

ويقول الخبير الاستراتيجي أرتورو فارفلي الذي أشرف على وضع التقرير، إن هذا التحوّل الذي طرأ على الرأي العام الأوروبي في الفترة الأخيرة، يعكس انهيار الثقة بالسياسة الخارجية لواشنطن، وإن هذا التحول يقتضي من القادة الأوروبيين «تغييراً في الموقف» وجنوحاً عن المشهد الراهن تحت عباءة واشنطن إلى موقف يظهر وحدة داخلية متماسكة وقدرة أوروبا على ممارسة نفوذها الذاتي على الساحة الدولية.

ويعد التقرير أن سلوك الإدارة الأميركية الجديدة يفرض على الأوروبيين التمرّس على فنون البراغماتية في السياسة الخارجية، ويدفعهم إلى مصارحة الناخبين حول مزايا ومثالب الحلول المطروحة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وحول الاعتماد المفرط على المظلة الأمنية الأميركية. ويرى الخبراء الذين وضعوا التقرير أنه إذا أحسنت الأحزاب المؤيدة للمشروع الأوروبي استغلال هذه المرحلة، فبإمكانها أن تجدد العلاقة مع قواعدها وتنشطها انطلاقاً من التمايز عن القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة التي جعلت من ترمب قبلتها ومصدر إلهامها.

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

لكن يحذّر التقرير من أن المهمة ليست يسيرة، وأن أوروبا لن تتمكن من استعادة موقعها على المسرح العالمي الجديد، إذا لم تنهض وتتصدى لأزمة الثقة في نفوذها الدولي، وتعالج مواطن الخلل والضعف، وتوطّد تحالفاتها الداخلية في مجال السياسة الخارجية، من غير أن يؤثر ذلك على تماسك الكتلة الأوروبية وقدرتها على توحيد المواقف في الظروف الحرجة، خاصة أن الرئيس الأميركي الجديد لن يوفّر فرصة للسعي نحو تحالفات ثنائية من شأنها أن تزعزع الوحدة الأوروبية التي تشكّل مصدر القوة الأساسية للاتحاد. ويقول الخبراء إن ثمة خيطاً رفيعاً يفصل بين النهج الحكومي الدولي البراغماتي والتهميش العشوائي للمؤسسات والآليات الأوروبية، وإن الهدف يجب أن يكون السعي نحو صيغ تدعم السياسات الأوروبية عوضاً أن تكون بديلاً لها، وأن تكون الاستراتيجية هي التفاوض انطلاقاً من موقف موحد ورؤية تتجاوز المصالح الوطنية الضيقة وقصيرة الأمد.

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف أمام مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (إ.ب.أ)

ويشدّد التقرير على أن عامل الوقت لا يلعب لصالح الأوروبيين، خصوصاً أن كل الدلائل تشير إلى اقتراب المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأن ثمة رغبة مشتركة بين واشنطن وموسكو في إبعاد الأوروبيين، في الأقل عن مراحلها الأولى. ويتبيّن من نتائج الاستطلاع أن ثمة تبايناً، لا بل هناك تضارب واضح في الآراء حول مضمون هذه المفاوضات، وكيف ينبغي على أوروبا أن تقارب علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا في المدى البعيد. بعض الدول الأوروبية الوازنة، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، يجد مواطنوها صعوبة في احتضان أوكرانيا بوصفها دولة أوروبية داخل الاتحاد، وذلك رغم دعم حكومات هذه البلدان لكييف، فيما تنظر دول أخرى، مثل بلغاريا والمجر، إلى روسيا بوصفها حليفاً، وليس بوصفها شريكاً ضرورياً. كما تتباين الآراء أيضاً في صفوف الأوروبيين عند مقاربة العلاقات مع الصين، وتصنيفها بوصفها حليفاً أو شريكاً.


مقالات ذات صلة

أوروبا 
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مصافحاً نظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل محادثات الرياض في 18 فبراير (واس)

ترمب وبوتين لبحث السلام هاتفياً

يستعدّ الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لثاني اتّصال بينهما منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية، هذا الأسبوع. وقال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
أوروبا  الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

زيلينسكي يعين رئيساً جديداً للأركان العامة لتسريع إصلاح الجيش

عين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأحد، الميجور جنرال أندريه هناتوف رئيساً جديداً لهيئة الأركان العامة، في إطار سعي كييف لتسريع إصلاح الجيش.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما على هامش قمة «مجموعة العشرين» 14 يونيو 2019 (أرشيفية - د.ب.أ) play-circle

اتصال مرتقب بين ترمب وبوتين هذا الأسبوع

يستعدّ الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لعقد ثاني اتّصال بينهما منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية، هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - لندن)
أوروبا جنود روس يمرون أمام مبنى مدمر في بلدة سودزا التي استعادتها القوات المسلحة الروسية مؤخراً خلال الصراع الروسي - الأوكراني بمنطقة كورسك (وزارة الدفاع الروسية - رويترز) play-circle

روسيا تخوض معركة لطرد آخر القوات الأوكرانية من منطقة كورسك

قال مسؤولون روس إن القوات الروسية خاضت معركة اليوم (الأحد) لطرد آخر الجنود الأوكرانيين من غرب روسيا، بعد توغل أوكراني استمر 7 أشهر.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ترمب وبوتين لبحث السلام هاتفياً


وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مصافحاً نظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل محادثات الرياض في 18 فبراير (واس)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مصافحاً نظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل محادثات الرياض في 18 فبراير (واس)
TT

ترمب وبوتين لبحث السلام هاتفياً


وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مصافحاً نظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل محادثات الرياض في 18 فبراير (واس)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مصافحاً نظيره الروسي سيرغي لافروف قبيل محادثات الرياض في 18 فبراير (واس)

يستعدّ الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لثاني اتّصال بينهما منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية، هذا الأسبوع. وقال ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي، أمس (الأحد)، إنه يتوقع أن يبحث الاتصال سبل إنهاء الحرب المستمرة منذ 3 سنوات في أوكرانيا.

وقال ويتكوف لشبكة «سي إن إن» إنه يأمل في إحراز «تقدّم حقيقي لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا»، وإنه يتوقع أن تكون المحادثات بين ترمب وبوتين «جيدةً وإيجابيةً حقاً».

من جهة أخرى، رسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ملامح المهام التي يمكن أن تقوم بها قوة دعم عسكرية لأوكرانيا، تعمل باريس ولندن على تشكيلها مع دول أخرى بعد اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا. وتحدّث ماكرون عن نشر هذه القوة وحدات في «نقاط رئيسية» بأوكرانيا. وقد تشمل مهامها توفير التدريب، ودعم الدفاعات الأوكرانية لإظهار الدعم طويل الأمد لكييف.