هل ستقلب القوات الخاصة الكورية الشمالية في أوكرانيا موازين الحرب؟

جنود روس في مكان غير معلن في أوكرانيا (أ.ب)
جنود روس في مكان غير معلن في أوكرانيا (أ.ب)
TT

هل ستقلب القوات الخاصة الكورية الشمالية في أوكرانيا موازين الحرب؟

جنود روس في مكان غير معلن في أوكرانيا (أ.ب)
جنود روس في مكان غير معلن في أوكرانيا (أ.ب)

في ظل تصاعد الصراع في أوكرانيا، ظهرت تقارير تفيد بأن روسيا قد تستعين بالقوات الخاصة الكورية الشمالية لدعم عملياتها العسكرية. هذه الخطوة، إن تأكدت، قد تشكل تحولاً نوعياً في ديناميات الحرب. كما أن التعاون العسكري المحتمل بين روسيا وكوريا الشمالية يحمل دلالات استراتيجية؛ إذ يعكس استعداد موسكو لتعزيز تحالفاتها مع دول معزولة دولياً، وقد يؤدي إلى تعقيد الحسابات الأمنية الغربية وزيادة التحديات أمام أوكرانيا وحلفائها، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

طبيعة المهمة

ويقول بروس بيكتول، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أنجيلو ستيت، والضابط السابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» إن العديد من المصادر أكدت الآن أن قوات قتالية من كوريا الشمالية ستشارك في الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا. ويضيف أن طبيعة المهمة التي ستقوم بها هذه القوات وتأثيرها على الحرب، وكذلك على العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا، أمر بالغ الأهمية.

ولذلك من المهم معرفة عدة أمور: متى بدأ هذا الدعم؟ وما هو عدد الجنود؟ ومن هم هؤلاء الجنود الذين سيقاتلون لصالح روسيا؟ وهل سيكون لهم تأثير كبير في الحرب؟ وربما الأهم: ماذا ستستفيد كوريا الشمالية من هذا الدعم؟

ويقول بيكتول إن كوريا الشمالية كانت تمد روسيا منذ ما يقارب من عامين بقذائف المدفعية والصواريخ الباليستية والأسلحة الصغيرة، بأعداد ضخمة، مما شكل دعماً مهماً لعمليات القتال التي تحتاج إليها روسيا. وفي عام 2022، ورد أن كوريا الشمالية عرضت إرسال 100 ألف جندي لدعم الحرب، ورغم أن هذا العرض قد يكون مبالغاً فيه، قرر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الآن إرسال دفعة أولى من القوات للمشاركة في القتال في أوكرانيا.

ووفقاً لما نقلته الصحافة الكورية الجنوبية عن الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية (التي تعادل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية)، فإن الدفعة الأولى تتكون من نحو 12 ألف جندي، مقسمة إلى أربع ألوية، كل لواء يحتوي على نحو 3200 جندي. وهذه الألوية تتبع في تنظيمها للفيلق الـ11 في كوريا الشمالية، المعروف لدى بعض المحللين باسم «مكتب التوجيه لتدريب المشاة الخفيفة». ويضم «الفيلق الـ11» عشرة ألوية مستقلة، كما أن هناك ألوية مشاة خفيفة تابعة لكل فيلق جغرافي ووظيفي في كوريا الشمالية. ويعرف عن قوات المشاة الخفيفة الكورية الشمالية أنها من أفضل القوات تدريباً وأفضلها تغذية وأكثرها حماساً في البلاد.

وغادرت على الأقل مجموعة من الدفعة الأولى من القوات، نحو 1500 جندي، من ثلاثة موانئ كورية شمالية على متن أربع سفن نقل وثلاث فرقاطات متجهة إلى روسيا بين 8 و13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتردد أن هذه القوات ستقاتل في كورسك ومناطق أخرى في الحرب بعد وصولها إلى روسيا.

وتتمثل مهام ألوية المشاة الخفيفة في عمليات متقدمة تتضمن التسلل إلى ما بعد خط المواجهة الأمامي، والتسلل وتعطيل أو تدمير المنشآت الحساسة (خاصة المطارات ومستودعات الوقود والزيوت)، والتسلل إلى مواقع العدو الدفاعية لتنفيذ هجمات تطويقية أو جانبية لدعم القوات البرية النظامية، والسيطرة على الخطوط الرئيسية للاتصالات، والتسلل إلى دفاعات العدو للسيطرة على تضاريس ومرافق حيوية (مثل السدود ومحطات الطاقة والبنية التحتية الحيوية الأخرى)، والعمل كعناصر استطلاعية لدعم الفيالق والفرق، والعمل كقوات حراسة خلفية وقوات تأخير في أثناء عمليات الانسحاب؛ لمضايقة العدو عبر تدمير الجسور والأنفاق وشبكات الطاقة، وغيرها.

نقطة تحول

ويتساءل الكثيرون عما إذا كانت هذه القوات الكورية الشمالية المشاركة في الحرب في أوكرانيا ستشكل نقطة تحول. ومن الناحية الرمزية، يبدو أن هذا الأمر قد حدث بالفعل؛ إذ إن إرسال أفضل قوات دولة للقتال مع حليف خطوة تدل على تضامن في القول والفعل على حد سواء. أما بالنسبة للتأثير الفعلي على الحرب فقد صرح اثنان من المسؤولين السابقين في الحكومة الأميركية في تصريحات لراديو آسيا الحرة أن هذا لن يكون نقطة تحول كبيرة نظراً لأعداد القوات ونوع الأسلحة المستخدمة.

ويوضح بيكتول أن هذا صحيح بما فيه الكفاية. ويضيف: «أعتقد أنه من المحتمل أن ترسل كوريا الشمالية مزيداً من القوات، وبالتالي يبدو أن الإجابة أكثر تعقيداً». وقد يكون لهذا التحرك تأثير جذري إذا تم إرسال عدد أكبر بكثير من القوات للمشاركة في الحرب. ومع ذلك، يبقى هذا الأمر غير مؤكد.

كما سيعتمد ذلك على كيفية نشر القوات الكورية الشمالية تحت القيادة الروسية. وتشير التقارير إلى أن الدفعة الأولى تضمنت 500 ضابط، من بينهم ثلاثة جنرالات، من بين إجمالي 12 ألف جندي. وبالتالي، قد تحتفظ هذه القوات بتماسكها كوحدات، حيث تعمل ككتائب أو حتى ألوية مرتبطة ومدعومة من القيادة الروسية.

وشاركت وحدات المشاة الخفيفة في تدريبات الأسلحة المشتركة في كوريا الشمالية، لكن كيفية تنفيذ ذلك، أو إذا ما كان سيتم تطبيقه في الحرب في أوكرانيا، لا يزال سؤالاً دون إجابة. بمعنى آخر، فإن إصدار حكم نهائي حول ما إذا كان هذا التحرك سيشكل تغييراً جذرياً في مجريات الحرب يعد تسرعاً. ومن الممكن أن يكون كذلك، لكن من المحتمل أيضاً أن يكون مجرد تعبير رمزي لدعم حليف لآخر. وعندما يتعلق الأمر بخطوات قد تعدّ «نقطة تحول»، يقال إن كوريا الشمالية وفرت بالفعل نصف الذخيرة التي استخدمتها روسيا في العمليات القتالية ضد أوكرانيا خلال العام الماضي.

ما تجنيه روسيا وما يعود على بيونغ يانغ

ومن الواضح تماماً ما ستجنيه روسيا من نشر هذه القوات. وإذا اختار الروس استخدام هذه القوات بالطريقة التي تم تدريبهم عليها، فستحصل موسكو الآن على المزيد من القوات الخاصة المؤهلة للقفز بالمظلات لتعزيز قواتها النخبوية. ولكن القوات الخاصة الروسية واجهت تحديات حقيقية في هذه الحرب. وإذا كان الهدف هو تعزيز قدرات هذه القوات بطريقة تؤثر بشكل كبير، فسيكون من الضروري نشر عدد أكبر بكثير من القوات الكورية الشمالية في الحرب. ومن ناحية أخرى، قد يختار الروس عدم استخدام هذه القوات كقوات خاصة على الإطلاق، وهو ما قد يعني خسائر كبيرة للكوريين الشماليين.

وبالنسبة لكيم جونغ أون، كلما استمرت هذه الحرب لوقت أطول، كان الوضع أفضل لكوريا الشمالية. فقد نجت كوريا الشمالية لسنوات عديدة بفضل جزء كبير من انتشارها العسكري في الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن كوريا الشمالية لم تنشر من قبل أسلحة تقليدية وصواريخ بأعداد كبيرة في فترة زمنية قصيرة كما فعلت في الحرب في أوكرانيا. ويوفر هذا لكوريا الشمالية المال والنفط والمواد الغذائية والتحديثات والدعم لأنظمة الأسلحة، مما يعود بالنفع على جيشها الكبير؛ العتيق في معظمه.

ويجب إدراك أن النظام الحاكم لعائلة كيم يعدّ القوات الخاصة أنظمة أسلحة مثل المدفعية أو الصواريخ الباليستية، وهي أدوات يمكن نشرها لتحقيق الربح لصالح النظام. ووفقاً للتقارير الصحافية، تدفع روسيا ألفي دولار شهرياً لكل جندي كوري شمالي، ولكن هذا المبلغ يدفع للحكومة الكورية الشمالية وليس للجنود أنفسهم. وبالتالي، كلما أرسلت كوريا الشمالية عدداً أكبر من الجنود للمشاركة في الحرب في أوكرانيا، زاد الربح الذي يجنيه النظام. ولم تحصل بيونغ يانغ من قبل على صفقة أفضل من هذه.


مقالات ذات صلة

بوتين: نسعى لإنهاء الصراع في أوكرانيا وسلوفاكيا عرضت استضافة المفاوضات

أوروبا جانب من أعمال قمة قادة «رابطة الدول المستقلة» في سان بطرسبرغ الخميس (أ.ف.ب)

بوتين: نسعى لإنهاء الصراع في أوكرانيا وسلوفاكيا عرضت استضافة المفاوضات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إن سلوفاكيا عرضت أن تكون بمثابة «منصّة» لمفاوضات سلام محتملة بين روسيا وأوكرانيا، بعد نحو 3 سنوات على بدء الحرب.

«الشرق الأوسط» (لندن - موسكو)
أوروبا ميناء سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم (رويترز)

سجن امرأة متهمة بالخيانة في القرم 15 عاماً

حُكم على امرأة في سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، بالسجن 15 عاماً بتهمة الخيانة؛ على خلفية عملها لحساب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي) play-circle

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، «يصف العلاقات مع روسيا بأنها طويلة الأمد واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جانب من الدمار الذي خلفه هجوم روسي على خاركيف في 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

أوكرانيا تُدين الهجوم الروسي «غير الإنساني» على نظامها للطاقة

أدان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هجوماً واسعاً شنته القوات الروسية على شبكة الطاقة، أمس (الأربعاء)، وعدَّه «غير إنساني» لأنه جاء صبيحة الاحتفالات بعيد.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن (رويترز)

بايدن يندّد بالهجوم الروسي «الشائن» على أوكرانيا

قال الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، الأربعاء، إنه أصدر توجيهات لوزارة الدفاع لمواصلة زيادة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)
أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)

قالت المخابرات العسكرية الأوكرانية، اليوم الخميس، إن القوات الكورية الشمالية تتكبد خسائر فادحة في القتال في منطقة كورسك الروسية، وتواجه صعوبات لوجيستية نتيجة للهجمات الأوكرانية.

وأوضحت وكالة الاستخبارات، التي تعرف اختصاراً باسم «جي يو آر»، أن الهجمات الأوكرانية بالقرب من نوفويفانوفكا ألحقت خسائر فادحة في الوحدات الكورية الشمالية، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

وأضافت الوكالة أن الهجمات الأوكرانية على طول خط المواجهة جعلت القوات الكورية الشمالية تواجه أيضاً مشاكل في الإمدادات، ونقصاً في مياه الشرب.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعلن، في وقت سابق هذا الأسبوع، سقوط 3000 جندي كوري شمالي ما بين قتيل وجريح في القتال في منطقة كورسك.

وكانت هذه أول تقديرات مهمة من جانب أوكرانيا لحصيلة الضحايا الكوريين الشماليين بعد عدة أسابيع من إعلان كييف أن كوريا الشمالية أرسلت ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف جندي إلى روسيا لمساعدتها في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات تقريباً.

جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ - كوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

وجاء الكشف عن حصيلة الضحايا الكوريين الشماليين في الوقت الذي تضغط فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإرسال أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه.