​أوكرانيا في مفترق طرق... إما إنهاء الحرب أو التعرض للهزيمة

كولونيل متقاعد في الجيش الأميركي: من أكبر المزايا التي تمتلكها روسيا هي تقبل التضحيات والمعاناة

بوتين يطالب بتشكيل نظام عالمي متعدّد الأقطاب (أ.ف.ب)
بوتين يطالب بتشكيل نظام عالمي متعدّد الأقطاب (أ.ف.ب)
TT

​أوكرانيا في مفترق طرق... إما إنهاء الحرب أو التعرض للهزيمة

بوتين يطالب بتشكيل نظام عالمي متعدّد الأقطاب (أ.ف.ب)
بوتين يطالب بتشكيل نظام عالمي متعدّد الأقطاب (أ.ف.ب)

قال المحلل السياسي والعسكري الأميركي دانيال ديفيس إنه كتب في مايو (أيار) 2022 بعد مضي ثلاثة أشهر فقط على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، سلسلة من ثلاثة أجزاء حدد فيها الاستراتيجية العسكرية التي يمكن أن تمنح أوكرانيا أفضل فرصة للسعي إلى نوع ما من النجاح التكتيكي على روسيا. وحذّر من أن هذه الاستراتيجية لم تكن تضمن تحقيق النجاح، إلا أنها كانت تشكل مساراً قابلاً للتنفيذ.

ومع الوقت، اتضح أن أوكرانيا لم تفعل على الإطلاق أي شيء مما جاء في توصيته. ومن المفارقات أن روسيا نجحت في استغلال كثير من العناصر الأساسية في المسار الذي حدده. وقال ديفيس، وهو أيضا ليفتنانت كولونيل متقاعد في الجيش الأميركي وخبير عسكري في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه مع الاقتراب من مرور عامين ونصف العام على بدء الحرب، ومع الضغط على أوكرانيا على كل الجبهات، سيكرر جهده ويضع مساراً واقعياً ولكنه صعب، تستطيع من خلاله أوكرانيا سرقة بعض النجاح من روسيا.

بوتين مع حليفه الصيني شي (أ.ف.ب)

وتابع ديفيس: «سأحذر من البداية أنه لا يوجد مسار، حتى بوجود موارد جيدة، تستطيع من خلاله أوكرانيا أن تلحق بروسيا هزيمة عسكرية واضحة في المستقبل المنظور، نظراً لأن روسيا دولة كبيرة للغاية وغنية بالموارد، وبها عدد سكان كبير للغاية، ومن ثم لا يمكن لأوكرانيا هزيمتها. ومع ذلك، فإنه في بعض الأحيان، يمكن تحويل الهزائم التكتيكية التي يتعرض لها خصم أضعف إلى نجاح استراتيجي إذا تم التعامل معها ببراعة، وتشكل الخطة التالية مثل هذه الفرصة».

يقول ديفيس إن روسيا دولة عملاقة تمتلك كثيراً من نقاط القوة: كميات ضخمة من الموارد الطبيعية، والكثير من الحلفاء الأقوياء الذين يستطيعون تزويدها بمواد الحرب، وتمتلك قاعدة صناعة عسكرية واسعة وتتوسع أكثر، وأيضاً أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الرجال في سن التجنيد مقارنة بأوكرانيا.

وربما يكون من أكبر المزايا التي تمتلكها روسيا هي تقبل التضحيات والمعاناة. فمن الناحية التاريخية، تكبدت روسيا معدلات رهيبة من الخسائر البشرية خلال كثير من الحروب، وظلت تحظى بالدعم الشعبي أو القبول. إلا أن هذا لا يعني أن روسيا ليس لديها نقاط ضعف. وأوضح ديفيس أنه في المصطلحات العسكرية، يمثل مصطلح «مركز الثقل» الصفة المميزة، والقدرة، والموقع، التي يستمد منها العدو أو القوات الصديقة حرية التحرك أو القوة المادية أو الرغبة في القتال. ويعتمد مركز ثقل روسيا على ركيزتين: قدرتها على شن حرب (القوة البشرية والأسلحة والذخيرة والقدرة الصناعية) لفترة طويلة من الوقت، وأيضاً الدعم السياسي من جانب شعبها.

ويرى ديفيس أنه من دون هاتين الركيزتين، لا يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن حرب أو الانتصار فيها. ولانتزاع أي نجاح استراتيجي من روسيا، سيتعين على أوكرانيا زعزعة اتزان مركز ثقل روسيا بما يكفي لإجبار بوتين على قبول نتيجة أقل من النتيجة التي يرغب فيها. وسيكون هذا في غاية الصعوبة.

ويتمثل الهدف الاستراتيجي الرئيسي لروسيا في تقليص التهديد التقليدي على حدودها الغربية إلى مستوى يمكن إدارته. ويبدو أنهم مقتنعون أن وجود حلف شمال الأطلسي (الناتو) على حدود روسيا في أوكرانيا يشكل «تهديداً وجودياً»، وهم على استعداد لدفع أي ثمن مادي أو سياسي لتقليص هذا التهديد.

وأشار ديفيس إلى أن بوتين يعتقد بوضوح في الوقت الحالي أن روسيا هي التي تسيطر على الأوضاع، وبإمكانها تحقيق أهدافها السياسية بالموارد العسكرية والمالية التي تمتلكها. ويتعين على أوكرانيا تغيير هذه الحسابات.

دخان يتصاعد من محطة قطارات في كييف بعد استهدافها بصواريخ روسية (أ.ب)

وللتأكد مما إذا كانت هذه إمكانية قائمة، من الضروري أن يتم الأخذ في الاعتبار قدرة أوكرانيا وداعميها الغربيين على شن مثل هذه المعركة والانتصار فيها. وعلى الجانب الآخر، يعد مركز ثقل أوكرانيا هو الشيء نفسه.

ويجب أن يحتفظ الرئيس الأوكراني زيلينسكي بشكل متزامن بالقدرة على شن حرب وبالدعم السياسي الداخلي والدعم الدولي الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري. ومن دون أي من هذه المكونات (وخاصة المكون الثالث) لا يمكن أن تنتصر أوكرانيا.

وعدّ ديفيس، كما نقلت عنه «وكالة الأنباء الألمانية» في تحقيقها، أنه من المهم للغاية تحديد ما هو «النجاح» الذي يمكن تحقيقه في هذه المرحلة. وكما تمت الإشارة في البداية، فإن أي نصر عسكري واضح لكييف يقترب في الوقت الحالي من الصفر. فروسيا تمتلك قوة كبيرة للغاية (وورقة الأسلحة النووية) التي لا يمكن التغلب عليها في ظل الظروف الحالية. وتعد الطريق الضيقة الوحيدة أمام أوكرانيا هو رفع التكلفة بشكل كبير بالنسبة لروسيا لكي يفكر بوتين أن من مصلحته القبول بما هو أقل من أهدافه القصوى.

وكان بوتين قد حدد أدنى متطلباته في 14 يونيو (حزيران)، عندما قال إنه من أجل إنهاء الحرب، يجب أن تتنازل أوكرانيا عن الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2022، وسحب كل القوات الأوكرانية من تلك الأقاليم، وتبني «وضع محايد وغير منحاز وغير نووي». ومن جانبه، عدّ زيلينسكي أن هذه القائمة من المطالب «إنذار نهائي» للاستسلام.

كيف إذن تستطيع أوكرانيا تجنب هذه النتيجة غير المرغوب فيها؟ وما الذي يمكن أن يفعله زيلينسكي في ظل عدم توازن القوى؟

أشار ديفيس إلى أنه من دون تغييرات في الأهداف الغربية والأوكرانية من الحرب، هناك إمكانية كبيرة بشكل مزعج أن يتحقق «الإنذار النهائي» الذي وجهه بوتين. والأمل الأكثر واقعية بالنسبة لأوكرانيا هو السعي إلى التمسك بكل الأراضي التي تمتلكها حالياً، وألا تتنازل أو تفقد مزيداً من الأراضي، وأن تتفاوض لإنهاء الأعمال العدائية. ولكن يجب الاعتراف أنه ربما يكون الوقت قد تأخر للغاية حتى لتوقع حدوث هذه النتيجة المحدودة. وقبل بحث العنصر العسكري لهذا الهدف، يجب تحديد الهدف السياسي المحدد، حيث سيتعين على أوكرانيا في البداية إبلاغ روسيا أنها تعتزم إيجاد نهاية للحرب عن طريق التفاوض. ويجب أن يوضح المفاوضون الأوكرانيون أن المطالب القصوى لبوتين التي حددها في الـ14 يونيو غير مقبولة، وأن يصدروا بدلاً من ذلك إعلاناً لتجميد الصراع عند الخطوط الحالية، مع الموافقة على تسوية مسألة السيادة على الأقاليم الأربعة بعد مرور خمسة أعوام على إنهاء الأعمال العدائية، باستخدام الوساطة الدولية.

قلَّل الناطق الرئاسي الروسي من أهمية تقارير تحدثت عن بدء الغرب تزويد أوكرانيا بمقاتلات من طراز «إف 16» (أ.ب)

وأوضح ديفيس أنه حتى لتحقيق هذا الهدف المحدود، سيتعين على أوكرانيا أن تنجح في تعبئة 300 ألف جندي إضافي في الأشهر القليلة المقبلة وتحصل على الأقل على نصف مليون قذيفة مدفعية وسبعة أنظمة إضافية للدفاع الجوي من طراز باتريوت، وعدة مئات من العربات المدرعة من طرازات مختلفة وعشرات الآلاف من المسيرات. وسيتم استخدام هذه القوة القتالية الجديدة لتعزيز كل الخطوط الدفاعية على طول الجبهة، لكي تصبح تكلفة الاستيلاء على الأقاليم المتبقية أعلى مما يمكن أن يكسبه من المفاوضات، مما يضطره إلى قبول الخطوط الحالية الفاصلة بين الجانبين.

وأشار ديفيس إلى أن «الناتو» يرغب في تحقيق النصر لأوكرانيا والهزيمة لروسيا، إلا أن تحليلاً عقلانياً يظهر أن هذه النتيجة لا يمكن تحقيقها سواء الآن أو في المستقبل. وإذا رفض الغرب قبول الواقع، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً لأوكرانيا هي هزيمة عسكرية قد تشمل في نهاية الأمر خسارة أوديسا وخاركيف وأراضي أخرى أكبر من تلك التي حددها بوتين في إنذاره النهائي في يونيو الماضي. واختتم ديفيس تحليله بالقول إنه خيار فظيع ولكن في هذه المرحلة، من الأفضل بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا السعي إلى التسوية غير المقبولة، ولكن التي يمكن الحصول عليها عبر التفاوض بدلاً من تجاهل الواقع، والتعرض في نهاية المطاف إلى خزي هزيمة عسكرية حاسمة.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يفرض الحزمة الـ18... «واحدة من أقوى العقوبات» ضد روسيا

أوروبا الوزيرة الدنماركية للشؤون الأوروبية ورئيسة مجلس الاتحاد الأوروبي للدورة الحالية تقرع الجرس لبدء جلسة الاتحاد في بروكسل (إ.ب.أ) play-circle

الاتحاد الأوروبي يفرض الحزمة الـ18... «واحدة من أقوى العقوبات» ضد روسيا

الاتحاد الأوروبي يفرض الحزمة 18 «واحدة من أقوى العقوبات» ضد روسيا، وزيلينسكي يشكر ويرحِّب، والكرملين يعدُّ أنه «اكتسب مناعة» ضدها.

«الشرق الأوسط» (بروكسل - كييف - موسكو)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في شارع داونينغ بلندن (رويترز)

«الخارجية البريطانية»: فرض عقوبات على «جواسيس» للاستخبارات الروسية

أعلنت وزارة الخارجية البريطانية فرض عقوبات على 18 «جاسوساً» وثلاث وحدات تابعة للاستخبارات العسكرية الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

بريطانيا تُعلن فرض عقوبات على وحدات وعناصر في الاستخبارات الروسية

فرضت المملكة المتحدة (بريطانيا)، الجمعة، عقوبات على وحدات وجنود بالاستخبارات العسكرية الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

دول الاتحاد الأوروبي تفرض «واحدة من أقوى حزم العقوبات» ضد روسيا

أعلن الاتحاد الأوروبي، اليوم (الجمعة)، الاتفاق على ما وصفها بأنها «واحدة من أقوى حزم العقوبات» ضد روسيا، التي قال إنها تستهدف قطاعات البنوك والطاقة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس ترمب والأمين العام لـ«الناتو» روته في البيت الأبيض الاثنين (إ.ب.أ) play-circle

«استعدادات» الناتو «جارية» على قدم وساق لنقل أنظمة باتريوت إلى أوكرانيا

«استعدادات» الناتو «جارية» على قدم وساق لنقل أنظمة باتريوت إلى أوكرانيا وقواتها تضرب موسكو بالمسيَّرات وميدفيديف يقترح توجيه ضربات وقائية ضد الغرب.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (برلين)

بريطانيا تغلق تحقيقاً بشأن تصريحات معادية لإسرائيل خلال مهرجان غلاستونبري

ليام أوهانا المعروف باسم مو شارا عضو فرقة «نيكاب» الآيرلندية الشمالية خلال مهرجان غلاستونبري في 28 يونيو 2025 (رويترز)
ليام أوهانا المعروف باسم مو شارا عضو فرقة «نيكاب» الآيرلندية الشمالية خلال مهرجان غلاستونبري في 28 يونيو 2025 (رويترز)
TT

بريطانيا تغلق تحقيقاً بشأن تصريحات معادية لإسرائيل خلال مهرجان غلاستونبري

ليام أوهانا المعروف باسم مو شارا عضو فرقة «نيكاب» الآيرلندية الشمالية خلال مهرجان غلاستونبري في 28 يونيو 2025 (رويترز)
ليام أوهانا المعروف باسم مو شارا عضو فرقة «نيكاب» الآيرلندية الشمالية خلال مهرجان غلاستونبري في 28 يونيو 2025 (رويترز)

أعلنت الشرطة البريطانية، الجمعة، أنها أغلقت تحقيقاً بشأن تصريحات معادية لإسرائيل أطلقها الأعضاء الثلاثة لفرقة «نيكاب» الآيرلندية الشمالية خلال مهرجان غلاستونبري الإنجليزي أواخر يونيو (حزيران) الماضي.

وقالت شرطة أفون وسومرست (جنوب غربي إنجلترا)، في بيان، إنها بعد التشاور مع النيابة العامة لن تتخذ أي إجراء لعدم كفاية الأدلة لإدانة مغني الراب، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وخلال مهرجان غلاستونبري، اتهم أعضاء الفرقة إسرائيل بأنها «مجرمة حرب»، وأكدوا دعمهم للفلسطينيين، مردّدين «فلسطين حرة»، ودعوا الجمهور إلى تكرار عبارات تحتوي على إهانات لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

وأثارت تصريحاتهم جدلاً، خصوصاً بعد توجيه الاتهام لأحد أعضاء الفرقة وهو ليام أوهانا، المعروف باسم مو شارا، بارتكاب «انتهاك إرهابي» بعد رفعه علم «حزب الله» خلال حفل موسيقي في لندن عام 2024.

ومن المقرر أن يمثل مو شارا أمام القضاء في العاصمة البريطانية يوم 20 أغسطس (آب).

ورحّبت «نيكاب»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بإغلاق تحقيق الشرطة المحلية الذي وصفته بأنه «جزء من محاولة ترهيب سياسي».

وكتب أعضاؤها، في منشور أرفقوه بلقطة شاشة لرسالة بريد إلكتروني من الشرطة تُعلن انتهاء التحقيق: «أقمنا حفلاً موسيقياً تاريخياً في غلاستونبري (...) وكل من شاهد عرضنا يعلم أن أي قانون لم يُنتهك».

مغني الراب بوبي فيلان بين جمهوره في غلاستونبري وتظهر الأعلام الفلسطينية في الخلفية (أ.ف.ب)

ومع ذلك، أفادت الشرطة المحلية بأن تحقيقاً يستمر في تعليقات أُدلي بها على خشبة المسرح خلال عرض لفرقة الراب البريطاني «بوب فيلان» خلال مهرجان غلاستونبري.

وكان أحد عضوي الفرقة هتف: «الموت، الموت للقوات الإسرائيلية». ودعا الجمهور إلى ترداد العبارة نفسها.

وأبدى منظمو المهرجان «استياءً» من العرض، وأعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي بثت الحفل أنها ستتوقف عن عرض الحفلات «عالية الخطورة» مباشرة أو عبر الإنترنت.