​فرنسا تدور في فراغ سياسي وماكرون يبحث عن أكثرية «متعددة» لتشكيل الحكومة

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يسعى ائتلاف الوسط واليمين لإبعاده وحزبه عن الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يسعى ائتلاف الوسط واليمين لإبعاده وحزبه عن الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
TT

​فرنسا تدور في فراغ سياسي وماكرون يبحث عن أكثرية «متعددة» لتشكيل الحكومة

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يسعى ائتلاف الوسط واليمين لإبعاده وحزبه عن الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)
جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد الذي يسعى ائتلاف الوسط واليمين لإبعاده وحزبه عن الحكومة الجديدة (أ.ف.ب)

ثمانية أيام انقضت على الجولة الانتخابية الحاسمة التي أفضت إلى أن تحل الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف اليسار والخضر) في المرتبة الأولى، التي من المفترض أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد سارع لتسمية إحدى شخصياتها لرئاسة وتشكيل حكومة جديدة تحل محل حكومة غابرييل أتال. لكن ماكرون لم يقدم بعد على هذه الخطوة، رغم أن أتال سارع الاثنين الماضي، وفق منطوق الدستور، إلى تقديم استقالة حكومته. ولأن الوضع السياسي في فرنسا كما رسمت صورته الانتخابات بالغ الغموض والضبابية بسبب وجود ثلاث مجموعات سياسية رئيسية لا تمتلك أي منها الأكثرية المطلقة، فإن رئيس الجمهورية يتمهل ويضرب أخماساً بأسداس للعثور على المخرج الممكن؛ لذا طلب من أتال البقاء في منصبه «لضمان استقرار البلاد». وحتى تاريخه، ما زال أتال في موقعه، وما زالت الجبهة الشعبية عاجزة عن اختيار من تريد أن تجعله رئيساً للحكومة العتيدة.

الرئيس ماكرون ورئيس الحكومة غابرييل أتال خلال العرض العسكري يوم الأحد بمناسبة العيد الوطني الفرنسي (إ.ب.أ)

وآخر ما توفر من معلومات أن ماكرون سيقبل «رسمياً» استقالة أتال الأربعاء بمناسبة انعقاد آخر مجلس للوزراء قبيل الظهر، إلا أنه بالمقابل سيطلب منه تسيير شؤون الدولة بانتظار ولادة حكومة جديدة، يبدو اليوم أنها ستكون «عسيرة». ولا شيء يؤشر إلى أن الوضع المؤقت سيتغير في القريب العاجل، لا بل إن المرجح أن تدوم حالة تصريف الأعمال لما بعد انتهاء الألعاب الأولمبية، التي تستضيفها فرنسا من 26 يوليو (تموز) وحتى 11 أغسطس (آب) بسبب التحديات الأمنية والحاجة إلى سلطة قائمة تدبر الأمور.

أزمة سياسية مؤسساتية متعددة الأبعاد

أول تجليات الأزمة الانقسامات الحادة، وصعوبة التعاون بين المجموعات السياسية الثلاث (الجبهة الشعبية، وائتلاف الوسط، واليمين المتطرف). ودفعت هذه الصورة الرئيس ماكرون إلى اعتبار أن لا فائز واضحاً في الانتخابات، وهدفه المبيت تفسير تردده في عدم تكليف شخصية من الجبهة الشعبية تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصاً أن شخصيات كبيرة في معسكره، وفي اليمين التقليدي الممثل بحزب الجمهوريين، ترفض إيكال مفاتيح الوزارة إلى اليسار، الذي يضم حزب «فرنسا الأبية» الذي يمثل اليسار المتشدد بزعامة جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق.

والوجه الآخر للمشكلة أن اليسار المذكور، بعد ثمانية أيام من المناقشات والمشاورات، لم ينجح في التوافق على اسم مرشح يعرضه على ماكرون بسبب خلافاته الداخلية والتنافس بين الحزب «الاشتراكي»، و«فرنسا الأبية».

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف وجوردان باديلا رئيس حزب «التجمع الوطني» خلال مهرجان انتخابي في باريس يونيو الماضي قبل تبخر حلم الوصول إلى السلطة (أ.ب)

ويتهم اليسار المتطرف الاشتراكيين بـ«تعطيل» المحاولات كافة لتسمية مرشح، فيما سارع الأمين العام للحزب الاشتراكي، أوليفيه فور، إلى طرح نفسه مرشحاً لرئاسة الحكومة، وهو ما يرفضه حزب «فرنسا الأبية». واتهم مانويل بومبار، منسق «فرنسا الأبية» الاشتراكيين بممارسة سياسة «المعارضات المنهجية، من خلال العراقيل والفيتو» التي يتم اللجوء إليها لنسف كل المقترحات، بما فيها اقتراح إيكال المنصب إلى هوغيت بيلو، رئيسة منطقة جزيرة «لا ريونيون».

وآخر ما طرحه أوليفيه فور، الاثنين، «توسيع» الخيارات إلى «شخص من الخارج» وربما من المجتمع المدني. ولكن من هو؟ وفي أي حال، فإن حكومة من الجبهة الشعبية، في حال قيامها، لن تحظى بالأكثرية، حيث لديها 196 نائباً، فيما الأكثرية المطلقة تعد 289 نائباً. ولا أحد، من بين المجموعات السياسية الرئيسية أبدى استعداده للتعاون مع اليسار، ما يعني أن الحكومة ستسقط لدى أول اختبار لطرح الثقة بها، ما يعني أيضاً أنها ستكون عاجزة عن تنفيذ برنامجها الانتخابي.

وليس سراً أن ماكرون، بعد الخسارة التي مني بها في الانتخابات، يريد أن يحتفظ بدور رئيسي له في اللعبة السياسية وللسنوات الثلاث المتبقية له في قصر الإليزيه. وإذا كانت نتائج الانتخابات أبعدت عنه كأس التعايش مع حكومة من اليمين المتطرف بعد أن أصيب «التجمع الوطني» بزعامة المرشحة الرئاسية مارين لوبان ورئاسة جوردان بارديلا بهزيمة انتخابية كبرى، فإنه يطمح إلى تشكيل حكومة من ائتلاف الوسط، ومن اليمين التقليدي (حزب الجمهوريين) ومن «اليسار الديمقراطي»، أي بعيداً عن أقصى الطرفين: «فرنسا الأبية»، و«التجمع الوطني». بيد أن أمراً مثل هذا يتطلب تفكيك «الجبهة الشعبية الجديدة» من خلال «شيطنة» ميلونشون وحزبه المتهمين بالتطرف، ومعاداة السامية، وزرع الفوضى.

أمين عام الحزب «الاشتراكي» أوليفيه فور (وسط) اقترح ترؤس الحكومة العتيدة وسط انقسامات حادة للجبهة الشعبية الجديدة التي تضم أحزاب اليسار والخضر (رويترز)

ولا يستبعد مراقبون أن تفضي المماحكات بين «فرنسا الأبية»، والحزب «الاشتراكي» إلى فرط تحالف «اليسار» و«الخضر»، ما سيقرب ماكرون من تحقيق هدفه.

بيد أن المجيء بحكومة جديدة شيء، والتوافق على برنامج حكم مشترك شيء آخر، سيكون بالغ الصعوبة بالنظر لتضارب المواقف والبرامج، ومن ثمّ فإن نجاح مشروع قيام حكومة واسعة ومتعددة سيعني عملياً، في حال حصوله، التوافق على الحد الأدنى، وإبقاء الملفات الخلافية جانباً.

ثمة معركة إضافية ستحصل الخميس وعنوانها انتخاب رئيس للبرلمان الذي كانت ترأسه سابقا يائيل بيفيه بروان الراغبة في العودة إلى موقعها. وفي اليومين الأخيرين، اتهمت بيفيه براون بـ«التفاهم سراً» مع اليمين المتطرف لتسهيل انتخابها في المنصب الاستراتيجي، لتكون رابع شخصية في الجمهورية الفرنسية.



أوستن يخاطب أوميروف: لا يخطئن أحد... لن نتنازل عن دعم أوكرانيا حرة وذات سيادة

مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
TT

أوستن يخاطب أوميروف: لا يخطئن أحد... لن نتنازل عن دعم أوكرانيا حرة وذات سيادة

مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)

وسط احتدام الجدل حول قضية رفع القيود على استخدام أوكرانيا لأسلحتها الصاروخية بعيدة المدى التي تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها، لضرب عمق الأراضي الروسية، بدا أن «الضغوط» التي تتوالى على واشنطن قد تنجح أخيراً في إقناع إدارة الرئيس جو بايدن برفعها.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن مجيء وزير الدفاع الأوكراني، رستم أوميروف، إلى واشنطن لم يكن ليتم من دون موافقة «مسبقة» من المسؤولين الأميركيين، و«انفتاحهم» على مناقشة الأفكار الأوكرانية، سواء ما يتعلق منها بأهداف العملية في كورسك الروسية، أو بالحاجة لرفع القيود على استخدام الأسلحة، رغم عدم صدور موقف «واضح» من هذه القضية.

وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف والأميركي لويد أوستن (رويترز)

 

لا تنازل عن دعم أوكرانيا

ومساء الجمعة، التقى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بأوميروف في البنتاغون، حيث أكد على التزام الولايات المتحدة الدائم بدعم أوكرانيا. وأدان أوستن الهجمات الروسية على البنية التحتية المدنية الحيوية في أوكرانيا، وقال إن الولايات المتحدة ستواصل قيادة الحلفاء والشركاء في تقديم القدرات الأساسية لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وأضاف: «دعوني أكون واضحاً، ليس من المقبول أبداً استهداف المدنيين، صمود أوكرانيا واستمراره سيساعدها في التغلب على عدوان بوتين وفظائعه». وأضاف: «إنهم يواصلون صد هجوم الكرملين وإلحاق خسائر فادحة بالغزاة الروس». «لذا، لا يخطئن أحد، فإن الولايات المتحدة لن تتنازل عن دعمها لأوكرانيا حرة وذات سيادة».

مناقشة أهداف كييف

وتطرق أوستن إلى الاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية الذي سيعقد الأسبوع المقبل في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، وقال إن الشركاء سيعملون خلال الاجتماع على تلبية احتياجات أوكرانيا العاجلة في ساحة المعركة، بما في ذلك قدرات الدفاع الجوي لدرء الهجمات الروسية بطائرات من دون طيار والهجمات الصاروخية.

وقال الوزير الأوكراني أوميروف إن اجتماع اليوم تضمن مناقشات تفصيلية حول الوضع الحالي في ساحة المعركة و«رؤية أوكرانيا وأهدافها وخططها». وفيما شكر أوستن على قيادته المستمرة لحشد التحالف الدولي للدفاع عن أوكرانيا، قال أوميروف: «لقد ضربت قيادة الولايات المتحدة مثالاً قوياً لتشجيع الشركاء الآخرين على الوقوف إلى جانب أوكرانيا في هذا الوقت الحرج».

ضغوط أوروبية جديدة

بيد أن ما عزز من التوقعات بأن تنجح حملة الضغوط لرفع القيود، هو انضمام المزيد من المسؤولين الأوروبيين إلى الجوقة المتزايدة التي تحض أميركا والحلفاء على رفع جميع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة التي يزودها الغرب بها. وكان آخرهم الرئيس التشيكي بيتر بافيل، وهو جنرال متقاعد شغل أيضاً منصباً رفيع المستوى في حلف الناتو، والذي قال «إن الأوكرانيين يستحقون يداً أكثر حرية للدفاع عن بلادهم».

وقال بافيل خلال مشاركته في المؤتمر الأمني الذي انعقد في براغ: «أعتقد أن ما نحتاج إليه هو تمكين أوكرانيا من الاستخدام الكامل لإمكانات الأسلحة التي توفرها الدول الغربية». وأضاف: «ما أعنيه هو عدم فرض أي قيود على استخدام الطائرات والصواريخ وما إلى ذلك، لأن أوكرانيا تحتاج إلى استخدامها لتكون ناجحة في الدفاع عن النفس».

وكررت تصريحات بافيل دعوة مماثلة ومتزامنة تقريباً من قبل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته، جوزيب بوريل، إلى اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد في بروكسل. وقال بوريل إن كييف لها الحق في استهداف الأماكن التي تتعرض للهجوم منها. وأضاف «لا أحد يريد» الحرب مع روسيا. لكن ضع نفسك مكان الأوكرانيين: الروس يقصفونك من مكان لا يمكنك الوصول إليه. وتود القتال على قدم المساواة، «من السخافة» القول إن السماح باستهداف أراضي روسيا يعني شن حرب مباشرة ضد موسكو.

الطقس سمح بالتقدم الروسي

ودعا المسؤولون الأوكرانيون، بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مراراً وتكراراً حلفاء أوكرانيا إلى اتخاذ «إجراءات حاسمة» والسماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية أعمق داخل روسيا. ويقول مسؤولون أوكرانيون إنه رغم تسليم أسلحة جديدة تساعد في تعزيز القتال، فإن قواتهم لا تزال في وضع غير مؤاتٍ بسبب القيود التي يفرضها الغرب.

لكن كييف تعرضت لانتقادات عدة جراء عمليتها العسكرية في كورسك التي قالت إنها ستعزز يدها في أي مفاوضات مستقبلية. وعد العديد من الخبراء أن سحبها لقواتها القتالية المحترفة من مناطق القتال شرق البلاد سمح لروسيا بتحقيق تقدم متواصل هناك. لكن الرئيس التشيكي بافيل قال إنه يعتقد أن التقدم السريع الذي أفادت التقارير بأن روسيا قد حققته في الآونة الأخيرة بالقرب من مدينة بوكروفسك الأوكرانية الاستراتيجية لم يكن له صلة بنقل تلك القوات الأوكرانية. وقال إن أي نجاح روسي هناك من المرجح أن يكون نتيجة للطقس المناسب.

وأعلن المكتب الرئاسي في كييف الجمعة أن الرئيس الأوكراني أقال قائد القوات الجوية ميكولا أوليشوك بعد تحطم مقاتلة أميركية طراز إف-16 ومقتل قائدها. وقال زيلينسكي في خطابه المسائي المصور بالفيديو: «قررت إقالة قائد القوات الجوية الأوكرانية». ولم يكشف بشكل رسمي عن سبب إقالة أوليشوك، ولكن على ما يبدو أن لذلك صلة بتحطم المقاتلة إف-16. وأكدت هيئة الأركان العامة الأوكرانية الخميس أن واحدة من الطائرات القليلة من طراز إف-16 التي تسلمتها مؤخراً فقدت أثناء غارة جوية روسية مكثفة.

زيلينسكي في مؤتمر صحافي... وتظهر خلفه المقاتلة «إف - 16» (أ.ب)

وانتقد أوليشوك على قناته على تطبيق «تلغرام» الجمعة نائبة في البرلمان ألقت بظلال من الشك على الرواية الرسمية لتحطم المقاتلة.

وقال إنها تشجع الدعاية الروسية وهدد بمقاضاتها أمام المحكمة، مضيفاً أنه سيتم التحقيق في فقدان الطائرة، بالتعاون أيضاً مع الولايات المتحدة، الدولة التي صنعتها.

ضربات متبادلة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية السبت عن تدمير مستودع للذخيرة وقتل 35 عسكرياً أوكرانياً في عمليتين منفصلتين في مقاطعة سومي شمال شرقي أوكرانيا. ونشرت الوزارة مقطع فيديو يوثق عملية تدمير مستودع تابع للقوات المسلحة الأوكرانية في المقاطعة، بحسب «وكالة سبوتنيك» الروسية للأنباء.

 

قالت وزارة الدفاع الروسية السبت إن قواتها سيطرت على بلدة كيروفه في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا. وتحقق روسيا مكاسب تدريجية في دونيتسك في وقت تسعى فيه القوات الأوكرانية إلى التقدم في منطقة كورسك الروسية بعد اجتياح مباغت عبر الحدود في السادس من أغسطس (آب) الجاري.

قال فياتشيسلاف جلادكوف حاكم منطقة بيلغورود بجنوب غربي روسيا إن خمسة أشخاص قتلوا وأصيب 46 آخرون في هجوم أوكراني على مدينة بيلغورود بالمنطقة في وقت متأخر من مساء الجمعة، وهو الأحدث في سلسلة هجمات أوكرانية على المدينة خلال شهور. وقال سلاح الجو الأوكراني السبت إن الدفاعات الجوية أسقطت 24 من أصل 52 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا في هجمات خلال الليلة الماضية على ثماني مناطق بأنحاء أوكرانيا.