​خطط ترمب تجاه «الناتو»... أوروبا تتولى أمنها بنفسها والاتفاق مع بوتين على ثمن

سارية في مقر حلف «الناتو» بانتظار رفع العلم السويدي عليها بعد انضمام استوكهولم رسمياً (أ.ف.ب)
سارية في مقر حلف «الناتو» بانتظار رفع العلم السويدي عليها بعد انضمام استوكهولم رسمياً (أ.ف.ب)
TT

​خطط ترمب تجاه «الناتو»... أوروبا تتولى أمنها بنفسها والاتفاق مع بوتين على ثمن

سارية في مقر حلف «الناتو» بانتظار رفع العلم السويدي عليها بعد انضمام استوكهولم رسمياً (أ.ف.ب)
سارية في مقر حلف «الناتو» بانتظار رفع العلم السويدي عليها بعد انضمام استوكهولم رسمياً (أ.ف.ب)

مع تصاعد أسهم الرئيس السابق دونالد ترمب واحتمال عودته إلى البيت الأبيض ازدادت التكهنات والتحليلات التي تحاول قراءة خططه السياسية المستقبلية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وقبيل انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع المقبل في واشنطن، في الذكرى الـ75 لتأسيسه، تجدد التساؤل عما إذا كانت تهديدات ترمب بمغادرة «الناتو» جدية، أم أنها ضغوط لإجبار دوله على زيادة مساهماتهم المالية وتسلمهم زمام الدفاع عن بلدانهم، لتتفرغ الولايات المتحدة لمواجهة الصين، منافسها الرئيسي.

صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)

ومع تراجع القوة المهيمنة للولايات المتحدة، أصبح صناع السياسات في الولايات المتحدة من مختلف الأطياف الآيديولوجية والحزبية محبطين من الشراكة القائمة عبر الأطلسي ومن أكلافها. بعد الحرب العالمية الثانية، قدمت واشنطن الأمن لحلفائها الأوروبيين والمساعدة الاقتصادية الحيوية لاقتصاداتهم المدمرة في فترة ما بعد الحرب.

ترمب وسط عدد من الزعماء قُبيل التقاط الصورة التذكارية خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

في المقابل، حصلت واشنطن على دعم الحلفاء خلال الحرب الباردة مع موسكو، ومكنوا الولايات المتحدة من إبراز قوتها في القارة الأوروبية. ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وازدهار أوروبا، لم يعد من المنطقي بالنسبة للولايات المتحدة أن تتحمل أكثر من 70 في المائة من الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي، فيما لم يعد للتحالف سبب واضح لوجوده، بحسب أصوات ديمقراطية وجمهورية، وليس فقط من ترمب أو من أنصاره. لا بل إن بعض منتقدي الحلف، بات يسأل عن متى يحدث التخلي عن «الناتو»، وليس ما إذا كان ترمب سيتخلى عن الحلف. ورغم ذلك، يرى آخرون أن الأمر لن يكون بهذه البساطة، لأسباب عدة، على رأسها تغير المناخ الجيوسياسي الدولي والتحالفات التي قامت، وسط دعوات لتغيير النظام الدولي.

ستولتنبرغ لدى استقباله روته في مقرّ «الناتو» ببروكسل يونيو 2021 (أ.ب)

ورجح تقرير لصحيفة «بوليتيكو» عدم انسحاب ترمب من «الناتو» بشكل مباشر، بحسب مسؤولين سابقين في إدارته وخبراء دفاع يُرجح أن يتولوا مناصب جديدة في ولايته الثانية إذا فاز في انتخابات الخريف المقبل. وبحسب هؤلاء، فإنه حتى ولو لم يغادر ترمب الحلف رسمياً، لكن الحلف سيخضع لكثير من التغييرات. وفي مقابل استمرار مشاركة الولايات المتحدة، لن يتوقع ترمب أن تقوم الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها على الحلف بشكل كبير فحسب، بل سينفذ أيضاً «إعادة توجيه جذرية» له.

وقال خبير جمهوري: «لم يعد لدينا خيار بعد الآن»، مشيراً إلى ارتفاع الديون الأميركية، وضعف التجنيد العسكري، وقاعدة صناعية دفاعية ضعيفة لا تستطيع مواكبة التحدي الذي تمثله كل من روسيا والصين.

في مقال نشره مركز «تجديد أميركا» الموالي لترمب في فبراير (شباط) 2023 تحدث عن أن الولايات المتحدة، ستحتفظ بمظلتها النووية فوق أوروبا خلال فترة ولاية ترمب الثانية من خلال الحفاظ على قوتها الجوية وقواعدها في ألمانيا وإنجلترا وتركيا، وكذلك قواتها البحرية. وفي الوقت نفسه، فإن الجزء الأكبر من قوات المشاة والمدرعات والخدمات اللوجيستية والمدفعية سوف ينتقل في النهاية من أيدي الأميركيين إلى الأوروبيين. وفي الأشهر التي تلت ذلك، كان هناك إجماع أكثر تفصيلاً بين مؤيدي ترمب حول الخطوط العريضة لمفهوم جديد لحلف شمال الأطلسي.

ونقلت «بوليتيكو» عن خبير عمل أخيراً مستشاراً رفيع المستوى، أن التحول الذي يتصورونه سيتضمن «تقليص الدور الأمني ​​الأميركي بشكل كبير، ليتراجع عن أن يكون المزود الرئيسي للقوة القتالية في أوروبا، إلى طرف يقدم الدعم فقط في أوقات الأزمات».

جلسة عمل حول أوكرانيا خلال قمة «الناتو» في فيلنيوس (أ.ف.ب)

ويدفع حلفاء ترمب بخطة طرحها جنرال متقاعد خدم في إدارته، لنظام من مستويين لحلف «الناتو»، بين دول حققت وأخرى لم تحقق بعد هدف إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، الأمر الذي سيحرمها من التمتع بالضمانة الأمنية والدفاعية للولايات المتحدة. ودائماً ما انتقد ترمب حلفاء «الناتو» قائلا إنهم «يخدعوننا» من خلال عدم تحقيق هدف الإنفاق البالغ 2 في المائة. وفي الآونة الأخيرة، بدا أن ترمب يشجع شن هجوم روسي ضد الدول التي تفشل في الوفاء بالتزاماتها. وقال إنه «يشجع» الروس على «فعل ما يريدون» مع الدول الأعضاء التي لم تحقق هذا الهدف.

جنود مشاركون بمناورات لحلف «الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

وبحسب «بوليتيكو»، من المرجح أيضاً أن يلعب التوصل إلى حل سريع للحرب الأوكرانية الروسية المستمر منذ عامين ونصف العام دوراً رئيسياً في خطط ترمب بشأن «الناتو». وبوصفه جزءاً من خطة لوضع حد للحرب، يدعو ترمب للتوصل إلى اتفاق يلتزم بموجبه حلف شمال الأطلسي بعدم التوسع شرقاً، وتحديداً في أوكرانيا وجورجيا، ويتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول مساحة الأراضي الأوكرانية التي يمكن لموسكو الاحتفاظ بها. وفي أبريل (نيسان)، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن خطة ترمب المبدئية تتضمن أيضاً الضغط على أوكرانيا للتنازل عن شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الحدودية لروسيا.

لكن وبعدما قال بوتين إن روسيا ستكون مستعدة للتفاوض على إنهاء الحرب إذا تخلت أوكرانيا عن أي طموح للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وسحبت قواتها من المناطق الأربع التي تحتلها بلاده، قال ترمب عندما سُئل في مناظرته مع بايدن عما إذا كانت هذه الشروط مقبولة: «لا، إنها غير مقبولة. لكن انظروا، هذه حرب لم يكن ينبغي أن تبدأ أبداً».

ومع ذلك، لا يزال ترمب متردداً بشأن سياساته تجاه أوروبا وحلف «الناتو». وقال في مقطع فيديو نُشر في مارس (آذار) الماضي: «علينا إنهاء العملية التي بدأناها في ظل إدارتي لإعادة التقييم بشكل أساسي لهدف ومهمة (الناتو)». كما أبلغ أخيراً نايجل فاراج، البريطاني اليميني المتطرف، أن الولايات المتحدة ستبقى «بنسبة 100 في المائة» في «الناتو» تحت قيادته، ما دام أن الدول الأوروبية «تلعب بنزاهة».


مقالات ذات صلة

قيادة «الناتو» الجديدة... دائماً كما تشتهي رياح واشنطن

تحليل إخباري زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

قيادة «الناتو» الجديدة... دائماً كما تشتهي رياح واشنطن

تولى رئيس وزراء هولندا السابق مارك روته، الثلاثاء، منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث تسلم المهمة من سلفه ينس ستولتنبرغ.

شوقي الريّس (بروكسل)
العالم جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» من دون توقع إحداث تغيير في عمل «الحلف».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متحدثاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي (الرئاسة التركية)

إردوغان: تركيا ستعيد تقييم علاقاتها بأميركا بعد انتخاب رئيسها الجديد

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده ستعيد تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة عقب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
أوروبا هل تهديدات بوتين «النووية» جدية؟ وكيف يمكن لـ«ناتو» الرد عليها؟

هل تهديدات بوتين «النووية» جدية؟ وكيف يمكن لـ«ناتو» الرد عليها؟

طرحت مجلة «نيوزويك» الأميركية سؤالاً على خبراء بشأن خيارات المتاحة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) للرد على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي بايدن يُحيّي الحضور في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الثلاثاء (أ.ف.ب)

بايدن لإخراج الفلسطينيين من «الجحيم»... ومنع الحرب الشاملة في المنطقة

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، بافتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى وقف ما سمّاه «الجحيم» الذي يعانيه الفلسطينيون، ومنع اتساع حرب غزة في اتجاه لبنان.

علي بردى (نيويورك)

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
TT

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

حضّت أوكرانيا الخميس أقدم محكمة تحكيم في العالم على إصدار أمر لروسيا بتفكيك الجسر الذي بنته لربط القرم بالبر الرئيسي الروسي.

ويتواجه البلدان أمام محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي التي تأسست عام 1989. وعلى مدى أسبوعين، سعى محامو البلدين للمطالبة بحق كل طرف في الوصول إلى المياه المحيطة بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.

وقالت مديرة القانون الدولي لدى وزارة الخارجية الأوكرانية أوكسانا زولوتاريوفا إنه «على المحكمة إصدار أمر لروسيا بتفكيك وإزالة ما يطلق عليه جسر كيرتش».

وأضافت أن «تفكيك الجسر هو الطريقة الوحيدة لتتمكن مراكب جميع البلدان التي استخدمت مضيق (كيرتش) في الماضي، وتلك التي يتوقع أن تستخدم المضيق مستقبلاً، من المرور مجدداً».

ويستند جزء من قضية أوكرانيا إلى أن روسيا بنت الجسر على ارتفاع منخفض إلى حد يمنع السفن الدولية من المرور في المضيق الاستراتيجي، وهو ما يعرقل التجارة.

وقالت زولوتاريوفا: «روسيا هي التي بنت هذا الجسر ويتعيّن عليها الآن إزالته للسماح بالمرور عبر مضيق كيرتش بما يتوافق مع القانون الدولي».

وشنّت كييف العديد من الهجمات ومحاولات الهجوم على جسر كيرتش منذ أطلقت موسكو عمليتها العسكرية في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وتعود القضية المرفوعة أمام محكمة التحكيم الدائمة إلى سبتمبر (أيلول) 2016 عندما رفعت كييف الدعوى أمام المحكمة لـ«إثبات حقوقها على اعتبارها الدولة الساحلية».

وتعمل المحكمة على حل النزاعات بين البلدان والجهات الخاصة بشأن العقود والاتفاقيات الخاصة ومختلف المعاهدات، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وفي مرافعات روسيا لدى بدء الجلسات في 23 سبتمبر، اعتبر ممثل روسيا غينادي كوزمين أن قضية كييف «لا أساس لها».

وقال إنه بعد ضم القرم، باتت البحار المتنازع عليها مياهاً داخلية، وبالتالي خارج نطاق قوانين الملاحة الدولية.

وأشار إلى أن روسيا بنت جسر كيرتش للتخفيف مما وصفه بـ«حصار» أوكرانيا للقرم، ونفى أنه يعرقل الملاحة.

وشدد على أن «جميع المزاعم الأوكرانية لا أساس لها وخارج نطاق اختصاصكم القضائي، وينبغي رفضها كاملة».

وستقدّم روسيا مرافعتها الختامية السبت، علماً أن صدور قرار المحكمة يستغرق عادة شهوراً، إن لم يكن سنوات.