الأوروبيون يتباحثون في أفضل الوسائل لضمان أمن أوكرانيا دون انضمامها إلى «الناتو»

فرنسا تروّج لإرسال قوات لما بعد الهدنة وبولندا تتريّث... وزيلينسكي في وضع غير مريح بسبب قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض

صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
TT

الأوروبيون يتباحثون في أفضل الوسائل لضمان أمن أوكرانيا دون انضمامها إلى «الناتو»

صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)
صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)

ما زالت صورة التطوّرات المرتبطة بالحرب الروسية - الأوكرانية «ضبابية»، في حين تنشط الاتصالات وتُطرح المبادرات، والكل ينتظر عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما سيُحدثه ذلك من انعطافات ترجح أن تكون حادة في كيفية تعاطي واشنطن مع هذا الملف.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

ولأن أكثر القلقين هم القادة الأوروبيون، فإنهم تداعوا إلى قمة ستلتئم في بروكسل يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وستُخصص للوضع الأوكراني واحتمالات العودة إلى طاولة المفاوضات والشروط الضرورية لأمر مثل هذا، ولكن أيضاً لما يرتبه تغيّر السياسة الأميركية على الأوروبيين، وقدراتهم على الحلول محل الشريك الأميركي، في حال قرر ترمب تقليصاً كبيراً للمساعدات المخصصة لكييف.

والخوف الذي يعتمل بشكل خاص دول البلطيق ودولاً أخرى، مثل بولندا ورومانيا، وهي الأقرب جغرافياً لروسيا؛ أن تمتد العدوى الأميركية إلى دول في الاتحاد الأوروبي، وأن تنعكس فتوراً على مواصلة دعم أوكرانيا. وترى مصادر أوروبية في باريس أن قادة الاتحاد سيجدون البحث عن «الضمانات» التي بمقدورهم توفيرها لأوكرانيا؛ إن في حال انطلاق المفاوضات أو تواصل القتال بوتيرة مرتفعة، فضلاً عن صورة العلاقات المستقبلية معها.

الرئيس الفرنسي ماكرون في لقائه نظيره البولندي دودا في وارسو الخميس (إ.ب.أ)

بداية، ترى المصادر المشار إليها أنه «من المبكر» الحديث عن انطلاق المفاوضات في المستقبل القريب؛ إذ إنها ما زالت، حتى اليوم، «افتراضية» وأقرب إلى «بالونات اختبار». وليس سراً أن موسكو تريد الانتظار وهي، منذ اليوم، تعد أن إدارة ترمب ستكون أكثر «تساهلاً» و«تفهّماً» لمطالبها، فضلاً عن أن الانتظار سيعطيها الفرصة لتحقيق مزيد من التقدم والسيطرة على شرق أوكرانيا.

اللقاء الثلاثي في قصر الإليزيه السبت الماضي الذي جمع رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا (د.ب.أ)

ونوّه الكرملين، الجمعة، بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال إحاطة إعلامية، إن «التصريح الأخير (للرئيس دونالد ترمب) يتماشى بالكامل مع موقفنا ورؤية (ترمب) للأسباب الكامنة وراء التصعيد هي أيضاً متوافقة مع رؤيتنا... ومن الواضح أن ترمب يدرك ما يتسبّب في تصعيد الوضع». وأكد بيسكوف أن الشروط المطلوبة لإجراء مفاوضات حول أوكرانيا لم تتوافر بعد. وقال: «لا نريد وقفاً لإطلاق النار، بل نريد السلام عند استيفاء شروطنا وبلوغ أهدافنا».

ترمب وماكرون يتصافحان في اجتماع ثنائي بباريس 7 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وفي هذا السياق، تتعيّن الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يحصل على شيء ملموس من الرئيس ترمب خلال الاجتماع الثلاثي الذي نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تنظيمه يوم السبت الماضي، بمناسبة احتفالية الانتهاء من أعمال ترميم كاتدرائية نوتردام. وكان ترمب دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار» ومفاوضات لإنهاء النزاع في أوكرانيا بعد اللقاء المذكور، مضيفاً أن إدارته العتيدة ستخفّض «على الأرجح» المساعدات لكييف.

ونقلت «رويترز» عن رئيس مكتب زيلينسكي، أندريه يرماك، قوله في مقابلة أُجريت معه الخميس، إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا؛ لأنها ليست في الوضع الذي تتطلّع إليه فيما يتعلق بالأسلحة والضمانات الأمنية. وأضاف يرماك: «نحن لا نمتلك الأسلحة، ولا نمتلك الوضع الذي نتحدث عنه. وهذا يعني حصولنا على دعوة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتفاهمات على ضمانات واضحة... حتى نطمئن بأن بوتين لن يعود إلى الحرب في غضون عامين أو ثلاثة أعوام. وخلاصته أن بلاده مستعدة للتفاوض ولكن (ليس اليوم)».

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ونظيراه الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه السبت (د.ب.أ)

ثمة حقيقة مفصلية تجعل الحديث عن المفاوضات، وإن تأخرت، أمراً لا مفر منه وقوامها أن الغربيين يعون اليوم، كما تعي أوكرانيا نفسها، أن تغيّر الموازين العسكرية لصالح القوات الأوكرانية التي سيكون بمقدورها استعادة الأراضي التي احتلتها القوات الروسية بما فيها شبه جزيرة القرم التي احتلتها في عام 2014؛ أمر لن يتحقق. والدليل على ذلك استمرار تقدم الروس في منطقة دونباس رغم الكم الهائل من الأسلحة بالغة التقدم التي تُوفّر للأوكرانيين والصعوبات التي تواجهها في تعبئة مزيد من الجنود إلى جبهات القتال. من هنا، فإن زيلينسكي الذي يعي حقيقة الوضع، غيّر خطابه، بل إنه لم يعد يتردد في القول في الأسابيع الأخيرة، إنه يقبل، ضمن شروط، الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع استمرار سيطرة روسيا على الأراضي التي احتلتها خلال الغزو.

ترى المصادر الأوروبية أن تطور الخطاب الأوكراني أمر بالغ الأهمية، وأهميته «أنه يستبدل بتحرير كامل التراب الأوكراني ضمانات» يحصل عليها من الغربيين. من هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتناول طبيعة هذه الضمانات. والمعلوم أن كييف ترى في انضمامها إلى الحلف الأطلسي الضمانة المثالية.

والخميس، أكد وزراء خارجية ست دول أوروبية - أطلسية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وبريطانيا)، وممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بمناسبة اجتماع لهم في برلين؛ دعمهم انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو». وجاء في بيان لهم: «سنواصل دعم أوكرانيا في مسارها الذي لا رجعة فيه نحو التكامل الأوروبي الأطلسي الكامل، بما في ذلك عضوية حلف شمال الأطلسي». وجاء في البيان أيضا أن «السلام في أوكرانيا والأمن في أوروبا لا ينفصلان».

بيد أن الرغبة الأوروبية تواجه رفضاً روسياً مطلقاً، وكانت ضمن أحد الأسباب التي دفعت بوتين إلى إطلاق «العملية العسكرية الخاصة». كذلك، فإن واشنطن ترفض الانضمام، وثمة تحفظات عليه من داخل الاتحاد. وبما أن أمراً مثل هذا لا يمكن أن يتحقّق إلا برضا واشنطن وبالنظر إلى «تحفظات» ترمب، منذ ولايته الأولى إزاء حلف الأطلسي وتهديده بخروج الولايات المتحدة منه إلا إذا وفّى الأوروبيون بتعهداتهم المالية إزاءه وزادوا من ميزانياتهم العسكرية، فإن حصول كييف على العضوية الأطلسية يسير في طريق مسدود. وليس ترمب وحده من يطالب بذلك؛ إذ إن الأمين العام لحلف الأطلسي الجديد، رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، عدّ أن التهديد الروسي «يقترب من أوروبا بسرعة كبيرة»، وأنه يتوجّب على بلدانها «تخصيص مزيد من الأموال» للدفاع.

رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك ومستشار ألمانيا أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 15 مارس 2024 (أ.ف.ب)

ولأن الانضمام مستبعد، فإن الأوروبيين يبحثون في إمكان إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا «بشكل فردي»، وليس بغطاء أطلسي رغم أن هذه الدول أطلسية. ولكن تطوراً مثل هذا لا يمكن أن يحصل إلا بعد توقف الحرب أو حصول هدنة. وسبق للرئيس الفرنسي أن قدّم، في شهر فبراير (شباط) الماضي، اقتراحاً بهذا المعنى، إلا أنه جُوبه برفض من كثير من الدول وعلى رأسها ألمانيا.

وقال زيلينسكي، بعد لقاء مؤخراً في كييف مع زعيم المعارضة الألمانية فريديريش ميرز: «بصراحة يمكننا التفكير والعمل على ما يطرحه إيمانويل»، وهو «أن توجد قوات من دولة ما على الأراضي الأوكرانية، وهو ما سيضمن لنا الأمن ما دام أن أوكرانيا ليست في (الناتو)». لكن الرفض الذي واجه ماكرون قبل ثمانية أشهر دفع باريس إلى «توضيح» طرحها؛ بحيث إن المقترح يقوم على إرسال وحدات تقوم بتدريب القوات الأوكرانية على القيام بنزع الألغام وأعمال من هذا القبيل. لكن الطرح اليوم، كما برز من خلال اجتماع الرئيس الفرنسي برئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الخميس، مختلف. وعنوانه العمل على إرسال قوات أوروبية من أجل طمأنة أوكرانيا وردع روسيا عن القيام بمغامرة عسكرية لاحقة.

هل أن أمراً مثل هذا يمكن أن يتحقق؟ من المبكر التنبّؤ بما سيحصل. واللافت أن توسك أكد من جهته أنه ناقش مع ماكرون إمكان إرسال قوات إلى أوكرانيا. إلا أنه سارع إلى القول إن بلاده «لا تخطط لمثل هذه الإجراءات... في الوقت الحالي»، وإن قرار الإرسال من عدمه «يُتخذ في بولندا». وهذا يبيّن أن البحث ما زال في أوله ويحتاج إقراره إلى مزيد من الاتصالات، وأن يقبل الطرفان الروسي والأوكراني بقيام هدنة جدية. وإلا فإنه كلام لا جدوى منه.


مقالات ذات صلة

أميركا تحذر من اكتساب كوريا الشمالية خبرة من مشاركتها القتال في أوكرانيا

آسيا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يراجع إحدى الخطط القتالية خلال زيارته لأحد معسكرات الجيش (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

أميركا تحذر من اكتساب كوريا الشمالية خبرة من مشاركتها القتال في أوكرانيا

حذرت الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، من أن كوريا الشمالية تستفيد من مشاركة قواتها في القتال إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا وقالت إنها تكتسب خبرة تجعلها «أكثر قدرة».

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس المنتخب دونالد ترمب أثناء المؤتمر الصحافي ظهر الثلاثاء بمقر إقامته بمنتجع مارلارغو بولاية فلوريدا (أ.ب)

ترمب متعاطف مع موقف موسكو الرافض لعضوية أوكرانيا في «الناتو»

الرئيس الأميركي المنتخب يعبر عن تعاطفه مع موقف روسيا الرافض لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو

هبة القدسي (واشنطن) «الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا صورة وزعها حاكم المنطقة رومان بوسارجين عبر تطبيق «تلغرام» حول فرق الطوارئ في المكان (أ.ب)

أوكرانيا تستهدف مخزن وقود على بُعد 500 كيلومتر من الحدود الروسية

كييف تقول إن قواتها ضربت ليلاً مخزن وقود في روسيا يقع على بُعد 500 كيلومتر من الحدود بين البلدين يستخدمه سلاح الجو لقصف أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو)

بعد تصريحات ترمب عن غرينلاند وكندا... شولتس: «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»

TT

بعد تصريحات ترمب عن غرينلاند وكندا... شولتس: «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»

المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

ذكَّر المستشار الألماني، أولاف شولتس، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب علناً بمبدأ حرمة الحدود، وذلك على خلفية إعلان الأخير عن رغبته في الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك. وبعد مشاورات مع رؤساء حكومات أوروبية، قال شولتس في برلين، اليوم (الأربعاء)، إن «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة» سواء كانت في الشرق أو الغرب.

وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، في وقت سابق اليوم، إن ألمانيا على علم بتعليقات ترمب بشأن غرينلاند وكندا، وتتمسك بالمبدأ الدولي الذي يقضي بعدم تعديل الحدود بالقوة.

وأضاف في مؤتمر صحافي دوري: «كما هو الحال دائماً، فإن المبدأ النبيل لميثاق الأمم المتحدة واتفاقات هلسنكي ينطبق هنا، وهو عدم جواز تعديل الحدود بالقوة».

علم غرينلاند يظهر في قرية إيغاليكو (أ.ب)

وأحجم المتحدث عن التعليق حينما سئل عما إذا كانت ألمانيا تأخذ تعليقات ترمب بجدية.

ورفض ترمب، أمس الثلاثاء، استبعاد اللجوء إلى إجراءات عسكرية أو اقتصادية للسيطرة على قناة بنما وغرينلاند، كما طرح فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية.

وطرح ترمب الذي سيُنصّب رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) فكرة تحويل كندا إلى ولاية أميركية، قائلاً إنه سيطالب حلف شمال الأطلسي بإنفاق مبالغ أكبر بكثير على الدفاع وتعهد بتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا.

وعلى الرغم من تبقي 13 يوماً على تولي ترمب الرئاسة، فإنه بدأ وضع سياسة خارجية متشددة فيما يخص الاعتبارات الدبلوماسية أو مخاوف حلفاء الولايات المتحدة. وعندما سُئل في مؤتمر صحافي عما إذا كان يستطيع أن يؤكد للعالم أنه لن يستخدم القوة العسكرية أو الاقتصادية في محاولة السيطرة على هاتين المنطقتين، رد ترمب: «لا أستطيع أن أؤكد لكم، أنتم تتحدثون عن بنما وغرينلاند. لا، لا أستطيع أن أؤكد لكم شيئاً عن الاثنتين، ولكن يمكنني أن أقول هذا، نحن بحاجة إليهما من أجل الأمن الاقتصادي».