ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطاباً متلفزاً في 24 فبراير (شباط) 2022 أعلن فيه تضمن الإعلان عن الغزو الروسي لأوكرانيا، ما تم تفسيره بأنه تهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا ما تدخلت. وقال إن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب منقطعة النظير على نحو لم تشهده هذه الدول طيلة تاريخها. ثم في 27 فبراير 2022 أمر بوتين روسيا بنقل قوات نووية إلى «وضع خاص للمهام القتالية»، وهذا له معنى مهم من حيث البروتوكولات المتعلقة بإطلاق أسلحة نووية من روسيا.

وقالت باتريشيا لويس، مديرة الأبحاث ومديرة برنامج الأمن الدولي في «معهد تشاتام هاوس» (المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) إنه وفقاً لخبراء متخصصين في الأسلحة النووية الروسية، لا يستطيع نظام القيادة والتحكم الروسي نقل أوامر الإطلاق في وقت السلم، ولذلك فإن رفع الوضع إلى «المهام القتالية» يسمح بتمرير أمر الإطلاق وتنفيذه.

أضافت باتريشيا، في تقرير نشره «تشاتام هاوس»، وبثته «وكالة الأنباء الألمانية»، أن بوتين وجه تهديدات نووية أشد في سبتمبر (أيلول) 2022 عقب أشهر من الصراع العنيف والمكاسب التي حققها هجوم مضاد أوكراني. وأشار إلى توسيع في العقيدة النووية الروسية، مخفضاً عتبة استخدام الأسلحة النووية من تهديد وجودي لروسيا إلى تهديد لسلامة أراضيها.

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وفقاً لتقارير كثيرة ترددت لاحقاً، رصدت الولايات المتحدة وحلفاؤها مناورات أشارت إلى أنه كان يتم تعبئة القوات النووية الروسية. وبعد موجة من النشاط الدبلوماسي، تدخل الرئيس الصيني شي جينبينغ لتهدئة الموقف، وأعلن معارضته لاستخدام الأسلحة النووية.

وفي سبتمبر 2024 أعلن بوتين تحديثاً للعقيدة النووية الروسية لعام 2020، وتم نشر التحديث في 19 نوفمبر، وخفض رسمياً عتبة استخدام الأسلحة النووية.

وتشير المبادئ الأساسية الجديدة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي بدلاً من ذلك إلى عدوان ضد روسيا أو بيلاروسيا «باستخدام أسلحة تقليدية من شأنها أن تُشكل تهديداً خطيراً لسيادتهما أو سلامة أراضيهما».

وفي 21 نوفمبر الحالي هاجمت روسيا دنيبرو في أوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي جديد للمرة الأولى، وأعلن الرئيس بوتين أنه تم إطلاق اسم أوريشنيك على الصاروخ، الذي يفهم أنه صاروخ باليستي متوسط المدى وقادر على حمل أسلحة نووية، وله مدى نظري أقل من 5500 كيلومتر.

وأطلقت روسيا صواريخ مسلحة تقليدية قادرة على حمل أسلحة نووية على أوكرانيا طوال الحرب، ولكن أوريشنيك أسرع بكثير ومن الصعب التصدي له، ويشير إلى نيات روسيا للتصعيد.

الردع النووي في الحرب الباردة

وتم تطوير ردع الأسلحة النووية خلال حقبة الحرب الباردة في المقام الأول على أساس ما تم وصفه بالتدمير المتبادل المؤكد. والفكرة وراء التدمير المتبادل المؤكد هي أن الرعب من الأسلحة النووية أمر كاف لردع أي عمل عدواني وحرب.

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات روسي من طراز «يارس» يمر أمام حرس الشرف خلال عرض عسكري في موسكو (أرشيفية - رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات روسي من طراز «يارس» يمر أمام حرس الشرف خلال عرض عسكري في موسكو (أرشيفية - رويترز)

ولكن تطبيق نظرية الردع على حقائق ما بعد حقبة الحرب الباردة أكثر تعقيداً في عصر الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن يتداخل ذلك مع القيادة والتحكم بشأن الأسلحة النووية.

وعلى ضوء هذه المخاطر، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ بياناً مشتركاً من قمة «مجموعة العشرين» الشهر الحالي في البرازيل، يؤكد على السيطرة البشرية على القرار الخاص باستخدام الأسلحة النووية.

وتتبادل الولايات المتحدة وروسيا معلومات بشأن صواريخهما النووية طويلة المدى الاستراتيجية، بموجب معاهدة «ستارت» الجديدة، وهي معاهدة بين الدولتين تهدف إلى الحد من الأسلحة النووية ومراقبتها، والتي من المقرر أن ينتهي العمل بها في فبراير 2026.

ولكن مع قرار الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في عام 2019 لم تعد هناك أي اتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا تنظم عدد أو نشر الصواريخ النووية، التي يتم إطلاقها من الأرض. وتم سحب الأسلحة النووية قصيرة المدى ووضعها في المخازن نتيجة للمبادرة النووية الرئاسية لعام 1991، ولكنها لا تخضع لأي قيود قانونية.

وتم عقد المؤتمر العاشر لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 2022 في نيويورك، وكانت قضية تهديدات الأسلحة النووية واستهداف محطات الطاقة النووية في أوكرانيا محور المناقشات.

وتمت بعناية صياغة وثيقة لإحداث توازن بشكل دقيق بشأن الركائز الرئيسية للمعاهدة، وهي عدم الانتشار ونزع السلاح النووي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ولكن روسيا سحبت موافقتها في اليوم الأخير للمؤتمر، مما عرقل إحراز تقدم.

وقالت باتريشيا إنه كان يعتقد بأنه إذا كانت روسيا ستستخدم أسلحة نووية، فإن من المرجح أن يكون ذلك في أوكرانيا، باستخدام أسلحة نووية ذات قوة منخفضة في ميدان القتال. ويعتقد بأن روسيا لديها احتياطي من هذه الأسلحة يبلغ أكثر من ألف.

وتشير البيانات الصادرة من روسيا على نحو زائد، إلى أن التهديدات النووية موجهة بشكل مباشر أكثر إلى حلف «الناتو»، وليس أوكرانيا فقط، وكانت تشير إلى أسلحة نووية طويلة المدى ذات قوة أعلى.

وعلى سبيل المثال في خطابه بتاريخ 21 سبتمبر 2022، اتهم بوتين دول «الناتو» بالابتزاز النووي، مشيراً إلى بيانات أدلى بها ممثلون رفيعو المستوى للدول الرئيسة في «الناتو» بشأن احتمال قبول استخدام أسلحة الدمار الشامل (أسلحة نووية) ضد روسيا. وقال بوتين: «في حالة وجود تهديد لسلامة أراضي بلادنا، وللدفاع عن روسيا وشعبنا، فمن المؤكد أننا سوف نستخدم كل نظم الأسلحة المتاحة لنا».

ولم تكن هناك تهديدات صريحة باستخدام الأسلحة النووية أطلقتها دول «الناتو». ولا يعتمد «الناتو» على الأسلحة النووية بوصفها شكلا من أشكال الردع، والتزم مؤخراً بأن يعزز بشكل كبير وضعه الخاص بالردع، والدفاع على المدى الأطول رداً على غزو روسيا لأوكرانيا.

وسيتم رصد ومراقبة أي تحرك لتجهيز ونشر أسلحة نووية روسية بواسطة الأقمار الاصطناعية، التابعة للولايات المتحدة ولدول أخرى، والتي يمكنها الرصد عبر غطاء من السحب وفي الليل، كما يبدو أنه حدث بالفعل في أواخر عام 2022.

واختتمت باتريشيا تقريرها بالقول إنه اعتمادا على المعلومات الاستخباراتية الأخرى والتحليل، وفشل كل المحاولات الدبلوماسية لإثناء روسيا عن موقفها، فإنه ربما تقرر دول «الناتو» التدخل لمنع عملية إطلاق من خلال قصف مواقع التخزين ومواقع نشر الصواريخ مسبقاً.


مقالات ذات صلة

«لا أساس لها»... روسيا تندد باتهامات بشن هجمات سيبرانية على مصالح فرنسية

أوروبا العلم الروسي يظهر ضمن القنصلية الروسية في مارسيليا بفرنسا (رويترز)

«لا أساس لها»... روسيا تندد باتهامات بشن هجمات سيبرانية على مصالح فرنسية

ندّدت السفارة الروسية في فرنسا اليوم الأربعاء بـ«اتهامات لا أساس لها»، غداة تصريحات حمّلت موسكو مسؤولية هجمات سيبرانية ضدّ مصالح فرنسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون يطلقون النار من دبابة أثناء مناورة في منطقة زابوريجيا بأوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا: الروس يقاتلون بشراسة رغم محادثات وقف إطلاق النار

قال قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي، اليوم الأربعاء، إن القوات الروسية زادت، بشكل كبير، من كثافة أنشطتها القتالية بشرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

تقرير: بوتين يصرّ على المطالبة ﺑ4 مناطق أوكرانية خلال المحادثات مع أميركا

أشارت مصادر إلى إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المطالبة بسيطرة روسيا على 4 مناطق أوكرانية لا تحتلها بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجيب عن أسئلة الصحافيين بالقرب من منزل دمّره الهجوم الروسي على كييف 25 أبريل 2025 (أ.ب)

زيلينسكي: روسيا تجهّز لشيء ما في بيلاروسيا

أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إلى أن روسيا «تجهّز لشيء ما» في بيلاروسيا هذا الصيف مستخدمة التدريبات العسكرية ذريعةً.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)

روبيو يقول لنظيره الروسي إن الوقت حان لإنهاء «الحرب العبثية»

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لنظيره الروسي سيرغي لافروف إن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا وفق ما أعلنت «الخارجية الأميركية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتين: موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT
20

بوتين: موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، إنه لا يشك في أن موسكو ستُصلح علاقاتها بالدول الأوروبية عاجلاً أم آجلاً، وفقاً لـ«رويترز».

وفي حديثه خلال منتدى في موسكو، قال بوتين إن الكثيرين في أوروبا يشاركون روسيا موقفها تجاه قضايا معينة.

وفي سياق متصل، قُتل 288 مدنياً على الأقلّ وأصيب المئات في منطقة كورسك الروسية منذ شنّ الجيش الأوكراني هجوماً عليها في أغسطس (آب) 2024، بحسب ما أعلنت السلطات الإقليمية، الأربعاء.

وكانت القوّات الأوكرانية قد شنّت هجوماً مباغتاً على هذه المنطقة الروسية الحدودية واحتلت نحو 1400 كيلومتر مربّع، ردّاً على اجتياح روسيا لأوكرانيا في 2022 وسيطرتها على نحو 20 في المائة من أراضي البلد.

وبعد أشهر من القتال، أعلنت روسيا نهاية الأسبوع الماضي استعادة كورسك بالكامل. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكّد أن قوّاته ما زالت تواصل القتال هناك.

وقال حاكم كورسك ألكسندر خينستيين، الأربعاء، عبر «تلغرام»: «منذ أغسطس (آب)، تعرّض 791 شخصاً لإصابات جسدية في منطقة كورسك، من بينهم 288 توفوا و430 أدخلوا المستشفى».

وأضاف أن «هذه الأرقام المروّعة ليست للأسف شاملة، إذ لم يتمّ بعد انتشال كلّ جثث القتلى من المناطق الحدودية».

وأكّد أن المحققين الروس ما زالوا «يكشفون النقاب عن أعمال تعذيب وإعدام مدنيين» في الأراضي الروسية التي استعيدت مؤخّراً من الجيش الأوكراني.

وبعد أشهر من الصمت، أقرّ الجيش الروسي نهاية الأسبوع الماضي بأن وحدة من الجنود الكوريين الشماليين شاركت في القتال ضدّ القوّات الأوكرانية في كورسك.

وشكر الرئيس الروسي، الاثنين، نظيره الكوري الشمالي كيم يونغ أون على «الإنجاز» الذي حقّقه جنوده.