أوروبا تتجه للتجنيد الإجباري خوفاً من اتساع نطاق الحرب الروسية - الأوكرانية

جنود في الجيش النرويجي (رويترز)
جنود في الجيش النرويجي (رويترز)
TT

أوروبا تتجه للتجنيد الإجباري خوفاً من اتساع نطاق الحرب الروسية - الأوكرانية

جنود في الجيش النرويجي (رويترز)
جنود في الجيش النرويجي (رويترز)

مع ازدياد المخاوف من تحول الحرب الروسية على أوكرانيا إلى صراع أوسع يشمل عديداً من الدول الغربية الكبرى، تتجه الدول الأوروبية إلى التجنيد الإجباري؛ بغرض تعزيز دفاعاتها وقدراتها للتصدي لأي هجوم روسي محتمل.

وفي هذا السياق، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن روبرت هاميلتون، رئيس أبحاث أوراسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، الذي خدم ضابطاً في الجيش الأميركي لمدة 30 عاماً، قوله: «لقد وصلنا إلى إدراك أنه قد يتعين علينا تعديل الطريقة التي نحشد بها للحرب، وتعديل الطريقة التي ننتج بها المعدات العسكرية، وكيفية قيامنا بتجنيد وتدريب الأفراد».

وأضاف هاميلتون: «من الصحيح بشكل مأساوي أننا هنا في عام 2024، وما زلنا نتصارع مع أسئلة حول كيفية تعبئة ملايين الأشخاص ليتم إلقاؤهم في مفرمة حرب محتملة، ولكن هذا هو المكان الذي وضعتنا فيه روسيا».

ومن جهته، قال الجنرال الأميركي المتقاعد، ويسلي كلارك، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن مخاطر نشوب حرب أكبر في أوروبا ازدادت بعد أن «لجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً إلى صراع مفتوح» في أوكرانيا؛ سعياً لتحقيق هدفه، المتمثل في «إعادة إنشاء الإمبراطورية السوفياتية».

وقال كلارك، الذي قاد قوات «الناتو» خلال حرب كوسوفو عام 1998: «لدينا الآن حرب في أوروبا لم نكن نعتقد بأننا سنشهدها مرة أخرى». وتابع: «من غير الواضح ما إذا كانت هذه حرباً باردة جديدة أم حرباً ساخنة ناشئة، لكن هذا تحذير وشيك جداً لحلف الناتو بأن علينا إعادة بناء دفاعاتنا».

وأكد أن هذه الجهود تشمل التجنيد الإجباري.

عودة التجنيد الإجباري

أوقف عدد من الدول الأوروبية التجنيد الإلزامي بعد نهاية الحرب الباردة، التي نشأت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما من فترة منتصف الأربعينات حتى أوائل التسعينات. لكن عديداً من الدول - خصوصاً في الدول الاسكندنافية ودول البلطيق - أعادت العمل بهذا النظام في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التهديد الروسي.

وفي بعض البلدان، يمكن أن يؤدي الهروب من التجنيد إلى فرض غرامات كبيرة أو حتى السجن.

وتعدّ لاتفيا الأحدث في تنفيذ التجنيد الإجباري. وقد أعادت الخدمة العسكرية الإلزامية في الأول من يناير (كانون الثاني) من هذا العام، بعد إلغائها في عام 2006.

ويقضي هذا النظام بتجنيد المواطنين الذكور في غضون 12 شهراً من بلوغهم سن الـ18، أو التخرج بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون في نظام التعليم.

وقال أرتورس بيلاسيس، وهو طالب يبلغ من العمر 20 عاماً لم يتقدم بعد للتجنيد ولكنه ذهب طوعاً إلى دورة عسكرية مدتها شهر: «في البداية كان هناك كثير من المعارضة لهذا النظام. لكن في نهاية المطاف، تفهَّم الجميع حاجة الدولة إلى نظام دفاع قوي. بعد العدوان الروسي غير المبرَّر على أوكرانيا، لم يعد بإمكاننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونعتقد بأن الأمور ستسير كما كانت من قبل».

جنود في جيش لاتفيا (رويترز)

وفي أبريل (نيسان)، قدمت النرويج خطة طموحة طويلة الأجل من شأنها أن تضاعف ميزانية الدفاع للبلاد تقريباً، وتضيف أكثر من 20 ألف جندي وموظف وجنود احتياط إلى القوات المسلحة.

وقال رئيس الوزراء جوناس جار ستور: «نحن بحاجة إلى دفاع مناسب للغرض في البيئة الأمنية الناشئة».

وأضاف: «تمثل هذه الخطة دفعة تاريخية في الإنفاق الدفاعي، وتتضمن تعزيزاً كبيراً لجميع فروع القوات المسلحة».

والتجنيد في النرويج إلزامي. وفي عام 2015 أصبحت النرويج أول عضو في «تحالف الناتو الدفاعي»، يقوم بتجنيد الرجال والنساء على قدم المساواة.

تحول عقلي كبير

تُجرى أيضاً مناقشات حول التجنيد الإجباري في دول أوروبية أخرى لا تحتاج ذلك حالياً. وفي المملكة المتحدة، طرح المحافظون هذه الفكرة في حملتهم الانتخابية.

ولكن ربما يكون التحول الأكثر إثارةً للدهشة في ألمانيا، التي كانت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تكره الحديث عن العسكرة والخدمة العسكرية.

وقامت ألمانيا هذا العام بتحديث خطتها في حالة اندلاع صراع في أوروبا، وقدم وزير الدفاع بوريس بيستوريوس اقتراحاً في يونيو (حزيران) بشأن خدمة عسكرية تطوعية جديدة. وقال: «يجب أن نكون مستعدين للحرب بحلول عام 2029».

وقال شون موناغان، زميل زائر في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «نحن نرى النقاش محتدماً في ألمانيا الآن. هذه هي الخطوة الأولى. هذا لا يحدث بين عشية وضحاها، إنه تحول عقلي كبير».

لكن، طلبات التجنيد لا تحظى بدعم وموافقة جميع المواطنين في بعض البلدان. وفي ليتوانيا، على سبيل المثال، تتباين الآراء حول الخدمة العسكرية بين الطلاب، كما قال باوليوس فايتيكوس، رئيس الاتحاد الوطني للطلاب في ليتوانيا.

ومنذ أن أعادت البلاد نظام الخدمة العسكرية الإجبارية في عام 2015؛ بسبب «الوضع الجيوسياسي المتغير»، يتم تجنيد بين 3500 و4 آلاف ليتواني تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاماً كل عام لمدة 9 أشهر.

وقال فايتيكوس إن الطلاب أطلقوا مبادرات لإرسال الإمدادات إلى الخطوط الأمامية الأوكرانية. وأضاف أن هناك «تحولاً في عقلية الشباب نحو أهمية القيام بنشاط أكبر للدفاع عن بلادهم، بعيداً عن التجنيد الإجباري».

وقال موناغان إنه مع استمرار موضوع التجنيد الإجباري الذي لا يحظى بشعبية في بعض البلدان، فإن «الناتو» يكافح لتحقيق هدفه الجديد، المتمثل في وجود 300 ألف فرد في حالة تأهب قصوى في غضون شهر واحد، ونصف مليون آخرين في غضون 6 أشهر.

نماذج قوة احتياطية استراتيجية كبيرة

تتمتع فنلندا، وهي من أحدث أعضاء حلف «الناتو»، بوجود أكثر من 900 ألف جندي احتياط.

وقال روبرت هاميلتون، رئيس أبحاث أوراسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن «فنلندا مثال جيد». وأوضح أن فنلندا، تاريخياً كانت «محصورة» بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد السوفياتي، ولم تكن متحالفة مع أي منهما، لذا كانت بحاجة إلى أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بمفردها.

ولدى النرويج والسويد نماذج مماثلة، حيث تحتفظ كل منهما بأعداد كبيرة من جنود الاحتياط، وإن لم يكن العدد مماثلاً لما هي عليه الحال في فنلندا.

واستدعت السويد نحو 7 آلاف فرد في عام 2024. وسيرتفع العدد إلى 8 آلاف في عام 2025، وفقاً للقوات المسلحة السويدية.

وقالت مارينيت نيه رادبو، مديرة الاتصالات في الوكالة التي تساعد على اختبار المجندين وتقديم التقارير إلى وزارة الدفاع: «لقد قامت السويد بالتجنيد الإجباري منذ عام 1901، لذا فهو جزء من ثقافتنا بطريقة ما».

وأضافت: «عندما تم تفعيل التجنيد الإجباري مرة أخرى، قلنا في البداية إن التجنيد جيد لسيرتك الذاتية، وللتقدم لوظيفة جديدة على سبيل المثال. لكن رسالتنا اليوم، بعد اندلاع حرب أوكرانيا، تركز على أن هذا الأمر واجب عليك القيام به من أجل السويد».

هل «الناتو» مستعد للحرب؟

قام حلف «الناتو» بمراجعة استراتيجيته وتعزيز قدراته على مدى العقد الماضي؛ رداً على التهديد المتزايد من موسكو.

وقد دفع هجوم روسيا واسع النطاق على أوكرانيا في عام 2022، أعضاء الحلف إلى إعادة تقييم ما إذا كانوا مستعدين للحرب وتعزيز دفاعاتهم.

قوات فنلندية وسويدية تشارك في مناورات لحلف «الناتو» قرب هيتا بفنلندا في 5 مارس 2024 (رويترز)

وقالت فرح دخل الله، المتحدثة باسم «الناتو»، لشبكة «سي إن إن»: «منذ عام 2014، شهد الناتو أهم تحول في دفاعه الجماعي منذ فترة طويلة. لقد وضعنا الخطط الدفاعية الأكثر شمولاً منذ الحرب الباردة، ويوجد حالياً أكثر من 500 ألف جندي في حالة استعداد عالٍ».

لكن هناك دعوات لأعضاء الحلف لزيادة قدراتهم بشكل أكبر وأسرع.

وقال موناغان: «على الرغم من أن أعضاء الناتو مستعدون بالتأكيد للقتال الليلة، فلا يزال هناك سؤال حول ما إذا كانوا مستعدين لحرب طويلة الأمد مثل الحرب في أوكرانيا»، مشيراً إلى أنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به في عدد من المجالات. وتشمل هذه المجالات القدرات الصناعية، والإنفاق الدفاعي، والقدرة على الصمود المجتمعي ومسألة التجنيد الإجباري.

وقالت دخل الله إن الطريقة التي يتم بها تجنيد الأفراد العسكريين وتدريبهم هي قرار يخص كل دولة على حدة، مضيفة: «نحو ثلث أعضاء الناتو لديهم شكل من أشكال الخدمة العسكرية الإجبارية».

وأضافت: «لكننا بصفتنا تحالفاً لا نفرض الخدمة العسكرية الإلزامية. الشيء المهم هو أن يستمر أعضاء الحلف في امتلاك قوات مسلحة قادرة على حماية أراضينا وسكاننا».

وبالإضافة إلى القتال في أوكرانيا، شنّت روسيا أيضاً حرباً هجينة في جميع أنحاء أوروبا، كما يقول الخبراء، تضمّنت هجمات على البنية التحتية، والهجمات الإلكترونية، والتضليل، والتخريب، والتدخل في الانتخابات، وتسليح الهجرة.

وقال موناغان: «لقد أصبح هذا أكثر عدوانية». «كل هذا يعني أن حلفاء الناتو يواجهون وضعاً جيوسياسياً مختلفاً تماماً عمّا كانوا عليه خلال العقدين الماضيين».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle 01:12

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أعلن الرئيس الأوكراني، الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
TT

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)

قالت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، اليوم الجمعة، في تقرير إن شركتي «أبل» و«غوغل» لا توفران للمستهلكين خياراً حقيقياً لبرامج التصفح على الإنترنت للهواتف المحمولة، وأوصت بإحالتهما إلى تحقيقٍ بموجب القواعد الرقمية الجديدة في المملكة المتحدة، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.

ووجهت هيئة المنافسة والأسواق انتقادات لشركة «أبل»، قائلة إن تكتيكات الشركة المصنعة لهاتف آيفون تعيق الابتكار عن طريق منع المنافسين من منح المستخدمين ميزات جديدة مثل تحميل صفحات الإنترنت بشكل أسرع.

وأفاد تقرير الهيئة بأن شركة «أبل» تفعل ذلك من خلال تقييد تطبيقات الويب المتطورة، والتي لا يتطلب الأمر تنزيلها من تطبيق لمتجر التطبيقات، ولا تخضع لعمولات تطبيق متجر التطبيقات.

وقالت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية إن «هذه التطبيقات غير قادرة على الانطلاق بشكل كامل على الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل (آي أو إس) الذي طورته شركة (أبل)»، وجاء ذلك في تقرير مؤقت للهيئة عن تحقيقها بشأن برامج تصفح الهواتف المحمولة، والذي شرعت فيه بعد أن خلصت دراسة أولية إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» لديهما سيطرة فعالة على «الأنظمة البيئية المحمولة».

وتوصل تقرير هيئة المنافسة والأسواق أيضاً إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» تتلاعبان بالخيارات المقدمة لمستخدمي الهواتف المحمولة؛ لجعل برامج التصفح الخاصة بهما هي «الخيار الأكثر وضوحاً أو سهولة».

وقالت الهيئة إن اتفاقاً لتقاسم الإيرادات بين شركتي التكنولوجيا الكبيرتين في الولايات المتحدة «يقلل بشكل كبير من حوافزهما المالية» للتنافس في مجال برامج تصفح الهواتف المحمولة على نظام التشغيل «آي أو إس» الذي تصنعه شركة «أبل» لأجهزة آيفون.

وقالت الشركتان إنهما «ستتعاونان بشكل بناء» مع هيئة المنافسة والأسواق.

وذكرت شركة «أبل» أنها لا توافق على نتائج تقرير الهيئة، وأعربت عن قلقها من أن تؤدي التوصيات إلى تقويض خصوصية وأمن المستخدم.

وأشارت شركة «غوغل» إلى أن انفتاح نظام تشغيل «آندرويد» للأجهزة المحمولة الخاص بها «ساعد في توسيع الاختيار وخفض الأسعار، وأتاح الوصول إلى الهواتف الذكية والتطبيقات»، وأنها «ملتزمة بالمنصات المفتوحة التي توفر الإمكانيات للمستهلكين».