كير ستارمر يمد يده للأوروبيين في ألمانيا بعيداً عن «بريكست»

برلين ولندن توقعان معاهدة غير مسبوقة بهدف «إعادة تحديد» العلاقة البريطانية مع الاتحاد

أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)
أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)
TT

كير ستارمر يمد يده للأوروبيين في ألمانيا بعيداً عن «بريكست»

أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)
أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)

انتظر رئيس الحكومة البريطانية السابق ريشي سوناك 18 شهراً قبل أن يزور برلين، في حين لم يطل انتظار رئيس الحكومة الجديد السير كير ستارمر أكثر من شهرين، فيما قد تكون الإشارة الأوضح على المقاربة المختلفة التي تعتمدها حكومة حزب العمال مع ألمانيا، التي تشكل مع بريطانيا الدولتين الكبريين اقتصادياً في الاتحاد الأوروبي.

أمّا برلين التي يقودها كذلك زعيم من اليسار الوسط، فبدت أيضاً سعيدة بـ«إعادة إطلاق» العلاقات مع بريطانيا، الجملة التي يكررها الزعيم العمالي منذ حملته الانتخابية.

أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (أ.ب)

واستقبل المستشار الألماني أولاف شولتس رئيس الوزراء البريطاني بحفاوة، رغم أن الرجلين التقيا في برلين بعيد أيام قليلة من فوز ستارمر، ولكن ليس من خلال زيارة رسمية، بل رياضية، عندما حضر الزعيم العمالي مباراة إنجلترا لكرة القدم في كأس الأمم الأوروبية. والتقى الرجلان كذلك مرة ثانية في واشنطن خلال مشاركتهما في قمة حلف شمال الأطلسي في مطلع يوليو (تموز)، وأيضاً لدى استضافة لندن قمة للمجموعة السياسية الأوروبية في إنجلترا.

وأكد رئيس الوزراء البريطاني عزمه على التقارب مع الاتحاد الأوروبي بعد «بريكست»، معلناً في هذا السياق توقيع معاهدة تعاون «طموحة» وغير مسبوقة قريباً مع ألمانيا.

كير ستارمر في برلين يزور مصانع «سيمينز» للطاقة (رويترز)

ووقف الرجلان أمام الصحافيين في مقر المستشارية في برلين ليؤكدا على سعيهما لعلاقات أقرب وأفضل، وأعلنا عن العمل على المعاهدة خلال الأشهر المقبلة للتوقيع عليها مطلع العام، تتضمن تعاوناً في مجالات التجارة والدفاع والهجرة. ورغم الكلام العاطفي الكبير الذي كرره الزعيمان حول ضرورة بناء علاقات أقرب رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ستارمر نفى نيته العمل لإعادة ضم بريطانيا للاتحاد الأوروبي أو الانضمام إلى السوق الحرة أو السماح بحرية التنقل.

وقال ستارمر إنه «لا يسعى لإعادة النظر في (بريكست) أو الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة أو الاتحاد الجمركي، ولكن نريد علاقة أقرب على عدد من الأصعدة».

ووصف ستارمر «النمو» بأنه من أولويات حكومته، وتعهد بتوثيق العلاقات التجارية مع ألمانيا، واصفاً المساعي «لإعادة إطلاق العلاقات» بأنها «فرصة تحدث مرة في كل جيل»، متعهداً بعلاقات أوثق فيما يتعلق بـ«العلوم والتكنولوجيا والتطوير والأعمال والثقافة». ومع ذلك، نفى أن تكون المحادثات قد تطرقت إلى حرية العمل والدراسة للشباب بين الـ18 والـ30 من العمر، وهو ما اقترحه الاتحاد الأوروبي في اتفاقية «بريكست» ورفضته الحكومات المحافظة السابقة.

ورحب شولتس بانفتاح الزعيم البريطاني على علاقات أفضل مع ألمانيا وأوروبا، وقال: «سنعمل على تعزيز التعاون لصالح شعبينا ولصالح أوروبا، ولن نتوقف عند إعلانات التضامن، بل نريد أن نضع علاقاتنا على أسس جديدة كلياً، وسنعمل على تحقيق ذلك في الأشهر المقبلة». وشدد على أن الاتفاقية الثنائية التي سيعمل عليها الطرفان «لم تحدث في السابق في تاريخ العلاقات بين البلدين»، وأنها تظهر أن بريطانيا «شريك خاص» لألمانيا. وتحدث عن أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط، واصفاً بريطانيا بأنها «لطالما كانت شريكاً أساسياً لا غنى عنه في حل المشاكل العالمية وأن هذا لم يتغير منذ مغادرتها الاتحاد الأوروبي».

كما تعتزم برلين ولندن تعزيز التعاون بينهما في مكافحة الهجرة غير القانونية. وقال ستارمر إن «الطريقة الأفضل والأكثر فاعلية لتحقيق ذلك هي التصدي لعصابات المهربين». وتخلى ستارمر منذ توليه السلطة عن مشروع الحكومة المحافظة القاضي بإبعاد المهاجرين غير القانونيين إلى رواندا.

ستارمر يتوسط ضيوف القمة الأوروبية (إ.ب.أ)

وتتسم مسألة الهجرة بحساسية خاصة في البلدين، لا سيما بعد هجمات بسكين وقعت فيهما مؤخراً. ففي بريطانيا، أثار الهجوم في ساوثبورت في نهاية يوليو أعمال شغب عنصرية ومعادية للإسلام، بينما أحيا الاعتداء في زولينغن، الجمعة، الجدل حول استقبال اللاجئين في ألمانيا.

وذكر ستارمر اعتداء زولينغن الذي نفذه لاجئ سوري وتبناه «داعش»، وتسبب بمقتل 3 أشخاص بطعون بسكين. وقال ستارمر إن التعاون الثنائي سيتضمن كذلك تعاوناً لمكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال تكثيف تبادل المعلومات.

وتواجه بريطانيا مثل ألمانيا تحديات كثيرة بسبب الهجرة غير الشرعية واستغلال أحزاب يمينية متطرفة أحداثاً في خطابات شعبوية. ولكن تزايد قلق الناخبين في ألمانيا خاصة بعد عملية الطعن في زولينغن، دفعت حتى بشولتس الذي تعتمد حكومته سياسة صديقة للهجرة، إلى الإعلان عن خطوات لتشديد مواجهة الهجرة غير الشرعية. وتبين أن منفذ عملية الطعن كان قد دخل ألمانيا بطريقة غير شرعية وصدر فيه قرار بالترحيل إلى بلغاريا، الدولة الأولى في الاتحاد الأوروبي التي دخلها. ولكن السلطات الألمانية لم تنجح في ترحيله بسبب أخطاء بيروقراطية.

وصدر إعلان مشترك في ختام اللقاء الذي غادر بعده ستارمر متوجهاً إلى باريس، تعهد فيه الطرفان بـ«نقل» العلاقات الثنائية إلى «مرحلة جديدة». وأعلنا عن بدء مشاورات لتوقيع اتفاقية ثنائية وإجراء مشاورات حكومية مشتركة بهدف التوقيع على الاتفاقية مطلع العام المقبل. وجاء في البيان أن الاتفاقية ستعكس «الروابط المتنوعة بين البلدين والشعبين والحكومتين استناداً إلى عضوية ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وعلاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي».

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية في بريطانيا في يوليو (إ.ب.أ)

ومن بين النقاط التي ذكرها الإعلان المشترك، تقوية أمن ودفاع أوروبا، والاستمرار بدعم أوكرانيا. وأعلن الطرفان عن عمل وزارتي دفاع البلدين على اتفاقية أمنية جديدة «تقوي الروابط بين قطاعات وصناعات الدفاع».

كذلك بحث ستارمر وشولتس اللذان يعدّ بلداهما من كبار الداعمين لأوكرانيا، المساعدات العسكرية لكييف. ولزم حلفاء كييف الغربيون الحذر في ردود فعلهم على الهجوم الذي تشنّه القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية منذ السادس من أغسطس (آب). وبعدما أعلن شولتس أن هذا الهجوم أُعد «سراً» وأن ألمانيا تتابعه «بانتباه»، أكد الأربعاء أن برلين، ثاني أكبر مزودي أوكرانيا بعد الولايات المتحدة، ستواصل دعمها لكييف في تصديها للهجوم الروسي، رغم خطط حكومته بخفض الموازنة المخصصة لهذا الدعم إلى النصف في 2025. من جانبه، أكد ستارمر التزامه بدعم أوكرانيا «طالما أن ذلك ضروري».

غير أن المسؤولَين أعلنا أنه ليس هناك «أي قرار جديد» بشأن إمدادات الأسلحة لأوكرانيا، في وقت يدعو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، باستمرار، الدول الغربية للسماح لبلاده باستخدام أسلحتها بعيدة المدى على الأراضي الروسية، وهو ما ترفضه.

ويتخوف الأوروبيون من عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، خصوصاً بعد تحذيراته المتكررة للشركاء الأوروبيين من أنهم سيتعين عليهم الدفاع عن أنفسهم، وأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تستمر بالدفاع عنهم. كما يتخوف الأوروبيون من عدم التزام ترمب بالاستمرار بدعم أوكرانيا في حرب ضد روسيا، في حال عودته للبيت الأبيض.

وتوجه ستارمر، مساء الأربعاء، إلى باريس لحضور افتتاح دورة الألعاب البارالمبية، ويستقبله الرئيس إيمانويل ماكرون، الخميس، في قصر الإليزيه.


مقالات ذات صلة

40 ألف وظيفة... خسائر لندن بعد «بريكست»

الاقتصاد منظر عام لمدينة لندن من موقع بناء «بيسوبغيت 22» (رويترز)

40 ألف وظيفة... خسائر لندن بعد «بريكست»

قال عمدة مدينة لندن مايكل ماينلي إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كلّف المركز المالي في لندن نحو 40 ألف وظيفة وهو تأثير يفوق بكثير التقديرات السابقة

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه خلال مناقشة حول العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في بروكسل 18 ديسمبر 2020 (إ.ب.أ)

من هو ميشال بارنييه الذي عيّنه ماكرون رئيساً للحكومة الفرنسية؟

ميشال بارنييه سياسي وسطي ومستشار لحزب «الجمهوريين»، تولى مناصب عديدة بالاتحاد الأوروبي وفي الداخل الفرنسي، عُيّن لمفاوضات «بريكست» واشتهر بأنّه مفاوض جيّد.

شادي عبد الساتر (بيروت)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ)

بوتين: علاقات «بريكس» تتطور بنجاح كبير و30 دولة ترغب في التعاون أو الانضمام

أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخميس، أن أكثر من 30 دولة أبدت استعدادها للتعاون مع مجموعة «بريكس»، وبعضها يريد الانضمام إلى المنظمة.

«الشرق الأوسط»
أوروبا أولاف شولتس وكير ستارمر في برلين (رويترز)

شولتس وستارمر يعتزمان إبرام معاهدة «تعيد تحديد» العلاقة البريطانية الأوروبية

أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن معاهدة ثنائية غير مسبوقة سيوقعها البلدان بهدف إعادة تحديد العلاقات الثنائية بعد بريكست.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر (أ.ب)

كير ستارمر يعلن من بلفاست الرغبة في التهدئة مع آيرلندا

أبدى رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر الاثنين رغبة في تهدئة العلاقات مع آيرلندا الشمالية.

«الشرق الأوسط» (بلفاست)

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت ميركل في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف): «لا ينبغي لروسيا أن تكسب هذه الحرب... ما فعله (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) مع أوكرانيا عمل سافر منتهِك للقانون الدولي»، موضحة في المقابل: «يتعيّن دائماً التفكير بالتوازي مع حلول دبلوماسية»، مشيرة إلى أنه لا داعي لمناقشة هذه الحلول الآن. وأوضحت أن تحديد الوقت المناسب لذلك أمر يتعيَّن على الجميع (أوكرانيا وداعميها) مناقشته معاً، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تصل لتقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين 26 نوفمبر 2024... نُشرت المذكرات السياسية لميركل في 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

وأكدت ميركل أنها تدعم ما تفعله الحكومة الألمانية الحالية من أجل أوكرانيا، مشيرة إلى أنه من المعروف أن تحقيق أوكرانيا نصراً عسكرياً ضد جارتها الكبرى روسيا لن يكون سهلاً، وقالت: «ومع ذلك، فإنني أؤيد كل ما يفعله المجتمع الدولي لوضع أوكرانيا في وضع جيد... ليس من مصلحة أوكرانيا فحسب، بل من مصلحتنا أيضاً ألا ينتصر بوتين في هذه الحرب»، مؤكدة أنها بذلت قصارى جهدها لضمان عدم حدوث مثل هذا التصعيد.

ومن ناحية أخرى، علّقت ميركل أيضاً على سياسة الهجرة، معترفة بأن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي المناهض للهجرة «أصبح بالتأكيد أقوى» مما كان عليه في الانتخابات العامة التي جرت عام 2013، بسبب العدد الكبير من المهاجرين الذين جاءوا إلى ألمانيا في عام 2015.

وفي المقابل، أشارت ميركل إلى أن نسبة تأييد حزب «البديل من أجل ألمانيا» كانت تتراوح بين 10 و11 في المائة عندما تركت منصبها، لكنها وصلت اليوم إلى 18 في المائة، وقالت: «هذا يعني أن لا بد أن شيئاً آخر قد حدث خلال تلك الفترة»، موضحة أنه «لم يكن من الجيد لنا - نحن الأحزاب الديمقراطية - أن نتجادل بهذه الشدة حول قضية اللاجئين». وأضافت أن هذا الجدال لم يضعف بالتأكيد حزب «البديل من أجل ألمانيا».

لافتة تعلن عن توقيع كتاب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» بينما يقف الناس في طابور خارج متجر لبيع الكتب في برلين - ألمانيا 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

وذكرت ميركل أنه يتعيَّن على الأحزاب الديمقراطية الآن تقديم حلول، وعدم تبني أجندة حزب «البديل من أجل ألمانيا» أو خطابه، معربةً عن اعتقادها أن هناك ما يكفي من الأشخاص الشجعان في ألمانيا الملتزمين بالحرية والديمقراطية.

وتابعت: «آمل أن يكون هناك توازن في النقاش السياسي خلال الحملة الانتخابية المقبلة حتى تخرج منه القوى الديمقراطية أقوى».

ونشرت ميركل، يوم الثلاثاء الماضي، مذكراتها بعنوان «الحرية: ذكريات 1954 - 2021».