جوزيب بوريل ينهي مهمته «محبطاً» وتخلفه كايا كالاس الأميركية الهوى

الصوت المستقل لن يكون مسموعاً في المفوضية الأوروبية

المرجح أن يختار جوزيب بوريل البالغ من العمر 77 عاماً التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسة (أ.ف.ب)
المرجح أن يختار جوزيب بوريل البالغ من العمر 77 عاماً التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسة (أ.ف.ب)
TT

جوزيب بوريل ينهي مهمته «محبطاً» وتخلفه كايا كالاس الأميركية الهوى

المرجح أن يختار جوزيب بوريل البالغ من العمر 77 عاماً التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسة (أ.ف.ب)
المرجح أن يختار جوزيب بوريل البالغ من العمر 77 عاماً التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسة (أ.ف.ب)

قطعاً، سيفتقد العالم العربي صوت جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي سيخلي مقعده، بعد أقل من أسبوعين لصالح كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا السابقة، التي يفترض أن يوافق البرلمان الأوروبي على تعيينها في الأيام القليلة المقبلة.

والمرجّح أن يختار بوريل، البالغ من العمر 77 عاماً، التقاعد بعد أن تنقّل في مناصب رئيسية في إسبانيا؛ حيث شغل عدة مناصب وزارية منها منصب وزير الخارجية في أول حكومة للاشتراكي بيدرو سانشيز بعد أن كان قد ترأس البرلمان الأوروبي لـ5 سنوات. وفي عام 2019، فضّل التخلي عن منصبه الوزاري ليعود إلى بروكسل، العاصمة الأوروبية، نائباً لرئاسة المفوضية ومسؤولاً عن السياسة الخارجية والأمنية لـ5 سنوات شارفت على الانتهاء.

خيبة بوريل

بيد أن بوريل يرحل عن بروكسل وفي قلبه حرقة. وقالت مصادر دبلوماسية في باريس إن الصعوبة التي واجهها في منصبه الأخير مزدوجة؛ فمن جهة، عانى من القاعدة المعمول بها في الاتحاد، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي تفرض توافر الإجماع وهو شبه مستحيل فيما يخص منطقة الشرق الأوسط. ومن جهة ثانية، وجود مجموعة من الأعضاء موالية لإسرائيل وتعارض أي انتقادات توجه إليها. وتضيف هذه المصادر أن الـ27 دولة وجدت صعوبات جمة ليس لإدانة إسرائيل على ممارساتها في غزة، التي نددت بها الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ناهيك عن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني، بل فقط للدعوة إلى وقف إطلاق النار. ومن بين الرافضين لأي موقف «معادٍ» لإسرائيل، هناك بدايةً ألمانيا وتليها النمسا والمجر وتشيكيا، فضلاً عن دول البلطيق وهولندا.

جوزيب بوريل خلال حضوره الاجتماع المخصص لمسائل الدفاع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الثلاثاء (إ.ب.أ)

وباختصار، لم تلقَ مقترحات بوريل خلال الأشهر الـ13 المنقضية على حرب غزة أي تجاوب مع مقترحاته، وأبرزها اثنان: الأول، فرض عقوبات على وزراء ومسؤولين إسرائيليين ينفخون في نار الانتقام من الفلسطينيين في الضفة الغربية ويعتدون بشكل دائم على القرى والمزارع والمواطنين تنكيلاً وإهانات وغالباً تحت حماية الأمن الإسرائيلي. والمقترح الثاني تقدم به، الاثنين الماضي، ويقضي بتجميد الحوار السياسي مع إسرائيل بسبب ارتكابات الجيش الإسرائيلي في غزة ولبنان وهي تربطها بالاتحاد الأوروبي شراكة ثرية ومتعددة الأشكال ومن شروطها احترام حقوق الإنسان. وقبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، وجّه بوريل لهؤلاء رسالة مكتوبة عبّر فيها عن «مخاوف جدية إزاء الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني في غزة». وكان أمله أن يحظى اقتراحه بموافقة الوزراء، علماً بأن مطلبه يشكل «الحد الأدنى» للتحرك المرتقب من النادي الأوروبي الرافع شعار احترام حقوق الإنسان.

بيد أن آمال بوريل الراغب في تحقيق إنجاز ما وإن متواضعاً خابت تماماً. وخرج بعد اجتماع الاثنين، ليقول: «معظم الدول الأعضاء رأت أن من الأفضل كثيراً تواصل العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع إسرائيل». وأضاف بوريل: «لكنني على الأقل أطرح على الطاولة جميع المعلومات التي تأتينا من منظمات الأمم المتحدة وكل منظمة دولية تعمل في غزة والضفة الغربية ولبنان من أجل الحكم على الطريقة التي تدار بها هذه الحرب». ووصف ما يدور في غزة بأنه «مروِّع» وأن ما تقوم به إسرائيل هو «حرب ضد الأطفال»؛ حيث إن «من بين القتلى الـ44 ألفاً في غزة، هناك 70 في المائة من الأطفال والنساء، وأعمار هؤلاء غالباً هي دون التاسعة»، ليخلص إلى القول في جملة تعكس إحباطه: «لم يعد هناك كلام إذ استنفدت كل الكلام لشرح ما يجري في الشرق الأوسط». ويمكن إضافة «دون طائل». وكان الأوروبيون قد انتظروا طويلاً قبل الدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة متناغمين في ذلك مع الموقف الإسرائيلي - الأميركي الرافض له. وسارع رادوفان سيكورسكي، وزير خارجية بولندا للرد على بوريل بلهجة منتشية: «يمكنني أن أبلغكم بأن فكرة تعليق المفاوضات مع إسرائيل لم تحظَ بموافقة الوزراء»، مضيفاً: «علينا ألا ننسى من بدأ الدائرة الحالية من العنف» في إشارة إلى «حماس».

كايا كالاس خليفة بوريل في منصبه الأوروبي خلال وصولها إلى اجتماع مع وزراء الخارجية الأوروبيين الثلاثاء في بروكسل (أ.ف.ب)

كايا كالاس: الاحتذاء بالسياسة الأميركية

لم تكن هذه وحدها طموحات بوريل. فالمسؤول الأوروبي كان يدفع باتجاه أن يكون لأوروبا دورها وموقعها وتأثيرها في أزمات العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط، جارها الجنوبي. لكن طموحه هذا خاب أيضاً، وما زالت أوروبا بعيدة لسنوات ضوئية عن تحقيق هذا الهدف. ولعل أفضل مثال ما صدر عن منظمة «أوكسفام» الخيرية في بيانها ليوم الاثنين؛ حيث اتهمت الاتّحاد الأوروبي بأن «أيديه ملطخة بالدماء» في قطاع غزة. وهاجم بوريل وزراء الخارجية بقوله: «لا يمكنكم أن تدّعوا أنكم قوة جيوسياسية إن كنتم تقضون أياماً وأسابيع وشهوراً للتوصل إلى اتفاق و(البدء) بالتحرك».

لا شك في أنه مع حلول كايا كالاس محل بوريل، فإن ملفات الشرق الأوسط لن تكون لها الأولوية. فالمسؤولة الجديدة ليس معروفاً عنها اهتمامها بهذه الملفات، بل إن ما تضعه نصب عينيها الحرب الروسية - الأوكرانية، كما أنها أطلسية الهوى، وتوقعت صحيفة «لو موند» في عددها الصادر يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن تتقارب كثيراً مع السياسات الأميركية في المنطقة، ما يحرم الأوروبيين من صوت مستقل. وذهبت الصحيفة الفرنسية إلى تأكيد أن «الاتحاد الأوروبي سائر على طريق التخلي عن أي طموح في الشرق الأوسط». وفي جلسة الاستماع إليها في البرلمان الأوروبي يوم 12 نوفمبر لم تجد كالاس ما تقوله بالنسبة لما هو حاصل في غزة سوى دعوة الطرفين إلى «ضبط النفس» ومن غير الإشارة، من قريب أو بعيد، إلى ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في القطاع. و«التزامها» الوحيد جاء في تأكيدها أنها ستعمل على وضع حد للنزاع في إطار حل الدولتين وهو التزام لا يقدم ولا يؤخر.

صحيح أن سياسة الاتحاد الخارجية لن ترسمها كايا كالاس، بل هي ترجمة لموقف جماعي داخل الاتحاد. والحال أن ثمة دولاً تريد أن يكون لها موقف متوازن كإسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا، وأيضاً فرنسا. فهل ستنجح في ذلك؟ الجواب في القادم من الأشهر والسنوات.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: إسرائيل رفضت 4 بعثات إمداد لـ«مستشفى كمال عدوان» في قطاع غزة

المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية في ساحة مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة 9 نوفمبر 2024 (أ.ب)

«الصحة العالمية»: إسرائيل رفضت 4 بعثات إمداد لـ«مستشفى كمال عدوان» في قطاع غزة

قالت منظمة الصحة العالمية إن إسرائيل رفضت «بشكل تعسفي» خلال الأيام العشرة الماضية دخول 4 بعثات من المنظمة لإرسال فرق طبية وإمدادات لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الطعام وسط أزمة الجوع مع استمرار الحرب في جنوب قطاع غزة (رويترز)

تنديد أممي بالسرقة «المنظمة» للمساعدات الإنسانية لغزة

ندّد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة اليوم (الثلاثاء) بسرقة المساعدات الإنسانية في غزة، معتبرا أن هذه الظاهرة «أصبحت منظّمة ويجب أن تتوقف».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثة رجل قتل في غارة إسرائيلية على بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

مقتل 8 في قصف إسرائيلي لمنزل في شمال غزة

ذكرت «وكالة الأنباء الفلسطينية» أن ثمانية لقوا حتفهم اليوم (الثلاثاء) في قصف إسرائيلي لمنزل في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ) play-circle 00:28

نتنياهو: «حماس» لن تحكم غزة بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إن حركة «حماس» لن تحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وإن إسرائيل دمرت القوة العسكرية للحركة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
الولايات المتحدة​ يصوّت مجلس الشيوخ الأربعاء على تجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل (رويترز)

مجلس الشيوخ الأميركي لتجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل

يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء، على مشاريع تهدف إلى صدّ تسليم الأسلحة الهجومية لإسرائيل بسبب ممارساتها خلال الحرب في غزة.

رنا أبتر (واشنطن)

بوتين يوجّه رسالة إلى الغرب بإقراره «العقيدة النووية»

بوتين يوجّه رسالة إلى الغرب بإقراره «العقيدة النووية»
TT

بوتين يوجّه رسالة إلى الغرب بإقراره «العقيدة النووية»

بوتين يوجّه رسالة إلى الغرب بإقراره «العقيدة النووية»

وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة تحذير قوية إلى الغرب عبر إقراره النسخة المحدثة من العقيدة النووية، وسط بروز مخاوف من تدهور نحو الأسوأ مع دخول الحرب الدائرة في أوكرانيا يومها الـ1000.

وزاد من تفاقم التوتر، لجوء كييف إلى استخدام الصواريخ الأميركية البعيدة المدى في ضرب مواقع داخل العمق الروسي للمرة الأولى. وتوعد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بردّ «مناسب» على هذه الهجمات التي رأى أنها تشكل «مرحلة جديدة» في النزاع.

وبدا أن هذه التطورات تسابق عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إذ أعلن الجيش الروسي، أن أوكرانيا أطلقت 6 صواريخ بعيدة المدى أميركية على منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الحدودية.

وبعد ساعات على الهجوم، وقع بوتين النسخة المحدثة للعقيدة النووية لبلاده التي تنص على أنه «يتم ضمان احتواء العدوان من خلال مجمل القوة العسكرية للاتحاد الروسي، بما في ذلك الأسلحة النووية».